فراغ دستوري في العراق بعد عجز الفرقاء عن اختيار الرئيس

فراغ دستوري في العراق بعد عجز الفرقاء عن اختيار الرئيس


09/04/2022

قد تنتهي المشاجرات قصيرة النظر بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني قريباً الأمر الذي سيؤدي إلى ذهاب البلاد مجدداً إلى الانتخابات - والتهديد بالسيطرة السياسية الإيرانية، هكذا يقدر الباحث ديفيد شينكر، مدير "برنامج السياسة العربية" في معهد واشنطن، في مقال نشره مطلع الشهر الجاري الموقع الإلكتروني للمعهد.

بيْد أنّ الأنباء أفادت بخلاف ذلك، حيث دخل العراق، منذ الأربعاء الماضي، مرحلة الفراغ الدستوري بعدما عجز البرلمان منذ أول جلسة عن انتخاب رئيس للجمهورية وحتى انتهاء المهلة الدستورية في السادس من الشهر الجاري، فيما دعا رئيس الحكومة العراقية، مصطفى الكاظمي، القوات الأمنية إلى الابتعاد عن العناوين الطائفية والمذهبية والقومية.

اقرأ أيضاً: تقرير أممي: ميليشيات منفلتة.. والعراقيون يدفعون الثمن

وتنافس على منصب الرئيس 40 مرشحاً؛ في مقدمتهم مرشح الاتحاد الوطني الكردستاني رئيس الجمهورية الحالي برهم صالح، ومرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني ريبر أحمد. وكان ريبر أحمد حل محل المرشح السابق وزير الخارجية الأسبق هوشيار زيباري الذي أقصته المحكمة الاتحادية العليا عن الترشح بتهم فساد حين تولى منصب وزير المالية؛ حيث سحب البرلمان العراقي الثقة منه عام 2016.

دعا الكاظمي، القوات الأمنية إلى الابتعاد عن العناوين الطائفية والمذهبية والقومية

وكان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر قد منح فرصة للكتل السياسية، لتشكيل الحكومة الجديدة من دون الكتلة الصدرية، بمهلة حددها في 40 يوماً.

وأوضح أنّ المحكمة الاتحادية لديها صلاحيات سحب الثقة من البرلمان، وإعلان حكومة طوارئ، أو تمديد مدة رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وإبقائهما في منصبيهما.

التوافقات السياسية بين الكتل المتصارعة

وتنتظر المحكمة الاتحادية التوافقات السياسية بين الكتل المتصارعة لإيجاد اتفاق بعد شهر رمضان لتشكيل الحكومة المقبلة واختيار رئيس الجمهورية.

 

اقر أ أيضاً: بعد استهداف أربيل.. هل تواصل إيران نشر الفوضى في العراق؟

وكانت الانتخابات البرلمانية التي شهدها العراق في تشرين الأول (أكتوبر) 2021 ناجحة بالنسبة لواشنطن وغيرها من مؤيدي سيادة البلاد وازدهارها، كما يقول الباحث شينكر، فعلى عكس التوقعات، هُزمت الأحزاب الإسلامية الشيعية المدعومة من إيران وميليشياتها المعروفة باسم "قوات الحشد الشعبي" في صناديق الاقتراع. ولم يخسر "الحشد" أمام مرشحين ذوي توجهات غربية بل أمام حزب شيعي محلي موثوق آخر، شكّل هاشتاغ #لا_شرقية_ولا_غربية الذي أطلقه زعيمه دعوة واضحة إلى عراق لا تهيمن عليه طهران أو واشنطن. ومالت نتائج الانتخابات نحو تشكيل حكومة أغلبية جديدة، هي الأولى منذ الغزو الأمريكي عام 2003، قادرة على فرض حوكمة أفضل وعراق مستقل.

دخل العراق، منذ الأربعاء الماضي، مرحلة الفراغ الدستوري بعدما عجز البرلمان منذ أول جلسة عن انتخاب رئيس للجمهورية وحتى انتهاء المهلة الدستورية في السادس من الشهر الجاري

وفي مفارقة قاسية، يبدو أنّ هذه النتيجة المحتملة، وهي إحدى تطلعات الولايات المتحدة الطويلة الأمد للعراق، لم تترجم كلياً على أرض الواقع ويعود ذلك جزئياً إلى أصدقاء واشنطن المقربين في العراق، أي الأكراد.

وكان الفائز الأكبر في السباق الانتخابي مقتدى الصدر، وهو رجل دين شيعي فاز حزبه السياسي "سائرون" بأكثرية المقاعد في مجلس النواب العراقي. يُذكر أنه في أعقاب غزو عام 2003، برز "جيش المهدي" الذي أسسه الصدر كخصم بارز للولايات المتحدة، وكاد هذا الزعيم المثير للمشاكل أن يصبح هدفاً للقوات الأمريكية. ولكن في الآونة الأخيرة، تغيّرت [بعض آراء] الصدر، وهو شعبوي جريء استغل استياء الناخبين من تجاوزات إيران في العراق، وأصبح سياسياً أكثر مسؤولية نوعاً ما.

كان الفائز الأكبر في السباق الانتخابي مقتدى الصدر

وصحيح أن الصدر ليس دواء لكل العلل لكنه أيّد، على الأقل خطابياً، مكافحة الفساد المستشري في الدولة، وانتقد الهجمات الصاروخية الإيرانية على العراق، ودعا إلى إنهاء "الأعمال العسكرية التي تقوم بها المقاومة [«الحشد»]" ضد الوجود الأمريكي في العراق. وفي هذا الإطار، بخلاف السياسيين العراقيين الآخرين، لا يُعامِل الصدر قائد "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإسلامي الإيراني إسماعيل قاآني، الذي يزور العراق باستمرار، بإجلال. ورغم أنه لا يزال منتقداً صريحاً لواشنطن، إلا أنه يريد على ما يبدو انتهاج مسار مختلف بعد انتخابه.

 

اقرأ أيضاً: العراق: الأتاوات والمخدرات وراء صِدام الجماعات الشيعية في ميسان

وقد بادر الصدر إلى تشكيل حكومة أغلبية تضم تحالفاً من الشيعة والسنّة والأكراد. ونظرياً، كان بإمكان هذا التحالف الثلاثي، الذي استثنى الميليشيات المدعومة من إيران ووعد بإعادة رئيس الوزراء الموالي للغرب مصطفى الكاظمي إلى منصبه، أن يتخذ قرارات صعبة تتعلق بالفساد والإصلاح الضروريين لتحسين وضع العراق.

حلفاء إيران في العراق

وليس مفاجئاً أن يكون حلفاء إيران في العراق قد اعتبروا مبادرة الصدر بمثابة تهديد لهم وسارعوا إلى تقويض الجهود وإعادة حكومة عقيمة قائمة على مبدأ التوافق في بغداد إلى السلطة. وشنّ الحشد الشعبي حملة عنف لترهيب أعضاء التحالف. كما استغل حلفاء إيران نظاماً قضائياً متحالفاً بشكل متزايد مع إيران لضرب التحالف في إجراءات المحاكم، مما تسبب بمزيد من التأخير في تشكيل الحكومة.

 

اقرأ أيضاً: هل غيّرت إيران استراتيجيتها في العراق؟

وفي حين كانت هذه التكتيكات فعالة، إلا أنّ الأكراد كانوا العائق الأكبر إلى حد بعيد أمام تشكيل حكومة عراقية ذات أغلبية. فمنطقة الحكم الذاتي التابعة لـحكومة إقليم كردستان لطالما عانت من الانقسامات بين البرزانيين في الحزب الديمقراطي الكردستاني ومقره العاصمة أربيل والطالبانيين في الاتحاد الوطني الكردستاني في السليمانية. ولا تزال هاتان العشيرتان، اللتان خاضتا حرباً أهلية في تسعينيات القرن الماضي، منافستين سياسيتين واقتصاديتين حازمتين.

حلفاء إيران في العراق اعتبروا مبادرة الصدر بمثابة تهديد لهم وسارعوا إلى تقويض الجهود

ولو صوّت الأكراد في كتلة واحدة مع الصدر، لكان التحالف قد حقق النصاب القانوني في مجلس النواب بما يكفي لانتخاب الرئيس الكردي، الذي كان بدوره سيسمي رئيس وزراء موكلاً بتشكيل حكومة أغلبية. وفي بداية الأمر على الأقل، بدا أنّ الصدر والسنّة أيدوا إعادة انتخاب الرئيس برهم صالح ورئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، وهي قائمة مرشحين تدعمها واشنطن. لكن بدلاً من تأييد التحالف، اختلف الأكراد حول صالح التابع لـلاتحاد الوطني الكردستاني، وبعد أن أُحبط ترشيحه، تشاجروا بشأن بديله المقترح وزير الداخلية في حكومة إقليم كردستان والعضو المتفاني في الحزب الديمقراطي الكردستاني ريبر أحمد. وحالت مقاطعة الأكراد للجلسة البرلمانية المنعقدة في 29 آذار(مارس)، وهي الثالثة حتى الآن، دون اكتمال النصاب القانوني.

التعنت الكردي

يتابع شينكر: وإذا استمر التعنت الكردي ولم يتم اختيار رئيس بحلول 6 نيسان (أبريل)، قد يشهد العراق انتخابات جديدة. لكن هذه المرة سيكون أداء الحشد أفضل على الأرجح بعد أن تعلموا من أخطائهم بشن حملتهم في إطار نظام انتخابي جديد. ويبدو أن الصدر يتفهم فظاعة وأهمية اللحظة. ففي 30 آذار(مارس)، غرد قائلاً: "لن أتوافق معكم فالتوافق يعني نهاية البلد". لكن بدلاً من وضع الخلافات الطاحنة الضيقة جانباً والمشاركة في حكومة أغلبية في بغداد يمكنها أن تخدم مصالح حكومة إقليم كردستان بشكل أفضل، يبدو أنّ القادة الأكراد مصرون على عنادهم بشكل حازم.

الباحث الأمريكي ديفيد شينكر: حان الوقت الآن لكي يقوم الأكراد بدورهم لضمان نجاح البلاد. فسيكون من المخزي أن يساهموا في إدامة الهيمنة الإيرانية على العراق

وإذا لم يغيّر الأكراد موقفهم في اللحظة الأخيرة، ستضيع على الأرجح أفضل فرصة أمام العراق حتى الآن للتصدي للتدخل الإيراني بشؤونها وفرض سيادتها. ولا شك أن سفير واشنطن في العراق، ماثيو تولر، قد أبلغ محاوريه الأكراد بالضرورة الملحة [للتوصل إلى توافق] عندما نقل رسالة من الرئيس بايدن إلى رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود برزاني والتي وفقاً لبعض التقارير أنها تشجع على تعزيز وحدة الأكراد في مسألة تشكيل الحكومة. لكن هذه المبادرة قد تكون قليلة جداً ومتأخرة جداً.

وطيلة سنوات كان الأكراد حلفاء موثوقين لواشنطن، وكانت الولايات المتحدة داعماً ثابتاً لحكومة إقليم كردستان، حيث دفعت رواتب بقيمة 240 مليون دولار سنوياً لقوات "البيشمركة" في الإقليم الاتحادي وضغطت لتنفيذ مصالح الأكراد مع بغداد. وتشكو حكومة الإقليم، وهي محقة، من أنّ علاقتها الوثيقة مع واشنطن تجعلها هدفاً لإيران، لكن هذه الروابط ساهمت بوضوح في جعل الإقليم المنطقة الأكثر ازدهاراً في العراق. وقد حان الوقت الآن لكي يقوم الأكراد بدورهم لضمان نجاح البلاد. فسيكون من المخزي أن يساهموا في إدامة الهيمنة الإيرانية على العراق.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية