تقرير أممي: ميليشيات منفلتة.. والعراقيون يدفعون الثمن

تقرير أممي: ميليشيات منفلتة.. والعراقيون يدفعون الثمن


03/04/2022

تمثل هيئة الحشد الشعبي في العراق، التي تشكّلت إثر فتوى "الجهاد الكفائي" التي أصدرها المرجع الشيعي، آية الله علي السيستاني، بعد سقوط ثاني أكبر المدن العراقية، الموصل، في قبضة تنظيم "داعش" الإرهابي، معضلة سياسية وأمنية، لا سيما في ظلّ تبعيتها وولائيتها لإيران، بما يؤدي إلى تطييف السياسة وتغييب مبادئ وقيم الدولة الوطنية.

التقارير الأممية التي تكشف الانتهاكات "الممنهجة" والخروقات الحقوقية لـ "الحشد" في العراق، تؤكد طبيعة هذه الإشكالية القائمة والمتمثلة في الصراع الدائر بين الميليشيا والدولة، وكذا العنف الذي يجري خارج إطار الشرعية والقانون، حيث تفرض الأولى إكراهاتها وقيمها السياسية على المواطنين.

اقر أ أيضاً: بعد استهداف أربيل.. هل تواصل إيران نشر الفوضى في العراق؟

ومنذ تشرين الثاني (نوفمبر) 2016، الذي تم فيه تقنين أوضاع الحشد الشعبي، وقد تحوّل من وحدات عسكرية غير نظامية إلى مكوّن سياسيّ وفصيل عسكريّ رسميّ ضمن القوات الأمنية المسلحة التابعة للدولة، تفاقمت أزمة التنظيم المدعوم من الحرس الثوري الإيراني بالعراق، خاصة مع ممارساته العديدة التي تمّ توثيقها وفضحت تجاوزاته الحقوقية والسياسية، ومنها ارتكاب "جرائم قتل وتعذيب واختطاف آلاف الرجال والصبيان"، بحسب منظمة العفو الدولية، فضلاً عن عمليات إعدام خارج نطاق القانون؛ لذلك أوصت المنظمة الدولية المعنية بحقوق الإنسان بوضع ضوابط مشددة لتفادي وصول الأسلحة بيد عناصر الحشد.

المرجع الشيعي آية الله علي السيستاني

وفي التقرير الأخير لمنظمة "هيومان رايتس ووتش" الأمريكية، العام الحالي، طاولت قوات الحشد عدة اتهامات، تتراوح بين القتل والاختطاف، وهدم منشآت مدنية ودينية، الأمر الذي يرقى إلى اعتباره "جرائم حرب"، بحسب وصف المنظمة الحقوقية الأمريكية، بينما تغلب على تلك الممارسات طابع العنف الطائفي.

وأوضح التقرير أنّ عمليات القتل والاختطاف طالت العشرات من السنّة في العراق، بالإضافة إلى هدم مساجد تابعة للطائفة ذاتها، غير أنّ القيادي في منظمة بدر، كريم النوري، عدّ هذه الاتهامات "مسيسة"، وتتسم بعدم الحيادية كما تخضع لضغوط أمريكية.

يوضح معهد واشنطن، أنّ أحد أكبر التحديات التي يطرحها الحشد الشعبي يتمثل في القيادة والتحكم، وقد اعتادت هذه القوات تخطي صلاحياتها وتنفيذ العمليات دون علم الحكومة

وقالت المنظمة الأممية المعنية بحقوق الإنسان؛ إنّ "قتل المدنيين عمداً، ونهب ممتلكاتهم على نحو غير مبرّر، وتدميرها، هي بمثابة انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني الدولي وقد ترقى إلى جرائم حرب".

وأوضح جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لـ "هيومن رايتس ووتش"، المعني بشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: "يدفع المدنيون، مرة أخرى، ثمن إخفاق العراق في إحكام السيطرة على الميليشيات المنفلتة. وعلى الدول التي تدعم قوات الأمن العراقية وقوات الحشد الشعبي أن تصرّ على وضع بغداد حدّاً لهذه الانتهاكات القاتلة".

وشدّد التقرير على ضرورة أن تقوم الدول التي تقدّم المساعدة العسكرية والأمنية والاستخبارية للعراق، بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا، بـ "حثّ السلطات العراقية على التحقيق في مزاعم الانتهاكات التي ارتكبتها الجماعات المسلحة والقوى الأمنية الرسمية". كما طالب التقرير هذه الدول بـ "تعليق المساعدة العسكرية والأمنية والاستخباراتية للوحدات المتورطة في هذه الانتهاكات والإعلان عن ذلك على الملأ".

بيئة طائفية وشحن سياسي مستمر

إذاً، شكّلت الانتهاكات الحقوقية إحدى أبرز سمات "الميليشيات الشيعية" حتى قبل التحاقها بقوات "الحشد الشعبي، الذي تأسّس منتصف عام 2014، رداً على سيطرة تنظيم داعش الإرهابي على قرابة ثلث مساحة البلاد، وإعلان الخليفة المزعوم، أبو بكر البغدادي، قيام دولة الخلافة من على منبر الجامع النوري في مدينة الموصل. وفق الباحث العراقي منتظر القيسي، والذي يرى أنّه بفعل الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها عناصر تنظيم داعش، خاصة مجزرة سبايكر، التي تمّ فيها إعدام ما يزيد عن 1700 من الجنود المتدربين الشيعة، وجرائم الإبادة الجماعية والاستعباد الجنسي بحقّ الأقلية الإيزيدية والتركمانية الشيعية، ناهيك عن التفجيرات الانتحارية التي كانت تضرب التجمعات السكانية بصورة منتظمة، تبلورت حالة من الدعم العلني تجاه الخروقات "الممنهجة" التي ارتكبتها  فصائل الحشد الولائية، العمود الفقري لقوات الحشد الشعبي، تحديداً بحقّ سكان المناطق السنّية أثناء وبعد العمليات العسكرية الرئيسة، في ظلّ عجز حكومي رسمي عن الوقوف في وجهها لأسباب سياسية، تتصل بتوازنات الساحة العراقية، وضغوط عرّاب الفصائل التابعة للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وقتذاك، قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الذي قتل، في قصف لطائرة أمريكية بدون طيار استهدفت موكبه قرب مطار بغداد.

الباحث العراقي منتظر القيسي لـ "حفريات": بفعل التنافس بين الفصائل الولائية، ورغبة كلّ منها في تعزيز مواقعها على حساب الدولة، بدأت تجاوزاتها تأخذ بعداً أشمل

كما لم تتوقف تجاوزات الحشد، بالرغم من الضغوط الشديدة التي مارستها الولايات المتحدة والدول العربية من أجل دفع حكومة حيدر العبادي، لجهة أخذ موقف أقوى تجاه "جرائم الحرب" التي ارتكبتها فصائل الحشد وبعض تشكيلات القوات المسلحة العراقية التي هيمن حلفاء طهران عليها. يقول القيسي. 

ويلفت الباحث العراقي، في حديثه لـ "حفريات"، إلى أنّه رغم تقنين وضع الحشد الشعبي كمؤسسة عسكرية رسمية، تخضع لأوامر القائد العام للقوات المسلحة وسلطة قيادة العمليات المشتركة، إلا أنّ تجاوزات الفصائل الولائية أخذت طوراً آخر بعد نهاية العمليات العسكرية الرئيسة، وهزيمة تنظيم داعش الذي هرب إلى المناطق الصحراوية والجبلية؛ حيث تعدّدت جرائمه؛ ومنها "مواصلة عمليات القتل والإخفاء القسري والتغيير الديموغرافي في المحافظات السنّية، فضلاً عن الاستحواذ على موارد هذه المناطق الاقتصادية، بما فيها مصادرة ممتلكات المهجرين ومنع النازحين من العودة إلى منازلهم في عدة مناطق إستراتيجية، أبرزها ناحية جرف الصخر، التي حظر حتى على الحكومة وأجهزتها الأمنية والعسكرية الدخول إليها بقوة السلاح".

الصراع على السلطة

وبفعل حالة التنافس بين الفصائل الولائية، ورغبة كلّ منها في تعزيز مواقعها على حساب الدولة، بدأت تجاوزاتها تأخذ بعداً أشمل لا يميز بين المكونات الاجتماعية مما أدى تدريجياً إلى تقلص مساحات المصالح المشتركة بين المجتمع الشيعي وقوات الحشد الشعبي، بحسب القيسي، لا سيما بعد دخولها اللعبة السياسية ومشاركتها في الانتخابات البرلمانية، عام 2018، وذلك بخلاف القانون الذي تمّ الالتفاف عليه عبر إجراءات شكلية لفكّ الارتباط بين الفصائل، كعناوين سياسية، وبين الوحدات العسكرية التابعة لها داخل قوات الحشد، والدفع نحو تكريس استقلالية قرارها عن الحكومة المنتخبة من خلال الحديث علناً عن تشكيل مجلس للمقاومة الإسلامية، بمشاركة عدد من الفصائل الولائية الرئيسة وباستخدام موارد هيئة الحشد الشعبي.

اقرأ أيضاً: العراق: الأتاوات والمخدرات وراء صِدام الجماعات الشيعية في ميسان

ويختتم: "من هنا يمكن القول إنّ الانتهاكات الحقوقية التي تمارسها قوات الحشد الشعبي، تحديداً الفصائل الولائية التي تسيطر عليها، سياسياً وعسكرياً وعقائدياً، تمثّل جزءاً أساسياً من إستراتيجية السيطرة والتحكم بالدولة والمجتمع، بغضّ النظر عن الانتماءات الطائفية والدينية والعرقية للضحايا".

وإلى ذلك، يوضح معهد واشنطن، أنّ أحد أكبر التحديات التي يطرحها الحشد الشعبي يتمثل في القيادة والتحكم، وقد اعتادت هذه القوات تخطي صلاحياتها وتنفيذ العمليات دون علم الحكومة، موضحاً أنه في تشرين الأول (أكتوبر) 2019، تورّط قياديون بارزون ووحدات رئيسة من الحشد الشعبي في قتل متظاهرين عراقيين كثيرين، واحتجازهم بصورة غير قانونية. وشنّ بعض عناصر "الحشد" أيضاً هجمات بالطائرات المسيَّرة ضدّ دول مجاورة (مثل السعودية)، واستهدفت بعثات أجنبية داخل العراق، لكنّها جميعها نفت ضلوعها في أيّ من تلك العمليات. وأدّت تلك الهجمات في النهاية إلى شنّ الضربة الأمريكية التي أودت بحياة قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، وقائد قوات الحشد الشعبي، أبو مهدي المهندس، مطلع عام 2020".

اقرأ أيضاً: هل غيّرت إيران استراتيجيتها في العراق؟

كما سيكون تسريح قوات الحشد الشعبي صعباً جداً، نظراً لوجودها العسكري والسياسي الكبير في العراق، وفق المعهد الأمريكي، ويتابع: "مع ذلك، هناك مجال للإصلاح، وسبق أن أظهر العراقيون إجماعاً كبيراً حول العديد من القضايا ذات الصلة. أما خريطة الطريق للإصلاح فتتألف من ثلاث مراحل حاسمة، أولاً: يعدّ إخضاع قيادات الحشد الشعبي للمساءلة ذا أهمية قصوى في تسهيل نجاح المؤسسة، وفي الوقت نفسه ضمان خضوعها لقيادة وتحكم السلطات الوطنية. ثانياً: إنّ الحشد الشعبي في حاجة إلى أدوار ومهام محددة، وهذا أمر يمكن تحقيقه في إطار مراجعة للدفاع الوطني بالتعاون مع الجهات المانحة الأجنبية. أما المرحلة الثالثة؛ فهي أبعد من ذلك: عملية إعادة انتشار تدريجية تعود فيها قوات الميليشيات من الميدان للخضوع لتدريب يحولها إلى قوة محترفة".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية