إنّ الجولة الإقليمية الطويلة التي يقوم بها وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، لتسع دول عربية (بعد إضافة العراق إليها)، تشمل دول الخليج ومصر والأردن، إنما هدفت لبعث رسائل سياسية مهمّة، وتسجيل مواقف واضحة، ومناقشة قضايا إستراتيجية وتفاهمات جوهرية مع شركاء الولايات المتحدة في المنطقة، لا سيما بعد الجدل الذي أحدثه إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، انسحاب بلاده من سوريا، وما نجم عن هذا الإعلان من إعادة تموضع وترتيبات جديدة، ربما تؤشّر إلى أنّ المنطقة مُقدِمة على تحولات كبيرة عقب هذه الجولة، التي لم تقتصر على الملف السوري وتداعياته، وإنما ركّزت على قضايا كثيرة، يمكن إجمالها في عشر قضايا، وهي:
أولاً: طي صفحة أوباما
فقد وجّه وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، اتهامات لاذعة إلى الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، محمّلاً إياه مسؤولية "نشر الفوضى في منطقة الشرق الأوسط"، جرّاء فشله في التصدي للمتشددين الإسلاميين بشكل مناسب.
اقرأ أيضاً: كيف تدير واشنطن حساباتها في شرقي الفرات بين النظام السوري وتركيا والأكراد؟
وفي خطاب ألقاه بالجامعة الأمريكية في القاهرة، استعرض فيه إستراتيجية بلاده تجاه الشرق الأوسط وطي "صفحة أوباما"، قال بومبيو، كما نقلت وكالات الأنباء، ومنها "رويترز" و"الفرنسية": إن "الرئيس الديمقراطي السابق أساء فهم الشرق الأوسط وتخلى عنه فعلياً". ولم يذكر بومبيو أوباما بالاسم وإنما أشار إليه بأنه "أمريكي آخر" ألقى كلمة في القاهرة، في إشارة إلى خطابه بجامعة القاهرة عام 2009.
وأضاف عنه: "أخبَركم أنّ الولايات المتحدة والعالم الإسلامي يحتاجان إلى بداية جديدة. وكانت نتائج هذه الأحكام الخاطئة قاتمة".
ثانياً: التأكيد بأن العلاقة الأمريكية-السعودية تتجاوز قضية خاشقجي
وأكد بومبيو، الجمعة الماضي، في مقابلة مع قناة "فوكس نيوز" الأمريكية، مواصلة "العمل من أجل ضمان مساءلة كل المسؤولين عن مقتل جمال خاشقجي"، مؤكداً أنّ بلاده "ستواصل القيام بذلك". وأوضح الوزير الأمريكي أنّ العلاقات الأمريكية-السعودية تبقى "مهمة للغاية بالنسبة للأمريكيين".
وقال بومبيو، في حديث مع قناة "العربية"، إنّ "علاقتنا مع السعودية أساسية لاستقرار المنطقة وأمنها". وألمح إلى أنّ الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أكد أنّ "العلاقة مع السعودية لا يمكن حصرها بقضية خاشقجي"، مضيفاً: "السعودية حليف أساسي للولايات المتحدة، وسنستمر في شراكتنا".
ثالثاً: أزمة قطر
وبالنسبة لواشنطن، فإنّ إنهاء أزمة قطر، التي اندلعت في حزيران (يونيو) 2017، أمرٌ حيوي لنجاح خطة الولايات المتحدة في تشكيل تحالف إستراتيجي في الشرق الأوسط لمواجهة إيران، يضم إضافة إلى دول الخليج الست كلاً من مصر والأردن، كما ذكرت "وكالة الأنباء الفرنسية".
الخارجية الأمريكية: مجلس التعاون الخليجي الموحد عصب السلام الإقليمي والازدهار، وهو ضروري لمواجهة أكبر تهديد للاستقرار الإقليمي وهو النظام الإيراني
وأكد بومبيو في خطابه الخميس الماضي في القاهرة أنّ الإدارة الأمريكية "تعمل على إقامة تحالف إستراتيجي في الشرق الأوسط لمواجهة أهم الأخطار في المنطقة".
وأضاف "اليوم نطلب من كل هذه الدول أن تقوم بخطوة جديدة وتساعدنا في تعزيز التحالف الإستراتيجي في المنطقة".
وتُنظّم الولايات المتّحدة، وفق "الفرنسية"، قمّة دوليّة الشهر المقبل في بولندا ستركّز على النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، بحسب ما أعلن بومبيو لقناة "فوكس نيوز" الجمعة الماضي. وفي أبوظبي السبت الماضي، اعترف وزير الخارجية الأمريكي في حديث مع الصحافيين الذين يرافقونه في جولته الشرق الأوسطية، أنّ تنفيذ الاتفاق "أمر معقد". وقال "نتحدث عن اتفاق معقد بين عدد من الدول التي نطالبها بالتزامات مهمة، لكنني أعتقد أنّ هناك طريقاً للسير قدماً".
رابعاً: وحدة "مجلس التعاون" لمواجهة مهددات الاستقرار الإقليمي
وقد أكدت وزارة الخارجية الأمريكية ضرورة الحفاظ على وحدة مجلس التعاون الخليجي لمواجهة "أكبر تهديد للاستقرار الإقليمي"، وهو السلطات الإيرانية. وذكرت الوزارة في بيان صحفي أصدرته بخصوص الجولة الإقليمية التي يقوم بها حالياً الوزير بومبيو، أنّ "مجلس التعاون الخليجي الموحد هو عصب السلام الإقليمي والازدهار والأمن والاستقرار، وهو ضروري لمواجهة أكبر تهديد منفرد للاستقرار الإقليمي، ألا وهو النظام الإيراني".
خامساً: انسحاب تدريجي تكتيكي منظم من سوريا
وقال وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، خلال اجتماعه برئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي في العاصمة العراقية نهاية الأسبوع الماضي، إن الولايات المتحدة "عازمة على تنفيذ قرار الانسحاب من سوريا بشكل تدريجي، ومنظم وبالتعاون والتنسيق مع العراق". وأضاف بأنّ الولايات المتحدة "متفائلة" بإمكانية تأمين الحماية للأكراد في سوريا مع السماح للأتراك بـ "الدفاع عن بلادهم من الإرهابيين".
اقرأ أيضاً: موسكو وواشنطن في سوريا... إلى أين؟
وقال بومبيو في تصريحات في العاصمة الإماراتية أبو ظبي: "نحن واثقون أنه يمكننا التوصل إلى نتيجة تحقق" كلا الهدفين. وكشف وزير الخارجية أنه تحدث هاتفياً السبت الماضي مع نظيره التركي مولود جاويش أوغلو حول الوضع في سوريا.
دعا بومبيو كل الدول الشريكة إلى مواصلة العمل لاحتواء أنشطة إيران الخبيثة ومنعها من نشر الإرهاب في العالم
وكان القرار الأمريكي بسحب القوات من سوريا أثار تساؤلات حول كيفية ملء الفراغ الأمني في أعقاب انسحاب القوات من المناطق التي تتمركز بها في شمال وشرق سوريا. فمن ناحية، كما أورد "راديو سوا"، تسعى تركيا لشن حملة ضد القوات الكردية المتحالفة مع الولايات المتحدة، ومن ناحية أخرى يرى الجيش السوري، المدعوم من روسيا وإيران، في ذلك فرصة لاستعادة مساحة ضخمة من الأراضي.
وأشار مستشار الأمن القومي الأمريكي، جون بولتون، الثلاثاء الماضي إلى أنّ حماية الأكراد حلفاء واشنطن ستكون شرطاً مسبقاً للانسحاب الأمريكي، وهو ما دفع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، لوصف تعليقاته بأنها "خطأ فادح".
سادساً: أمريكا لن تغادر المنطقة
وأشار بومبيو إلى أنّ الولايات المتحدة لن تغادر منطقة الشرق الأوسط، مؤكداً "نقول للشركاء إننا لن نغادر المنطقة"، كما أوردت صحيفة "الحياة". وكان التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم "داعش" زاد من الغموض الذي يحيط بالانسحاب الأمريكي من سوريا، بإعلانه بدء عملية الانسحاب، لكن مسؤولين أمريكيين قالوا في وقت لاحق إنّ معدات فقط، وليس عسكريين، هي التي يتم سحبها من البلاد.
سابعاً: دعم جهود المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن مارتن غريفيث
وقد توافق الوزير الأمريكي مع المسؤولين في دولة الإمارات على حاجة كل الأطراف إلى التزام الاتفاقات التي تم التوصل إليها في السويد، خصوصاً وقف إطلاق النار، وإعادة انتشار القوات في الحُديدة.
ثامناً: الضربات ضد "داعش" ستستمر "كلما ظهرت أهداف"
وقد أكد بومبيو في جولته الإقليمية المستمرة عزم واشنطن على استمرار الضربات الجوية التي تستهدف تنظيم "داعش"، موضحاً أن "الضربات الجوية ستستمر كلما ظهرت أهداف"، وذلك رغم تأكيده قرار الرئيس، دونالد ترامب، إعادة القوات الأمريكية إلى البلاد من سوريا، في نهاية المطاف، حتى لو تباطأ الانسحاب الأمريكي من هناك.
تاسعاً: حماية الأردن وتأمين استقراره الداخلي
وقد شدد وزير الخارجية الأمريكي على أنّ واشنطن عازمة على حماية الأردن ودول المنطقة من الخطر الإيراني، وأكد أنّ سحب القوات الأمريكية من سوريا لن يؤثر في هذا الأمر. وأكد بومبيو أنّ الولايات المتحدة الأمريكية ملتزمة الاستقرار الداخلي في الأردن.
اقرأ أيضاً: بهذه الطريقة تواجه واشنطن جرائم الكراهية
وقال بومبيو، خلال مؤتمر صحفي عقده وزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي في عمّان الأسبوع الماضي، إنّ الأردن من الشركاء الإستراتيجيين المقربين في المنطقة، وتتطلع الولايات المتحدة لزيادة المساعدات للأردن. وأشار بومبيو إلى أنّ الأردن يلعب دوراً مُهِماً في المنطقة؛ ومنها فرض الاستقرار في الأراضي السورية، مبيّنا أنّ المملكة استقبلت ملايين اللاجئين.
عاشراً: مكافحة السلوك الإيراني
ودعا بومبيو، من جهة أخرى، "كل الدول الشريكة إلى مواصلة العمل لاحتواء أنشطة إيران الخبيثة ومنعها من نشر الإرهاب في العالم". وقال الوزير الأمريكي إنّ مكافحة السلوك الإيراني في سوريا "لا يعتمد على تكتيك معين للتحالف"، وأشار إلى أنّ الأهم في هذا الصدد هو القناعة المشتركة بأنّ داعش والثورة الإسلامية في إيران يشكلان الخطر الأكبر على المنطقة. وأكد بومبيو أنّ أمريكا تعتزم مضاعفة جهودها الدبلوماسية والمالية لفرض ضغط حقيقي على إيران لتحقيق ما أعدّته واشنطن لطهران في أيار (مايو) الماضي، حين انسحبت من الاتفاق النووي الإيراني.