بعدما تحرّرت من داعش: سنجار تتحدى أطماع أردوغان

بعدما تحرّرت من داعش: سنجار تتحدى أطماع أردوغان


24/02/2021

لم تلتئم جراح الإيزيديين بعد من جرائم داعش بحقهم، وما تزال المئات من نسائهن مفقودات، بعد أنّ تعرضن للخطف والاستغلال الجنسي على يد تنظيم داعش، الذي ساعدته تركيا، حتى جاء أردوغان يهددهم بالاجتياح، ليعيد إليهم ذكرى المآسي التي اقترفتها تركيا في ماضيها وحاضرها بحقهم.

وبعد أنّ تحررت سنجار من داعش، بتدخل عراقي ودولي، وبمشاركة أبناء الإقليم، عادت تركيا تبحث عن وسيلة أخرى لتحقيق أطماعها في الاستيلاء على الإقليم، بطريقة أخرى، بعد أنّ أخفق هجوم داعش الذي رضيت عنه، فجربت تمكين الحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي يحكم إقليم كردستان من السيطرة الإدارية على سنجار، عبر الدفع نحو اتفاق مع بغداد، لكنّ الرفض الشعبي في سنجار لعودة "الديمقراطي"، بعد أنّ خانهم وتركهم فريسةً لداعش في 2014 عطل تطبيق الاتفاق.

تعتبر سنجار حلقة وصل بين الأكراد في سوريا والعراق، ويريد أردوغان إقامة منطقة عازلة تمكنه من الفصل بين الوجود الكردي في المنطقة

وعندما نفدت خيارات أنقرة للتحايل غير المباشر، لجأت إلى التهديد باجتياح الإقليم بالقوة، تحت الذريعة المرفوعة دوماً؛ وهي محاربة حزب العمال الكردستاني، الذي كان له دور كبير في الدفاع عن أهالي سنجار، وتنظيم إدارة ذاتية في المنطقة من أبنائها.

أطماع تركيا في سنجار

سنجار أحد الأقضية التابعة لمحافظة نينوى، في شمال غرب العراق، وتتصل بالحدود السورية من الشمال الغربي والغرب، وتتصل بإقليم كردستان وجبال قنديل، وتقع بالقرب من الحدود التركية مع العراق، دون اتصال جغرافي بينهما.

وتتقاسم عدّة أطراف السيطرة الأمنية والعسكرية على القضاء؛ فهناك قوات تتبع البيشمركة، والحشد الشعبي، والجيش العراقي، وقوات إيزيدية تتبع الإدارة الذاتية، التي تشكلت لتحرير القضاء من تنظيم داعش. وتطمح إدارة إقليم كردستان إلى استعادة السيطرة على القضاء، بعد أنّ تخلت عنه أمام هجوم داعش في 2014.

 وحول أهمية المنطقة، وتنافس قوى سياسية وعسكرية عليها، يشير الإعلامي والباحث العراقي، المنتمي للإيزيديين، عيسى سعدو، إلى ارتباط سنجار بالأطماع التركية في شمال العراق، خاصة لموقعها الإستراتيجي، وأنّ "احتلال الأتراك سنجار يعني اتصالهم بشكل مباشر بمنطقة تلعفر، ذات الأغلبية التركمانية، التي تقع شرق الإقليم، وبذلك تسيطر تركيا على نصف محافظة نينوى".

قوات تركية في شمال العراق

ويغذي الأطماع التركية أهمية موقع سنجار بالنسبة لطريق الحرير الجديد؛ حيث خلق ذلك تنافساً إيرانياً - تركياً على المنطقة.

 ويرى سعدو في حديثه لـ"حفريات"، أنّه "من المحتمل أنّ يمر طريق الحرير عبر سنجار، لتكون مركزاً رئيسياً لتفرعه نحو سوريا ثم البحر المتوسط، وإلى تركيا ثم أوروبا".

وإلى جانب ذلك؛ هناك رمزية كبيرة لسيطرة الأتراك تحت زعامة أردوغان على منطقة سنجار، ترتبط بالإرث العثماني في المنطقة. وبالنسبة لأردوغان فالسيطرة على سنجار تمثّل نصراً كبيراً لدى مؤيديه من العثمانيين الجدد؛ حيث أخفقت الدولة العثمانية في احتلال سنجار بشكل دائم.

ويردف عيسى سعدو: "ظلت سنجار عصية على العثمانيين، ودخولها يعني تحقيق نصر شخصي لأردوغان، يستغله في الحشد لدعاواه بإحياء الخلافة العثمانية، التي ارتكبت جرائم إبادة بحق الشعب الإيزيدي".

وعلاوةً على ذلك؛ تعتبر سنجار حلقة وصل بين الأكراد في سوريا والعراق، ويريد أردوغان قطع الطريق بينهم، وإقامة منطقة عازلة تمكنه من الفصل بين الوجود الكردي في المنطقة.

حزب العمال الكردستاني

وعقب إعلان تركيا انتهاء عملية "مخلب النسر 2"، والعثور على 13 تركياً مقتولين في كهف في منطقة قارا، شمال العراق، اتّهم أردوغان حزب العمال بالمسؤولية عن المذبحة، بينما نفى الأخير ذلك، وحمّل أنقرة المسؤولية بقصفها المنطقة بشكل عشوائي.

وتوعد الرئيس التركي بمواصلة عملياته العسكرية في شمال العراق، وتوسيعها للقضاء على حزب العمال، مؤكداً أنّه "لا يمكن لأي بلد أو شخص أو كيان طرح تساؤلات بعد اليوم عن العمليات العسكرية لتركيا في العراق بعد مجزرة قارا"، وأفصح عن نيته توسيع عمليات بلاده العسكرية، "لن يأمن الإرهابيون بعد اليوم في أي مكان، لا في قنديل ولا في سنجار".

وكانت وزارة الخارجية الأمريكية شككت في بيان عن مسؤولية حزب العمال عن قتل المواطنين الأتراك، قبل أنّ تتراجع بعد استدعاء أنقرة للسفير الأمريكي.

اقرأ أيضاً: تركيا تشنّ حملة اعتقالات ضدّ حزب العمال الكردستاني

ويرى معظم المراقبين أنّ القوات التركية تعمدت قتل مواطنيها في كهف قارا، لتتخذ من ذلك ذريعةً لغزو مناطق أوسع في شمال العراق، خاصة في إقليم سنجار، وعززت تصريحات أردوغان من هذه المخاوف.

وكتب المحلل السياسي الكردي، خورشيد دلي في موقع "العين": مع أنّ الدولة العثمانية انتهت فإنّ "نظرة تركيا الأردوغانية لا تختلف كثيرا عنها تجاه سنجار، إذ أنّ القوات التركية الموجودة في قاعدة بعشيقة بالقرب من سنجار، فضلاً عن الأخرى الموجودة على الجانب الآخر من الحدود، لم تتحرك لنجدة الإيزيديين في أثناء الهجوم الدموي لداعش عليهم عام 2014، بل عندما تصدى حزب العمال الكردستاني لداعش في هذه المنطقة، جعلت تركيا منه قضية للتصعيد والتهديد الدائم بالقيام بعملية عسكرية، وسط عمليات اغتيال وقصف لم تتوقف طوال السنوات الماضية في المنطقة".

ويؤكد ابن سنجار، الباحث الإيزيدي عيسى سعدو على اتخاذ تركيا من حزب العمال ذريعة لغزو المنطقة: "أنقرة تتذرع بوجود حزب العمال لكي تغزو سنجار، واستغلت مذبحة قارا للتمهيد لغزو محتمل للمنطقة عبر تصريحات أردوغان والمتحدث باسمه إبراهيم قالن".

الصحفي والباحث الإيزيدي عيسى سعدو

وصرح المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، قبيل الكشف عن مقتل المواطنين الأتراك في جبال قارا بنية بلاده غزو سنجار، ومؤكداً أنّ "احتمالية تنفيذ عملية تركية بمنطقة سنجار لطرد الإرهابيين لا تزال قائمة".

وتكشف تصريحات قالن أنّ نوايا تركيا لغزو سنجار لا ترتبط بمخاطر حزب العمال، حيث جاءت قبيل الكشف عن مقتل المواطنين الأتراك، الذين استغل أردوغان دماءهم للتأكيد على تصريحات قالن.

اتفاق سنجار

وعقب تصريحات أردوغان، دفع الحشد الشعبي بتعزيزات عسكرية إلى سنجار، ولم يدفع الجيش العراقي بتعزيزات. ويرى الباحث عيسى سعدو أنّ "الجيش أوكل مهمة الدفاع عن سنجار إلى قوات الحشد لاعتبارات سياسية".

الباحث عيسى سعدو لـ"حفريات":  احتلال الأتراك سنجار يعني اتصالهم بشكل مباشر بمنطقة تلعفر، وبذلك تسيطر تركيا على نصف محافظة نينوى

ونشر موقع "العالم" الإيراني، نقلاً عن مصادر من الحشد الشعبي؛ أنّ قوات الحشد تواصل التواجد في سنجار، وتتصدى لكلّ محاولات إبعادها، كوّنها عقبة أمام الأطماع التركية - الأمريكية.

ونقل الموقع عن البرلماني عن محافظة نينوى، محمد الشبكي، ما وصفه بأنّ "الحشد الشعبي تمكن من كسر الزحف الأمريكي التركي في مناطق سهل نينوى وسنجار"، حسب قوله.

وخلق وجود الحشد خلافات بين أربيل وبغداد، ووقع الطرفان اتفاقا حول قضاء سنجار في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، ينصّ على تسليم المنطقة إدارياً إلى حكومة أربيل، وتولي بغداد المسؤولية الأمنية، دون أنّ يُطبق الاتفاق على أرض الواقع.

على غرار الكرديات في سوريا انضمت الإيزيديات لوحدات المقاومة

وبحسب عيسى سعدو، يرفض الإيزيديون عودة القوات الكردية، خوفاً من تخليها عنهم مرة أخرى أمام خطر الإرهاب، ويرى أنّ "اتفاق أربيل حظى بدعم تركي كبير، من أجل تسليم سنجار إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي بدوره سيسمح لتركيا بالتواجد عسكرياً، مثلما تفعل في مناطق أخرى".

وفي حديثه لـ"حفريات"، حذر سعدو من التنسيق بين أحزاب وشخصيات تتبع الإخوان المسلمين في العراق وتركيا من أجل تسهيل سيطرة الأخيرة على شمال العراق، والحلول محل الحشد الشعبي، وتعزيز نفوذهم بدعم تركي.

ومن المحتمل حال تطبيق اتفاق سنجار أنّ تشرع تركيا بشن عمليات عسكرية في المنطقة، بموافقة الحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي سيدير المنطقة، بينما تغض بغداد الطرف عن الانتهاكات التركية لسيادتها، بعد أنّ نجحت أنقرة في ضمان تأييدها الضمني، عقب زيارات أمنية وسياسية متبادلة.

اقرأ أيضاً "حفريات" توثّق الانتهاكات التركية في سوريا: اعتقالات عشوائية وتحويل المدارس إلى سجون

وتعتبر منطقة سنجار وجبلها المنطقة الإيزيدية الخالصة، التي صمدت على مدار قرون، وتحتل مكانة رمزية كبيرة لدى المؤمنين بالديانة الإيزيدية. ويشكل الإيزيديون الغالبية العظمى من السكان، ومعهم أقليات عربية وتركمانية. 


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية