قراءة في أبعاد الهدنة اليمنية

قراءة في أبعاد الهدنة اليمنية


04/04/2022

بعد تصعيد عسكري غير مسبوق بين الحوثيين والتحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات، وإعلان الحوثيين من طرف واحد عن هدنة لـ(3) أيام، وانطلاق أعمال مؤتمر مصالحة للفرقاء اليمنيين بدعوة من مجلس التعاون الخليجي وبمشاركة أطياف يمنية متعددة، وغياب الحوثيين، أعلن عن التوصل إلى هدنة أشرفت عليها الأمم المتحدة تمتدّ لشهرين، وتتضمن وقفاً للعمليات العسكرية وإطلاق النار بين قوات التحالف والحوثيين.

اقرأ أيضاً: بيانات رسمية: ميليشيات الحوثي تخرق الهدنة الإنسانية

 ورغم الأجواء الاحتفالية بالهدنة والتعويل عليها من قبل أطراف عديدة، وعلى رأسها الأمم المتحدة، بالإضافة إلى أمريكا وإيران والحوثيين، بوصفها يمكن أن تكون مقدّمة لوضع حد للصراع في اليمن بعد (7) أعوام من الحرب، والبناء عليها لتحقيق اتفاق سلام دائم بين الفرقاء اليمنيين ومع التحالف العربي بقيادة السعودية، إلّا أنّها ستبقى "هدنة" هشة ومحفوفة بالمخاطر، ارتباطاً بشكوك عميقة بإمكانية التزام الحوثيين بمضامينها، رغم ما قدّمته لهم من خدمات عديدة وانفراجات، من بينها فتح مطار صنعاء وميناء الحديدة وإطلاق جميع الأسرى والمعتقلين، في خطوة جاءت للتخفيف من آثار المعاناة الإنسانية، وجميعها خطوات يُعتقد أنّها جاءت لتثبيت سلطة الحوثيين وتخفيف الضغوطات عليهم، وتحديداً فتح مطار صنعاء وميناء الحديدة، وهو ما يُعزز الشكوك بإمكانية استمرار "تهريب" الأسلحة ودعم الحوثيين من قبل طهران.

 

رغم الأجواء الاحتفالية بالهدنة والتعويل عليها من قبل أطراف عديدة، إلّا أنّها ستبقى "هدنة" هشة ومحفوفة بالمخاطر، ارتباطاً بشكوك عميقة بإمكانية التزام الحوثيين بمضامينها

 

 أجواء عدم الثقة بالهدنة وإمكانيات الالتزام بها مرتبطة بمرجعيات، من بينها إضافة إلى نتائج تجارب سابقة مع الحوثيين وخرقهم لاتفاقات سابقة بعد اجتماعات في عواصم عربية وأوروبية، فإنّ الحوثيين لا يقبلون بأيّ هدنة إلّا إذا أوعزت طهران لهم بذلك، إضافة إلى كون أيّ هدنة ارتبطت موافقة الحوثيين عليها بعدم قدرتهم على مواجهة ضغوطات عسكرية واقتصادية، وتأتي عادة بعد خسائر ميدانية للحوثيين، وهو ما تمّ بالضربات المتتالية التي تعرّضوا لها منذ فتح جبهات معارك "مأرب"، وما نتج عنها من خسائر ليس في مأرب وحدها بل في جبهات أخرى من بينها صنعاء والحديدة، وهو ما فسّر ردودهم باستهداف السعودية والإمارات بالصواريخ والطائرات المسيّرة، ومع كلّ ذلك فإنّ الهدنة الجديدة غير معزولة عن سياقات يمكن معها تفسير الإعلان عنها، بما في ذلك تزامن توقيت الإعلان عنها مع مؤتمر الرياض، وهي:

 أوّلاً: المفاوضات الإيرانية- الأمريكية في فيينا، وعبر عواصم أخرى عربية وأوروبية، لإنجاز اتفاق نووي جديد، تشير تسريبات إلى أنّه قطع أشواطاً متقدمة، رغم الخلافات حول شمول رفع العقوبات الأمريكية الحرس الثوري وفيلق القدس والمؤسسات والميليشيات التابعة لهما، وفي ظلّ سيطرة الحرس الثوري على صنعاء ودعمه مع حزب الله اللبناني للحوثيين، فإنّ الهدنة الجديدة غير معزولة عن المفاوضات الإيرانيةـ الأمريكية، وهي عملياً هدنة مع الحرس الثوري الإيراني، الذي أراد إرسال رسالة إلى أمريكا والخليجيين، بإمكانية أن يُقدم هذا الحرس على خطوات بنّاءة في التهدئة، لا سيّما أنّ الإدارة الأمريكية الحالية رفعت الحوثيين من قائمة الإرهاب، وهو ما قوبل بشكوك سعودية وإماراتية حول حقيقة الموقف الأمريكي، بتأخر إدانة ضرب الإمارات والسعودية بالصواريخ والمسيّرات، وما يتردد عن تسهيلات أمريكية ومن قبل الأمم المتحدة للحوثيين، جاءت بعد اتفاقات مع إيران، وفي ظلّ علاقات متوترة مع السعودية والإمارات، وبذلك لا يُستبعد أن تكون الهدنة رسالة "تهدئة" أمريكية أيضاً للدولتين الخليجيتين.

اقرأ أيضاً: "نيويورك تايمز": هدنة اليمن استراحة قصيرة... ومعوقات السلام كثيرة وأولها إيران

 ثانياً: تداعيات الحرب الروسية ـ الأوكرانية، و"فشل" الضغوط الأمريكية على السعودية والإمارات لاتخاذ مواقف ضد روسيا، بما في ذلك زيادة إنتاج النفط والتمهيد لفرض عقوبات على النفط الروسي، ولا يُستبعد أنّ الإدارة الأمريكية تتطلع لإعادة بناء جسور الثقة مع الرياض وأبو ظبي عبر العديد من القرارات، من بينها الإفراج عن صفقات أسلحة لكلتيهما، وتقديم ضمانات حول اتفاقها مع طهران، وأنّه لن يكون مهدداً لتحالفها وعلاقاتها معهما، وأنّ "الهدنة" التي تم التوصل إليها تأتي في هذه السياقات، لا سيّما بعد تصاعد عمليات إطلاق الصواريخ والمسيّرات الحوثية ضدّ الإمارات والسعودية.

 

أجواء عدم الثقة بالهدنة مرتبطة بمرجعيات من بينها نتائج تجارب سابقة مع الحوثيين وخرقهم لاتفاقات سابقة، فضلاً عن أنّ الحوثيين لا يقبلون بأيّ هدنة إلّا إذا أوعزت طهران لهم بذلك

 

 ثالثاً: تزامن الإعلان عن الهدنة مع انعقاد مؤتمر الرياض بين الفرقاء اليمنيين، وبمقاطعة من الحوثيين، الذين أعلنوا رفضهم المشاركة فيه، وقبول المشاركة بأيّ مؤتمر مصالحة لا ينعقد في دولة "تعتدي" على اليمن، ربما جاء لقطع الطريق على مقررات الرياض، بوصفه جهداً سعودياً إماراتياً، وهناك شكوك في تنفيذ مقرراته مع غياب أحد طرفي الصراع في اليمن، وهم الحوثيون.

اقرأ أيضاً: الهدنة مع الحوثيين في اليمن: تكتيك أم رغبة في إنهاء الحرب؟

مرجعيات إنجاز الهدنة تتجاوز السياقات الدولية والإقليمية المرتبطة بالاتفاق النووي الجديد وتداعيات الحرب الأوكرانية؛ لأنّ طبيعة المشاركين في مؤتمر الرياض، بما أظهرته من حضور مكثف لقادة فيلق العمالقة والحراك الجنوبي، مقابل خفوت حضور "الشرعية" ومؤسساتها ورموزها، يرسل رسالة بتغيرات قادمة في الداخل اليمني، واحتمالات البدء بمفاوضات بين الحوثيين وخصومهم الفاعلين على الأرض، تعكس توافقات إقليمية ودولية جديدة في ظلّ السياقات التي تم ذكرها، ويبدو أنّ التوافقات الجديدة هي ما يُعوّل عليها في إمكانية الوصول إلى تسوية جديدة للقضية اليمنية، وفقاً لمقاربة "انتصار الجميع على الجميع" في هذه الحرب.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية