تجمّع عدد من ممثلي القوى السياسية المطالبة بتغيير النظام السياسي من البرلماني إلى الرئاسي، على غرار أنصار الدستوري الحر وحزب مشروع تونس (يترأس كتلة الإصلاح في البرلمان التي تملك 15 مقعداً)، وعديد من النقابيين والأكاديميين، للمشاركة في الاعتصام المفتوح الذي دعت إليه الهيئة السياسية لجبهة الإنقاذ في تونس، والتي تضمّ عدداً من الأحزاب السياسية والشخصيات الوطنية وحركة شباب تونس الوطني.
اقرأ أيضاً: النيابة العامّة التونسيّة تفتح تحقيقاً بعلاقة حركة النهضة بسجناء إرهابيين
ويرفع مناصرو هذا الاعتصام شعاراتٍ مندّدة بالنظام السياسي الإخواني، وبمحاولة حركة النهضة التغول داخل المنظومة التونسية وفي أجهزتها الوزارية.
النهضة تنجح في مدّ أذرعها داخل البلديات!
وفي سابقة هي الأولى، تقرّر في جلسةٍ استثنائيةٍ طارئةٍ إغلاق كافّة المنافذ المؤدية إلى ساحة باردو ومحيطها، ومنع كلّ التجمّعات والأنشطة بكلّ أنواعها إلى حين انتهاء الحجر الصحّي، وذلك قبل ساعاتٍ قليلةٍ من موعد الاعتصام، ومنعت القوات الأمنية المعتصمين، وعدداً من النشطاء السياسيين، من التوجه إلى ساحة باردو.
فاطمة المسدي: قرار منع دخول المعتصمين إلى ساحة باردو هو فضيحة دولة تقف وراءها حركة النهضة
خطوةٌ أثارت انتقادات واسعة، ورآها طيفٌ واسعٌ من التونسيين، بمن فيهم معارضو الاعتصام، قراراً سالباً للحريات ولحقّ التظاهر، ووصفوها بـ "القرار السياسي الخطير"، وسط اتهامات للنهضة بالوقوف وراءه.
ورأى النائب المستقل، الصحبي بن فرج، في تصريحه لـ "حفريات"؛ أنّ ما حدث مستهجن ولا يليق ببلدٍ ديمقراطي، دفع أبناؤه شهداء من أجل حريّة التعبير فيه، التي كلّفته عشرة أعوام من التخلّف الاقتصادي والتفقير الاجتماعي، مشدّداً على أنّه يتعارض تماماً مع الدستور التونسي.
وهو ما دعمه وليد جلاد، النائب عن حركة تحيا تونس، التي يقودها يوسف الشاهد، الذي شدّد، في تصريحه لـ "حفريات"، على ضرورة احترام الدستور وتطبيق كلّ ما جاء فيه، وخاصّة البنود المتعلّقة بالحقوق والحريات، في مقدّمتها حقّ التظاهر، وحرية التعبير، وإبداء الرأي، معتبراً ما حدث تعارضاً صارخاً مع مبادئ الديمقراطية.
من جانبها، وصفت فاطمة المسدي البرلمانية السابقة، وإحدى الداعيات إلى اعتصام حلّ البرلمان، قرار منع دخول المعتصمين إلى ساحة باردو بفضيحة الدولة، واتّهمت حركة النهضة بالوقوف وراءها، من خلال المجلس البلدي الذي اتّخذ هذا القرار بهدف منع إسقاطها.
اقرأ أيضاً: بوادر خلاف بين قطبي الإسلام السياسي في البرلمان التونسي
كما قال رئيس حركة مشروع تونس، محسن مرزوق، في تدوينة على صفحته بموقع فيسبوك: "إذا اعتقدت الأحزاب الحليفة في الحكومة وفي بلدية باردو، التي أخذت هذا القرار، أنّها ستوقف غضب الشعب من نظام الفساد والفضائح فإنّها مخطئة على طول".
من يدعم حراك حلّ البرلمان؟
ويجمع هذا الحراك "ائتلاف الجمهورية الثالثة" العديد من مناصري الرئيس التونسي، قيس سعيّد، وقياداته الأولى في حملته الانتخابية التي انتهت بفوزه بالرئاسة، في 13 تشرين الأول (أكتوبر) 2019، وقامت على فكرة تغيير النظام السياسي إلى رئاسي، ما دفع عديد المتابعين إلى ترشيح سعيّد كلاعبِ سياسيٍ جديدٍ في المشهد التونسي.
جمعي القاسمي: مطالب حلّ البرلمان مشروعةً وتجد لها صدىً لدى عددٍ كبيرٍ من القوى السياسية والاجتماعية
وقد أطلق ائتلاف الجمهورية الثالثة على نفسه اسم "حراك الإخشيدي" (نسبةً للرئيس قيس سعيّد)، وتتزعمه نصاف الحمامي، مديرة حملة سعيّد في الانتخابات الرئاسية، التي فاز بها بنتيجة كبرى تجاوزت 70% من مجموع الأصوات.
ومن مطالبه؛ حلّ مجلس نواب الشعب من طرف رئيس الجمهورية، طبقاً لمقتضيات الفصل 77 من الدستور، وتكليف حكومة تصريف أعمال من الكفاءات غير المتحزبة، فضلاً عن تكليف لجنةٍ من رجال القانون الدستوري، من طرف الرئيس أيضاً، لصياغة دستور جديدٍ يتضمن التوازن بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وتعديل النظام الانتخابي لتكريس التمثيلية الحقيقية للشعب، إلى جانب فتح ملفات التمويلات المشبوهة للأحزاب والجمعيات، وفي مقدمتهم حركة النهضة.
ويرى ممثلو هذا التحرّك؛ أنّ الوضع السياسي الذي تعيشه تونس هو "انعكاس للدستور الكارثي، الذي أتى بنظام سياسي لقيط خرّب الدولة وعطّل مؤسّساتها، خاصة بعد تأخّر إرساء المحكمة الدستورية، التي تعدّ حجر الزاوية للجمهورية، باعتبار دورها الرقابي لتكريس علوية القانون".
وحول أهدافه؛ يؤكد منسقه العام، مروان بالوذنين؛ أنّ تجمّعهم سيكون لرسم تاريخٍ جديد يقطع مع الماضي ومع الخيانة ومع الفساد ومع الاستبداد والاستعمار الجديد، في إطار استرجاع دولة القانون وبناء الجمهورية الثالثة، خاصّة لاسترجاع الوطن ممن قال إنّهم خانوا الأمانة.
اقرأ أيضاً: إخوان تونس يوظفون أجهزة الدولة لخدمة داعميهم الإقليميين
في السياق ذاته؛ استنكر فتحي الورفلي، الناطق الرسمي باسم "جبهة الإنقاذ الوطني"، التي تكوّنت هي الأخرى من أجل المطالبة بحلّ البرلمان، في تصريحه لـ "حفريات"؛ منع قوات الأمن وصول حافلات تقلّ مواطنين من بعض المحافظات للمشاركة في الاعتصام، متهماً حركة النهضة وزعيمها، راشد الغنّوشي، بالوقوف وراء ذلك.
هل تنجح تحرّكات حلّ البرلمان؟
ويُعدّ هذا التحرّك، الذي أعدّت له كلّ من تنسيقية حراك الرابع عشر من حزيران (يونيو)، وائتلاف الجمهورية الثالثة، الثالث من نوعه الذي يدعو إلى حلّ البرلمان في أقلّ من شهرٍ، بعد تنسيقية 1 حزيران (يونيو)، بقيادة المحامي عماد بن حليمة، وحراك "الإخشيدي" 1 حزيران (يونيو).
عبد الله العبيدي: من الوارد جدّاً حلّ البرلمان نظراً لوجود جهات من داخله تدفع في هذا الاتّجاه
ويصرّ منظمو الحراك على حلّ البرلمان ويحملونه مسؤولية ما آلت إليه أوضاع البلاد، على غرار اعتراضهم على النظام المعتمد بموجب دستور 2014، خاصّةً بعد ترهّل المشهد الذي أصبحت تتقاذفه الصراعات الأيديولوجية داخل البرلمان.
وحول ما إذا كان هذا الحراك قادراً على الوصول إلى أهدافه، قال المحلل السياسي، جمعي القاسمي، في تصريحه لـ "حفريات": إنّ مطالبه مشروعة، وتجد لها صدىً لدى عددٍ كبيرٍ من القوى السياسية والاجتماعية، بحسب المواقف والتصريحات المعلن عنها، بدءاً بدعم رئيس حركة مشروع تونس، محسن مرزوق، وكذلك تضامن رئيس البرلمان السابق، مصطفى بن جعفر، غير أنّ استنادها فقط إلى العامل الافتراضي، أفرغها من محتواها، وجعلها ضعيفةً أمام السلطة التي باتت مصمّمةً على منع كلّ من يخالفها الرأي.
اقرأ أيضاً: "تونسة" النهضة أم "أخونة" تونس؟
ولفت القاسمي إلى أنّ عملاً نضالياً بهذا الشكل كان يحتاج إلى تهيئة الظروف الميدانية، وحشد ميداني بمجهودٍ أكبر، حتى يبرز، فيما لم يستبعد إمكانية نجاحه، خاصّةً أنّ القائمين على التحركين ما يزالون يدرسون أشكالاً أخرى للتحرّك بعد أن أغلقت السلطات في وجههم ساحة البرلمان.
كما رجّح الدبلوماسي السابق والمحلل السياسي، عبد الله العبيدي، إمكانية حلّ البرلمان، أو على الأقلّ تفكّك منظومة الحكم الحالية، نظراً إلى وجود جهات من داخل البرلمان تدفع في هذا الاتّجاه، على غرار كتلة الحزب الدستوري الحر (16 نائباً)، وقلب تونس (27 نائباً)، إلى جانب نوابٍ مستقلين آخرين.
اقرأ أيضاً: تونس: الغنوشي تحت قصف الحلفاء والخصوم.. هل انتهى زعيم النهضة سياسياً؟
وقال العبيدي في تصريحه لـ "حفريات"؛ إنّ تأزم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وتراجع الوعي لدى الطبقة السياسية، بالإضافة إلى تغيّر الخربطة الجيوسياسية، والتحالفات الإقليمية، كلّ ذلك قد يساعد في وصول تحرّكات حلّ البرلمان إلى أهدافها، لافتاً إلى أنّ رئيس البرلمان، راشد الغنّوشي، نفسه غير راضٍ عن تركيبة الائتلاف الحكومي، ويسعى إلى تغييره، ما قد يمهّد إلى تغيّر المشهد برمّته.
جديرٌ بالذكر؛ أنّ تونس شهدت سابقاً اعتصاماً مشابهاً، تحت اسم "اعتصام الرحيل"، في صيف 2013، للمطالبة آنذاك برحيل حكومة حركة النهضة الإسلامية، التي ترأسها علي العريض، بعد اغتيال النائب بالمجلس التأسيسي محمد البراهيمي، وانتهى بحلّ حكومة الترويكا.