تركيا ومأساة اللاجئين السوريين: "الأنصار" يتاجرون بـ "المهاجرين"

أردوغان

تركيا ومأساة اللاجئين السوريين: "الأنصار" يتاجرون بـ "المهاجرين"


03/03/2020

تزامناً مع تصاعد الحملة على إدلب السورية وبدء عملية ما يسمى "درع الربيع" التركية على قوات النظام السوري، أطلق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قنبلة "المهاجرين" باتجاه أوروبا، بفتح الحدود أمام الآلاف الذين دعاهم للمسير باتجاه بلغاريا واليونان، اللتين عزّزتا تأهبهما الى أقصى الدرجات، مستغلاً مرة أخرى مأساة اللاجئين السوريين للتغطية على حلقة أخرى من سلسلة مغامراته الفاشلة في المنطقة العربية، دون أي اعتبار لمأساة السوريين الذين طالما ادعى الدفاع عنهم ونصرتهم.
 لجأ أردوغان إلى التضييق على اللاجئين السوريين بمجموعة إجراءات أبرزها إنهاء الرعاية الصحية

تركيا تريد الثمن
كان الرئيس التركي أطلق تصريحات قال فيها "إننا نستضيف 3.7 مليون سوري في بلادنا ولا طاقة لنا بتحمل المزيد، ولذلك سنفتح كل الأبواب أمام اللاجئين السوريين الراغبين بالتوجه لأوروبا، ولن نغلقها خلال الفترة القادمة".

لا يمثل اللاجئون السوريون سوى ورقة في يد أردوغان يلعب بها وقت ما يشاء

وبالفعل أصدر أوامره لقوات شرطته (الجندرما) وحرس الحدود التركي في ولاية أدرنة الحدودية وعلى شواطئ بحر إيجه بحشد آلاف المهاجرين، ثم دفع بهم في زوارق صغيرة باتجاه اليونان تمهيداً للعبور منها إلى اليونان وبلغاريا.
وقد بلغ عدد اللاجئين الذين عبروا الحدود نحو أوروبا حوالي 18 ألفاً منذ الجمعة الماضي، رغم أنّه هو من قال قبلها عن استقباله للاجئين السوريين إننا نريد أن نكون كـ"الأنصار"، ولن نترك المهاجرين في منتصف الطريق"، بعد أن قبض 5 مليارات دولار ونصفاً من الاتحاد الأوروبي ثمن استقباله لهؤلاء اللاجئين، ثم خرج وزير خارجينه شاويش أوغلو ليقول: لم نتلقَّ الدعم الكافي من المجتمع الدولي حيال الأزمة، وننتظر من حلف الناتو مواقف واضحة بشأن سوريا، وأعتقد أن رسالتنا وصلت إليهم.

استغلال إلى أبعد مدى

استغل أردوغان أزمة اللاجئين الإنسانية إلى أبعد مدى، فحين انتهت أغراضه منها بعد أن وظّف معاناتهم لتحقيق مكاسب شخصية وانتخابية، ما لبث أن لجأ إلى عدد من الأعمال التي تساهم بهروبهم مثل إنهاء الرعاية الصحية، وإلغاء علاجهم المجاني في المستشفيات التركية، وإجبارهم على الإقامة في المناطق الحدودية بحجة مزاحمتهم التاجر التركي أو عدم وجود تراخيص!

اقرأ أيضاً: بعد انهيار الاتفاق بشأن اللاجئين.. كيف سيرد الاتحاد الأوروبي على ابتزاز أردوغان؟
وبذلك لم يكن مستغرباً خلال الأيام الماضية عودة الرئيس التركي ليستخدم اللاجئين كورقة ضغط على الأوروبيين لتحقيق أهدافه، وابتزازهم سياسياً واقتصادياً بعد أن فتح حدوده أمام حركتهم وهروبهم، وجعل أراضيه منصة لانطلاق رحلات الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا.

اتفاق تركيا مع أوروبا كان يقتضي إغلاق الحدود أمام اللاجئين السوريين

وفق الكاتب المختص بالشأن التركي نبيل عامر، لا يمثل اللاجئون السوريون سوى ورقة في يد أردوغان يلعب بها وقت ما يشاء، "فبعد أن وقف أمام المئات من حزب العدالة والتنمية الحاكم، وقال "إن اللاجئين إخوة للأتراك"، عاد في نفس الخطاب وقال: لكننا لن نقف وحدنا معهم!".
ويتابع عامر في حديثه لـ"حفريات": "ذلك نهج معروف في السياسة التركية، فكلما أرادت ممارسة الضغط على أوروبا يخرج رئيسها عن صمته ويهدد بفتح صنبور اللاجئين"، مبيناً أنّ هناك مقاطعة مشتركة على الحدود ينفذون منها لليونان كان يستخدمها لابتزاز الأوربيين؛ "وهو النهج الذي عاد إليه بعد مؤتمر برلين، عندما أرسلت فرنسا وإيطاليا حاملتي طائرات قبالة طرابلس، وإعلانهما إضافة إلى ألمانيا أنهم مع حقوق اليونان البحرية، فنشر خريطة تبين الطريق للاجئين وكيف يمكن أن يصلوا إلى فرنسا وإيطاليا عن طريق بحر إيجه".
وفي هذا السياق، نقلت وكالة "رويترز" للأنباء عن وزير الداخلية التركي تصريحاً أقلق اليونان حين أعلن أنّ العدد الحقيقي للاجئين 67 ألفاً فى بلدة أدرنه، في حين أنّ المنظمة الدولية للهجرة قالت إن هناك اشتباكات مع حرس الحدود اليوناني وعدد المشتبكين حوالي 13 ألفاً تجمعواعند معابر في بازاركولي وإيبسالا بينهم حوالي 3000 من أفغانستان.

اقرأ أيضاً: أردوغان يسلّم اللاجئين السوريين لليونان ويفتح لهم أبواب الجحيم
ونقلاً عن "دويتشه فيله" يرى خبير الشؤون التركية في المعهد الملكي للشؤون الدولية في لندن، فادي حاكورة، أنّ تركيا "تبتز" أوروبا، وتهدف من خلال فتح الحدود إلى "جر أوروبا إلى مستنقع الحرب السورية"، مضيفاً أنّ "تركيا تريد من جهة أن تحصل على تأييد أوروبي لعملياتها العسكرية في شمال سوريا وخصوصاً في إدلب، كما أنّها تريد من جهة أخرى الحصول على مزيد من الأموال من الأوروبيين".
ووفق صفحته الرسمية على فيسبوك، يقول الباحث الدكتور حسام الدين درويش: إنّ اتفاق تركيا مع أوروبا، بخصوص اللاجئين كان يقتضي إغلاق الحدود في وجه اللاجئين السوريين، وكان أردوغان يهدّد دائماً بفتح حدوده، لكنّه لم يفكر مطلقاً بفتح حدود تركيا مع سوريا، والسماح للنازحين بالاحتماء في مخيمات على أراضٍ تركية، حتى بعد تعرّض مخيمات النازحين لقصفٍ متكررٍ، وحتى بعد عجز مئات الآلاف منهم عن إيجاد خيم أو مكان يؤويهم أو يحتمون به.

اقرأ أيضاً: بعد ليلة باردة في العراء - آلاف اللاجئين على أبواب أوروبا المقفلة
من جهتها، تقول الكاتبة الإسلامية نشوى الحوفي في مقال نشرته بصفحتها الرسمية على فيسبوك: لكي نفهم فإنّ إدلب منطقة في الشمال السوري فيها عناصر كثيرة من ميليشيات مسلحة سواء منشقون عن الجيش السوري أو جبهة النصرة تمولهم تركيا وتدربهم، وتم الاتفاق الروسي التركي الإيراني على تهدئة الوضع في المنطقة بشرط تخلي أنقرة عن دعم المسلحين في ادلب، الذين خسروا مؤخراً، وهو ما دفع أردوغان لطلب المساعدة من الاتحاد الأوروبي الذي رفض التورط في المستنقع السوري، ويفهم الرئيس التركي ذلك لكنه يضغط من أجل التفاوض والحصول على الكثير من المكاسب.
 اتفاقية اللاجئين بين تركيا والاتحاد الأوروبي لم تضع حداً لهذه المأساة

الضغط على اليونان المرهقة
من المعروف أنّ اليونان التي تمر بأزمة اقتصادية خانقة، تواجه حرباً حقيقية من تركيا في حدودها البحرية وجزرها المتناثرة في البحر المتوسط، تقول الأمم المتحدة إنّ نحو 13 ألف لاجئ، باتوا يتمركزون الآن، على طول الحدود التركية اليونانية، التي يبلغ طولها 212 كيلومتراً، في حين قال وزير الداخلية التركي (سليمان صويلو)، السبت الماضي، إنّ عدد اللاجئين والمهاجرين غير النظاميين، العابرين أراضي بلاده باتجاه أوروبا قد ارتفع إلى 47 ألف شخص.
هذا وتُعد اليونان أحد أكبر المعاقل الرئيسية اللاجئين، فقد استقبلت في آب (أغسطس) 2015 ما يقارب 200 ألف مهاجر معظمهم من السوريين، وهو ما يعني أنّ عدد اللاجئين قد زاد بما يعادل حوالي خمسة أضعاف مقارنةً بنفس الوقت من العام الماضي، ما أثر بالسلب على الدولة وزاد أعباء أزمتها اقتصادية، وأدى إلى وجود نزاعات عديدة مع الاتحاد الأوروبي حول الطريقة الملائمة لتحمل جزء من مسؤولية اللاجئين.

اقرأ أيضاً: أردوغان المتنمّر يشهر سلاح اللاجئين
ووفق "بي بي سي" فقد أعرب الاتحاد الأوروبي عن قلقه من موجة الهجرة الجديدة من تركيا، وأكّدت رئيسة المفوضية الأوروبية (أورسولا فون دير لايين) أنّهم ينظرون "بقلق" إلى تدفق المهاجرين من تركيا باتّجاه حدود اليونان وبلغاريا.

اليونان التي تمر بأزمة اقتصادية خانقة تواجه حرباً حقيقية من تركيا باستخدام اللاجئين

ونقلت قناة "سكاي فيلا" عن الحاكم الإقليمي في مقدونيا وتراقيا كريستوس ميتيوس أنّ "نهر إفروس يمتد على مسافة طويلة وفيه بعض الممرات المناسبة" للعبور، مصيفاً أنّ "القوات اليونانية تبذل جهوداً لكن بعض المهاجرين يتمكنون من الإفلات".
يقول الباحث ثابت العموري في حديثه لـ"حفريات": إنه في آخر تصريح له، قبل ثلاثة أسابيع، قال الرئيس التركي خلال اجتماعه في بودابست مع رئيس الوزراء المجري: "مع الدعم أو من دونه، سنستمر في الترحيب بضيوفنا؛ ولكن إلى حد ما إذا وجدنا أن هذا الأمر لا يعمل؛ فلن يكون لدينا خيار سوى فتح الأبواب إلى أوروبا".
يذكر أنّه في العام 2015، وصل ما يقرب من 857 ألف مهاجر سرّاً إلى اليونان عن طريق البحر، ثم انضموا إلى أوروبا، وَفقاً للمفوضية الأوروبية، ودفع الذعر الناجم عن هذا التدفق الهائل للوافدين الجدد الاتحاد الأوروبي إلى إبرام اتفاق مثير للجدل في العام 2016 مع أنقرة، في مقابل صفقة بقيمة 6 مليارات يورو، تعهدت تركيا، حينها، بتعزيز السيطرة على حدودها البحرية -وكذلك البرية- لمنع الهجرة غير الشرعية.
لكن سعي أوروبا إلى إيقاف سعي اللاجئين نحو أراضيها لا يعتمد على التزام الأتراك بتعهداتهم فقط، بل اتخذت إجراءات أخرى وساعدت على إقامة مخيمات ومراكز إيواء في اليونان، بحيث يضطر اللاجئ الذي ينجح في الوصول إلى اليونان من تركيا إلى العيش في ظروف بالغة السوء، بما يضطره إلى محاولة العودة إلى تركيا، ويقدم بذلك عبرة للآخرين بعدم جدوى القدوم إلى اليونان، وبذلك فإن اتفاقية اللاجئين بين تركيا والاتحاد الأوروبي لم تضع حداً لهذه المأساة التي يبدو أنّ أنقرة ستواصل استغلالها كلما أرادت ذلك.


وفي هذا السياق، يقول الكاتب التركي تيمور غوكسَل في موقع "أحوال تركية" إنّه من غير المرجح أن يساعد الناتو الجيشَ التركي في صراعه المتعدد الأطراف في سوريا، على الرغم من أهمية تركيا الاستراتيجية، والنابعة من موقعها الذي يحد البحر الأسود ويمر به مضيق البوسفور، وأيضاً بسبب وجود قاعدة أنجيرليك الجوية على أراضيها في جنوب شرقي تركيا، حيث يدير الحلف طلعات الاستطلاع الجوي من تلك القاعدة.
ونقلت "بي بي سي" عن مكتب رئيس وزراء اليونان كيرياكوس ميتسوتاكيس الإثنين الماضي أنّه تحدث مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن أزمة المهاجرين التي تشهدها حدود اليونان مع تركيا وأقر الأخير "بحق اليونان في فرض تطبيق القانون على حدودها"، فيما حذر المفوض الأوروبي للهجرة تركيا من أنّ الاتحاد الأوروبي سيتبع نهجاً أكثر صرامة في مواجهة استخدام أردوغان ملف اللاجئين لابتزاز أوروبا.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية