تبدو التحوّلات الإقليميّة متسارعة، فيما يتعلق بملف جماعة الإخوان المسلمين في المنطقة، خاصّة ما يرتبط بالرعاة الإقليميين، ففي أعقاب الإجراءات التركيّة، التي قيّدت إلى حد كبير حركة التنظيم داخل أراضيها، جاء الدور على الحليف القطري؛ حيث تشهد العلاقات بين الدوحة والإخوان، عدة متغيرات من شأنها أن تنزع عن التنظيم أحد أبرز حلفائه.
جدير بالذكر، أنّ الدوحة سبق وأبعدت عدداً من قيادات الصفين؛ الأول والثاني من عناصر الإخوان خارج أراضيها، في العام 2017، كان من بينهم الداعية الإخواني، عصام تليمة، والقيادي محمود حسين، الذي يتزعم جبهة إسطنبول حالياً.
دلالة تصريحات حمد بن جاسم
جاءت تصريحات رئيس الوزراء القطري الأسبق، حمد بن جاسم آل ثاني، والتي قلّلت من شأن الجماعة، لتطرح جملة من التساؤلات حول مصير القيادات والعناصر الإخوانية في الدوحة، وسط تقارير تؤكد أنّ الأخيرة قررت إبعاد قيادات الصف الثاني في الجماعة من أراضيها، ومنحهم مهلة مؤقتة للمغادرة.
كان حمد بن جاسم، قد كشف، في حوار نشرته صحيفة "القبس" الكويتية، أنّ بلاده استضافت اجتماعاً بين مساعدين للرئيس الإخواني المعزول محمد مرسي، مع ممثلين للإدارة الأمريكية، وأضاف: "خرجت من الاجتماع وأنا مصدوم، فكان مستوى جماعة مرسي لا يرقى للنقاش الدائر حينها.. فقد كانوا مساكين؛ يصلحون لإدارة دكان وليس دولة".
سامح عيد: تصريحات حمد بن جاسم، تشي بتحولات جوهرية في الموقف القطري من الإخوان، فقد تنتهج الدوحة النهج نفسه الذي سارت فيه تركيا، بحيث تتخذ إجراءات متعددة للتضييق على عناصر الجماعة
من جهته، علّق الدكتور سامح إسماعيل، الخبير في شؤون الجماعات الإسلاميّة، على تصريحات حمد بن جاسم، لفت فيها إلى أنّها "ليست مفاجئة، ذلك أنّ حمد بن جاسم كان من وقت لآخر يعبر عن إحباطه من الجماعة، ومن طريقتها في التفكير في السياسة، لكنّه هذه المرة تحدث بصراحة". وأضاف اسماعيل، في تصريحات لشبكة العين الإخبارية: "تصريحات حمد بن جاسم تثبت أنّ هناك تحولات على المستوى الفكري والبناء السياسي في قطر، تحديداً، بعد تركيا وحلفاء أوروبا؛ تفيد بأنّ الجماعة لا تصلح لممارسة السياسة والحكم؛ بل إنّها تفتقر لأيّ مقومات تمكّنها من حكم بلد بحجم مصر"، مؤكداً أنّ "هذه التحولات قد لا تكون حادة ومتسارعة، ولكنها ثابتة، بمعنى أنّ الإخوان سيعانون في المستقبل القريب في قطر".
من جهته، أكد الباحث المصري في الحركات الإسلاميّة، سامح عيد، في تصريحه لـ"حفريات"، أنّ تصريحات حمد بن جاسم، تشي بتحولات جوهرية في الموقف القطري من الإخوان، متوقعاً أن تنتهج قطر النهج نفسه الذي سارت فيه تركيا، بحيث تتخذ إجراءات متعددة للتضييق على عناصر الجماعة، لكنّه استبعد أن تقوم الدوحة بتسليم المطلوبين أمنياً، لافتاً إلى أنّها بالفعل بدأت في التشديد على الإخوان الموجودين في أراضيها، بعدم التصريح بأيّ أقوال من شأنها الإساءة إلى مصر.
إجراءات قطرية صارمة
ودلّل سامح عيد على ما طرحه، بما نشره الإخواني الهارب إلى قطر، عمرو عبد الهادي، والذي قال إنّ السلطات القطرية طلبت منه بالفعل الكف عن الإساءة إلى الرئيس المصري عبر تغريداته، وإزالة كلّ تغريداته المسيئة السابقة، مقابل البقاء في قطر، لافتاً إلى أنّه أذعن للطلب الأول، لكنّه رفض إزالة تغريداته السابقة، ما دفع السلطات القطرية، بحسب تصريحاته، إلى اعتقاله لمدة أسبوعين، تمّ فيهما إزالة تغريداته، وأفرج عنه بعد أن أضرب عن الطعام.
وكان الخبير المصري في شؤون حركات الإسلام السياسي، ماهر فرغلي، قد أكّد في وقت سابق، أنّ قطر أبلغت، محمد عبد الوهاب، مسؤول رابطة الإخوان المصريين، بمغادرة البلاد هو وعناصر الجماعة، وأكّد كذلك أنّ الأمن القطري أصدر تعليماته للعاملين بقناتي؛ "العربي" و"الجزيرة"، وبعض الشركات الإعلامية التابعة لإدارة "الجزيرة" بالأمر، كما تحدث المسؤولون القطريون، بحسب فرغلي، مع الدكتور السعدني، مسؤول ملف إعلام تركيا، والمفوض من القائم بالأعمال إبراهيم منير، وطلبوا منه تصفية القنوات بأسرع وقت ممكن، وعلى رأسها قناة مكملين، بالتزامن مع إجراءات قانونية شرعت فيها مصر؛ لسحب الجنسية المصرية من 1800 إخواني، حصلوا على الجنسية التركية.
ماهر فرغلي: قطر أبلغت، محمد عبد الوهاب، مسؤول رابطة الإخوان المصريين، بمغادرة البلاد هو وعناصر الجماعة
فرغلي، أكّد في تصريحات خصّ بها "حفريات"، أنّ قطر أدركت أخيراً، أنّ الإخوان تسببوا لها في عدد من المشكلات، وهي في حاجة الآن للتقارب مع دول الخليج، فضلاً عن التقارب مع مصر، لكن الدوحة في رأيه لن تضحي بوجود الإخوان بالكامل، لكنها خلال الفترة المقبلة ستضغط عليهم، من ناحية الهجوم اللاذع على مصر، وفق أوامر مشددة بالصمت أو الطرد.
تداعيات ما بعد اتفاق العلا
ملفات متعددة دفعت الدوحة إلى الانخراط ضمن الانحيازات السياسيّة لدول مجلس التعاون بالإضافة إلى مصر، ما يعني أنّ الشروط التي وضعتها دول المقاطعة في حزيران (يونيو) العام 2017، كانت ضمن المطالب التي ربما جرى عليها نوع من التوافق في قمة العلا، وأبرزها قطع الدوحة لعلاقاتها مع "المنظمات المتشددة والطائفية والإيديولوجية، ولا سيما جماعة الإخوان المسلمين". على أن تقوم قطر بتصنيف تلك الكيانات رسمياً كمجموعات إرهابية، مع "وقف جميع وسائل التمويل للأفراد أو الجماعات أو المنظمات، التي تم تصنيفها بأنّها إرهابية"، وكذا "تسليم الشخصيات الإرهابية، والهاربين، والأفراد المطلوبين إلى بلدانهم الأصلية، وتجميد أصولهم، وتقديم أيّ معلومات مطلوبة حول إقامتهم وتحركاتهم وأموالهم".
ويمكن فهم مناورة جماعة الإخوان، إبان قمة العلا، والتي جاءت ربما لتفادي تداعيات إذعان قطر للمطالب المشروعة التي قدمتها دول المقاطعة العربية، حيث أعلن المتحدث السابق باسم جماعة الإخوان، طلعت فهمي، ترحيب الإخوان بإجراءات المصالحة الخليجية؛ زاعماً أنّ الجماعة ترحب "بالخطوات والإجراءات، التي تم إعلانها؛ لإتمام المصالحة بين دول مجلس التعاون الخليجي". وادعى كذلك أنّ جماعة الإخوان تدعم "ما يُنهي أيّ خلافات بينها، ويزيل أيّ رواسب بين شعوبها، ويُسهم في وحدة أبنائها، ووحدة شعوب الأمة العربية والإسلاميّة جمعاء".
ولكن يبدو أنّ الانقسام الحاد الذي شهده التنظيم، مع فشل الجماعة في إدارة كلّ الملفات التي تصدّت لها، والنفور الشعبي منها، بالتزامن مع الكشف عن الفساد المستشري في هيكل التنظيم، إضافة إلى تداعيات الحرب الأوكرانية، وحاجة قطر الماسة إلى الاستناد إلى دول الجوار، في ظل تصاعد التهديدات الخارجية، مع تصاعد الإرهاب الحوثي. كلّ ذلك، ربما دفع الدوحة إلى اتخاذ إجراءات حادة ضد الإخوان، خاصّة في ظل تقاربها الأخير مع مصر.
الباحث في شؤون الإخوان والحركات الإسلاميّة، طارق أبو السعد، قال إنّ موقف قطر من الإخوان "ثابت، حيث دعمتهم الدوحة مالياً، ووفرت لهم منصات دعائية"، لافتاً إلى أنّ في سياسات الدوحة الأخيرة، ناتجة عن "تراجع دور الجماعة، فلم يعد مطروحاً مهاجمة الأنظمة العربية والإسلاميّة، بل أصبحت الأولوية الآن هي التركيز على الأقليات المسلمة؛ خاصّة في الصين والهند".
وأكد أبو السعد في تصريحاته لـ"حفريات"، أنّ المنصات الإخوانية المدعومة من قطر، "انحرفت عن كلّ أهدافها، ومازالت تعيش في ظلال الوظيفة الإخوانية السابقة، التي لم تعد مقبولة، ولا محلّ لها في المنظومة الجديدة، وبالتالي قد نكون أمام نفس الحماية والتمويل والتدريب والدعاية، ولكن في إطار جديد، ووظيفة جديدة، من يخرج عنها؛ لن يحصل على الحماية ولا الرعاية".
طارق أبو السعد: المنصات الإخوانية المدعومة من قطر، انحرفت عن كلّ أهدافها، ومازالت تعيش في ظلال الوظيفة الإخوانية السابقة، التي لم تعد مقبولة، ولا محلّ لها في المنظومة الجديدة
واستبعد أبو السعد أن تكف جماعة الإخوان، ومن خلفها الدوحة عن مناكفة مصر، لكن بقدر وبحساب، فيصبح الأمر أقرب إلى المنابر المعارضة، وليس المناوئة أو الهادمة، لافتاً في الوقت ذاته إلى ثلاث قضايا سيتبنّاها الإخوان، وستدعمهم قطر فيها هي: شيطنة روسيا والصين، ودعم الميليشيا المسلّحة ودعوتهم للجهاد في إقليم سانج، حيث العرق الإيغوري المسلم، ومساندة أوكرانيا على استحياء؛ من باب الثأر من روسيا، والغطاء الأيديولوجي لكلّ هذا حاضر وجاهز.