في الذكرى الـ 72 للنكبة.. ما هي أبرز التحديات التي تواجه القضية الفلسطينية؟

فلسطين

في الذكرى الـ 72 للنكبة.. ما هي أبرز التحديات التي تواجه القضية الفلسطينية؟


15/05/2020

خلافاً لكل عام، يُحيي الفلسطينيون في الداخل والشتات، اليوم الجمعة، ذكرى النكبة الـ 72 عبر منصات التواصل الاجتماعي؛ حيث حالت الظروف الصحية التي يمر بها العالم مع تفشي أزمة كورونا، دون إقامة فعاليات على الأرض، وذلك وسط تحديات متزايدة تواجهها القضية الفلسطينية في الوقت الراهن.

صورة تظهر شهداء مذبحة دير ياسين التي ارتكبتها العصابات الصهيونية عام 1948

ولم تمنع الجائحة العالمية أنصار القضية الفلسطينية في كُل أنحاء العالم من التذكير بجرائم عصابات الاحتلال الإسرائيلي في الخامس عشر من أيار (مايو) عام 1948 من قتل وتهجير قسري وتدمير قرى كاملة؛ فقد دعا "المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج" إلى إحياء ذكرى النكبة من خلال "تظاهرة رقمية فلسطينية" باستخدام وسمي #نكبة72 و #Nakba72 ، وقد بدأ التفاعل مع الوسمين بالفعل منذ ليلة الجمعة؛ حيث نشر رواد مواقع التواصل الاجتماعي أرقاماً ووقائع حول النكبة وواقع الشعب الفلسطيني اليوم، ومستقبل القضية في هذه المرحلة الحرجة من تاريخها.

وشارك المتفاعلون مع الوسم بيانات نشرها الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني؛ حيث أوضحت رئيسة الجهاز د.علا عوض، أنّ أحداث النكبة أدّت إلى تشريد أكثر من 800 ألف فلسطيني من أصل 1.4 مليون كانوا يقيمون في فلسطين التاريخية؛ فقد سيطر الاحتلال على 744 قرية ومدينة فلسطينية، تمّ تدمير 531 منها بالكامل، فضلاً عن ارتكاب العصابات الصهيونية أكثر من 70 مجزرة، راح ضحيتها 15 ألف فلسطيني. (للاطلاع على التقرير كاملاً من هنا)

صورة متداولة حول حجم جرائم الاحتلال الإسرائيلي خلال أحداث النكبة

ولا زالت دولة الاحتلال الإسرائيلي مُستمرة في اتباع سياسة الإرهاب والقمع ومصادرة الأراضي، ضاربة الاتفاقيات والقرارات الصادرة عن الأمم المتحدة ومجلس الأمن وغيرها من المنظمات الدولية عرض الحائط، وذلك بدعم ومساندة الولايات المتحدة الأمريكية، التي أعلنت مؤخراً عن "خطة سلام" لا تلبي الحد الأدنى من حقوق الشعب الفلسطيني، الذي يواجه تحديات داخلية وخارجية على كافة الصُعد. فكيف نقرأ الواقع الفلسطيني اليوم؟ وما هي أبرز التحديات التي تواجهها القضية الفلسطينية؟

"صفقة القرن" وتصفية القضية الفلسطينية

عكفت إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، منذ عام 2017 على إعداد ما أسمته بـ "خطة السلام في الشرق الأوسط" أو ما عرف إعلامياً بـ "صفقة القرن"، الرامية لتصفية حق العودة وإخضاع مدينة القدس كاملة للسيادة الإسرائيلية، والاستيلاء على المزيد من الأراضي الفلسطينية لصالح الاحتلال، فيما يحصل الفلسطينيون بالمقابل على دولة بلا سلاح أو حدود، تخضع للسيطرة الأمنية الإسرائيلية، الأمر الذي رفضته السلطة الفلسطينية ومختلف فصائل منظمة التحرير.

الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني: أحداث النكبة أدّت إلى تشريد أكثر من 800 ألف فلسطيني من أصل 1.4 مليون كانوا يقيمون في فلسطين التاريخية

وقد ترتب على الرفض الفلسطيني لبنود الصفقة انقطاع العلاقات بين السلطة الفلسطينية والولايات المتحدة الأمريكية، التي أوقفت المساعدات التي كانت تقدمها للأولى، كما مارست ضغوطاً على دول أوروبية لتقليص أو قطع المساعدات المقدّمة للسلطة الفلسطينية، في محاولة لإخضاع السلطة لسياسة الأمر الواقع.
وفي هذا السياق، يقول الخبير الاستراتيجي عمر الرداد لـ "حفريات"؛ "تبدو خيارات السلطة الفلسطينية محدودة في مواجهة الظروف الحالية بما فيها صفقة القرن، في ظل عدم وجود موقف عربي مساند بالإضافة للانقسام الفلسطيني الداخلي بين حركتي فتح وحماس".
ويشير الرداد إلى أنّ خيارات الشعب الفلسطيني تبدو محدودة أيضاً "إذ إنّ الحديث عن انتفاضة جديدة يبدو محدود الاحتمال؛ فغالبية سكان الضفة مرتبطون بصيغة أو بأخرى مع أجهزة السلطة، وفي حال انطلاق انتفاضة سيفقد كثيرون وظائفهم". مضيفاً "كما أنّ الحديث عن حل السلطة الفلسطينية احتمال ضعيف للغاية؛ إذ لم تعد السلطة مجرد قيادة بل جهاز بيروقراطي متكامل".

تبدو خيارات السلطة الفلسطينية محدودة في مواجهة الظروف الحالية

الحصار الاقتصادي
عملت السلطات الإسرائيلية منذ إحكام سيطرتها على الضفة الغربية وقطاع غزة، عقب حرب حزيران (يونيو) عام 1967، على فرض واقع اقتصادي معقد، كرست من خلاله تبعية الاقتصاد الفلسطيني لمصالحها؛ إذ يسيطر الاحتلال على كافة الحدود البرية والبحرية، ما يعني سيطرته على تدفق السلع والمواد الأولية اللازمة لعمليات الإنتاج من وإلى الأراضي الفلسطينية، التي باتت سوقاً لمنتجات الشركات الإسرائيلية، فضلاً عن الواقع الأمني المُعقّد الذي يُكرّسه جيش الاحتلال من خلال إغلاق الحواجز والاقتحامات المتكررة للمدن والقرى الفلسطينية، ما ينعكس سلباً على الاستثمارات المحلية والأجنبية في القطاع الخاص، كما أنّ استمرار الاحتلال باستهداف البنى التحتية ومصادرة الأراضي الزراعية والسيطرة على المياه، يخلق المزيد من العقبات أمام نمو الاقتصاد الفلسطيني.

يسيطر الاحتلال على كافة الحدود البرية والبحرية ما يعني سيطرته على تدفّق السلع والمواد الأولية اللازمة لعمليات الإنتاج من وإلى الأراضي الفلسطينية

ولم تلتزم إسرائيل ببروتوكول باريس الاقتصادي، الذي يُعدُّ مُلحقاً اقتصادياً لاتفاق أوسلو الموقع عام 1993 بين إسرائيل ومنظمة التحرير، والذي يُنظّم طبيعة العلاقات الاقتصادية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية؛ فمن المفترض أنّ تحصل الأخيرة بموجب الاتفاق على الحكم الذاتي والحق في تقرير المصير على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة. ولعلّ آخر الخروقات الإسرائيلية لبروتوكول باريس يتمثل في خصمها ملايين الدولارات من ما يعرف بأموال "المقاصة"، (وهي حصة السلطة الفلسطينية من الرسوم الجمركية والضرائب المختلفة)، بحجة دعم "الإرهاب".

وتتخذ إسرائيل من هذه الأموال سلاحاً اقتصادياً تعمل من خلاله على فرض شروطها، التي كان آخرها مطالبة السلطة الفلسطينية بوقف مخصصات أسر الشهداء والجرحى والأسرى، وهي رواتب شهرية تدفعها السلطة لعائلات المتضررين من الإرهاب الإسرائيلي، وتُشكّل هذه المخصصات إلى جانب رواتب القطاع العام مصدر دخل وحيد تعتمد عليه الكثير من فئات الشعب الفلسطيني، سيما وأنّ سلطات الاحتلال غالباً ما تمنع أفرادها من العمل داخل إسرائيل كنوع من العقاب الجماعي، ما يجعل المساس بالمخصصات كارثة حقيقة قد تؤدي إلى تفجّر الوضع في الأراضي الفلسطينية، الأمر الذي تدركه السلطة الفلسطينية جيداً، وهو ما دفعها لرفض الاستجابة للضغوط الإسرائيلية.

اقرأ أيضاً: لماذا يعد الضمّ الإسرائيلي للمحميات الطبيعية في فلسطين جريمة حرب؟

ويؤكد الرداد لـ "حفريات" أنّ الأزمة المالية التي تعانيها السلطة الفلسطينية تُشكّل أبرز مظاهر الضغط السياسي بسبب موقفها من صفقة القرن؛ "يبدو أنّ الجانب الإسرائيلي يمارس ضغوطاً على السلطة وفق برنامج محدد يشمل اقتطاع قيمة رواتب الأسرى والمعتقلين من حصة السلطة الفلسطينية من الضرائب، وهو ما دفع قيادة السلطة الفلسطينية إلى تخفيض رواتب العاملين في أجهزتها الأمنية والعسكرية بحدود الـ 40 بالمئة".

ولم يقتصر الضغط الإسرائيلي على السلطة الفلسطينية فحسب، حيث يمارس الاحتلال ضغوطاً على البنوك العربية والفلسطينية في الأراضي الفلسطينية، من خلال التهديد برفع دعاوى "دعم الإرهاب" في المحاكم الدولية قد تؤدي إلى فرض عقوبات اقتصادية على البنوك، وقد استجابت بعض البنوك للضغوطات وشرعت بالفعل بإغلاق حسابات أسرى وأقارب شهداء يتلقون مخصصات من السلطة.

ضم الأراضي الفلسطينية

يعتبر القرار الإسرائيلي بضم أجزاء من الضفة الغربية واحداً من أبرز التحديات التي تواجه السلطة الفلسطينية اليوم، خاصة مع تمكّن نتنياهو من تشكيل حكومة وحدة مع منافسه بيني غانتس من حزب أزرق أبيض، حيث تتبنى الحكومة الائتلافية، التي جاءت نتيجة اتفاق تاريخي بعد عام ونصف العام من الجمود السياسي وثلاث محاولات فاشلة لتشكيل الحكومة، اتجاهات يمينية متطرفة فيما يتعلّق بالأراضي الفلسطينية المُحتلة عام 1967.

معين الطاهر: الموقف الأوروبي مُتردد  كعادته، وغايته الدائمة هي منع الانفجار في المنطقة وليس التوصّل إلى حل عادل للقضية الفلسطينية

ويؤكد رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتيه أنّ المرحلة القادمة ستكون في غاية الصعوبة، مُشيراً إلى أنّ القيادة الفلسطينية ستعقد اجتماعاً يوم السبت لمواجهة قرار الضم، حيث تقول التقديرات الفلسطينية إنّ الضم سيصل إلى أكثر من 30 بالمئة من مساحة الضفة الغربية.

وفي هذا السياق، قال الكاتب والباحث الفلسطيني معين الطاهر لـ "حفريات" إنّه ينبغي ملاحظة المناورة الإسرائيلية المتعلقة بقرار الضم؛ "فقد أعلن نتنياهو في برنامج الحكومة الإسرائيلية المُقدّم للكنيست، أنّ الحكومة ستفرض السيادة الإسرائيلية على أرض إسرائيل، وهي صيغة خبيثة؛ فمن جهة هو يُقرّ أمام المجتمع الصهيوني بأنّها أرض إسرائيل التاريخية، لكنّه أمام المجتمع الدولي لم يضم وإنما فرض السيادة، وهي تماماً ما كان قد فعله بالجولان الذي لم يضمه، على عكس القدس، مُدعياً بذلك أنّ باب المفاوضات ما زال مفتوحاً، وهو ما فعله إسحاق رابين حين قدّم وديعته المشهورة إلى البيت الأبيض والمُتضمنة تعهده الكاذب بالانسحاب من الجولان إذا وقّعت سوريا معاهدة سلام معه".

اقرأ أيضاً: هل يتبرأ الفلسطينيون من الاتفاقيات مع إسرائيل؟

وأكّد الطاهر أنّ نتنياهو يترك للسلطة الفلسطينية والعرب والمجتمع الدولي "شيئاً يتسلون به حول وهم زائف لاستئناف مفاوضات نتائجها معروفة سلفاً، في حين يستعد لقضم ما تبقى من أرض عربية".

ويتخوف الفلسطينيون من أن يُصبح الضم أمراً واقعاً، نتيحة الموقف الأمريكي المساند لإسرائيل، خاصة في ظل زيارة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو للقدس، يوم الأربعاء، لغاية بحث خطط الضم، إلى جانب ملفات أخرى، وكان بومبيو قد صرّح في وقت سابق بأنّ "ضم الضفة الغربية قرار إسرائيلي من حق نتنياهو وغانتس اتخاذه".

لوّح مسؤولون بدول أوروبية باتخاذ إجراءات اقتصادية عقابية ضد إسرائيل في حال مضت في قرار ضم أراضٍ من الضفة الغربية

ورغم الدعم الأمريكي الحَذِر، إلّا أنّ قرار ضم الأراضي الفلسطينية لاقى استنكاراً دولياً، حيث أكّدت بريطانيا أنّها لن تعترف به، كما لوّح مسؤولون بدول أوروبية باتخاذ إجراءات اقتصادية عقابية ضد إسرائيل في حال مضت في قرارها، فضلاً عن الإدانة العربية والتهديد الفلسطيني بالانسحاب من الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل.

وفي معرض رده عن جديّة وجدوى الرفض الأوروبي للقرار، أكّد الباحث معين الطاهر لـ "حفريات" أنّ الموقف الأوروبي "مُتردد  كعادته، وغايته الدائمة منذ عقود هي منع الانفجار في المنطقة وليس التوصّل إلى حل عادل للقضية الفلسطينية"، مُشيراً إلى أنّ الموقف البريطاني أكثر قرباً إلى الموقف الأمريكي الذي اعتبر الضم قراراً إسرائيلياً؛ "فقد اكتفت بريطانيا بالإعلان بأنّها لن تدعم القرار، ولم تقل إنّها تعارض الضم أو ترفضه". وأضاف أنّ الموقف الأوروبي والعالمي لن يتحرك "إذا لم يتحرك الفلسطينيون والعرب".

الانقسام الداخلي

إلى جانب التحديات الخارجية والمخططات الإسرائيلية الأمريكية، لا زال الشعب الفلسطيني يُعاني من الخلافات القائمة بين حركتي فتح وحماس منذ صيف 2007، والتي نجم عنها انقسام سياسي وجغرافي وجدت فيه إسرائيل فرصة للتلكؤ والتهرّب من الالتزام بتعهداتها، ولم يقتصر هذا الانقسام على الضفة الغربية وغزة فحسب، بل صدرته الفصائل ليطال الجاليات الفلسطينية في الدول الأوروبية، لتظهر تكتلات وتجمعات مختلفة منقسمة في خطابها الموجه للمجتمعات الأوروبية.

الحديث عن حل السلطة الفلسطينية احتمال ضعيف للغاية إذ لم تعد السلطة مجرد قيادة بل جهاز بيروقراطي متكامل

وحول أُفق إنهاء الانقسام الفلسطيني، يشير الخبير الاستراتيجي عمر الرداد، إلى أنّه بات مرتبطاً بالمحاور العربية والإسلامية؛ "ويبدو أنّ تلك المحاور ليست بوارد المصالحة حتى تنعكس على فتح وحماس، كما أنّ فشل اتفاقات المصالحة السابقة بين الجانبين والتي تم إنجازها عبر القاهرة، تعطي مؤشرات على ضعف احتمالات المصالحة، علاوة على بروز واقع جديد يشير إلى تعاطي حركة حماس مع ما هو مطروح في إطار صفقة القرن، وبصورة عمّقت شكوك فتح التي أصبحت ترى في حماس جهة تستهدف مكانتها في قيادة الشعب الفلسطيني".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية