
يمر اليوم 14 عاما على اندلاع شرارة الثورة التونسية في 17 كانون الأول / ديسمبر 2010 حين أقدم بائع متجوّل شاب على إحراق نفسه بمدينة سيدي بوزيد، لتنطلق بعدها سلسلة من الاحتجاجات حاول نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي قمعها لكنه لم يفلح لتنتهي بالإطاحة بالنظام في 14 من كانون الثاني / جانفي سنة 2011.
ولم تدم فرحة التونسيين بإزاحة الرئيس الأسبق زين العابدين، طويلا، فوصلت جماعة الإخوان للحكم وقبضت على زمام الأمور في البلد الأفريقي، وعبثت بمقدراته، وأجهت الآمال الشعبية في التغيير، قبل إصدار الرئيس قيس سعيد قرارات في 25 تموز / يوليو، انتهى بموجبها حكم الإخوان، واستكملت انتخابات 2024، وجودهم السياسي بالبلاد.
وقبل 3 سنوات، أكد سعيد خلال خطاب ألقاه في محافظة سيدي بوزيد بمناسبة ذكرى اندلاع الثورة أن "هذه الثورة سرقت من طرف منظومة الفساد في 14 يناير 2011" مشددا على أنها "ستتواصل حتى تحقيق تمثيلية الحقيقية لإرادة الشعب".
محاولات إخوانية يائسة على وتر ذكرى الثورة
وفي تصريحات تحريضية جديدة إلى التظاهر والاحتجاج للإطاحة بنظام الرئيس التونسي قيس سعيد، قال الرئيس التونسي الأسبق وأحد أبرز حلفاء الإخوان المنصف المرزوقي إن "الانفجار الثوري آت" وذلك تزامنا مع ذكرى الثورة التونسية التي انطلقت شرارتها الأولى في 17 كانون الأول / ديسمبر 2010، بعد أن أضرم الشاب محمد البوعزيزي النار في جسده.
وفي حديث إعلامي، قال المرزوقي إن" تونس لا تزال بحاجة إلى استكمال الثورة من خلال تصحيح المسار وتحقيق المطالب الاقتصادية والاجتماعية التي انطلقت من أجلها الثورة"، مؤكدا أن بلاده "في حاجة إلى قيادات ميدانية للإطاحة بنظام الرئيس قيس سعيد، وبعده تحتاج لجبهة ديمقراطية واسعة مهمتها إعادة دستور الثورة (دستور الإخوان لسنة 2014) واستئناف دولة المؤسسات".
وكان الرئيس سعيد أعلن، في كانون الأول / ديسمبر 2021، أن موعد انطلاق الثورة التونسية في 17 كانون الأول / ديسمبر 2010، هو عيد الثورة الحقيقي، وليس 14 كانون الثاني / يناير الذي شهد هروب الرئيس الراحل زين العابدين بن علي ومغادرته أرض الوطن، وسقوط نظامه بالكامل.
في السياق، قال الناشط والمحلل السياسي التونسي عبد الكريم المحمودي إن "المنصف المرزوقي هو حليف الإخوان ويأتمر لأوامرهم وحزبه يعد من المكونات البارزة لجبهة الخلاص الإخوانية التي تتحدث باسم الإخوان".
وأكد المحمودي لموقع "العين الإخبارية" أن جماعة الإخوان تعمل حاليا في السر على تأجيج الأوضاع وتنتظر اقتراب شهر كانون الثاني / يناير المعروف برمزيته التاريخية بأنه شهر احتجاجات وذلك لاغتنام الفرصة، لزعزعة الاستقرار.
شهدت البلاد خلالها أكثر من (50) عملية إرهابية دامية طيلة الأعوام الماضية، وتم تفكيك قرابة (320) خلية إرهابية تنشط ميدانياً في الجبال
وأضاف أن المرزوقي عندما كان في رئيسا وهو المنصب الذي وصل له بالتوافق وليس بالأغلبية الشعبية، سمح لقيادات بتنظيم أنصار الشريعة المحظور المتورط في قتل الجنود والأمنيين والسياسيين بدخول قصر قرطاج لتقديم محاضرات".
وأشار إلى أن المرزوقي عرض في نهاية 2012، العفو عن الإرهابيين المتحصنين في جبل الشعانبي، والذين أسماهم في ذلك الوقت بـ"الجهاديين الذين لم تتلطخ أيديهم بدماء التونسيين وتركوا السلاح وعادوا إلى الشعب".
خروج من الجحر
بعد 3 أشهر من الغياب، عادت "جبهة الخلاص"، مخلب إخوان تونس ولسانهم حين تخرس بقية أبواقهم، حيث نظمت، أمس الثلاثاء، مسيرة للمطالبة بالإفراج عن رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي وقيادات إخوانية حليفة لهم، وذلك مع اقتراب ذكرى الثورة.
وتعود آخر وقفة احتجاجية نظمتها الجبهة إلى الثالث من آب / أغسطس الماضي، لكنها فشلت في استقطاب المحتجين، ما دفعها لاحقا إلى التوقف عن التظاهر.
وربط رئيس الجبهة الإخوانية أحمد نجيب الشابي غيابهم بنتائج الانتخابات الرئاسية التي فاز بها الرئيس قيس سعيّد، قائلا "كان هناك نوع من الركود في الحياة السياسية، وهو ما يفسر غيابهم طيلة الفترة الماضية".
يرى مراقبون أن عودة الإخوان للظهور العلني بعد أشهر من العمل السري تتزامن مع اقتراب ذكرى الثورة في محاولة استعطاف التونسيين، كما يتزامن ذلك مع شهر كانون الثاني / يناير المعروف برمزيته التاريخية بأنه شهر احتجاجات وذلك لاغتنام الفرصة علهم يجدون سبيلا للعودة للمشهد السياسي.
انتخابات 2024 أنهت ما تبقى من أمل لدى الإخوان
وخلال العام 2024 ، دخل الإخوان المراحل الأخيرة لإعلان نهايتهم، فقد حدد الاستحقاق الرئاسي، الذي جرى في تشرين الأول / أكتوبر الماضي وحقق خلال الرئيس قيس سعيد فوزا ساحقا، مصير الحركة التي يقبع معظم قياداتها في السجن بسبب تهم مختلفة، واعتبر مراقبون أن تلك الانتخابات الرئاسية كانت بمنزلة الفرصة الأخيرة للنهضة ولتنظيم الإخوان، الذي خسر كل قلاعه، بالتالي سيكون لها بكل تأكيد تأثير كبير عليها وعلى مصيرها، وهناك حتى حديث بأن الحركة قامت الماضية بتعبئة الناخبين في مراكز الاقتراع بالخارج، لكن دون جدوى.
وقال المحلل السياسي التونسي، بوبكر الصغير في تصريح لـموقع "إرم نيوز" أن: "الانتخابات الرئاسية هي لحظة فارقة في تاريخ تونس، وتمثل حسمًا للمعركة بين المنظومة التي حكمت تونس طيلة عشرية الخراب، ومنظومة 25 تموز / يوليو 2021، التي رغم الانتقادات حول إنجازاتها، لا تزال تحظى بشعبية مهمة في الشارع التونسي".
ورغم أن الجماعة سعت بكل أساليبها المشبوهة للتشويش على المسار الانتخابي في البلاد، لم يعد أمامها حلول للعودة إلى المشهد السياسي التونسي خاصة بعد تضييق الخناق عليها من الناحية القضائية؛
وقد عاشت تونس على امتداد "العشرية السوداء"، التي حكم خلالها الإخوان، انفجاراً اجتماعياً، ترجمته أزمة الأسعار وانهيار القدرة الشرائية للمواطنين في بلد يساوي الأجر الأدنى المضمون فيه نحو (450) ديناراً؛ أي ما يعادل قرابة (150) يورو، بينما تقدر كلفة المعيشة شهرياً لزوجين بنحو (2200) دينار، وفق دراسة أعدها مكتب منظمة (فريدريش إيبيرت) في تونس.
والصعوبات تبدو مضاعفة لفئات واسعة من العمال في تونس الذين يعملون من دون عقود أو تغطيات اجتماعية. ويسمّى هؤلاء بعملة "الحضائر" الذين يضطرون للانتظار لأعوام من أجل إدماجهم وتسوية أوضاعهم المهنية.
كما شهدت البلاد خلالها أكثر من (50) عملية إرهابية دامية طيلة الأعوام الماضية، وتم تفكيك قرابة (320) خلية إرهابية تنشط ميدانياً في الجبال وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، وتتمركز التنظيمات الإرهابية في تونس طيلة (10) أعوام بالجبال الغربية (الشعانبي والسلوم وسمامة)، وتتبع تنظيمي (القاعدة وداعش).