غسيل الأموال وتهريب النقد في العراق.. فساد الساسة والأحزاب وإيران

غسيل الأموال وتهريب النقد في العراق.. فساد الساسة والأحزاب وإيران


05/12/2020

بقي الفساد المالي مسيطرًا على المشهد الاقتصادي العراقي في مظاهر ومؤشرات مختلفة استمرت طيلة العقدين الماضيين منذ سقوط نظام صدام حسين وسيطرة ميليشيات إيران وفصائلها الشيعية على مشهد وكواليس السياسة هناك، فأصبح الفساد سمة اعتيادية أفادت تلك الطبقة ومشغليها في إيران على حساب الشعب العراقي الذي بلغ الصبر لديه مستويات كبيرة وصولًا لانتفاضة تشرين الماضية والتي كشفت الكثير من ملفات الفساد وطرائقه.. وفتحت الباب على مصراعيه حول قدرة الكاظمي أو أي جهة على إصلاح وتلافي ذلك الفساد في ظل مصالح تلك الميليشيات والطبقة السياسية..

في يوليو تموز المنصرم، أدرجت المفوضية الأوروبية العراق وبعض الدول الأخرى، ضمن قائمة الدول التي تشكل مخاطر مالية على الاتحاد بسبب التقصير الواضح في مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.

وكان البنك المركزي العراق ، أصدر عام 2019 ، ورقة إصلاحية بشأن نافذة بيع العملة الصعبة ، تضمنت مقترحات ومعالجات لتطوير عمل المزاد وتقليل أضراره دون تحقيق تقدم فعلي .

حيث ترتكز حساسية ملف مزاد العملة بسبب أنه المنفذ الوحيد لإخراج العملة الصعبة من البلاد، حيث يعد مرتكزاً للأمن الاقتصادي.. لكن الاتهامات ضد هذا المنفذ تجاوزت غسيل الأموال بدواعي التربح، بل أصبح واجهة عمليات مشبوهة أخرى تصل إلى حدود تمويل الجماعات المسلحة.

بيع الدولار

تتم عمليات بيع للعملة الصعبة “الدولار” خلال نافذة البنك المركزي، إلى المصارف والبنوك الخاصة وقطاعات التحويل المالي بهدف استيراد السلع والبضائع.. في خطوة تعدد الجدل حولها وارتفعت حدته بشكل مؤخرًا في حوادث متكررة

حيث تُتهم جهات وشخصيات تدير عدد من المصارف في الاستحواذ على إجمالي ما يتم بيعه.. وهنا تكمن الخطورة في نافذة البيع في العراق ، التي تتمحور – بحسب عدّة خبراء – ليس في استنزاف العملة الصعبة داخليًا وتسهيل عمليات غسيل الأموال، إنما في أن تكون مصادر تمويل لفصائل ومليشيات مسلحة ذات ارتباطات إقليمية ودولية.

تحقيقات في مزاد العملة

باشرت السلطات في بغداد تحقيقًا مستندًا لطلب أحد نواب البرلمان ضد ما يعرف بـ “مزاد العملة” في البلاد الذي يقوم خلاله المركزي العراقي ببيع النقد الأجنبي للمصارف التي بدورها تبيعه للتجار.

حيث قدّم محمد صاحب الدراجي، النائب البرلماني، شكوى للنائب العام العراقي جاء فيها: “تواردت معلومات عن عدم صحة الفواتير الخاصة بالاعتمادات المستندية للمصارف التي تتعامل ببيع العملة، وعدم قيام البنك المركزي العراقي بواجباته بفرض الغرامات والكشف عن الوثائق غير الصحيحة المقدمة من الشركات والأشخاص المستفيدين”..

ليؤكد الدراجي النائب – والوزير السابق – “عدم تطابق قيمة الواردات المالية الجمركية والضريبية نسبيًا مع قيمة المبالغ المحولة للخارج عن طريق بيع الدولار في نافذة بيع العملة”.

فقد ذكرت إحصائيات رسمية، أن مبيعات البنك المركزي العراقي لعام 2019، من الدولار وصلت 44 مليار دولار حيث وصلت ما يقارب 150 مليون دولار يوميًا..

وتجري العملية المذكورة لتغطية استيراد المواد والسلع التي تحتاجها البلاد، بالإضافة لتثبيت سعر الدينار، فيما بلغ – حسب بيانات رسمية- حجم الاستيراد في نفس العام 18 مليار دولار ، ما يعني – بحسب المراقبين –  اختفاء نحو 26 مليار دولار!!

ملف مجهول وخطير

اعتبر يونس الكعبي، نائب رئيس مركز القمة للدراسات الإستراتيجية، في تعليق مع “العين الإماراتية” أن مزاد العملة “يعتبر من أخطر ملفات الفساد المجهولة في العراق المجهولة..  لارتباطها بمصالح حزبية لها امتدادات إقليمية ودولية “.

الكعبي في حديثه مع الصحيفة أن “الأحزاب تمول نشاطها من فساد مزاد العملة الذي يعد مصدر ربح لمصارف أهلية تتخذها جهات سياسية متنفذة كواجهة “، ليشدد المختص على “ضرورة منع احتكار الجهات السياسية للبنك المركزي.

بدوره، ناظم طاهر، الخبير الاقتصادي العراقي، اتهم جهات متنفذة بالسيطرة على نافذة بيع العملة الصعبة منذ 2003، تمثل مصالح اقليمية ودولية في العراق .

ليتابع في حديثه لذات الصحيفة قائلًا: “مستويات البيع في الأسواق المحلية ارتفعت منذ 3 أعوام تزامنًا مع العقوبات التي المفروضة على إيران وتدهور الاقتصاد التركي”.

تهريب مئات المليارات

قبل عام، وبحسب تقرير للـ “الصباح الجديد” المحلية، فضح مسؤول عراقي “عبر وثائق ومستندات” عن تهريب 330 مليار دولار من العراق.. بطرق رسمية وذرائع غير صحيحة؛ عبر استغلال مناخ الفساد الذي أتعب العراق..

ليعلن “علي حمه صالح” النائب ورئيس كتلة التغيير في برلمان كردستان العراق، امتلاكه وثائق وأدلة تؤكد تهريب 330 مليار دولار من أموال العراق الى الخارج عبر بنوك في العراق وإقليم كردستان العراق..

النائب وفي حديثه مع الصحيفة، أكد امتلاكه عشرات الأدلة والمستمسكات الرسمية على تهريب مئات المليارات من أموال الشعب العراقي الى الخارج بحجة استيراد مواد وبضائع أجنبية.. حيث قال: “لديّ 330 وثيقة حول تهريب الأموال من العراق واقليم كردستان منذ عام (2006 ولغاية 2014).. حيث أسهمت أربع بنوك في اقليم كردستان، تمتلك ترخيصًا من البنك المركزي العراقي، بتهريب جزء كبير من هذه الأموال” ليبين “صالح” حينها، استعداده لتقديم تلك الوثائق، الى الجهات المعنية، اذا وافق المسؤولون في حكومة الاقليم.

وتابع شارحًا.. إن إحدى النقاط الحدودية في اقليم كردستان ساهمت بإعداد الأوراق المزورة لتهريب الأموال من العراق، بحجة استيراد السلع والبضائع من الخارج، التي أعدت لها أوليات مزورة لضمان تهريب الأموال عبر بعض البنوك.

ثم استدرك رئيس كتلة التغيير، معبرًا عن تخوفه من عرض تلك الوثائق إلى الرأي العام، وما تمثله من خطورة كرد فعل إذا ما تم الكشف عن الأشخاص المتورطين بتهريب مئات الملايين من الدولارات الى الخارج.

تساؤلات واستغراب

كشفت اللجنة المالية النيابية – قبل 4 أشهر – عن حجم احتياط المركزي العراقي من العملة الأجنبية وسبائك الذهب.. حيث حذرت من تلاعب بالاحتياط من قبل جهات متفذة.

“أحمد الصفار ” مقرر اللجنة النيابية، كشف لـ “شفق نيوز”، أن “احتياط البنك المركزي وصل إلى 87 مليار دولار، ولا يضم النقد والعملة الأجنبية فقط إنما يضم سبائك الذهب”

مقابل تلك التصريحات، تساءل تقرير لـ “صوت العراق”

عن مصير أكثر من 40 مليار دولار في فتره أقل من 4 أشهر.. حيث ذكر تقرير الموقع عن مصادر واشاعات ذكرت أن القيادات الشيعية الرئيسية اتفقت مع أمريكا عن تنازلها عن الحكم وهو يعني ( تنازل الشيعه) عن الحكم في الانتخابات القادمه لأنه أيضاً يكاد يكون من المستحيل إعادة انتخابها في الانتخابات القادمة في ضوء الدوائر الفردية واستحالة إيجاد الكتلة الأكبر في الدوائر الفرديه ” ضمن إشكاليات قانون الانتخاب العراقي وأزمة الشارع” .. معتبرًا أن ذلك التنازل مقابل تهريب أموال الاحتياطي من العملة الصعبة في البنك المركزي.. وما يدعم تلك الفرضية أن احتياطي العملة الصعبة في بنك لبنان المركزي قد زاد في التصنيف الأخير – أي في نفس الفتره التي فقد العراق فيها احتياطيه لأسباب مجهولة ومريبة – بحسب التقرير..

أصابع ومصالح إيرانية

تحول العراق إلى معبر لعمليات تهريب كبيرة للعملة الصعبة “الدولار” إلى إيران عن طريق “مزاد العملة” وتوصيلها لحسابات بنكية إيرانية، في خطوة منظمة تهدف إلى كسر الحصار الاقتصادي والعقوبات الأمريكية على إيران.

بعد تجدد العقوبات الأمريكية على طهران، أثر انسحاب ترامب من الاتفاق النووي عام 2018، عادت إيران لاستخدام العراق لكسر الحظر والالتفاف على العقوبات الأمريكية.. فأصبحت طهران تستنزف خزينة العراق بمئات الملايين من العملة الصعبة عبر صفقات وهمية وأخرى مشبوهة.. حيث أشارت تقارير أنها تستنزف ما متوسطه 350 إلى 600 مليون دولار عبر صفقات البورصة ومبيعات البنك المركزي العراقي.

وكانت الخزانة الأمريكية وبهدف مجابهة نشاط إيران غير الشرعية – والمقوضة لاستقرار الإقليم – فرضت عقوبات على 20 كيانًا عراقيًا إيرانيًا متهمة بتقدم الدعم لقوات فيلق القدس الإيراني.. وتقوم كذلك بنقل المساعدات إلى المليشيات العراقية الموالية لطهران كـ كتائب حزب الله العراقي، وميليشيات “عصائب أهل الحق” وأمثالها من الميليشيات التي تسيطر على بنوك عراقية وتهرب الدولار من المنافذ الحدودية.

وأثرت طهران بشكل سلبي على اقتصاد العراق عبر زرع الكثير من الشركات الوهمية والكيانات واتباع طرق التحايل في المنطقة على مدى سنوات..  فبنت علاقات تجارية واسعة، تقوم خلالها – على نحو واسع – بتصدير سلعها وتقبض أثمانها من داخل العراق.

حيث تنجز إيران مشاريع استثمارية برؤوس أموال ضخمة، تحاول عبرها تخفيف الحصار الاقتصادي عليها من خلال فتح بنوك تجارية في العراق، وتصدر الأسلحة للمليشيات، مع اتباع استراتيجية غسل الأموال عن طريق شركات للبناء والسياحة والنقل والشحن.

طرق وأدوات

يعتبر أسلوب ضخ عملة عراقية مزيفة “بكميات كبيرة” إلى أسواق العراق مع الطلب على الدولار.. أبرز طرق إيران لتحقيق غاياتها تلك..

أما أدوات التنفيذ فترتبط بـ “عناصر عسكرية” في الميليشيات والفصائل العراقية بالإضافة لضباط بالحرس الثوري الإيراني..  يضاف لذلك استخدام طهران لشركات وهمية تحقق استمرار نشاطها التجاري من جهة، ودعم المليشيات في أكثر من بلد بالمنطقة، من جهة أخرى، وفق ما تؤكده تصريحات وتسريبات لضباط ومسؤولين في الحكومة العراقية.

في تصريحات إعلامية لخبراء عراقيين، تبذل طهران كل جهدها لسحب العملة الصعبة من العراق كمحاولة للالتفاف على العقوبات الأمريكية المفروضة عليها.. كما يسمح لها بعرقلة الإجراءات التي يتخذها المركزي العراق لتعزيز العملة المحلية..

في حديث إعلامي خاص لإحدى الوسائل، قام به مسؤول في عمليات التحويل المالي في المركزي العراقي، رفض ذكر اسمه وصرّح موضحًا: “تستخدم إيران طرقًا مختلفة لسحب الدولار من الأسواق العراقية، فالطريقة الأولى هي عبر شراء العصابات الدولار من الشركات بكميات كبيرة، أما الطريقة الأخرى فهي عبر الشركات الإيرانية لبيع الحديد والإسمنت وقطع غيار السيارات والأجهزة الكهربائية والأغذية، والتي باتت تطرح أسعاراً أقل بنحو 20 أو 25 % في حال شرائها بالدولار الأمريكي”.

أما، عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار في البرلمان العراقي، ندى شاكر، أكدت لذات المصدر، وجود عمليات تهريب كبيرة للعملة الصعبة إلى خارج العراق، عن طريق مزاد العملة، حيث أوضحت أن “البنك المركزي يبيع يومياً كميات كبيرة من الدولار، لكن هذه الأموال تدخل ضمن خانة الفساد، فهناك الكثير من الوصولات والشركات الوهمية التي لا وجود لها، ومن ثم فإن هناك تسرباً وتهريباً للعملة الصعبة إلى خارج البلاد”.

لتبين شاكر: أن “البنك المركزي العراقي يمتلك مخزونًا كبيرًا من الدولار، ويبيع كميات كبيرة يوميًا من أجل السيطرة على سعر الصرف، على الرغم من توتر العلاقات الإقليمية بين الولايات المتحدة وإيران بعد فرض العقوبات الأمريكية على إيران”.

تراخ أمريكي

في حديث سابق مع “إندبندنت عربي”، قال عبد الرحمن المشهداني، أستاذ الاقتصاد السياسي في الجامعة العراقية، إن “كل العمليات المالية للعراق مراقبة من قبل الولايات المتحدة لكن هناك تغاضٍ واضح عنها”، حيث رأى أن “العراق بات بوابة لتخفيف الضغط على إيران وهذا يجري بمباركة أميركية”.

كاشفًا عن “دخول مصارف غير عراقية على منفذ بيع العملة بينها مصارف لبنانية وإيرانية تحصل على حصص يومية تقدر بنحو 5 – 8 مليون دولار”.

ثم أشار المختص أن “تعاملات العراق التجارية مع إيران لا تتم من خلال المنظومة المصرفية نظراً للعقوبات المفروضة عليها، وأغلب التعاملات تتم من خلال الدفع المباشر”، ليوضح أن “أدلة عدة على هذا من بينها الأرقام المضخمة جداً بما يخص استيراد الورود والطماطم والبطيخ بأسعار مبالغ بها تتجاوز حاجة العراق”.

أما عمليات غسيل الأموال التي تترتبط بمبيعات مزاد العملة في البنك المركزي، قدّر المشهداني أن تكون حصيلة غسيل الأموال من المبيعات اليومية للبنك المركزي بنحو “15 بالمئة”.. ليوضح أن “الحديث عن كون مزاد العملة بوابة للفساد وغسيل الأموال باتجاه الخارج يجري منذ عام 2010”.

ثم شرح الأستاذ الجامعي: “جهات سياسية نافذة تقف خلف المصارف التي تمتلك حصصًا من المزاد باتت أيضًا منافذ لتحويلات التجار ويشوب نسبة منها عمليات غسيل أموال”.

ليشير المشهداني إلى أنه “على الرغم من رمي البنك المركزي مسؤولية تلك العمليات المشبوهة على جهات أخرى لكنه لا يمكن أن يخرج من إطار المسؤولية”، مبيناً أن “عليه التدقيق بعد إثارة شبهات على مدى أعوام حول أن المزاد بات مساحة مفتوحة للفساد ومن المفترض استبعاد أي مصرف ترد عليه شبهات”.

ثم تابع: “أدلة عديدة على تقديم مصارف فواتير بأسماء شركات وهمية ويفترض أن تحال تلك الملفات إلى النزاهة، وهذا ما يثير التساؤلات عن عدم اتخاذ المركزي إجراءات صارمة”.

عن "مرصد مينا"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية