شكلت دائماً منفى سياسياً للجماعة.. إلى أين وصلت الحرب الأوروبية على الإخوان؟

شكلت دائما منفا سياسيا للجماعة.. إلى أين وصلت الحرب الأوروبية على الإخوان؟

شكلت دائماً منفى سياسياً للجماعة.. إلى أين وصلت الحرب الأوروبية على الإخوان؟


29/01/2025

يشكل تزايد عدد الحكومات ذات التوجه اليميني في المجال الأوروبي تحدياً غير مسبوق لجماعة الإخوان، خصوصا أن أوروبا شكلت دائماً بالنسبة إليها مجالاً واسعاً للحركة والعمل، ومنفى سياسياً، مُستفيدةً من مناخ الحريات الموجود في القارة.

فقد بات تنظيم الإخوان يواجه ضغوطا صعبة في داخل أوروبا تتعلق باستمرار القيود والضوابط على نشاطه وتجفيف مصادر تمويله بدأت قبل سنوات من النمسا ثم فرنسا فألمانيا وبريطانيا التي يعتبرها التنظيم معقله الرئيسي.

وقد تحدثت تقارير أوروبية عن أن لجنة  فرنسية بصدد إعداد تقرير لجمع الأدلة ضد الجماعة، حيث من الواضح من خلال تصريحات وزير الداخلية، وموقف الرئيس ماكرون، أنَّ السلطة الفرنسية قد حسمت موقفها السياسي من الجماعة، وتحتاج فقط أسانيد قانونية ومعلوماتية لكي تتوجه نحو خطوة أكثر تشدداً في التعامل معها. 

وستشمل التحقيقات الجوانب الأوروبية لنشاط الجماعة، وروابطها مع جذورها العربية، لذلك سيكون عمل اللجنة دولياً، وسيشمل قطعاً دولاً عربية، وذلك وفق دراسة صادرة عن مركز الإمارات للسياسات سيناريوهات استمرار الجماعة في ضوء المواجهة مع السلطات الفرنسية، تحت عنوان: "من الاستيعاب إلى الحظر: آفاق المواجهة بين فرنسا وجماعة الإخوان المسلمين"، للباحث أحمد نظيف.

التهديد ينبع من مجموعة واسعة من الجماعات التي تتفق جميعها على تبرير استخدام القوة المادية لتحقيق أهدافه

ومن المتوقع أن ينتهي التقرير باتخاذ السلطات قراراً بحظر نشاط الجماعة في فرنسا، وهو ما يُمكن أن يشجع دولاً أوروبية أخرى على القيام بالخطوة نفسها. لكنّ هذه الخطوة، وبقدر ما ستحققه من ريع سياسي لإدارة الرئيس ماكرون، إلا أنّها يمكن أن ينتج عنها تداعيات أمنية على البلاد في المدى المنظور.

فرنسا تواجه آخر معاقل الإخوان

ومؤخرا، بات نفوذ تنظيم الإخوان الإرهابي في قطاع التعليم الفرنسي الخاص، في أضعف حالاته مع مطلع العام 2025، وذل في ظلّ انتهاكات خطيرة للالتزامات التي يشملها قانون مناهضة الانفصالية الإسلاموية الذي يُحارب التطرّف، بعد فسخ العقود مع مدارس الكندي وابن رشد وابن خلدون.

ويعكس إنهاء جميع العقود التي تربط وزارة التربية والتعليم الفرنسية، بمجموعة مدارس دينية يُديرها الإخوان بشكل مباشر أو عبر وكلاء لهم، جدّية الدولة الفرنسية في تحجيم دور الجماعة الإرهابية في المُجتمع الفرنسي وخاصة بين الجاليات المُسلمة.

وأكدت تحقيقات أجهزة الأمن الفرنسية، وجود تأثير قوي للإخوان المسلمين على المدارس الإسلامية الخاصة. وإذا ما أثبت القضاء الإداري الذي توجّه له الإخوان بهدف المماطلة أنّ الدولة الفرنسية على حق، فلن يتم بعد اليوم التعاقد نهائياً مع المزيد من المدارس والثانويات الإسلامية في فرنسا.

وقبل أيّام، صدر قرار نهائي من محافظ إقليم "أوفيرني-رون-ألب" فابيان بوتشي، بإنهاء العقود الثلاثة التي تربط الدولة بالمدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية، قُرب مدينة ليون، وذلك بسبب عدّة خروقات واعتداءات على قيم الجمهورية

والكندي آخر مجموعة مدارس تُروّج للإسلام السياسي سطاقد عليها في فرنسا، وذلك بعد أنّ تمّ العام الماضي إغلاق مدرسة ابن رشد الثانوية المعروفة في مدينة ليل، والتي خضع مسؤولوها لتحقيقات تتعلق بالفساد وبسبب صلاتهم بالأصولية الإسلاموية، وبشكل خاص تنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي من خلال مسجد فيلنوف داسك، المسؤول عن رابطة إخوان شمال فرنسا.

وتسلك السلطات الفرنسية مسلكاً أمنياً أكثر شدةً تجاه الجماعة، فقد عبّر وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان، الذي يقود هذا النهج الجديد تجاه الإسلاميين في البلاد، منذ عام 2022، عن رغبته في فتح مواجهة شاملة ضد الجماعة بعد أن وصفها في جواب برلماني بأنّها "تُظهِر تغلغلاً متزايداً في فرنسا، مع إفلات كامل من العقاب، ليس فقط على المستوى الديني، بل أيضاً على المستوى السياسي والتعليمي والاجتماعي.

وزير الداخلية الفرنسي: جيرالد دارمانان

وقد شرعت الأجهزة الأمنية الفرنسية منذ ذلك الوقت في ملاحقة بعض المؤسسات التابعة للجماعة قضائياً، والتحقيق في مصادر تمويلها، مثل مراكز تدريب الأئمة والجمعيات الحقوقية.

ويتوقع مراقبون أن تقود إدارة ماكرون حملةً سياسية لإقناع جيرانها الأوروبيين بوضع الجماعة تحت الضغط السياسي والمالي والقانوني.

أحزاب ألمانية تبني برامجها الانتخابية على محاربة الإخوان

يبرز ملف مكافحة تنظيمات الإسلام السياسي، وفي مقدمتها، جماعة الإخوان الإرهابية، كأحد القضايا الانتخابية البارزة في ألمانيا، خلال الحملة الدعائية المستمرة حاليا، وذلك قبل شهر واحد يفصل ألمانيا عن انتخابات مفصلية.

ووفق ما رصد موقع "العين الإخبارية" للبرامج الانتخابية للأحزاب الرئيسية، فقد تصدّر الاتحاد المسيحي استطلاعات الرأي بفارق نحو 10 نقاط عن صاحب المرتبة الثانية (البديل لأجل ألمانيا)، هو التكتل الأكثر قوة في ملف مكافحة الإسلاموية، إذ طرح أفكارا أكثر، واستخدم لغة قوية.

وجاء في برنامج الاتحاد المسيحي المكون من 82 صفحة، بحسب "العين الإخبارية": "نحن ننظر إلى التهديدات المتطرفة المتزايدة بزاوية 360 درجة. فنحن نكافح كل أشكال التطرف والعنف والإرهاب بكل قوة". 

ومن ضمن الإجراءات التي حددها الحزب؛ أن دعم المنظمات الإرهابية جريمة يعاقب عليها القانون وإتخاذ إجراءات ضد مرتكبيها: الطرد، وإلغاء تصاريح الإقامة، وفقدان الجنسية الألمانية، ونص على إغلاق المساجد التي تدعو إلى الكراهية ومعاداة السامية.

كما جاء في الإجراءات أنه "لا يوجد فراغ قانوني للإسلاموية (يبدو نية لإتخاذ إجراءات ضد التصنيف التقليدي لبعض التنظيمات الإسلاموية مثل الإخوان، بأنها قانونية وغير عنيفة)، فضلا عن اتخاذ إجراءات ضد عرض الرموز المناهضة للدستور وكذلك التصريحات المناهضة للدستور والمعادية للسامية.

وتضمن البرنامج وضع حد للإسلام الذي يتم التحكم به عن بُعد، عبر وضع حد لتأثير الحكومات الأجنبية على المسلمين الألمان من خلال جمعيات المساجد والمنظمات الإسلامية.


يبرز ملف مكافحة تنظيمات الإسلام السياسي وفي مقدمتها جماعة الإخوان الإرهابية كأحد القضايا الانتخابية البارزة في ألمانيا

وتحت بند "محاربة أعداء دولتنا باستمرار"، وضع الاتحاد المسيحي، التنظيمات الإسلاموية، بل وكتب توضيحا جاء فيه: "الإرهاب الإسلامي والإسلام السياسي من الأخطار التي لا يُستهان بها". 

كما أضاف "إننا نلقي نظرة فاحصة على التربة الأيديولوجية التي تفرخ هذا التطرف السياسي ذي الدوافع الدينية. نحن لا نتسامح مع أي ملاذات آمنة ونغلق المساجد التي يتم فيها التبشير بالكراهية ومعاداة السامية. نحن نعمل على توسيع نطاق الأبحاث الأساسية في الجامعات في مجال الإسلاموية العنيفة وغير العنيفة ومواءمتها مع إجراءات سلطاتنا الأمنية".

أما الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم (حزب أولاف شولتز)، فقد وعد في برنامجه، الذي نقلته "العين الإخبارية" والمكون من 59 صفحة، بمحاربة الإسلاموية ”بكل قوة وصرامة“.

وكتب الحزب في موضع آخر، "في مكافحة التطرف، نعطي الأولوية للوقاية من أجل مكافحة النزعات المتطرفة والعداء للديمقراطية في مرحلة مبكرة".

واستطرد "سيتم وضع التدابير الوقائية وتنفيذها بطريقة هادفة من أجل القضاء على مثل هذه التطورات في مهدها. وستوفر لنا عمل فرقة العمل المعنية بمنع التطرف الإسلامي (فرقة مشورة في وزارة الداخلية) معلومات مهمة في هذا الصدد".

كما تعهد الحزب، بـ"حرمان الإسلاميين من مساحة الحركة والتمويل"، قبل أن يضيف "بذلك، نثبت بوضوح أن الإسلاموية ومعاداة السامية لا مكان لهما في ألمانيا".

إلى ذلك، اعتبر حزب البديل لأجل ألمانيا، في برنامجه المكون من 85 صفحة، أن "الإسلام السياسي، في شكله العنيف أحيانًا، يشكل أكبر تهديد للثقافة المسيحية الغربية في ألمانيا".

وحذر من أنه "إذا غضّ المجتمع الغربي الليبرالي الطرف عن الأخطار التي يشكلها الإسلام السياسي على الأمن الداخلي، فإن هذه الأخطار لن تتضاءل بل ستهدد وجود المجتمع الليبرالي ذاته.. سوف نواجه ذلك".

وقال "إن المطالبة العلنية بإقامة الخلافة التي يقوم بها بعض المسلمين الذين يعيشون في ألمانيا في المناسبات والمظاهرات التي ينظمونها، تتعارض تمامًا مع النظام الأساسي الديمقراطي الحر، وهي مخالفة للدستور؛ ويجب أن تُعتبر جريمة يعاقب عليها القانون".

هذا ويرى حزب الخضر أن الإسلاموية تشكل تهديدًا خطيرًا جدًا، إذ كتب في برنامجه المكون من 72 صفحة، "وفقًا للمكتب الاتحادي لحماية الدستور (الاستخبارات الداخلية)، يشكل التطرف اليميني حاليًا التهديد الأكبر. ويشكل التطرف الإسلامي تهديدًا خطيرًا للغاية".

وفي موضع آخر، كتب "من خلال الوقاية المبكرة، نمنع الناس من الانزلاق إلى التطرف.. نريد تأمين هذا العمل بتمويل قوي وطويل الأمد".

وأوضح "نحن بحاجة إلى برامج مثل ”الديمقراطية الحية“ (برنامج حكومي حالي)، التي تثقف الناس حول الإسلاموية، وعروض للأشخاص الذين يتركون المشهد اليميني المتطرف وبرامج مكافحة التطرف في نظام السجون".

دعوات إلى بريطانيا للتعامل بجدية مع خطر الإخوان

اعتبر الدبلوماسي البريطاني البارز جون جينكينز أن قيام دولة عربية صديقة بحظر كيانات بريطانية أو فرض عقوبات عليها، يجب أن يثير القلق، مشيرا إلى ما فرض دولة الإمارات العربية المتحدة، في وقت سابق، عقوبات على 11 فرداً وثماني منظمات قائلة إنهم على صلة بتنظيم الإخوان الإرهابي الذي صنفته على لائحة الإرهاب منذ سنة 2014، وكانت جميع المنظمات الثماني تتخذ من المملكة المتحدة مقراً لها.

 الدبلوماسي البريطاني البارز: جون جينكينز

وفي مقال له بمجلة "سبكتيتور"، تطرق جينكينز إلى تكليفه في عام 2014 من قبل رئيس الوزراء البريطاني آنذاك، ديفيد كاميرون، بمراجعة سياسية عن تنظيم الإخوان. وأوضح أن هذه الخطوة قوبلت بازدراء واسع على وسائل التواصل الاجتماعي والصحافة.

ووفق جينكينز، اتفق الأكاديميون وبعض الخبراء والمعلقين الليبراليين على رفض الفكرة، معتبرين أن الإخوان لا يمثلون مشكلة، لكن جينكينز يرى أن الوقت قد حان لإعادة النظر في كيفية تعامل المملكة المتحدة مع هذا التهديد، بحسب ما نقلت عن المقال صحيفة "24" الإماراتية.

وبحسب الكاتب، كان الكثير مخطئين بشأن التقليل من أهمية هذه القضية، إذ فوضت العديد من الحكومات الأخرى منذ 2014، وأحدثها فرنسا، بإجراء مراجعات مماثلة وازدادت قضية الإسلاموية تعقيداً وأهمية.

بات نفوذ تنظيم الإخوان الإرهابي في قطاع التعليم الفرنسي الخاص في أضعف حالاته مع مطلع العام 2025

وأشار الكاتب إلى أن الإمارات العربية المتحدة تأخذ تهديد الإخوان بجدية كبيرة، لأن التهديد الذي تمثله هذه الجماعة لا يقتصر على القنابل الموقوتة، بل يمتد ليشمل أيديولوجية عابرة للحدود.

وأوضح أن هذا التهديد ينبع من مجموعة واسعة من الجماعات، التي تتفق جميعها على تبرير استخدام القوة المادية لتحقيق أهدافها.

ورغم وجود اختلافات تكتيكية بينها حول توقيت أو فائدة العنف، إلا أنه لم تقدم أي من هذه المجموعات، بما في ذلك الإخوان، على التخلي الكامل والحازم عن العنف كوسيلة لتحقيق غاياتها.

ويرى الكاتب أن الإسلاميين ينظرون إلى المجتمعات الغربية على أنها فاسدة وغير شرعية، ويستغلون القوة الرمزية للإسلام لتحقيق غاياتهم. وهذا يمثل تحدياً للنظام الليبرالي الغربي، خاصة في ظل تزايد أعداد المسلمين في أوروبا.

وأشار إلى أن ردود الفعل البريطانية تجاه الإسلاموية تميزت بالتجاهل، حيث اقتصرت على التعامل مع أحداث متطرفة مثل الهجمات الإرهابية، دون مواجهة التحديات الأيديولوجية الأعمق.

هذا ودعا الكاتب البريطانيين إلى التعلم من الإمارات في كيفية التعامل مع هذا التهديد بوضوح وحسم، مشيراً إلى أن الحكومة البريطانية ما زالت مترددة وغير فعالة في تطوير سياسات شاملة للتصدي لهذه الأيديولوجيات.

وأنهى الكاتب مقاله بدعوة الحكومة البريطانية إلى اتباع نهج الإمارات، الذي يتميز بالثقة بالنفس والرؤية الواضحة، لمواجهة التحديات الإسلاموية وتعزيز استقرار المجتمعات الليبرالية. 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية