"أسلمة" ثم "عسكرة"... هكذا نجح الإخوان في حرف الثورة السورية عن مساراتها المدنية والديمقراطية

"أسلمة" ثم "عسكرة"... هكذا نجح الإخوان في حرف الثورة السورية عن مساراتها المدنية والديمقراطية

"أسلمة" ثم "عسكرة"... هكذا نجح الإخوان في حرف الثورة السورية عن مساراتها المدنية والديمقراطية


05/09/2023

بعد أشهر قليلة من اندلاع الثورة السورية، كانت فيها التظاهرات سلمية ولها طابعها المدني، والمحتجون يرفعون شعارات "الشعب السوري واحد"، مع التأكيد على مدنية الحراك ومطالبه بحقوق مواطنيه، برز العنصر الإسلاموي سريعاً، ونجم عن ذلك ظهور الطائفية، وتفجر الصراع العسكري، ومن ثم دوامة الحرب الأهلية، الممتدة لنحو أكثر من عقد.

"أسلمة" الثورة تمهيداً لعسكرتها كانت عملاً مقصوداً؛ ساهم فيه النظام السوري، فضلاً عن وجود أطراف إقليمية قامت بتسليح ودعم المتشددين في سورية.

وقد انخرطت جماعة الإخوان والتيارات الجهادية في تكريس خطاب طائفي؛ لجعل كل طرف يصطف على هذا الأساس، ووقوع الانقسام الذي أدى إلى دائرة عنف لا تنتهي. ومن بين الدعاوى التي روجها النظام السوري ودعم انتشارها الإسلامويون، أنّ الثورة هي "ثورة سنّية ضد نظام علوي".

يمكن القول إنّ أحد التنظيمات المعارضة التي تشكلت في بدايات الثورة، وهو المجلس الأعلى لقيادة الثورة السورية، انحرف عن تقديم الدعم اللوجيستي، والتمثيل السياسي، إلى الانخراط في العنف مع تصاعد حدة الأحداث، علماً أنّ التنظيم رغم تسمية نفسه بمنظمة "علمانية"، إلّا أنّه حظي بوجود شخصيات إسلاموية؛ مثل عبد السلام محمد الشقيري ومطيع البطين، وكلّ منهما خطيب وداعية ديني، وهما متخرجان في جامعة الأزهر.

ووفق معهد (كارنيغي)، فإنّه يمكن اعتبار دعم المجلس الأعلى للمتمردين السلفيين والجهاديين مؤشّراً إضافياً على ميوله الإسلامية، كما يمكن أن يكون خياراً براغماتياً، تحرّكه تفضيلات المانحين الخليجيين المُحافِظين، أو ربما كان دليلاً على الفرق غير الواضح بين الجيش السوري الحر، وكتائب المتمردين المستقلة.

أثر الإخوان لا ينتهي

ألمح المفكر والسياسي سلامة كيلة إلى أنّ الخطاب الثوري الذي تبنّى مقولة "الشعب السوري واحد"، ثم انحرف إلى النزعة الطائفية المتشددة، "هذا الصوت كان يعمل خفية في البدء، ويركز في العلن على "الثورة"، رابطاً ما يجري بما حدث من صراع عامي 1980و1982، أي صراع جماعة الإخوان المسلمين والطليعة المقاتلة ضد النظام من منظور طائفي، والذي توَّجه النظام بمجزرة مروعة في حماة. وكان هذا الربط قصدياً لتأكيد استمرار الصراع الطائفي ضد النظام".

 المفكر والسياسي السوري الراحل سلامة كيلة

ويردف: "كان يجري كل ذلك (خارج سوريا في الغالب) وشباب الثورة يرفع شعار: "واحد، واحد، واحد، الشعب السوري واحد"، وشعار: "لا سلفية ولا إخوان الثورة ثورة شبان"، وكذلك: "لا إخوان ولا سلفية بدنا الدولة المدنية". وكانت هذه الشعارات ردّاً على خطاب النظام القائم على أنّ "ما يجري هو من فعل مجموعات سلفية"، أو أنّه "نشاط إخواني" كجزء من مؤامرة أمريكية. أي إنّ هذا الخطاب كان يهدف إلى القول إنّ ما يجري هو من فعل "الإخوان المسلمين"، ويجري التذكير بما حدث أعوام الثمانينات تلك للقول إنّ ما يجري هو رد "سنّي ضد العلويين"، الذين يحمّلهم الإخوان وزر المجازر تلك".

انخرطت جماعة الإخوان والتيارات الجهادية في تكريس خطاب طائفي؛ لجعل كل طرف يصطف على هذا الأساس، ووقوع الانقسام الذي أدى إلى دائرة عنف لا تنتهي

لكنّ بعض النخب قبلت أن تكون "الطرف الآخر"، أي قبلت "الأسلمة" كردٍّ على النظام، وعملت على ما يخدم خطاب النظام، ويخدم استراتيجيته. وهي مهيأة أصلاً لذلك، بالضبط لأنّها تمتلك "وعياً طائفياً"، على حدّ تعبير كيلة، ظهر خلال صراع أعوام 1980/1982، وعملت على تعميمه، تماماً كما كان يفعل النظام. وإذا كانت تعمم ذلك "في الخفاء" بداية، فقد جهرت به فيما بعد، وتعمم لكي يشمل نخباً مهمة في المعارضة؛ ليصبح شعار: "ثورة سنّية ضد نظام علوي" هو أساس الوعي لدى هؤلاء، وبات خطابهم طائفياً بامتياز، وبـ "بجاحة". لهذا من يتابع الإعلام، والشخصيات المعارضة المداومة فيه، يتوصل إلى نتيجة أنّ الثورة هي ثورة سنّية ضد نظام علوي.

وبسؤال الكاتب والصحفي السوري درويش خليفة عن ضلوع جماعة الإخوان، باعتبارها الجماعة الأم للتيار الإسلامي في إفشال الثورة السورية، ثم المواقف السلبية والانتهازية للرموز الإسلامية تجاه الحراك المندلع في آذار (مارس) 2011، يجيب لـ (حفريات): "بشكل واضح كان لأسلمة الثورة السورية والعبث بشعاراتها الأولى، التي طالبت بوحدة الشعب السوري، وحريته وكرامته الوطنية وتحقيق العدالة الاجتماعية، أثر واضح في تعاطي الدول معها، حيث إنّ الدول التي ترى من الإخوان والجماعات الإسلامية الأخرى عامل تخريب لهذه البلدان، تخلت عن نصرتها للثورة وابتعدت عن الملف السوري؛ كي لا تتصادم معها، وبالتالي تنتقل النشاطات التخريبية إلى دولها".

بعض النخب قبلت أن تكون "الطرف الآخر"، أي قبلت "الأسلمة" كردٍّ على النظام، وعملت على ما يخدم خطاب النظام، ويخدم استراتيجيته

هذا عدا عن سيطرة الفصائل الإسلاموية المسلحة على معظم كيانات الثورة السياسية، والسعي الحثيث للهيمنة على قراراتها بمعزل عن مشاركة القوى الثورية والسياسية الأخرى، وفق خليفة. وفي مقابل ذلك كان هناك دور للدول الداعمة، حيث مكّنت الإخوان على حساب الفصائل الثورية، ودعمتهم بشكل مباشر دون النظر للثورة السورية كحركة وطنية تهدف للتغيير وتعزيز العلاقات مع دول المنطقة.

أجندة الإخوان عملت بمعزل عن مطالب الثورة

تخلّت الجماعة عن القرار الوطني للثورة السورية لصالح دول الإقليم، وفق الكاتب والصحفي السوري، ممّا وضعها في خانة المرتزقة، وزاد من ابتعاد الدول العربية والغربية عن الثورة والقضية السورية، وهناك أمثلة عديدة ما تزال حاضرة في ذاكرة السوريين، كتسليم المناطق الـ (4)، والمشاركة في مؤتمر سوتشي؛ من خلال شخوص الجماعة ممثلة برئيس الحكومة المؤقتة السابق أحمد طعمة، وتمسك الجماعة بمسار أستانة حتى آخر جولة منه، والجميع يعلم أنّ هذا المسار أفضى إلى سيطرة النظام على مناطق واسعة على حساب جغرافية الثورة.

تخلّت الجماعة عن القرار الوطني للثورة السورية لصالح دول الإقليم

ويشير الكاتب والصحفي السوري إلى أنّه بسبب حسابات الإخوان الخاطئة، ومن يصطف إلى جانبهم، باتت تصنف قوى وفصائل ثورية على لوائح العقوبات الأمريكية، وربما الأوروبية في المرحلة القادمة.

وفي المحصلة، أدّى الإسلامويون وداعموهم في قطر وتركيا دوراً مشبوهاً في حرف الثوري السورية عن مساراتها السلمية والمدنية. وكانت الأسلمة والعسكرة للأجسام السياسية هدفاً مشتركاً بين الإسلاميين والنظام، والأخير غذّى هذه الاتجاهات المتشددة في مقابل العلمنة والمطالب الديمقراطية؛ لتصفية الحراك وإنهاء استمراره، وإيجاد الحجة لممارسة العنف المتوحش.

مواضيع ذات صلة:

بعد تسليمهم الشمال لتركيا: إخوان سوريا يدعون لتحرير الجولان

انتخاب مراقب عام جديد لإخوان سوريا... هل لتركيا علاقة؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية