
تبنّى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) مسؤوليته عن تفجير عبوة ناسفة على حافة طريق في جنوب سوريا، في أول هجوم مؤكد له ضد أجهزة السلطة الانتقالية الجديدة في البلاد، منذ سقوط نظام الأسد الابن في شهر كانون الأول (ديسمبر) الماضي.
وبحسب وسائل إعلام محلية ودولية، أعلن تنظيم (داعش) في بيان له أنّه زرع عبوة ناسفة استهدفت دورية للجيش السوري الجديد في محافظة السويداء بجنوب سوريا، ممّا أسفر عن مقتل جندي وإصابة (3) آخرين من الفرقة (70) التابعة للجيش.
تنظيم (داعش) يعلن مسؤوليته عن أول هجوم ضد الجيش السوري الجديد في السويداء
ويبدو أنّ هذا الهجوم، اللافت في دلالته الزمنية وموقعه الجغرافي، يعكس بشكل كبير محاولات تنظيم (داعش) إعادة تموضعه من جديد على مسرح الأحداث في الجغرافيا السورية وتقاطعاتها الإقليمية.
ونقل بعض شهود العيان أنّ "البادية الشرقية القريبة من قرى ريف السويداء تشهد تحركات لبعض خلايا تنظيم (داعش) الإرهابي".
وتابع أحدهم قائلاً: "في العموم، ينبغي الانتباه؛ إنّ عودة تنظيم (داعش) إلى المشهد، وإن كان بشكل غير علني، تشكّل تهديداً بالغ الخطورة لا يقتصر على منطقتنا فحسب، بل يطال الاستقرار الإقليمي والدولي".
من جانبه، لفت المرصد السوري لحقوق الإنسان، ومقره لندن، إلى أنّ الشهر الفائت شهد ارتفاعاً ملحوظاً في عمليات تنظيم (داعش) في أنحاء سوريا.
تنظيم (داعش) نحو الواجهة: رسائل أمنية في توقيت سياسي حساس
في هذا السياق، لفت الصحفي السوري عبد الكريم الثلجي المشهداني إلى أنّ تحريك ورقة (داعش) في السويداء يشكّل مخططًا متعدد الأذرع يهدف إلى إفشال الإدارة الجديدة، مشددًا على أنّ ما يجري اليوم في السويداء من تفجيرات وعمليات لا يمكن فصله عن السياق الأوسع لمحاولات ضرب الإدارة السورية الجديدة وتشويه صورتها.
وأشار المشهداني، في حديثه لـ (حفريات) إلى أنّ تنظيم (داعش) كان موجودًا طيلة سنوات الثورة السورية في بادية السويداء، وقد استخدمه النظام البائد سابقًا كورقة ضغط على المحافظة، واليوم يُعاد تحريكه في توقيت حساس جدًا.
وشدد على أنّ الخطير في هذه المرحلة هو أنّ التحريك يجري، على الأرجح، بتنسيق داخلي مع بعض الفصائل في السويداء، بالإضافة إلى ضباط من فلول النظام البائد، الذين ما يزالون يتحركون وفق أجندته أو يخدمون مصالحه.
وأوضح أنّ هؤلاء يسعون إلى ترويج رواية تقول إنّ "الإدارة السورية الجديدة عاجزة عن تأمين الحماية"، وإنّ "السويداء مهددة بالإبادة"، والنتيجة المرجوّة من هذه الرواية هي دفع الناس نحو مشروع الإدارة اللّامركزية، أو حتى الانفصال السياسي تحت غطاء الحماية الدولية.
قيادات كردية: التفجير يعكس تحولاً نوعياً في تهديدات تنظيم (داعش)
من جهته، قال نصر الدين إبراهيم، سكرتير الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي): إنّ "هذا الهجوم يُعدّ الأول من نوعه منذ إعادة انتشار بعض التشكيلات العسكرية في المنطقة، وهو تطور نوعي خطير"، لافتًا في سياق حديثه لـ (حفريات) إلى أنّ ذلك يحدث وسط حديث عن ترتيبات جديدة تهدف إلى بسط الاستقرار وتعزيز الوجود الحكومي في الجنوب.
وأوضح إبراهيم أنّ "هذا التفجير الإرهابي أثار فعليًا موجة من القلق المحلي، خاصة في محافظة عُرفت على مدى سنوات الحرب السورية بأنّها من المناطق الأكثر هدوءًا نسبيًا"، مشددًا على أنّ سكّانها الدروز باتوا عرضةً للتهديدات المتتالية من عدة أطراف.
وأشار إلى أنّ السويداء لم تكن من ضمن الجبهات التقليدية لنشاط تنظيم (داعش)، إلا أنّ اختيار التنظيم لهذه المنطقة لتنفيذ عمليته يعكس تحولًا في تكتيكاته، ومحاولة منه لإرسال رسائل واضحة في توقيت دقيق، يتزامن مع تحولات سياسية محلية وإقليمية.
وبيّن إبراهيم أنّ هذا التحرك يتقاطع مع مؤشرات على عودة نشاط بعض الخلايا النائمة في الجنوب، بالتوازي مع ارتخاء القبضة الأمنية في بعض المواقع، ممّا يعزز المخاوف من موجة جديدة من عدم الاستقرار.
قوات سوريا الديمقراطية ودورها في كبح تمدد التنظيم
كما ذكّر بوجود تحذيرات دولية، وكذلك من قوات سوريا الديمقراطية، من أنّ التنظيم استغل فترة اللّااستقرار بعد سقوط نظام الأسد، وبدأ ينشط بشكل ملحوظ في أنحاء البلاد كافة.
وأكد سكرتير الحزب الديمقراطي الكردي أنّ (قسد) أثبتت خلال السنوات الماضية أنّها ليست مجرد قوة محلية، وأنّها طرف مسؤول في المعادلة السورية، يواجه الإرهاب بوعي وفعالية، ويُسهم في حماية سوريا من أخطر التهديدات التي عرفتها منذ اندلاع الصراع. هذا الدور لم يكن محصورًا ضمن مناطق نفوذها، بل بات يتجاوز الجغرافيا المباشرة، من خلال تبادل المعلومات وتنسيق الجهود مع شركاء محليين ودوليين، ممّا منحها وزنًا متزايدًا في الحسابات الأمنية الإقليمية.
وفي ختام حديثه، شدد نصر الدين إبراهيم على أنّ الواقع الحالي يفرض الحاجة إلى استراتيجية سورية شاملة لمواجهة الإرهاب، تأخذ في الاعتبار ضرورة تنسيق الجهود بين مختلف القوى الوطنية، بدلًا من الرهان على الحلول الأمنية التقليدية التي أثبتت محدوديتها.
واختتم قائلاً: "خطر تنظيم (داعش) ما يزال قائمًا، ويستفيد من حالة الانقسام ومن غياب المرجعية الوطنية الجامعة. وما حدث في السويداء هو رسالة قاسية تؤكد أنّ المرحلة لا تحتمل التراخي، وأنّ قوة مثل (قسد) يجب أن تكون في صلب أيّ رؤية مستقبلية لمحاربة التطرف وحماية ما تبقى من تماسك وطني".
دلالات التنسيق المحتمل بين تنظيم (داعش) ورافضي تقارب دمشق والغرب
بدوره قال الدكتور طارق حمو، الباحث في المركز الكردي للدراسات: إنّ المعلومات الأولية تتحدث عن استفادة تنظيم (داعش) من حالة التذمّر وسط قطاعات واسعة من المسلحين الموالين لهيئة تحرير الشام وأحمد الشرع، وخاصة المقاتلين الأجانب الذين يتخوّفون من أن يكونوا ثمنًا للتقارب الأخير بين السلطة الانتقالية الجديدة في دمشق والغرب.
ولفت حمو، في تصريحات أدلى بها لـ (حفريات) إلى أنّ تنظيم (داعش) نشط إعلامياً في الفترة الأخيرة، إذ يتهم أحمد الشرع بالخيانة، ويزعم أنّه يتقارب مع أمريكا والغرب، متّهماً إيّاه بالتفريط بثوابت الدين والتخاذل في قضية فلسطين، كما بدأ يحرض المقاتلين الموالين له على الانشقاق عنه.
وبيّن حمو أنّ هجوم تنظيم (داعش) الأخير يُعدّ اختراقاً واضحاً، لا سيّما أنّ التنظيم يعيد ترتيب صفوفه، ويسعى إلى استقطاب كلّ الرافضين لحكم الشرع، والذين يتهمونه بالخنوع والتنازل للغرب. وفي ظل هذا الواقع تحتاج السلطة في دمشق إلى التعاون مع قوات سوريا الديمقراطية، والاستفادة من خبرتها في مواجهة تنظيم (داعش)، خاصةً بعد تزايد عمليات التنظيم ضد مواقع قوات سوريا الديمقراطية أيضاً.
وشدد الباحث في المركز الكردي للدراسات على أهمية تشكيل غرفة تنسيق للعمليات ضد تنظيم (داعش) في عموم سوريا، موضحاً أنّ قوات التحالف تستطيع المشاركة في هذه الغرفة، بغية منع التنظيم من التمكين والتمدد.