"جبهة الخلاص" في تونس.. سفينة نوح التي تحمل كل عوامل الغرق

"جبهة الخلاص" في تونس.. سفينة نوح التي تحمل كل عوامل الغرق


05/05/2022

في العام 2013، أعلن أحمد نجيب الشابي، رئيس الهيئة السياسية العليا للحزب الجمهوري، آنذاك، في حوار مع إذاعة "آر تي إل" الفرنسية، عن استهدافه من قبل جماعات متطرفة، وميليشبات محسوبة على حركة النهضة، وذلك في أعقاب فترة حاول فيها التقرب من راشد الغنوشي وحركته.

رويداً رويداً، أصبح الشابي من الشخصيات التي دأبت على انتقاد حركة النهضة، وتوجيه اللوم لها على مدار السنوات التالية، وحملت تصريحاته اتقادات لاذعة للحركة، ففي أواخر شباط (فبراير) من العام 2021، حمّل الشابي حركة النهضة مسؤولية تردي الأوضاع في البلاد، واتهمها باستعراض قوة عضلاتها، من خلال دعوة أنصارها إلى النزول للتظاهر، ولفت الشابي حينها إلى أنّ "حركة النهضة سبق لها أن تصرفت بهذا المنهج، واستعملت الشارع للصراع مع الدولة، الشيء الذي له عواقب وخيمة وكارثية على الحياة السياسيّة، وعلى أمن الدولة واستقرارها"، بحسب تعبيره.

رئيس الهيئة السياسيّة لحزب الأمل، فاجأ الجميع بالدخول في تحالف مريب مع حركة النهضة، عبر تشكيل ما يعرف بـ"جبهة الخلاص"، والتي تألفت من 10 مكونات سياسيّة (5 أحزاب، و5 تنظيمات سياسيّة)، بداعي إنقاذ البلاد من أزمتها الاقتصادية والسياسيّة، وتشكيل حكومة إنقاذ وطني.

تناقضات حادة

بنظرة على الأحزاب السياسيّة التي انخرطت ضمن مبادرة الشابي، وهي حركة النهضة، وقلب تونس، وائتلاف الكرامة، وحراك تونس الإرادة، وحزب أمل، ندرك أنّ البنية السياسيّة لهذا التيار غير متسقة، وأنّ حركة النهضة أتت إلى مبادرة عدو الأمس بالحزام السياسي الموالي لها، والذي ساند توجهاتها في البرلمان المنحل، على أساس إبرام مساومة سياسيّة واضحة، تهدف إلى اقتسام السلطة والعودة إلى المشهد السياسي مرة أخرى.

 

حركة النهضة أتت إلى مبادرة عدو الأمس بالحزام السياسي الموالي لها، والذي ساند توجهاتها في البرلمان المنحل، على أساس إبرام مساومة سياسيّة واضحة، تهدف إلى اقتسام السلطة والعودة إلى المشهد السياسي مرة أخرى

 

وفيما يبدو، فإنّ فرقاء الأمس التقت أخيراً مصالحهم، في مبادرة تفتقد إلى الدعم الشعبي، وكذا تفتقد إلى انخراط الكيانات السياسيّة المؤثرة فيها، فالأحزاب الكبيرة مثل: التيار الديموقراطي، والدستوري الحر، وحركة الشعب، غابت عن مبادرة الشابي، كما غاب الاتحاد التونسي للشغل، وهو المؤسسة النقابية الأكثر قوة وتأثيراً في البلاد.

لقد سقطت جبهة الخلاص المزعومة في جملة من التناقضات الحادة، أبرزتها الزيارة التي قام بها أحمد نجيب الشابي، إلى مقر حركة النهضة، واجتماعه بزعيمها راشد الغنوشي، فعلى الرغم من مسؤولية الحركة عن الوصول بالبلاد إلى هذه الحالة من الانسداد السياسي، والتردي على كافة المستويات، إلّا أنّ الشابي قرر التغاضي عن كل هذا، والمضي قدماً نحو تأسيس كيان بلا ملامح ولا أجندة سياسيّة، تؤطرها أهداف وآليات، الأمر الذي أثار حفيظة عدد كبير من المتابعين، وهو ما ردّ عليه الشابي ساخراً: "في النهاية جلست مع راشد الغنوشي، رئيس حركة إسلاميّة معترف بها في تونس، ولها أنصارها، وليس مع شارون". متناسياً هجومه السابق على توجهات الحركة، وأيديولجيتها الدينيّة، بل وذهب الشابي إلى أبعد من ذلك، حين وافق على ضم تيار الكرامة المتطرف إلى التحالف، بكل ما يعنيه ذلك من تراجع عن كلّ شعارات الماضي.

الشابي زعم أنّ "أولوية الجبهة؛ هي إنقاذ اقتصاد دمره نظام سياسي فاسد يبعد المستثمرين"، وهو ما يثير الحيرة؛ لأنّ جبهة الشابي، حملت كلّ مفردات النظام السياسي الفاسد! وعلى رأسها حركة النهضة، وقلب تونس والكرامة وغيرها، وهي كيانات متهمة بممارسة الفساد والإرهاب وتبييض الأموال.

حصان طروادة

من المثير للسخرية أنّ حركة النهضة، قررت الانضواء تحت لواء رئيس الهيئة السياسيّة لحزب الأمل، الذي فشل إبان انتخابات العام 2019، في الحصول على أيّ مقعد في مجلس نواب الشعب، كما خرجت مرشحته سلمى اللومي رقيق، من الجولة الأولى للانتخابات الرئاسيّة في العام نفسه، فكان الحزب الأشهر بين جماعة "صفر فاصل"، وربما قررت حركة النهضة التغاضي عن الوزن النسبي الضئيل لحزب الأمل، واعتباره بمثابة حصان طروادة، الذي قد يعود بالغنوشي ورفاقه إلى المشهد السياسي التونسي.

يدرك الشابي جيداً ما يريده من حركة النهضة، فقرر الرهان عليها، بعد أن أوصدت الأبواب في وجهه، فعزم السير على درب المنصف المرزوقي، وتدرك النهضة أيضاً ما يريده الشابي 

نجيب الشابي معروف بتحولاته الحادة على مدار عقود طويلة، حيث لعب فيما مضى على كافة تناقضات اليسار، متنقلاً بين التيارات اليسارية المختلفة، الشيوعي والناصري والبعثي، كما تنقل بين عديد الأحزاب التونسيّة، من التقدمي الديموقراطي إلى الجمهوري إلى الأمل، وكانت علاقته المريبة بالإسلاميين في مراحل متعددة، سبباً في تندر التونسيين عليه، حيث أطلق عليه البعض لقب "نجيب الله"، لكنّه قرر أخيراً أن يقود كل تناقضات الشارع السياسي التونسي، وأن يحمل في سفينة نوح، كل عوامل الغرق، بينما الطوفان يتأهب لالتهام كلّ شيء.

يدرك الشابي جيداً ما يريده من حركة النهضة، فقرر الرهان عليها، بعد أن أوصدت الأبواب في وجهه، فعزم السّير على درب المنصف المرزوقي، وتدرك النهضة أيضاً ما يريده الشابي، لكنّ الحركة المنشغلة بكيفيّة العودة إلى المشهد السياسي، قررت الاستجابة، علّها تفلح في تحريك وضع الحركة المتردي، منذ 25 تمّوز (يوليو) الماضي.

وعلى الرغم من تحديد الإطار العام لخريطة الطريق، إلّا أنّ جبهة الشابي أعلنت رفضها قرارات 25 تمّوز (يوليو)، وطالبت بتشكيل حكومة إنقاذ وإجراء انتخابات مبكرة، في ظل المؤسسات التي كانت قائمة قبل الإجراءات الاستثنائية، الأمر الذي يعني إشراف حركة النهضة على هذا السيناريو، ومن ثمّ توجيهه إلى حيث تريد، وهو الأمر الذي يبدو صعب المنال، حيث بدأت التحولات السياسيّة في تونس تأخذ شكلاً مؤسساتياً، بحلّ المجلس الأعلى للقضاء وحلّ البرلمان، وتدشين هيئة جديدة للانتخابات، مع اقتراب موعد الاستفتاء على الدستور، ما يعني أنّ قطار التغيير غادر إلى محطته الأخيرة، وأنّ الأمور حُسمت إلى حد كبير.

مواضيع ذات صلة:

الرئيس التونسي يعلن عن ميلاد "جمهورية جديدة"... هل ستشمل الإخوان؟

هل استدعى إخوان تونس "الشابي" لتحسين صورتهم؟ وما تفاصيل تحالفهم القديم؟

"النهضة" تستغل سلاح الدين في مواجهة الرئيس التونسي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية