"حزب الله" في الانتخابات البلدية... انتهى امتحان السلاح وبدأ اختبار السياسة

"حزب الله" في الانتخابات البلدية... انتهى امتحان السلاح وبدأ اختبار السياسة

"حزب الله" في الانتخابات البلدية... انتهى امتحان السلاح وبدأ اختبار السياسة


18/05/2025

سوسن مهنا

لعل أبرز ما يميز الانتخابات البلدية التي تجري في لبنان حالياً هو أن "حزب الله" يخوض هذه المعركة بعد هزيمته الساحقة أمام إسرائيل، فضلاً عن متغيرات كبرى طرأت على المشهد السياسي في البلاد، من بينها نهاية عهد الرئيس السابق ميشال عون الذي حمل كثيراً من التحولات، لتشكل هذه الانتخابات أول اختبار سياسي فعلي لـ"التيار الوطني الحر" خارج السلطة مع تراجع شعبيته في الشارع المسيحي. كما أحدث انسحاب "تيار المستقبل" من المشهد الانتخابي فراغاً واضحاً في الساحة السنية، ولا سيما في بيروت ومناطق أخرى كثيراً ما كانت محسوبة عليه، مما يفتح الباب أمام تغييرات ملموسة في التوازنات المحلية.

في المقابل، تتحرك قوى مسيحية أخرى كـ"القوات اللبنانية" و"الكتائب" للاستفادة من هذه التحولات محاولة تكريس حضورها وتوسيع نفوذها السياسي من خلال التحالفات والبرامج الإنمائية، بما ينسجم مع خطابها وسعيها إلى إعادة ترتيب البيت الداخلي المسيحي. فكيف سيخوض "حزب الله" معركته الانتخابية في البقاع والجنوب؟

واقع ما بعد الحرب

تشهد الانتخابات البلدية تحولات نوعية تعكس نتائج الحرب الإسرائيلية الأخيرة وما خلفته من دمار واسع وتبعات مباشرة على بيئة "حزب الله" ومناطقه، وتعيد رسم كثير من المعادلات السياسية والمزاج الشعبي. وينظر إلى هذه الانتخابات ليس على أنها مجرد استحقاق محلي أو إداري، بل باعتبارها أول اختبار فعلي لنفوذ "حزب الله" في الداخل اللبناني بعد حربه المفتوحة مع إسرائيل التي خرج منها مثقلاً بالخسائر الميدانية والمعنوية، وإن لم يعلن ذلك رسمياً.

والحزب الذي اعتاد فرض معادلاته بقوة السلاح يجد نفسه اليوم أمام معادلة مختلفة، فصناديق الاقتراع لا تعترف بـ"الانتصارات الإلهية"، بل تترجم التململ الشعبي والانقسامات داخل بيئته الحاضنة.

منذ اندلاع الحرب في الجنوب، تلقى الحزب ضربات نوعية طاولت قياداته وبنيته العسكرية ومناطق نفوذه، فيما لم ينجح هو بردع إسرائيل عن مواصلة غاراتها، أو تأمين حماية فعلية للمدنيين في الجنوب والبقاع، مما أعاد للواجهة أسئلة جذرية في البيئة الشيعية، تحديداً حول كلفة المشروع الإقليمي للحزب وجدوى استمرار المواجهة المفتوحة وغياب أي أفق سياسي أو اقتصادي مقابل التصعيد.

يقول الإعلامي والمحلل السياسي فادي أبو دية، من محافظة البقاع لـ"اندبندنت عربية"، إن "هناك انتخابات بلدية تجري في كل المناطق اللبنانية، وهي تعبر عن شعبية الأحزاب التي تتبنى ترشيح لوائح، وأثبت الحزب حتى الآن أن جمهوره أكثر ثباتاً أمام كل التحديات، قياساً لما ظهر في جبل لبنان. أما في البقاع والجنوب، وهما المحافظتان اللتان تحظيان بغالبية ومعاقل رئيسة للحزب، فإن نتائج الانتخابات ستعكس من دون شك شعبية جارفة من خلال عاملين، الأول عدد البلديات التي فازت بالتزكية، والثانية أرقام النتائج التي قد تظهر حجم التأييد الشعبي، على عكس بعض الأحزاب التي خسرت في معاقلها".

وكانت ست بلديات فازت بالتزكية في البقاع الغربي، هي الخيارة والسلطان يعقوب الموحدة والمنصورة وبعلول وزلايا وقليا. أما البلدات التي فاز فيها المخاتير بالتزكية، فهي بعلول وتل الذنوب وباب مارع وزلايا وقليا وميدون ولوسيا ومشغرة التحتا.

دم أبنائنا ليس للبيع

وبات واضحاً ارتفاع الأصوات المنتقدة داخلياً، حتى من رجال دين وشخصيات شيعية مستقلة، والتي تعبر عن ضيق هامش التعبئة القسرية، إذ شهدت التحالفات البلدية في الجنوب والبقاع تمرداً على اللوائح المعلبة التي يفرضها "الثنائي الشيعي"، من بينها "بعلبك مدينتي" و"صور مدينتي"، مع تزايد حالات الترشح المستقل. وفي بعض القرى يظهر نزاع خفي بين من يطالب بالاستمرار في مشروع "المقاومة" كما هو، ومن يرى ضرورة الفصل بين البندقية وحياة الناس اليومية.

وصدر عن أهالي عناصر من الحزب سقطوا خلال الحرب الأخيرة من البقاع وبعلبك تحديداً، بياناً استنكروا ضمنه استغلال دماء أبنائهم في الحملات الانتخابية. وجاء في بيان الأهالي قولهم "إن دم أولادنا ليس مشروع سلطة"، معربين عن استنكارهم الشديد لما وصفوه بـ"الاستغلال السياسي الفج" لدماء أبنائهم الذين قدموا أرواحهم فداء للوطن، في سياق الحملات الانتخابية الجارية.

وأضاف الأهالي في بيانهم أنهم "يرفضون بصورة قاطعة تحويل دماء أبنائهم إلى أداة تحريض ضد العائلات البعلبكية الشريفة"، معتبرين أن ما تقوم به بعض الجهات السياسية، خصوصاً "حزب الله"، من استخدام لسير أبنائهم كوسيلة ضغط واستقطاب في الانتخابات البلدية، يشكل "انتهاكاً صارخاً لكل المعايير الأخلاقية والإنسانية والوطنية".

وأكد البيان أن الحديث عن ضحاياهم "يجب أن يبقى في إطاره الوطني الجامع، بعيداً من لغة الإقصاء والتخوين والتحريض التي لا تليق بمدينة بحجم بعلبك قدمت أغلى أبنائها دفاعاً عن كرامة الوطن كله، لا لمصلحة فئة أو حزب".

واستغرب الأهالي أن تُستخدم أسماء أبنائهم وسيرتهم، وهم الذين سقطوا في ساحة الواجب، لتصفية حسابات انتخابية ومحلية ضيقة تفتقر إلى الحد الأدنى من مراعاة مشاعر الأمهات الثكالى والآباء المفجوعين".

وحذر البيان من التلاعب بمكانة أبنائهم "وتحويلها إلى بطاقة عبور لمشاريع سلطة وسيطرة"، مؤكدين أن "بعلبك ليست مزرعة لأحد وهي لجميع أبنائها، بكل أطيافهم وانتماءاتهم، ممن دفعوا أثماناً غالية في وجه الاحتلال والإرهاب من دون تمييز".

وختم الأهالي بالقول إن "دم أبنائنا ليس للبيع، ولن نسمح بتحويل تضحياتهم إلى سلعة في بازار الانتخابات، بعلبك أكبر من كل هذه المهاترات، وستبقى مدينة الشرف والتنوع والكرامة".

معركة "كسر عظم"

بعلبك التي تتبع محافظة البقاع التي عُرفت بـ"خزان الحزب البشري"، ذلك أن غالبية العناصر التي قُتلت في الحرب السورية هي بقاعية، كما أن الحزب عمل على تخزين سلاحه وعتاده في سهول وجبال البقاع طوال عقود، عدا عن أن معظم المعابر التي تربط لبنان بسوريا هي في البقاع، وعبرها كان الحزب يمرر الإمدادات التي كانت تأتيه من إيران.

يقول الكاتب والصحافي صبحي منذر ياغي، ابن مدينة بعلبك لـ"اندبندنت عربية"، إن "حزب الله" يحرص كل الحرص على الفوز بالانتخابات البلدية في الجنوب والبقاع خصوصاً، إذ إنه سيتمكن من تأمين بعض المشاريع الإنمائية للمناطق والقرى التي تعتبر من البلدات المؤيدة له، فضلاً عن سعيه الدائم إلى الدخول في المؤسسات الرسمية الشرعية التي تمنحه تمثيلاً وحضوراً. وتعتبر مدينة بعلبك الساحة التي يستعد فيها الحزب لمواجهة معركة "كسر عظم" مع لائحة بلدية معارضة له شكلت من مجموعة شباب وشابات من أبناء المدينة الذين يتطلعون إلى كسر هيمنته على البلدية منذ عام 2004 وحتى اليوم.

ويتابع ياغي أن "الحزب الذي شكل كعادته لائحة من العائلات فوجئ بتشكيل لائحة مضادة له حملت اسم ’بعلبك مدينتي‘، بعدما كان يسعى إلى فوز لائحته بالتزكية كما فعل في عدد من قرى قضاء بعلبك، وحاول مسؤولو الحزب بالطرق والوسائل شتى إفشال عملية تشكيل اللائحة المنافسة ولكن مساعيهم فشلت، فسارعوا إلى شن حرب إعلامية ضدها متهمين أعضاءها بالعمالة والتبعية والارتباطات المشبوهة. لذا فإن ’حزب الله‘ يخشى من فوز اللائحة المنافسة التي تحظى بشعبية كبيرة، بخاصة في الوسط السني والمسيحي في بعلبك".

ويستطرد أن "مجرد قيام لائحة معارضة لـ’حزب الله‘ في المدينة هو أبلغ دليل على أن هناك شريحة كبيرة من الرأي العام تعارض نهج الحزب وأسلوبه، وأن بعلبك ليست ساحة مستباحة له. لذا فإن التوقعات تتأرجح بين فوز لائحة ’بعلبك مدينتي‘ على لائحة ’الوفاء والتنمية‘ المدعومة من الحزب، أو في الأقل تحقيق خرق كبير داخل لائحة الحزب، وإن حصل ذلك فمعناه أن شعبية الحزب تراجعت بصورة كبيرة، وهذا مؤشر يخشى انعكاساته في الانتخابات النيابية المقبلة".

الانتخابات كأداة قياس

وتعد الانتخابات البلدية مقياساً حساساً لقراءة المزاج الشعبي، ولا سيما أن المنافسة فيها تتجاوز الشعارات الكبرى إلى الاحتكاك اليومي مع المواطنين، من إدارة النفايات إلى تعبيد الطرق. في هذا السياق لا يستطيع الحزب أن يغطي فشله الإنمائي أو خسائره العسكرية بعباءة المقاومة، بل سيُقاس أداؤه بكفاءة بلدياته وشفافية إدارتها واستجابتها لحاجات الناس.

جنوباً يقول الإعلامي بلال مهدي، ابن مدينة صور لـ"اندبندنت عربية"، إنه "في ظل الظروف الراهنة، يواجه ’حزب الله‘ وضعاً داخلياً صعباً داخل بيئته الشيعية، ليس فقط بسبب ضعف قدراته العسكرية المتراجعة نتيجة الاستنزاف الحاصل بعد حرب الإسناد، بل أيضاً نتيجة شح كبير في الدعم المالي الذي كان يشكل لعقود عصباً أساساً في تمويل سياساته الاجتماعية والانتخابية".

ويتابع أن "هذا التراجع انعكس بوضوح في سلوك الحزب قبيل الانتخابات البلدية، إذ يسعى إلى عقد تفاهمات محلية مع العائلات والجماعات الناشطة سياسياً، لا انطلاقاً من حرص على الوحدة، بل خوفاً من النتائج وهرباً من اختبار المزاج الشعبي الغاضب. فالغضب الشعبي موجود، ولكنه مشوب بالخوف، خصوصاً في صفوف العائلات التي تضررت من حرب الإسناد ولم تحصل بعد على التعويضات التي وعد بها الحزب".

ويوضح أن "هذا التأخير ليس عفوياً، بل هو مقصود، ويستخدم كورقة ضغط لترهيب المواطنين ودفعهم إلى التصويت للائحة ’الثنائي الشيعي‘، خشية حرمانهم من حقوقهم إذا لم يصوتوا في الاتجاه الصحيح".

ويتابع مهدي أنه "في ظل غياب المعارضة الحقيقية عن معظم لوائح الانتخابات في الجنوب، ولا سيما في مدينة صور، برزت لائحة ’صور مدينتي‘ التي تضم مجموعة من أبناء المدينة من الكشفيين والناشطين في الشأن العام والمجتمع المدني. وأخذ هؤلاء على عاتقهم مهمة المواجهة والتصدي، متحدّين أجواء الخوف التي تسيطر على الساحة الجنوبية، ولا سيما مع استمرار الأعمال الحربية. وعلى رغم التهديدات والمخاوف الأمنية كان قرار المرشحين أقوى من أي خوف، فأعلنوا خوضهم الانتخابات البلدية بإرادة صلبة وإيمان راسخ بالتغيير. ويُشار إلى أنها المرة الثانية التي يخوض فيها المجتمع المدني غمار الانتخابات البلدية في مدينة صور منذ ’حراك 2015‘، مما يعكس إصرارهم على التغيير وتعزيز الحضور الشعبي المستقل في العمل السياسي والإنمائي".

بين الظل والعلنية

وفي ظل العقوبات الدولية المتزايدة على "حزب الله"، تبرز الانتخابات البلدية المقبلة كساحة اختبار حقيقية لقدرة الحزب على تمويل المجالس المحلية وإدارتها، خصوصاً في مناطقه التقليدية في الجنوب والبقاع والضاحية. فالبلديات، على رغم طابعها الإنمائي المحلي، تحتاج إلى تمويل مستدام لتأمين الخدمات الأساسية من نفايات وكهرباء ومياه وصيانة، وهي أمور بات يصعب على الحزب ضمانها كما في السابق. وكثيراً ما اعتمد الحزب في تمويل بلدياته على مزيج من الأموال الآتية من إيران، إضافة إلى شبكة اقتصادية محلية موازية تمتد من الجمعيات إلى المؤسسات الخدمية.

لكن مع تشديد العقوبات الأميركية والدولية على مصادر تمويله وتضييق الخناق على التحويلات المالية والجمعيات التابعة له، فضلاً عن استهداف إسرائيل لتلك المؤسسات، تقلصت قدرة الحزب على تغطية النفقات الإنمائية بصورة مباشرة. من هنا، بدأ الحزب يعيد ترتيب أدواته التمويلية عبر قنوات متعددة، عبر الدفع نحو فوز لوائح "تكنوقراط موالية" لا تحمل صبغة حزبية مباشرة لتسهيل حصولها على مساعدات الدولة أو حتى تمويل من منظمات دولية تحت مسميات تنموية، وأيضاً توسيع الاعتماد على المغتربين، إذ بدأ الحزب يشجع أبناء بيئته في الاغتراب على تمويل مشاريع بلدية محددة داخل قراهم، في إطار تضامن أهلي لا يخضع للرقابة السياسية المباشرة.

كما عمد الحزب أخيراً إلى تقليص الإنفاق على بعض الخدمات "غير الضرورية" لمصلحة الإنفاق على ما يحقق أكبر قدر من الرضا الشعبي، وهو كان استفاد من اقتصاد "الكاش" لتجاوز النظام المصرفي وتمويل البلديات مباشرة من الصناديق المغلقة.

لكن ما يقلق الحزب أكثر من المال هو الشرعية، فمع صعوبة توفير الخدمات تتآكل قدرته على استمالة جمهوره من خلال الإنجاز البلدي، مما يفتح الباب أمام خصومه لتقديم أنفسهم كبديل قادر على الإدارة بكفاءة ونزاهة أعلى ولو من دون موارد أكبر. وعلى رغم هذا قد ينجح الحزب في تمويل بعض البلديات عبر شبكات غير رسمية وموارد مغتربة، لكنه سيجد نفسه عاجزاً عن تلبية الطموحات المتزايدة لجمهور يعيش تحت ضغط الحرب والعزلة الاقتصادية.

ويشير الإعلامي فادي أبو دية إلى أن "البلديات تمول من الدولة لأنها مؤسسات رسمية تتبع وزارة الداخلية، أما الحزب فهو يساعد في بعض المشاريع الإنمائية بالتعاون مع البلديات، بالتالي لا يجب أن يكون هناك أي تأثير"، معرباً عن اعتقاده بأن "المشهد في انتخابات البقاع والجنوب سيكون صادماً لمن انتظر سقوط المقاومة في بيئتها، وسيعرف حجم تمسك هذه البيئة بخيار المقاومة على رغم كل ما تعرض له الحزب".

التمويل "عقدة العقد"

ويرى الكاتب والصحافي صبحي ياغي أن "مشكلة التمويل تبقى عقدة العقد لدى ’حزب الله‘ الذي يحاول قدر الإمكان إيجاد وسائل لتمويل بعض المشاريع المتعلقة بحاجات السكان، وقد يجد في البلديات طريقاً أو وسيلة لتأمين التمويل اللازم، ولكنه بالطبع سيصطدم بعراقيل وحصار لمجرد أن البلدية ستكون محسوبة على الحزب، وكانت مصادر أشارت إلى اهتمام ملحوظ للسفارات الأجنبية بمتابعة الانتخابات البلدية في لبنان، بخاصة حول المرشحين على لوائح الحزب، وما إذا كانوا من رجال الأعمال الذين ينشطون في تبييض الأموال ويشاركون في دعم الحزب مالياً. وتبدي السفارات ملاحظاتها حول مدى إمكان استغلال ’حزب الله‘ لهذه المجالس البلدية في المستقبل في إطار تبييض الأموال والأنشطة المالية المشبوهة".

ويعتبر مهدي أن "التخوف الأكبر هو من استمرار نمط من الابتزاز حتى الانتخابات النيابية عام 2026، فتصبح البلديات مجرد أدوات للضغط السياسي وتستعمل حاجات الناس كسلاح انتخابي بيد الحزب. في هذا الإطار ستواجه البلديات الخاضعة لنفوذ ’حزب الله‘ تحديات تمويل حقيقية، حيث سيتحول الدعم إذا وجد إلى أداة خاضعة للاعتبارات السياسية، بدلاً من أن يستخدم لخدمة المواطنين. أما في البقاع والجنوب فتوقعي أن يحافظ الحزب على وجوده شكلياً، لكنه سيكون مهدداً داخلياً بتآكل شرعيته الشعبية، وسيكشف عن عمق الأزمة حين تُسحب التغطية المالية والسياسية التي كانت تخفي هشاشته داخل بيئته".

في المحصلة ليست الانتخابات البلدية تحدياً انتخابياً فقط، بل أيضاً اختباراً لإمكانات الحزب في تأمين استمراريته كقوة حكم محلي في ظل حصار دولي متصاعد. وثمة رهان غربي، وربما إسرائيلي ضمنياً، على أن الانتخابات، ولو كانت محلية، قد تفرز دينامية جديدة داخل المجتمع الشيعي تضعف من قدرة الحزب على فرض الهيمنة المطلقة، وتعيد الاعتبار للمسار المدني والديمقراطي كأداة للمحاسبة.

وهذا لا يعني أن الحزب مهدد فوراً بخسارة ساحته، لكنه يواجه تحدياً غير مسبوق في شرعية تمثيله الشعبي. من هنا لن تكون الانتخابات البلدية في لبنان هذه المرة "موسماً إنمائياً"، بل معركة رمزية وسياسية تحدد إلى أي مدى لا يزال "حزب الله" قادراً على فرض إرادته في بيئة بدأت تظهر علامات التململ والمساءلة. إنها لحظة مفصلية بين استمرار الهيمنة باسم المقاومة، أو بداية استعادة القرار المحلي من قبل مجتمع بدأ يدفع ثمن حروب لا يشارك في قرارها.

اندبندنت




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية