"حزب الله" يجر "الإخوان المسلمين" إلى جبهة لبنان الجنوبية؟

"حزب الله" يجر "الإخوان المسلمين" إلى جبهة لبنان الجنوبية؟

"حزب الله" يجر "الإخوان المسلمين" إلى جبهة لبنان الجنوبية؟


28/01/2024

أحمد رياض جاموس

أطلّت “قوات الفجر” الجناح العسكري لـ”الجماعة الإسلامية” المحسوبة على “الإخوان المسلمين” في لبنان على خط المواجهة العسكرية في الجنوب اللبناني إلى جانب “حزب الله” الذي يخوض مواجهات متفاوتة مع الجيش الإسرائيلي بالتزامن مع الحرب المندلعة في غزة.

خلال معركة “طوفان الأقصى” التي تخوضها “حماس” منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، أعلنت “قوات الفجر” عدّة مرات استهداف مواقع للجيش الإسرائيلي بالصواريخ، والذي لم يكن ليحصل لولا الضوء الأخضر من “حزب الله” المهيمن على جبهة الجنوب اللبناني بالكامل، وهو ما يثير تساؤلات واسعة عن توقيت وأبعاد بزوغ “قوات الفجر” السّنية، المعروفة بمناهضتها لأعمال الحزب وسياسته وعلى رأسها تدخّله إلى جانب حكومة دمشق والميليشيات الإيرانية في حربهم على السوريين.

بزوغ "قوات الفجر"

أُسّست “قوات الفجر” في عام 1975، وشاركت في المواجهة ضدّ الاجتياح الإسرائيلي للبنان في عام 1982، وهي الجناح المسلّح للجماعة الإسلامية التابعة لـ”الإخوان المسلمين” الذين أمّنوا لها المال والسلاح فور تأسيسها، وكانت في بدايتها عبارة عن فرقةٍ من الشباب المنتمين للجماعة في مدينة صيدا الجنوبية، ثم انتقلت بعدها إلى بيروت وطرابلس، بقيادة جمال حبال، الذي قُتِل خلال الحرب عام 1983.

خاضت هذه القوات معارك ضد إسرائيل في بيروت والجنوب وصيدا، أبرزها مواجهة مع “لواء غولاني” الإسرائيلي الذي اعترف حينها بمقتل قائده وعددٍ من الجنود، وكان لها دور بارز في تحرير مدينة صيدا المدينة السّنية الأكبر في الجنوب وعاصمته.

تصف نفسها عبر موقعها الإلكتروني بـ”المقاومة الإسلامية- قوات الفجر”، وبقيت على جهوزيتها حتى سنة 1991، حين تم تنفيذ اتفاق “الطائف”، حيث أقدمت على حلّ الجهاز العسكري التزاماً بالاتفاق لتختفي عملياً عن الساحة اللبنانية، باستثناء نشاطٍ خجول لها خلال حرب تموز/يوليو 2006.

الأول، لـ”قوات الفجر” الجناح العسكري للجماعة الإسلامية، والثاني لـ”شباب من جنوب لبنان” مهّدوا لإطلاق “حزب الله” رسمياً عام 1983.

فيما تؤكد مصادر قيادية في الجماعة، أن “حماس” تدعم مجموعة ثالثة يقودها، عمر الكعكي، من بيروت، وتتبع له عناصر من المدينة، وكذلك من القرى والبلدات الحدودية ذات الكثافة السّنية، كما أن هذه المجموعة تتلقى تمويلاً مباشراً من “حماس” عبر صالح العاروري الذي اغتيل مؤخراً، وتتحرك بأوامر منه، وتتلقى تدريبات عسكرية مكثّفة من “حزب الله”.

حسب دراسة لمركز “الجزيرة للدراسات” أيلول/سبتمبر 2020، فإن أهمية الجماعة الإسلامية ودورها في محيطها المحلي أو في السياق العربي، تأتي من كونها تكاد تكون الكيان اللبناني الإسلامي الوحيد الذي يمارس دوراً سياسياً، إذ تمثّل الجماعة شريحة واسعة من اللبنانيين السُّنة بعد “تيار المستقبل” الذي يتزعمه سعد الحريري، وتستدعيها “السُّنِّيَّة السياسية” لتكون إلى جانبها فقط عند تلاقي الديني والسياسي في الصراع الطائفي اللبناني أو في المنطقة.

تنسيق إخواني – إيراني

يشغل الشيخ محمد طقوش، منصب الأمين العام للجماعة الإسلامية ويتميز بعلاقاته الجيدة مع إيران و”حزب الله” و”حماس”، على عكس الأمين العام السابق، عزام الأيوبي، الذي كانت تميل دفته نحو قطر وتركيا، إذ تم اختيار طقوش بتنسيق كامل بين أجهزة أمن “حماس” و”حزب الله”، بعد أن شهد عهده استقالات جماعية لمجموعة شبابية، على خلفية عدم اندفاعه للعمل لصالح المعارضة السورية لكونه مقرّباً من خط “حزب الله” خلال فترة رئاسته مكتب بيروت في الجماعة ما بين عامي (2012-2015).

من جهته لم يُخفِ نائب رئيس المكتب السياسي في “الجماعة الإسلامية” في لبنان، بسام حمود وجود تنسيق مع “حزب الله” باعتباره الجهة الأقوى على الحدود مع إسرائيل، تجنّباً لحصول أي خطأ، حسب زعمه، مشيراً إلى أن “الجماعة وحركة حماس” وجهان لعملة واحدة في مواجهة إسرائيل.

وكانت الجماعة قد شيّعت اثنين من كوادرها، وهما محمد بشاشة، ومحمود شاهين، بعد أن اغتالتهما إسرائيل في ضاحية بيروت خلال اجتماعهما مع القيادي في “حماس”، صالح العاروري، الذي نجح في هندسة الانتخابات الداخلية لـ”الجماعة الإسلامية” بالتنسيق مع “حزب الله”. 

وبالتالي إيصال مجلس شورى ومكتب سياسي للجماعة يدوران في فلك “حماس” ويؤيّدان خياراتها، وهو ما يكشف التعاون والتنسيق اللامتناهي بين الحركتين، بعد تسجيل خلافات عميقة في أوساط الجماعة الإسلامية، وبصفوف القيادة حول بناء تحالف قوي مع إيران وسوريا، لا سيما أن “حماس” باتت تملك تأثيرات كبيرة داخل جسم الجماعة التنظيمي، لدرجة أنها تخصّص أمولاً لعشراتٍ من أعضائها المنظّمين، ما جعلها توأماً للحركة.

 حسب تقرير مركز “كارنيغي” للدراسات، فإن “يحيى السنوار، زعيم حماس في قطاع غزة وأحد مؤسسي الجهاز الأمني لها يبدي تأييده لهذا التحالف، في حين أن الممثلينَ السياسيين التقليديين للحركة، مثل زعيمها السابق خالد مشعل، يعارضونه”، وهو ما يثير التساؤل عن تبعية “قوات الفجر” للجماعة المنقسمة بذاتها أم لـ”حماس”، أو لـ”حزب الله” الساعي لجعل القوات واجهة سنّية له.

 حشد الطاقات وتوزيع الحِمل

لا تخرج المواجهات المندلعة في الجنوب اللبناني عن قواعد الاشتباك الدولي، رغم خروج إسرائيل عن تلك القواعد في بعض الأحيان عبر استهدافها شخصيات قيادية، فمن جهة الحزب فإن رغبته تبدو واضحة في تجنيب عناصره المزيد من المواجهات بعد الخسائر الكبيرة التي حظي بها في سوريا، وما يمكن أن يلحق من الإعلان عن قتلاه من توسيع نطاق الاشتباكات وارتداداتها محلياً وإيرانياً، ولا سيما بعد مقتل قائد مجموعة “الرضوان” وسام طويل، الذي كان مسؤولًا عن الوحدة العسكرية التابعة لميليشيا “الحزب” والعاملة في محافظة القنيطرة جنوب سوريا.

فضلاً عن رغبته في إشراك فصائل جديدة تكون رأس حربة إذا ما شهدت جبهاته تصعيداً دموياً، رغم تأثير تلك الفصائل المحدود، إذ يرغب “الحزب” في استيعاب تلك الفصائل غير الخاضعة لسلطة الدولة، وما يمكن أن يستفيد منها كورقة سياسية.

الباحث في مجال التطرف والجماعات الإسلامية في مركز “التحليل والبحوث العملياتية”، عروة عجوب، رأى أن “حزب الله” يرغب بحشد الطاقات الموجودة لمحاربة إسرائيل سواء السّنية أو الشيعية، إضافة إلى أن اعتبار “الحزب” بأن وجود تنظيمات أخرى تتحمل عبء المعركة بالجنوب معه فهو شيء إيجابي بالنسبة له.

ويمكن الأخذ في الحسبان الرغبة في استثمار الحزب بهذه التنظيمات وتوظيفها لإعادة الثقة بين “الحزب” ومشروعه والحاضنة الاجتماعية السّنية بعد تدخّله في سوريا والمجازر التي ارتكبها بحقّ السوريين، عدا عن أعمال الفوضى المفتعلة وحالة العصيان والشلل السياسي في لبنان والذي يديره بدعم إيراني.

إيقاع “السّنة” في فخ الجنوب اللبناني

غاب اسم “قوات الفجر” لعقود ثم ظهر الآن مجدداً، وهو ما يؤكد أن “حزب الله” يرغب بإنشاء ميليشيا سنّية سيستخدمها لاحقاً من أجل فرض واقع سياسي وعسكري جديد، إذ يحاول ومن ورائه إيران تطويع الجماعة كواجهة سنّية للمقاومة تطبيقاً لشعار وحدة الساحات، بعد أن سمح لحركتي “حماس والجهاد الإسلامي” بتنفيذ عمليات تسلل وإطلاق صواريخ باتجاه المستوطنات الإسرائيلية المتاخمة للحدود اللبنانية الجنوبية.

ومن حسن حظّ “الحزب” أن القضية الفلسطينية هي قاسمٌ مشتركٌ مع اللبنانيين بمختلف طوائفهم، وبالتالي عندما تلتهب في وقت ما يكون الجميع مهتمًا لمواجهة الجيش الإسرائيلي، كما يحدث الآن في غزة، وهو ما يشير بالمحصلة إلى خبث الحزب برغبته في زجّ السّنة في أتون حرب قد ينجرّ إليها لبنان مع تزايد احتمالات توسعها يوماً بعد يوم، وحتى لا يتحمّل وحده تبعات توريط لبنان في الحرب، لا سيما أن لا شيء يمنع من أن تتجه إسرائيل إلى لبنان لضرب “حزب الله”.

“ويمكن ملاحظة أن حزب الله لا يزال يتصرف من موقع المتحكم المطلق في لبنان، ويدرك أن هذا الموقع الذي هو فيه قد انتزعه بقوة السلاح الذي يصرّ على بقائه بحجّة أنه قوة في مواجهة أي عدوان إسرائيلي محتمل، لكنه لا يتردّد لاستخدامه ضد اللبنانيين عندما يقتضي الأمر”، بحسب عبد الرحمن الحاج، الباحث في الحركات الإسلامية.

“حزب الله” لا يرغب أن يكون طرفاً وحيداً في المعركة على الحدود بعد اندلاع المواجهات إثر عملية “طوفان الأقصى”، وفق حديث الحاج لـ”الحل نت”، ولهذا فإن الفصائل الفلسطينية في لبنان كانت بشكل طبيعي جزءاً من المواجهات والتصعيد في الجنوب، وحيث أنه لا توجد قوى سنّية فعلية مسلّحة في لبنان، فقد فكّكها “حزب الله” خلال العقد الأخير جميعها، فإنه حريص على الدعم السياسي السّني في هذه القضية تحديداً، لأن المحيط السّني الكبير حول لبنان وفي العالم العربي يحمل ذاكرةً سيئةً عن “الحزب”.

ويُعدّ الدعم السياسي من سنّة لبنان للحزب في المواجهات الجارية في الجنوب مهمة له لإعادة تشكيل صورته واسترجاع مكانته كقوة مقاومة وليس فقط قوة غزو إيرانية بجنسية لبنانية، وأيضاً لإشراك الجميع في أيّة تبعات سياسية على البلد، إذ يريد ضمان ألّا تنعكس التدخلات التي قام بها الحزب على الوضع الداخلي وتحمّله المسؤولية وحده. 

أي أنه يريد أن يتجنّب تكرار سيناريو تموز/يوليو 2006، عندما لامَ الجميع الحزب في استجلاب ردّ إسرائيلي عنيف فوق المتوقع، وفوق طاقة اللبنانيين، لكن مع ذلك يحافظ “حزب الله” على موقع المهيمن والمتحكّم في القرار السّياديّ اللبناني دون أي هامش للآخرين وهو ما يُمكّنه من إدارة الانعكاسات السياسية الداخلية، بل واستثمارها لتحسين صورته.

عن "الحل نت"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية