غياب الفاعلين الدوليين والمحليين يهدّد حوار بوزنيقة الليبي بالفشل

غياب الفاعلين الدوليين والمحليين يهدّد حوار بوزنيقة الليبي بالفشل


17/09/2020

شكوك كبرى تحيط بنجاح مؤتمر الحوار الليبي في بوزنيقة بالمغرب، ورديفه في مونترو بسويسرا، نتيجة عدّة أسباب، منها؛ غياب الأطراف الفاعلة في الداخل الليبي، والفاعلين الإقليميين والدوليين، والتوقيت السيئ الذي يأتي قبل عقد الانتخابات الأمريكية بأقل من شهر ونصف الشهر، في ذروة انشغال إدارة ترامب بملفات أخرى تزيد من شعبيته، ليس من بينها الملف الليبي .

وربما أدرك أطراف الحوار ذلك؛ فلم يناقشوا الملفات الخطيرة، مثل: إخراج المرتزقة، والترتيبات الأمنية، والسياسة الخارجية، ومستقبل الوجود التركي، واقتصروا على تقاسم المناصب السيادية التي نصّ اتفاق الصخيرات، في 2015، عليها.

من المخطط أن ينتقل الفرقاء الليبيون إلى مشاورات في جنيف لبحث تشكيل حكومة وحدة وطنية، وتشكيل مجلس رئاسي جديد، يتكوّن من رئيس ونائبَين يمثلون الأقاليم الليبية الثلاث

فضلاً عن ذلك، يبدو أنّ المصالح الشخصية هي من تحرّك المشاركين في الحوار؛ إذ يواجه كلٌّ من عقيلة صالح، وخالد المشري، خلافات مع شركائهم في المعسكر ذاته، وربما يسعيان، وخصوصاً المشري، إلى ضمان تأييد الوسيط المغربي لدور مستقبلي له، في مرحلة التسويات الجادة المرتقبة عقب الانتخابات الأمريكية.

اتفاق تقاسم المناصب السيادية

عُقدت في مدينة بوزنيقة المغربية جلسات حوار بين أطراف من الفرقاء الليبيين، حول تقاسم المناصب السيادية، في 6 أيلول (سبتمبر) الجاري، وضمّت وفد مجلس النواب الليبي، برئاسة عقيلة صالح، حليف الجيش الوطني بقيادة المشير حفتر، ووفد المجلس الأعلى للدولة برئاسة خالد المشري، أحد الأطراف الفاعلة في حكومة الوفاق في طرابلس، واختتمت اللقاءات في العاشر من الشهر الجاري، ومن المنتظر الإعلان الرسمي عن مخرجات الحوار.

الإخواني خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا

ووفق ما نقلته صحيفة "بوابة الوسط" الليبية من المشاورات، عن مصادر قريبة؛ فقد توصّل المجتمعون إلى آلية لتقاسم المناصب السيادية، وفق القسمة الجغرافية التقليدية لليبيا، وهي الأقاليم الثلاثة (برقة، طرابلس، فزان)، أو الشرق والغرب والجنوب. وتوافقوا على أن تكون مناصب النائب العام، وديوان المحاسبة، والمفوضية الوطنية العليا للانتخابات من نصيب المنطقة الغربية، ومناصب مصرف ليبيا المركزي، والرقابة الإدارية من نصيب المنطقة الغربية، والمحكمة العليا، وهيئة مكافحة الفساد من نصيب المنطقة الجنوبية، ولم يُحسم بعد مصير المؤسسة الوطنية للنفط، والمؤسسة الليبية للاستثمار.

اقرأ أيضاً: إخوان ليبيا خائفون.. ما علاقة الإعلام؟

ووفق تصريحات سابقة لوزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة؛ فالهدف من المحادثات هو تثبيت وقف إطلاق النار، وفتح مفاوضات لحلّ الخلافات بين الفرقاء الليبيين، دون طرح مبادرة شاملة.

العقبات الداخلية

ويواجه تطبيق مخرجات الحوار عقوبات عدّة؛ فالطرف الذي مثّل الغرب، المجلس الأعلى للدولة، لا يملك القدرة على إنفاذ ما اتفق عليه، فضلاً عن وجود شكوك حول نية خالد المشري، رئيس المجلس، وتنافسه مع السراج على تمثيل حكومة الوفاق، ووجود ميليشيات متعددة الولاء تهيمن على المؤسسات السيادية في طرابلس، بينما يبدو عقيلة صالح أكثر قدرةً على الالتزام بما تعهد به، حال التوافق مع الجيش الوطني بقيادة المشير حفتر على ذلك.

لا يتوقع الصحفي الليبي محمد إمحيسن نجاح الحوار، متسائلاً في تصريح لـ"حفريات": كيف سيطبقون المخرجات في ظلّ وجود مئات الميليشيات، متعددة الولاء، وبعضها يسيطر على المؤسسات السيادية؟

وحول العقبات التي تواجه تطبيق المخرجات، يقول المحلل السياسي الليبي، عمرو بو أسعيده: "إنّ غياب الحديث عن الترتيبات الأمنية حدث من جانب المجلس الأعلى للدولة، الذي يترأسه الإخواني، خالد المشري، كي لا يصطدم بشكل مباشر مع الميليشيات في الغرب، لأنّ الحديث عن ترتيبات أمنية يعني نزع سلاح هذه الميليشيات وتفكيكها".

ويتابع بو أسعيده، لـ "حفريات": "الجبهة الداخلية لحكومة الوفاق مفككة ومتصارعة، وكلّ طرف فيها يبحث عن تثبيت أقدامه في المشهد، فعندما شعر المشري بالتهميش بعد تصدّر السراج للمشهد، بعد إعلان وقف إطلاق النار، سارع إلى المشاركة في حوار بوزنيقة ليضمن دوراً كبيراً في الحكومة المقبلة".

وزير الخارجية المغربي (يمين)، ورئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، في المغرب

ولا يتوقع الصحفي الليبي، محمد إمحيسن نجاح الحوار، متسائلاً: "كيف سيطبقون المخرجات في ظلّ وجود مئات الميليشيات، متعددة الولاء في الغرب الليبي، وبعضها يسيطر على المؤسسات السيادية؟".

ويردف إمحيسن لـ "حفريات": "الطرفان اللذان يتفاوضان لا يمثّلان كلّ الأطراف الموجودة على الأرض، وبالتالي غير الممثلين سيعرقلون تنفيذ مخرجات الحوار، بل قد تردّ الميليشيات في الغرب بتفجير الوضع، أو خلق مشكلات تنسف أيّ جهود للحوار".

الموقف الدولي

ولم يحظَ حوار بوزنيقة أو مشاورات مونترو بدعم دولي كبير، على الرغم من مباركة جميع الأطراف الدولية والإقليمية للجهود ، صفتها خطوة في سبيل الحلّ السياسي، وتشارك الأمم المتحدة في رعاية الحوار، وهو أمر دأبت عليه في كلّ جولة حوار ليبية.

ومن المرجح أنّ مصر لا تعلق أهمية على هذا الحوار؛ إذ ترى القاهرة أنّ أية مبادرات، أو مشاورات، لا تعالج جذور الأزمة، وهي: إخراج المرتزقة الأجانب، ووقف التدخلات الأجنبية، ومعالجة الملفات الأمنية، وتوحيد المؤسسة العسكرية، لا يعوّل عليها، ولن تؤدي إلى حلّ للصراع.

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون في ليبيا.. كيف بدأت الحكاية؟

فضلاً عن ذلك؛ وجود الإخواني خالد المشري على رأس الحوار أمر لن تقبل به القاهرة، أو قوى إقليمية أخرى على صلة بالملف الليبي.

ويبدو  رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فايز السراج، ومنافس المشري، مدركاً لذلك؛ فأوفد إلى القاهرة وفداً من وجهاء مصراتة والغرب، من غير المنتمين للإخوان المسلمين، من بينهم مستشاره للأمن القومي، وأربعة نواب برلمانيين من طرابلس، والتقى الوفد بالمسؤولين المصريين، المسؤولين عن الملف الليبي.

اجتماعات الليبيين في بوزنيقة

ويرى المحلل السياسي الليبي، عمر بو أسعيده؛ أنّ خطوة السراج جاءت رداً على المشري، حيث أرسل وفداً خالياً من الإخوان إلى مصر لفتح أبواب للتفاهم مع أهم الدول الإقليمية الفاعلة.

وتؤكد هذه الخطوة عدم رضا القاهرة عن تصدّر الإخوان المسلمين لاتفاقيات الحلّ في ليبيا.

اقرأ أيضاً: ليبيا ضحية فيروس كورونا وطموحات تركيا

أما عن الموقف الأمريكي؛ فيرى بو أسعيده، في حديثه لـ "حفريات"؛ أنّ إدارة ترامب مشغولة بالانتخابات الرئاسية، وتفضّل أن يظلّ الوضع كما هو عليه لبعد الانتخاباتت، إلى جانب أنّ السفارة الأمريكية توصلت إلى اتفاق مباشر مع المشير حفتر حول استئناف إنتاج النفط وتصديره، بعد أن قدّمت ضمانات أمريكية بتوزيع عادل للإيرادات، وعدم وصول الأموال إلى الميليشيات بشكل مباشر.

وحول الموقف التركي، يقول بو أسعيده: "الموقف التركي رافض للاتفاق، بسبب تنازل الإخوان، وفد المشري، عن مصرف ليبيا المركزي لصالح وفد البرلمان، ونقل مقرّ المصرف من طرابلس، أي خروجه من تحت سيطرتهم".

ما بعد بوزنيقة

ومن المخطط أن ينتقل الفرقاء الليبيون إلى مشاورات في جنيف لبحث تشكيل حكومة وحدة وطنية، وتشكيل مجلس رئاسي جديد، يتكوّن من رئيس ونائبَين يمثلون الأقاليم الليبية الثلاثة، على أن تكون الحكومة مستقلة عن المجلس، ومقرّها مدينة سرت، وتتولى التمهيد لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية.

اقرأ أيضاً: ليبيا.. الحل في إبعاد تركيا

ولا يرى الصحفي الليبي، محمد إمحيسن، فرصة لعقد الانتخابات، فـ "جميع الأطراف الحالية لا ترغب في الانتخابات، فلا مصلحة لأحد فيها، سواء البرلمان أو المجلس الأعلى، أو الإخوان المسلمون، الذين يدركون فقدانهم للشرعية، فالذهاب لانتخابات سيخلق وضعاً جديداً يتعارض مع القائم".

ويشكّك بو أسعيده في جدوى لقاء بوزنيقة واللقاء المرتقب في جنيف قائلاً: "ما يعيب بوزنيقة وجنيف هو إعادة تدوير شخصيات جدلية في المشهد الليبي، أثبتت فشلها على مدار الأعوام الماضية، أمثال: عبد الحميد الدبيبة، نزار كعوان، عبد المجيد أمليقطه، وخالد المشري".

وكانت الأطراف الليبية قد توصلت إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، في 21 آب (أغسطس) الماضي، حين أعلن كلّ من رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس المجلس الرئاسي فائز السراج، وقفاً لإطلاق النار.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية