الإخوان المسلمون في الأردن: انحسار متسارع

الإخوان المسلمون في الأردن: انحسار متسارع

الإخوان المسلمون في الأردن: انحسار متسارع


10/02/2024

يمكن ملاحظة مؤشرات على انحسار متسارع أقرب إلى الانهيار في جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، فبعد الانتخابات النيابية التي جرت في العام 2020، وحصلت الجماعة فيها على نتائج ضئيلة وباهتة، انسحبت من الانتخابات البلدية واللّامركزية التي جرت في 22 آذار (مارس) الماضي، وانسحبت أيضاً من انتخابات نقابة المهندسين، ولم ينجح أحد من قائمة الإخوان المسلمين في انتخابات نقابة المهندسين الزراعيين، والملفت أكثر في سلوك الإخوان المسلمين أنّهم تقبلوا الهزائم الانتخابية من غير ضجة أو احتجاج كما كانت عادتهم في الأعوام والعقود الماضية، وآثروا الانسحاب في صمت وهدوء، والحال أنّه سلوك محير يحتاج إلى تفسير.

اقرأ أيضاً: الإخوان في الأردن: تعليق المشاركة في الانتخابات البلدية ما بين الاستراتيجي والتكتيكي

تُعتبر نقابة المهندسين أهمّ حصن للإخوان المسلمين منذ (25) عاماً، وهي بالنسبة إليهم أهمّ من مجلس النواب والبلديات. وتضم النقابة في عضويتها حوالي (200) ألف مهندس،  وتمتلك أموالاً واستثمارات تزيد على ملياري دولار، وتشكّل ساحة أساسية للعمل التنظيمي، واستقطاب الشباب والداعمين، وتوظيف عدد كبير من أعضاء المجموعة. كما أنّها تمثل مورداً مالياً شخصياً مهماً لقادة الجماعة النقابيين، ووسيلة للاستثمار الشخصي والجماعي، خاصة في الأراضي التي أصبحت المورد الأكثر جاذبية في الأردن للادخار والاستثمار الآمن، وتغطية تدفق الأموال وتحويلها ثمّ إعادة تحريكها وإنتاجها بأرباح مضاعفة.

تريد الجماعة تجنّب المواجهة مع الحكومة، وإبقاء الباب مفتوحاً للتفاهم وعودة المشاركة، ويأمل الإخوان أن تتغير الأوضاع السياسية والإقليمية لصالحهم، أو أن تحتاج الحكومة إليهم مرة أخرى في أزماتها السياسية والشعبية

لماذا يسير الإخوان في اتجاه الانسحاب الهادئ، وقبول الهزائم دون اعتراض؟ قد يكون هذا لأحد الأسباب التالية، أو أكثر من سبب واحد، وربما جميعها:

1-  يواجه الإخوان المسلمون منذ 2013 سلسلة من الضربات والهزائم والانقسامات الداخلية العميقة، ولم تعد الجماعة تملك الإمكانية المنظمة والمتماسكة لدرجة تحريك الجماعة، وهذا يجعلها تفقد زمام المبادرة والقدرة على التنظيم ومواجهة المنافسين والمعارضين، ولأجل تقليل الخسائر والأزمات فإنّ الإخوان يفضلون الهدوء والانسحاب.

2-  لم يعد لدى الجماعة منذ العام 2008 قيادة فعلية موحدة ومتماسكة، وفي جماعة تعودت تاريخياً أن تتبع على نحو انسياقي قيادات كارزمية لم تعد تعرف وجهة معينة، ولا تسلك سياسات أو استراتيجيات واضحة.

اقرأ أيضاً: هزيمة جديدة لإسلاميي الأردن.. خسارة مدوية في انتخابات نقابة المهندسين الزراعيين

 3-   تخشى الجماعة فتح ملفات مالية، ويحاول قادتها التستر على الأموال  والعقارات المسجلة باسمهم أو المودعة لديهم، وهم يخشون مصادرتها أو يريدون الاستيلاء عليها لأبنائهم وعائلاتهم. وفي ذلك فإنّهم يخافون من أزمة داخلية وتنظيمية أكثر ممّا يخافون من أزمة قانونية، وبالطبع فإنّ الخلافات المالية الداخلية سوف تفتح أبواباً من الانقسامات والانسحابات الكبرى والجماعية.

 4-  تريد جماعة الإخوان المسلمين تجنّب المواجهة مع الحكومة، وإبقاء الباب مفتوحاً للتفاهم وعودة المشاركة، ويأمل الإخوان المسلمون أن تتغير الأوضاع السياسية والإقليمية لصالحهم، أو أن تحتاج الحكومة إليهم مرة أخرى في أزماتها السياسية والشعبية، ويريدون عندما تأتي هذه الظروف أن تتاح لهم الفرصة للعودة دون مزيد من الخسائر والعداوات والمواجهات.

اقرأ أيضاً: "حارس النهر": الإرهاب في الأردن بمئة عام تحت المجهر

 5-  تواجه ظاهرة الإسلام السياسي في جميع أنحاء العالم الإسلامي أزمة كبرى، وتبدو في طريقها إلى الاختفاء، فلم تعد تجذب المتدينين والأجيال الجديدة من الشباب، وتتشكل اتجاهات وقيم دينية وسياسية واجتماعية جديدة بعيدة عن الجماعات الدينية السياسية.

 6-   الجماعة في الأردن التي أصبحت تحت هيمنة حركة حماس منذ العام 2008 تحمل هواجس قيادة الحركة في الخارج، وتؤثر حماس (الخارج) على الجماعة في اتجاه الانسحاب والتهدئة الشاملة من أجل ترتيب عودة قادة حماس وترتيب إقامة آمنة وهادئة في الأردن.

اقرأ أيضاً: بالأرقام.. الإرهاب في الأردن 1921-2021: أبرز العمليات والأساليب والمؤثرات وطرق التجنيد

وفي المقابل، فإنّ الجماعة التي تتحوّل فعلياً إلى حماس الفلسطينيين في الخارج تحاول أن ترتب مع الدولة الأردنية تحالفاً سياسياً مريحاً، تبتعد بموجبه الجماعة عن العمل السياسي والنقابي والبلدي والعام، ويقتصر عملها ودورها على العمل الإعلامي والسياسي للقضية الفسطينية، ضمن سياسات التحالف والمشاركة مع الدولة الأردنية.

 ومن المعلوم أنّ قيادة حماس في الخارج تواجه أزمة كبرى بعد استقلال الحركة في غزة عنها، وابتعادها نهائياً عن قيادة الخارج التي صارت تعلن عن نفسها بأنّها تمثل الفلسطينيين في الخارج، كما أنّها تواجه تحديات القدرة على العمل والبقاء في ظل السياسات الجديدة لتركيا وقطر. وصارت الأولوية القصوى لهذه المجموعة ترتيب وتسوية أوضاعها القانونية والشخصية، وربما تكون للدخول باتفاقيات وتفاهمات مع الحكومة الأردنية بأيّ ثمن!

دخلت الجماعة في الأعوام الـ(10) الماضية في سلسلة من الأزمات والانقسامات المتتالية، وتواجه مجموعة من الاستحقاقات القانونية والسياسية، التي تجعل اختفاءها  من الخريطة السياسية والوجود الواقعي ممكناً

 دخلت الجماعة في الأعوام الـ(10) الماضية في سلسلة من الأزمات والانقسامات المتتالية، وتواجه مجموعة من الاستحقاقات القانونية والسياسية، التي تجعل اختفاءها  من الخريطة السياسية والوجود الواقعي ممكناً أو قابلاً للتحقّق بهدوء ومن دون مواجهة مع السلطة. ستتوارى إلى الظل أو تتحوّل إلى تركة يتقاسمها شركاء متشاكسون كثر. فبعد انسحاب عدد كبير من أعضاء الجماعة ليشكّلوا حزب الوسط الإسلامي، انسحبت مجموعة أخرى كبيرة لتشكّل المبادرة الوطنية للبناء، والتي اشتهرت بالتسمية الإعلامية "زمزم" نسبة إلى اسم الفندق الذي عُقد فيه الاجتماع التأسيسي للمبادرة، ثم تقدّمت مجموعة من الإخوان المسلمين، وعلى رأسهم رئيس الجماعة السابق عبد المجيد الذنيبات (1994 ـ 2006)، لتسجيل جمعية الإخوان المسلمين، واعتبرت الجماعة المسجّلة نفسها أنّها الجماعة القانونية، وأنّ الجماعة السابقة لم تعد قانونية، ثم أعلنت مبادرة زمزم، بدعم وتنسيق مع الجماعة "المسجلة"، نيّتها تشكيل حزب سياسي جديد. وفي الأزمة التي نشأت بسبب عملية التسجيل أو التصحيح القانوني للجماعة، تشكّل تيار إخواني لم يجد نفسه مع الإخوان السابقين ولا الإخوان الجدد، وأطلقت الصحافة على هذا التيار اسم الحكماء، لكنّه أعلن عن نفسه أخيراً باسم تيار الإنقاذ، وأعلن في اجتماع تأسيسي حضره حوالي (300) من أعضاء الإخوان وقياداتهم، عن التحضير لحزب سياسي جديد، وتشكّل هذا الحزب بالفعل تحت اسم "الشراكة والإنقاذ" بقيادة سالم فلاحات رئيس الجماعة بين عامي 2006 ـ 2008.

اقرأ أيضاً: هزيمة جديدة لإخوان الأردن في نقابة المهندسين

وأمّا حزب الجماعة (جبهة العمل الإسلامي)، فإنّه يكاد يكون ليس موجوداً؛ بسبب الانقسامات والانسحابات والشعور العام بالسأم وعدم الجدوى، وتتصاعد دعوات وأفكار قوية في وسط الجماعة للانسحاب من العمل السياسي والنقابي. وفي ظل التحولات السياسية المتوقعة والتي ستطال عمل الأحزاب السياسية على نحو جوهري؛ فإنّ الحزب يواجه استحقاق إعادة تشكيل نفسه وفق توجهات وبرامج وتسميات جديدة، إذ لا يتوقع أن يظلّ مجالاً للأحزاب الإيديولوجية والدينية البعيدة عن البرامج العملية والواقعية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية