اتهامات تلاحق موائد الرّحمن في مصر: عمل خير أم غسل أموال؟

شهر رمضان

اتهامات تلاحق موائد الرّحمن في مصر: عمل خير أم غسل أموال؟


12/05/2019

تكثر ظاهرة موائد الطعام في رمضان، وتشتهر باسم "موائد الرحمن" التي تقام في العديد من الأحياء والمساجد، وتختلف المائدة باختلاف المنطقة المقامة فيها، لإطعام الصائمين والمغتربين. ويأتي اتساع رقعة موائد الرحمن مع اتهامات بأنها لا تهدف للخير وإنما هي جزء من مشروع غسل أموال.

اقرأ أيضاً: رمضان في اليمن.. أسواق خالية وجبهات مزدحمة بالرصاص
ولعلّ مشاهد تكدّس الفقراء حول موائد الرحمن يومياً في رمضان تخلق سؤالاً مُلحّاً، يراود الذهن مراراً: "هل يجب أن يشبع الفقراء شهراً واحداً في العام؟".
تكثر ظاهرة موائد الطعام في رمضان، وتشتهر باسم "موائد الرحمن"

موائد الفقر
تتزايد أعداد الوافدين إلى موائد الرحمن في رمضان، سيمّا في المناطق الشعبية التي تحظى بالنسبة الأكبر من الفقراء، وبين رداءة الطعام وتكدّس الباعة الجوالين بأحياء القاهرة القديمة؛ إذ تُفترش موائد الطعام طيلة شهر رمضان، حيثُ تُمّول تكلفة الطعام بواسطة الأثرياء، أو بعض رجال الأعمال، وبعضها تموَّل من قبل الفنانين، الذين يسارعون إلى إقامة العديد من الموائد في مناطق عدة داخل القاهرة، وبين جدل الخير في شهر الرحمة، وإهانة الكرامة للفقراء، تبقى موائد الطعام الرمضانية سجالاً بين المؤيدين والمعارضين للفكرة.

معارضون لموائد الرحمن في مصر: أصحاب رؤوس الأموال يستثمرون الكثير منها في غسل أموالٍ مشبوهة

"احنا بنستناها من السنة للسنة عشان نشبع عيالنا ونأكلهم لحمة، وأهو يشوفوا اللحمة شهر في السنة بعد ما بقت بـ 200جنيه"؛ كان هذا تعليق جابر أمين على موائد الرحمن، لـ "حفريات"، والذي يعمل "بنّاءً"، ويتأرجح دخله بين يوم عمل والعديد من أيام البطالة، فموائد الرحمن تعدّ فسحة له ولأطفاله ينتقي كل يوم مائدة في منطقة مختلفة، لينعم هو وأسرته بأكل اللحم الذي عزّ عليهم شراؤه بعد ارتفاع أسعاره بشكل كبير في مصر.
ولكنّ السؤال الأكثر تردداً في الأذهان: لماذا يجوع الفقراء بقية العام إذا كان هناك المزيد من الأموال لإشباع جوعهم طوال العام؟
الكاتب والباحث الاقتصادي، أحمد سعيد، يقول في إجابته عن هذا السؤال لـ "حفريات": "لقد قسمت النيوليبرالية مصر إلى قطبين متوازيين، الفقراء الذين يزداودن فقراً يصل حدّ الجوع، بينما تتكدس ثرواث الأغنياء التي تفيض كلّ الفيض عن احتياجاتهم؛ بل ربما تكفي للإنفاق على أجيالهم القادمة، ليصبح البؤس مظهراً طبيعياً لدى الناس؛ بل بات الفقر مقبولاً مستساغاً، فصار الأغنياء هم أصحاب البر والإحسان الذين ينفقون من أموالهم لإطعام الفقراء، وكلّ هذا للحصول على مزيد من الحسنات في الشهر الكريم".

اقرأ أيضاً: الهند في رمضان.. كيف يبدو الصيام هناك؟
وأضاف سعيد "لقد بلغت براغماتية الأثرياء المنتهى مع الله، إنّ ما كرسته مفاهيم الملكية الخاصة التي غيّرت الطبيعة الإنسانية، وجعلت الفقر المزري والثراء الفاحش مظاهر طبيعية، لا يتزن المجتمع من دونها، فمن الطبيعي أيضاً أن تصبح موائد الإفطار في رمضان أعمال فضل كبير من أصحاب رؤوس الأموال، الذين يستعمل الكثير منهم تلك الموائد في غسل أموالٍ مشبوهة".

اقرأ أيضاً: مبادرة إماراتية رمضانية نوعية ومهمة.. هذه أهدافها
الكاتب الصحفي، السيد الغضبان، يؤيد المعترضين على فكرة موائد الرحمن، حيث قدم في عدة مقالات له، كلّ عام في رمضان، منذ عام 1996، رؤيته عن موائد الرحمن، التي يلتف حولها أكثر من 6 ملايين مصري، يزدادون عاماً تلو الآخر، بالتوازي مع زيادة الفقر. وينتقد الغضبان مظاهر الاستعراض التي تقام بها موائد الرحمن؛ "لأنّها ليست سوى شكل من أشكال الإهانة للفقراء الذين تدفعهم الحاجة إلى التكدس في مظهر غير لائق بالشعب المصري، الذي يعاني أبناؤه من الجوع". ويعتقد أنّه من المهم أن يتم التفكير خارج هذا الإطار التقليدي، "فلو استخدمت تلك المليارات التي تنفق كلّ عام على الموائد في صنع نمط إنتاجي مختلف، لنجحت في القضاء على الفقر بدل إعادة انتاجه، فطالما أنّ الإنتاجية في مصر ضعيفة، سيظل الفقر في تزايد، وسيزداد الفقراء، بينما يتمادى الأثرياء في التباهي بأعمال الفضل والإحسان التي يقيمونها في رمضان".

 الحديث عن موائد الرحمن ينبغي أن يكون في إطار رياء الأغنياء بفضائلهم أمام الناس

فقر الموائد
في رمضان تُنشد الأشعار في  فضائل الشهر الفضيل، وتنهمر المحاضرات والخطب عن الغاية العليا للصيام، ليتشارك الناس جميعاً المشاعر ذاتها، ويسود نوع من المؤاخاة بين جميع المسلمين.

مصر حلّت في المركز الثامن ضمن قائمة من خمس عشرة دولة هي الأسوأ في توزيع الثروة حول العالم

ورغم أنّ البعض يرون أنّ ما تعكسه موائد الرحمن في رمضان، هو مظهر من مظاهر الرحمة والعطف تجاه الفقراء، إلّا أنّه، في نظر بعضهم، ليس سوى انعكاس طبيعي لظاهرة الازدواجية الاقتصادية والطبقية التي يحياها المجتمع المصري، وهو ما أكده، لـ "حفريات"، الباحث والكاتب الدكتور رائد سلامة، حيث "لا يمكن أن تتحقق المساواة بين الناس في ظلّ علاقات الإنتاج الحالية للنظام العالمي، وفي ظلّ هذا التوحش النيوليبرالي في مصر، وما خلفته من فجاجة الازدواجية بين الطبقات، فإنّ الحديث عن المساواة بين الناس في رمضان هو ضرب من ضروب الخيال".
وتساءل سلامة: "أي مساواة حين تكتظ الموائد بالفقراء والمحتاجين وتكتظ المطاعم الفاخرة والخيم الرمضانية على ضفاف النيل بالأثرياء الذين ينفقون على إفطار عائلاتهم ربما ما يساوي قيمة مائدة يأكل عليها مئات الأشخاص، وربما تتضمن أطعمة رديئة وفاسدة، كما تناولت العديد من الصحف الكشف عن لحوم وأغذية فاسدة تطهى في موائد الرحمن لبعض الأحياء الفقيرة"؟

اقرأ أيضاً: عادات المصريين في رمضان بعيون الرحّالة الأجانب
وأردف "إذاً، الحديث عن موائد الرحمن ينبغي أن يكون في إطار رياء الأغنياء بفضائلهم أمام الناس، أو من يحاولون غسل أموال غير مشروعة في إطار البرّ والإحسان، ولعله يكون مفتاحاً لتساؤل أكثر أهمية، هو: إذا كان الأغنياء يدركون أنّ هناك هذا القدر من الفقر والجوع، فلماذا لا يشبع الناس إلّا في رمضان، أم أنّ الحق في الطعام أصبح منحة يطلبها الفقراء من أصحاب الثروات المتكدسة؟!".
وفي هذا الصدد، يشرح كتاب "الفقر في عواصم العالم النامي"، الصادر عن جامعة كولومبيا، للباحث وأستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، أساف بابان، آلية الفقر في مصر؛ فبينما تزداد نسبة الفقراء عاماً تلو الآخر، طبقاً للمؤشرات الاقتصادية، هناك الملايين في مصر يبيتون في العراء ولا يجدون مسكناً، رغم رواج الاستثمارات العقارية في المدينة، كذلك فإنّ ما يقرب من 8% من المصريين يتناولون وجبة واحدة في اليوم، لا تلبي احتياجات الجسم من العناصر الغذائية المطلوبة.

اقرأ أيضاً: رمضان و"الربيع العربي"
وفي إطار بيانه لدور منظمات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية، يتناول الكتاب حي السيدة زينب؛ الذي توجد فيه 105 منظمة وجمعية خيرية، إسلامية ومسيحية، لخدمة أهالي المنطقة، بينما يظل الفقر في توغّل، ويستفيض الباحث في استعراض سيكولوجية الفقراء في مصر، مردفاً: "فقراء مصر يتميزون عن نظرائهم في العالم بأنّهم لا يتذمرون من فقرهم، ويتكيفون مع نمط الحياة الفقير من كلّ الاحتياجات، التي تعد مقوماً أساسياً في هرم الاحتياجات الإنسانية، بينما يُنفق على موائد الإفطار الرمضانية أكثر من مليار جنيه كلّ عام، وهو ما يكفي للقضاء على الفقر، وضمان بعض الكرامة لمن تهدر كرامتهم على موائد الفقر والاحتياج في الشوارع والميادين المصرية".

الثروات والإنتاجية

ويوضح تقرير "كريدي سويس"، المختص بتوزيع الثروة لعام 2017؛ أنّ مصر حلّت في المركز الثامن ضمن قائمة من خمس عشرة دولة هي الأسوأ في توزيع الثروة حول العالم، ما أعقبه القائمة التي نشرتها مجلة "فوربس"، لعام 2017؛ والتي ضمت أغنى عشرين رجلاً على مستوى العالم، وكان فيها 7 مصريين هم الأكثر ثراءً! ربما كان هذا تدرجاً طبيعياً ومتوقعاً عن تقرير الثروات العالمي، الصادر عام 2014، والذي تضمّن أرقاماً دقيقة، أوضحت أنّ "72.3% من قيمة الثروات في مصر يذهب لـ 10% فقط من المصريين، مع افتراض أنّ الدخل المطلوب لمعيشة كريمة يبدأ من 482 جنيهاً مصرياً.
وعام 2016؛ جاء تقرير مفصل، أصدره الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر، حول العلاقة بين الدخل والاستهلاك في الشرائح الاجتماعية المختلفة، والذي عكست أرقامه هذا التفاوت الكبير في توزيع الدخول في مصر. وأوضحت الدكتورة، نعمات أحمد، أستاذ الإحصاء بجامعة الأزهر، وأحد مستشاري الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، لـ "حفريات" أنّ "التفاوت الذي تعكسه الأرقام في معدلات الأرقام المختلفة من الاستهلاك، يوضح التفاوت الضخم الذي يعيشه المصريون على مستوى دخولهم، فبينما تمضي قدماً خطط الإصلاح الاقتصادي والسياسات الاقتصادية التي تحاول الحدّ من الفقر، نتفاجأ بزيادة المعدل عاماً تلو الآخر، فمن الواضح أنّ هذه السياسات تحقق نقيض الهدف المعلن للعامة".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية