دبلوماسية لبنان في مجلس الأمن... جهل بقواعد اللعبة أم خضوع لحزب الله؟

دبلوماسية لبنان في مجلس الأمن... جهل بقواعد اللعبة أم خضوع لحزب الله؟

دبلوماسية لبنان في مجلس الأمن... جهل بقواعد اللعبة أم خضوع لحزب الله؟


30/08/2023

دنيز رحمة فخري

تنتهي بعد غد الخميس ولاية القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان التي أنشئت في مجلس الأمن الدولي عام 1978 تحت اسم قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة الموقتة (يونيفيل)، والتي يتم التجديد لها منذ 30 عاماً في نهاية أغسطس من كل عام.

ولم يحدث التجديد لـ"يونيفيل" في السنوات الـ30 الماضية الضجة نفسها التي أحدثها هذا العام، خصوصاً بعد التعديل الذي طرأ على نص القرار الصادر عام 2022 من خلال فقرة تسمح لـ"يونيفيل" بالقيام بعملها من دون التنسيق مع الجيش اللبناني، وذلك بعد اعتراض دولي أميركي وأوروبي سلط الضوء على التعديات المستمرة على قوات "يونيفيل" من قبل مجموعات قريبة من "حزب الله"، إضافة إلى استمرار نقل الأسلحة وتخزينها في المنطقة المنصوص عنها في القرار 1701.

ومع اقتراب موعد التجديد استنفرت الحكومة اللبنانية دبلوماسيتها مدفوعة من "حزب الله" بهدف إلغاء الفقرة السابقة من قرار التجديد، وأبلغ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وزير الخارجية عبدالله بو حبيب الموجود في نيويورك أن "قرار لبنان رفض تثبيت حق القوات الدولية بالتحرك من دون الجيش اللبناني هو قرار نهائي ويمثل لبنان".

بدوره، وفي موقف بدا واضحاً في الاعتراض على حرية تحرك "يونيفيل"، قال أمين عام "حزب الله" حسن نصر الله أمس الإثنين "أهل الجنوب والناس في الجنوب لن يسمحوا أن يطبق قرار على رغم من رفض الحكومة اللبنانية له".

فما تأثير الموقف اللبناني على قرار التجديد لـ"يونيفيل"؟ وهل خيار التعديل أو الإلغاء وارد في مسار أي قرار دولي وكيف؟ وهل يدرك لبنان أن الاعتماد على فيتو روسي أو صيني من شأنه إلغاء القرار الأممي برمته، بالتالي انسحاب القوات الدولية من الجنوب؟ وماذا سيحل بالاستقرار جنوباً مع بدء التنقيب عن النفط إذا غادرت قوات "يونيفيل"؟

الرفض يعني المواجهة

يؤكد السفير الأسبق للبنان لدى واشنطن رياض طبارة الذي أمضى 27 عاماً في الأمم المتحدة كخبير أن قرارات مجلس الأمن يمكن أن تتوقف لكن لا يمكن تغييرها، فهي لا تصاغ بين ليلة وضحاها، بل تأتي نتيجة عمل دؤوب مطول واتصالات ومشاورات بين الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن. وعند صوغ أي قرار في مجلس الأمن يبحث "حامل القلم" (الدولة التي تكتب القرار، وهي هذه السنة فرنسا) بحسب طبارة مع الدول الأعضاء الدائمين لاختيار الكلمات والعبارات بدقة لتجنب الفيتو الذي يلغي القرار برمته.

استبعد في حديث لـ"اندبندنت عربية" أن يحصل أي تغيير في قرار التجديد هذا العام، معتبراً أن الصين وروسيا لن تستخدما الفيتو، لأن إلغاء الفقرة يهدد القرار برمته، وسط التشدد الأميركي والبريطاني الذي يبحث جدياً في جدوى بقاء "يونيفيل" إذا لم تتمكن من تطبيق القرار 1701، لذا لا مصلحة لأي من الدول العظمى بإلغاء القرار وانسحاب القوات الدولية، التي يبقى وجودها مهماً لتأمين الاستقرار في المنطقة.

ويعتبر طبارة أنه لا تأثير لرفض لبنان، وأقصى ما يمكن أن يفعله هو تسجيل تحفظه على الفقرة التي تسمح لـ"يونيفيل" بحرية الحركة لأن رفضه للقرار الدولي يعني أنه قرر مواجهة مجلس الأمن. ويرى السفير الأسبق في واشنطن أن اعتراض لبنان، وخلفه "حزب الله"، هو خطوة احترازية أكثر منها واقعية، خصوصاً "فعلى الأرض لم يتغير شيء، وقيادة "يونيفيل" استمرت بالتنسيق مع الجيش اللبناني قبل القيام بأي مهمة"، على رغم أن الفقرة الجديدة تسمح بحرية الحركة في الأماكن التي يشتبه في أنها تحتوي مخازن أسلحة لـ"حزب الله"، لكن الحزب، يضيف طبارة، يخشى وسط التطورات الدولية والإقليمية من أن وجود نص مكتوب وقرار أممي متخذ بالإجماع، قد يصبح إجراء رسمياً يمكن اللجوء إليه متى حان الوقت الدولي.

لبنان راسل الأمين العام قبل التجديد

من المسلم به أن التجديد للقوات الدولية العاملة في جنوب لبنان، لا يمكن أن يتم إلا بناءً على طلب من الحكومة اللبنانية تقدمه إلى الأمين العام للأمم المتحدة. ويؤكد البروفيسور أنطونيوس أبو كسم الأستاذ الجامعي والمحامي الدولي لـ"اندبندنت عربية" أن الأمين العام وبحسب نسبة الحاجة إلى خدمات قوات الطوارئ في مسار استتباب السلم والأمن الدوليين، وبحسب توافر موازنة كافية لتغطية نشاط هذا الفرع، يوصي مجلس الأمن إما بتمديد ولاية القوات الدولية، وإما بإنهائها كما فعل في شأن بعثة الأمم المتحدة في مالي MINUSMA، حيث أنهى مجلس الأمن ولاية هذه البعثة بموجب القرار 2690 الصادر عام 2023. لبنان الذي لمح وزير خارجيته بأن التجديد يأتي بطلب من الحكومة اللبنانية، كان بعث في 26 يونيو (حزيران) 2023 رسالة إلى الأمين العام طالباً بموجبها أن يمدد مجلس الأمن ولاية "يونيفيل" مرة أخرى.

وبدوره، وبعدما ارتأى الأمين العام أن هناك حاجة مستمرة لدور "يونيفيل" خصوصاً لتمكين تنفيذ القرار 1701، وبعدما تأكد أن الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب قرارها 313/77 قد رصدت مبلغ 537 مليون دولار أميركي للإنفاق على "يونيفيل" من يوليو (تموز) 2023 حتى نهاية يونيو 2024، أوصى بالتجديد للقوات الدولية عبر رسالة وجهها بتاريخ 3 أغسطس 2023 إلى مجلس الأمن.

ولأن الموضوع هو من المسائل المهمة وغير الإجرائية، فهو بحسب أبو كسم يستحوذ موافقة تسعة أعضاء من مجموع أعضاء مجلس الأمن، من ضمنهم الدول الخمس الدائمة العضوية (الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة وفرنسا وروسيا والصين).

لا تأثير للموقف اللبناني

لمجلس الأمن صلاحية استنسابية، بتعديل مشروع القرار، يضيف أبو كسم، عبر إضافة فقرة معينة أو فقرات أو عبر إلغاء فقرات، بالتالي فإن مجلس الأمن غير ملزم نص قراره رقم 2650 الصادر سنة 2022 القاضي بتجديد ولاية "يونيفيل" سنة واحدة. أما أي تصويت سلبي لأي دولة من الدول الخمس الدائمة العضوية، يضيف أبو كسم، فسيؤدي إلى تعطيل صدور القرار، بالتالي فإن فيتو إحدى الدول الدائمة العضوية قد يجعل صيغة التعديل مستحيلة.

وعن رفض لبنان تثبيت الفقرة التي تسمح للقوات الدولية التحرك من دون التنسيق مع الجيش اللبناني، يؤكد أبو كسم أن ليس هناك من آثار قانونية لطلب الحكومة اللبنانية على آلية استصدار مجلس الأمن لقراراته.

ويضيف "إن مجلس الأمن غير ملزم طلبات الحكومة اللبنانية، كون المسألة تتمحور حول حالة تهدد السلم والأمن الدوليين، فلمجلس الأمن سلطة استنسابية مطلقة، وليس لموقف الحكومة تداعيات على مستوى قراراته، فهو سيد نفسه". ويذكر أن قرارات مجلس الأمن وبموجب المادة 25 من الميثاق، هي قرارات ملزمة لأعضاء الأمم المتحدة، الذين يتعهدون بقبول قرارات مجلس الأمن وتنفيذها وفق ميثاق الأمم المتحدة.

إلغاء القرار لا يتم إلا بقرار جديد

وحده الفيتو أو استعمال حق النقض من قبل إحدى الدول الخمس الدائمة العضوية، يمنع صدور قرار التمديد لـ"يونيفيل"، فيتم تجميد ولايتها. ويؤكد أبو كسم أن إنهاء ولاية قوات الأمم المتحدة الموقتة في لبنان، يتطلب استصدار قرار آخر عن مجلس الأمن بأكثرية تسعة أعضاء من ضمنها الدول الخمس الدائمة العضوية، وفي المقابل فإن امتناع إحدى الدول الدائمة العضوية عن التصويت، لا يعتبر فيتو، ولا يحول دون صدور القرار.

وإذ يستبعد أبو كسم سيناريو تجميد نشاط "يونيفيل" أو إنهاء ولايتها، يعتبر أنه في حال حصول ذلك فإن مهمة القوات الدولية تصبح على عاتق الجيش اللبناني الذي وفقاً لقانون الدفاع الوطني عليه أن يمارس دوره بالدفاع عن الحدود اللبنانية إضافة إلى التزامه بتطبيق قرارات مجلس الأمن في شأن لبنان، وتحديداً الالتزام بتطبيق القرار 1701.

التجديد بموجب الفصل السابع

بعد اطلاعه على مسودة مشروع القرار المطروحة في مجلس الأمن شدد وزير الخارجية عبدالله بو حبيب على رفض لبنان إعطاء الشرعية لنقل ولاية "يونيفيل" من الفصل السادس الداعي إلى حل النزاع بالطرق السلمية إلى الفصل السابع الذي يدعو إلى فرض القرار بالقوة. ويعلق الأستاذ الجامعي أنطوان أبو كسم بالقول "أصلاً، منذ صدور القرار 1701 في عام 2006 تحت الفصل السابع، توسعت مهام (يونيفيل) لتصبح وفقاً للقانون الدولي، تنشط تحت الفصل السابع، في حين أن القرارين السابقين 425 و426 في عام 1978 جاءا تحت الفصل السادس".

والجدير ذكره يضيف أبو كسم أن قرار تجديد ولاية "يونيفيل" العام الماضي صدر تحت الفصل السابع، مؤكداً أن توسيع مهام الأمم المتحدة أقر أولاً تحت الفصل السابع بموجب القرار 1701 (عام 2006)، ومن ثم بموجب الفقرة 14 من القرار 2373 (عام 2017) الصادر أيضاً تحت الفصل السابع، حيث أعطى مجلس الأمن الإذن للقوات الموقتة "اتخاذ جميع ما يلزم من إجراءات لكفالة عدم استخدام منطقة عملياتها للقيام بأنشطة معادية ولمقاومة محاولات منعها بالقوة من القيام بواجباتها ولكفالة أمن وحرية تنقل أفرادها". وإذ يؤكد أبو كسم أن القرار 2650 يشكل الغطاء الأوسع لنشاط "يونيفيل"، يضيف أن القرار 2650 (عام 2023) استند في فقرته 16 إلى اتفاقية مركز قوات الأمم المتحدة الموقتة في لبنان المبرمة سابقاً ما بين لبنان والأمم المتحدة في 15 يناير (كانون الثاني) 1995، مشيراً إلى عدم حاجة "يونيفيل" إلى ترخيص أو إذن مسبق للاضطلاع بالمهام الموكلة إليها، وهي مأذون لها بالاضطلاع بعملياتها بصورة مستقلة.

الإجراءات المعمول بها

من المعلوم أن مجلس الأمن يلجأ إلى تطبيق أي قرار تحت الفصل السابع إذا كانت الحالة في بلد معين أو منطقة معينة تشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين. ويشرح أبو كسم "بموجب القرار 1701، اعتبر مجلس الأمن أن الحالة في لبنان تشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين، وبموجب آخر قرار لمجلس الأمن بخصوص لبنان، القرار 2650، والصادر بتاريخ 31 أغسطس عام 2022، قرر مجلس الأمن أن الحالة في لبنان لا تزال تشكل خطراً يهدد السلم والأمن الدوليين".

وبحسب المحامي الدولي أبو كسم فإن إجراءات مجلس الأمن تحت الفصل السابع تنقسم إلى فئتين: فئة الإجراءات التي لا تستدعي استعمال القوة المسلحة، وفئة الإجراءات التي تستدعي القوة المسلحة. فبموجب المادة 42 من ميثاق الأمم المتحدة، إذا رأى مجلس الأمن أن التدابير التي لا تستدعي استعمال القوة المسلحة المنصوص عليها في المادة 41 لا تفي بالغرض أو ثبت أنها لم تفِ به، جاز له أن يتخذ من خلال القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدوليين أو لإعادته إلى نصابه. ويجوز أن تتناول هذه الأعمال التظاهرات والحصر والعمليات الأخرى من طريق القوات الجوية أو البحرية أو البرية التابعة لأعضاء "الأمم المتحدة".

عن "اندبندنت عربية"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية