رسائل الحوار الأميركي مع حماس تصل إلى بقائها في غزة

رسائل الحوار الأميركي مع حماس تصل إلى بقائها في غزة

رسائل الحوار الأميركي مع حماس تصل إلى بقائها في غزة


09/03/2025

محمد أبوالفضل

أكدت معلومات كشفت عن وجود اتصالات بين إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وحركة حماس عدم وجود محرمات أو خطوط حمراء لدى واشنطن، وعلينا أن نتوقع أيّ شيء وكل شيء في أيّ وقت، فتوجهات الرئيس ترامب بقدر ما هي صادمة بسبب صعوبة توقعها، تمنح خصومه فرصة للتفاؤل حول إمكانية التفاهم معه، وتربك أصدقاءه حيال التخلّي عنهم، وتوفر للولايات المتحدة ديناميكية لتبني الموقف ونقيضه.

ويصعب حصر حوار واشنطن مع حماس في الدوحة في نطاق مهمة رئيسية وهي الإفراج عن الأسرى لدى الحركة، ومنح أولوية للأميركيين منهم، لأن الحوار في حد ذاته يمثل نقلة نوعية في توقيت وجّه فيه الرئيس ترامب وفريقه المعاون في السياسة الخارجية اتهامات قاسية لحماس وهدد بمواجهة جحيم لا تتخيله ما لم تفرج عن جميع المحتجزين لديها فورا، ثم نزلت الإدارة الأميركية من أعلى الشجرة ليجلس مندوبها لشؤون الرهائن آدم بولر مع رئيس وفد حماس خليل الحية في الدوحة أكثر من مرة.

لا يهم غضب إسرائيل أو عدم موافقتها على هذا الحوار، ولا يهم تأثيره على حساباتها الآنية، وتناقضه مع ما أعلنه رئيس الأركان الجديد إيال زامير من استعدادات لعملية عسكرية واسعة في غزة، لأن الرئيس ترامب يعرف كيف يكبح جماح الحكومة الإسرائيلية اليمينية ويفرمل رئيسها بنيامين نتنياهو إذا قرر عدم الالتزام بوقف إطلاق النار الضمني، فعندما قرر ترامب التباحث مع حماس مباشرة فهو كسر وصمها بالإرهاب، ووفر لها فرصة لتوجيه خطابها إلى واشنطن مباشرة وليس إلى تل أبيب، وفتح نافذة للتفاهم مع البيت الأبيض، والتقليل من أهمية الروايات القاتمة حيالها، وأن محاولات محوها من خريطة قطاع غزة وعقل الفلسطينيين يمكن إعادة النظر فيها.

لم تسفر حوارات آدم بولر وخليل الحية عن نتائج ملموسة حتى الآن، لكنها كسرت جمودا ظاهرا في المفاوضات مع حماس، وأعادت التفكير في عدم استبعاد الاستثمار في الحركة الإسلامية مرة أخرى، والتي يعنيها كثيرا أن تظل سلطتها في غزة، كدليل على انتصارها معنويا في معركتها مع إسرائيل، وأنّ تمسّكها بعدم التفريط في سلاحها قضية فرعية لا تخيف الولايات المتحدة أو إسرائيل، لأنهما تعلمان أن ما خسرته في حرب الـ15 شهرا لم يترك لها قوة لتقاوم بها في الوقت الراهن.

أظن، وبعض الظن إثم، أن الولايات المتحدة قررت أن تلعب مع حماس بطريقة الحركة، ومهما حمل عنوان الحوار من عواطف وجاذبية تتعلق بالإفراج عن المحتجزين وعودتهم إلى أحضان أسرهم، لا يخلو من تفكير في بقاء حماس في غزة، لأن الخطة العربية البديلة لمقترح ترامب بشأن توطين سكان القطاع في مصر والأردن، جاءت أكثر شمولا، وفتحت الباب لأسئلة تحرج الإدارة الأميركية وتحشر إسرائيل في زاوية ضيقة، حيث تعرضت الخطة بوضوح إلى حل القضية الفلسطينية من جذورها، والعودة إلى التفكير في تسوية سياسية وفقا للشرعية الدولية وعلى أساس حل الدولتين، وهو ما تريد واشنطن تجاوزه، وترفض إسرائيل التفكير فيه.

بكلام آخر، وجدت واشنطن أن الموقف العربي المدعوم من قوى دولية عديدة، يعيد إسرائيل إلى ما قبل الحرب على غزة، وكل المساعدات التي قدمتها الولايات المتحدة في هذه الحرب قد تضيع ولا يتم استثمارها بالشكل الأمثل، ومن هنا جاء التفكير في عملية ممتدة لترويض حركة حماس، فتحقيق هدفها للبقاء في غزة لن يمثل تهديدا لكل من إسرائيل والولايات المتحدة في هذه المرحلة على الأقل، ويمكن أن يتم تبني خطة لإعادة إعمار القطاع بشكل محدود يتواءم مع المتطلبات والاحتياجات العاجلة بالتفاهم معها، وتنحية الموقف العربي الذي طرح قضايا مصيرية.

لن تضار إسرائيل من بقاء حماس في غزة فترة أخرى، فقد انسحبت منها قوات الاحتلال بإرادتها منذ نحو عقدين، وفي اليقين العام أن القطاع يمثل عبئا إستراتيجيا على إسرائيل، وفي اليقين الخاص يمثل عزل غزة عن الضفة الغربية جائزة كبرى.

لم يتحقق هذا الهدف بشكل كامل الفترة الماضية، لكن يمكن تحقيقه في المستقبل القريب إذا استمرت حماس تسيطر على القطاع ومعها جراح في حاجة إلى أن تندمل إلى عقد من الزمن على الأقل، وتكون إسرائيل، بمساعدة ترامب ومن يخلفه لاحقا، وضعت النواة الرئيسية للسيطرة على الضفة، وهي جوهرة التاج عند المتطرفين ولها أولوية على غزة.

مع أن ردود فعل إسرائيل جاءت رافضة لحوار واشنطن مع حماس، لكن على المدى البعيد سوف تكتشف أن تنفيذها عملية مهمة، حيث تخلط أوراق العرب الذين يريدون عودة السلطة الفلسطينية لممارسة دورها في غزة وتنظيف هياكلها من الفساد، وبالتالي منح استئناف الحديث عن حل شامل للقضية الفلسطينية مشروعية كبيرة. مقترح ترامب الخاص بالتوطين ليس هدفه خلق ريفييرا في غزة أو التخلص من حماس فقط، لكن إعدام أيّ فرصة لتسوية القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين، ثم يأتي الدور على تصفيتها تماما.

كما أن اتصال الإدارة الأميركية بحماس يغري الأخيرة ويدغدغ مشاعرها السياسية، ويقدم لها حبل إنقاذ من الغرق، ولن تمانع في التجاوب مع مطلب ترامب للإفراج عن الأسرى على دفعة واحدة أو على دفعتين إذا حصلت على تطمينات مباشرة بشأن مستقبلها السياسي، بما يقلل دور مصر وقطر، ويفضي إلى تقليص الدور العربي، فبراغماتية حماس قد تقودها للتفاهم مع ترامب المغرم بصفقات غير متوقعة.

ليست هذه المرة الأولى التي ينفتح فيها الرئيس ترامب على قوى إسلامية، فقد سبق في فترة رئاسته الأولى (2016 – 2020) أن أجرى مفاوضات مع حركة طالبان الأفغانية. والحوار مع حماس تتجاوز أهميته توصيل رسائل متعددة حول عدم وجود “تابوهات” لديه، فقد يصل انفتاحه على الحركة إلى صيغة تبقيها في غزة وتوفر لها مقومات دويلة صغيرة قابلة للحياة، تتحكم إسرائيل في الهواء الذي سوف تتنفسه.

يمكن أن تقبل حماس عرضا بهذا المضمون، على قاعدة “خذ وطالب” وعلى أمل أن تعيد بناء هياكلها، كما حدث في مرات سابقة. الاختلاف هذه المرة في غلق جميع المنافذ التي ستقودها إلى هذه النتيجة وإغراقها في تفاصيل المشاكل داخل القطاع وهمومه الإنسانية، وتضييق الخناق عليها، وتتفرغ إسرائيل لاستكمال مهمتها في الضفة الغربية قبل أن تتحول إلى غزة أخرى مليئة بعناصر المقاومة.

لم يأت الرئيس ترامب على ذكر الضفة الغربية في أيّ سياق فلسطيني، وعندما تحدث عنها كان في سياق يخدم السرديات التوراتية، وإطلاق يد المستوطنين فيها، ما يفسر حصر تركيزه على غزة، وتمحور تصوراته السلبية عليها أيضا، والحوار مع حماس لن يكون بعيدا عن السيناريوهات القبيحة المعدة لها.

العرب




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية