أردوغان المتنمّر يشهر سلاح اللاجئين

أردوغان المتنمّر يشهر سلاح اللاجئين


03/03/2020

علي قاسم

ماذا سيفعل الاتحاد الأوروبي الآن، وقد أشهر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، سلاح اللاجئين في وجهه، بعد أن هدد به طويلا؟

جاءت اللحظة التي انتظرتها واشنطن، على مدار السنوات الثلاث الأخيرة، 33 قتيلا في صفوف الجيش التركي تكفي لتُخرجَ الرئيس التركي الجريح عن أطواره، وتدفع إلى توتر العلاقات بين أنقرة وموسكو.

جهات إعلامية عديدة، في الولايات المتحدة، عبرت عن شماتتها من أردوغان، وحمّلته مسؤولية ما حصل، فهو حسب رأيها، أضاع الوقت في تملق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

أثمر صبر واشنطن في النهاية، وهي تنتظر عودة الابن الضال إلى حضنها، وتتوقع من أنقرة شن هجوم على القوات السورية المدعومة من روسيا، والتي تقاتل لبسط سيطرتها على كامل محافظة إدلب، ومن أجل ذلك أعرب حلف شمال الأطلسي (الناتو) عن دعمه لحكومة أردوغان.

وكانت علاقات تركيا بالولايات المتحدة وحلف الناتو، قد شهدت فتورا، دفع جهات أوروبية للتنبؤ بوصولها إلى حد القطيعة. بينما انتظرت واشنطن لحظة تتعارض فيها مصالح الدولتين.

وترى الإدارة الأميركية، في توتر العلاقات التركية الروسية، بعد المواجهة الأخيرة في إدلب، فرصة يجب استثمارها لإحياء الشراكة الإستراتيجية مع أنقرة. وسهلت المخاوف الأوروبية من استخدام أنقرة سلاح اللاجئين مهمة واشنطن.

وبينما راهن أردوغان على التقارب مع بوتين أملا في عقد شراكة إستراتيجية معه، يحقق من خلالها حلمه، راهنت واشنطن على أن حُلم أردوغان مجرد وهم لن يتحقق.

يصعب على أردوغان أن ينسحب من المواجهة دون رد، أو على الأقل فرض اتفاق يرد له الاعتبار؛ النظام التركي والأتراك ينتظرون منه ذلك، وأول خطوة يتوجب عليه اتخاذها هي إعادة العلاقات مع واشنطن، وهي الخطوة التي كان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، يتوقعها.

وتنتظر أنقرة من الولايات المتحدة دعما لإقناع حلف الناتو بنشر أنظمة صواريخ باتريوت، على الحدود بينها وبين سوريا، وتقديم معلومات استخباراتية تساعدها في إعادة فرض سيطرتها على محافظة إدلب، مقابل أن تتخلى هي عن صفقة صواريخ أس – 400 الروسية.

وبينما يستبعد محللون عسكريون أن يقوم أردوغان بهجوم موسع داخل سوريا، يتوقع البعض منهم قيام القوات التركية بهجوم محدود، يكون من نتائجه، وضع نهاية للتحالف الغض بين أنقرة وموسكو.وكان السفير الروسي بالأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، قال، في كلمته أمام مجلس الأمن، إن بلاده قدمت إحداثيات مواقع الجنود الأتراك للنظام السوري، لمنع مواجهة بين الطرفين، إلا أن ممثل تركيا الدائم لدى الأمم المتحدة، فريدون سينرلي أوغلو، رفض التبريرات الروسية، مؤكدا أن الرادار أظهر الطائرات السورية والروسية تحلق جنبا إلى جنب، وأن الجنود الأتراك استهدفوا عن عمد.

يدرك أردوغان أن عليه الحصول على تأييد الدول الأوروبية، إضافة إلى الولايات المتحدة والناتو، قبل أي مغامرة تضعه في مواجهة بوتين داخل سوريا، لذلك لجأ إلى ابتزازها بسلاح اللاجئين، مكتفيا ببضعة آلاف دفع بهم إلى الحدود مع دول أوروبية، ملمّحا بوجود مليون لاجئ آخر لن يتردد في استخدامهم.

لم يتسرب خبر فتح الحدود التركية أمام الآلاف من اللاجئين عن طريق وكالات الأنباء، بل قام أردوغان بالإعلان عنه شخصيا؛ رسالة واضحة تقرأ باتجاه واحد: سبق أن هددت، وها أنا الآن أفعلها. وقال أردوغان إن نحو 18 ألف مهاجر عبروا الحدود إلى أوروبا.

وأكدت المنظمة الدولية للهجرة أن 13 ألف شخص يحتشدون على الحدود اليونانية – التركية.

ويزيد انتشار فايروس كورونا المخاوف الأوروبية من كوارث قد تنجم عن تدفق عشوائي للاجئين، وقالت اليونان، الخميس، إنها ستشدد التدابير على الحدود، للحيلولة دون وصول الفايروس إلى جزرها، في بحر إيجة، حيث يعيش الآلاف من اللاجئين في ظروف بائسة.

وكانت اليونان بوابة رئيسة لمئات الآلاف من طالبي اللجوء، خلال عامي 2015 و2016، وهي تؤكد اليوم أنها لن تسمح بدخول المزيد منهم، فهؤلاء لم يأتوا بأنفسهم، بل دفع بهم، واستخدموا من قبل “الجارة” تركيا، ووصفت ما حدث بمحاولة منظمة وجماعية وغير قانونية لانتهاك حدود اليونان.

وردت تركيا على الاتهامات اليونانية بتغريدة، لوزير الخارجية، مولود جاويش أوغلو، مصحوبة بصور للمئات من الجالسين خارج الموقع الحدودي اليوناني “أنظروا من يحاضرنا بشأن القانون الدولي، إنهم يلقون قنابل الغاز المسيل للدموع بخزي على الآلاف من الأبرياء المحتشدين عند بواباتهم (..) ليس علينا التزام لمنع الناس من مغادرة بلادنا، لكن اليونان عليها واجب معاملتهم كبشر”.

نجح أردوغان في إثارة مخاوف الاتحاد الأوروبي، الذي عبر عن دعمه اليونان وبلغاريا، في حماية حدود التكتل، وسعى إلى تهدئة أنقرة. والجمعة، أكد أمين عام الناتو ينس ستولتنبرغ، دعم الحلف القوي لتركيا، وقال إنّ أعضاء الحلف يدرسون إمكانية فعل المزيد من أجلها.

ماذا ينتظر أردوغان من التصعيد؟ أن تجبر موسكو الحكومة السورية على قبول تنازلات تمنح وفقها تركيا صلاحيات واسعة على محافظة إدلب وضواحيها، أو أن يدخل حربا يخرج منها منتصرا؛ وإن بدا هذا الرهان للبعض بعيد المنال، إلا أنه بالنسبة لرئيس متنمّر، مثل أردوغان رهان يستحق أن يفكر به.

هذا عن أنقرة، فماذا عن واشنطن؟

الجواب يمكن توقعه بقراءة ما حدث بأفغانستان وما حدث في العراق… الفوضى.

عن "العرب" اللندنية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية