اهتمام تركي متعاظم بالعراق لتفادي تبعات الممر الاقتصادي الدولي

اهتمام تركي متعاظم بالعراق لتفادي تبعات الممر الاقتصادي الدولي

اهتمام تركي متعاظم بالعراق لتفادي تبعات الممر الاقتصادي الدولي


19/09/2023

يسجّل مراقبون اهتماما تركيا متزايدا بالعراق، لا كمجّرد ساحة لملاحقة مسلّحي حزب العمّال الكردستاني المعارض ولإقامة نقاط أمنية متقدّمة على أراضيه دون التنسيق المسبق مع سلطاته، بل كمجال حيوي لتعاون استثنائي في مجال الاقتصاد والبنية التحية يقي تركيا خطر التهميش الذي أصبح يتهدّدها بفعل الممر الاقتصادي الضخم الذي تم الاتفاق على إنشائه خلال قمّة مجموعة العشرين الأخيرة والمقرّر أن يربط بين الهند وأوروبا عبر منطقة الخليج والأردن وإسرائيل.

ومثّل مشروع إقامة هذا الممر أكبر تهديد لمخطّط تركي تعمل أنقرة على تجسيده منذ سنوات ويتمثّل في تحويل الأراضي والموانئ التركية إلى عقدة مواصلات رئيسية بين الشرق والغرب وممرا لا غنى عنه لنقل السلع في الاتجاهين لاسيما مواد الطاقة وعلى رأسها الغاز الطبيعي.

وتنظر تركيا إلى العراق باعتباره مجالا بكرا مفتوحا للتنمية التي تباطأت فيه بشكل كبير طيلة ما لا يقل عن عقدين، كما تنظر إليه باعتباره ساحة طيعة سياسيا نظرا لحالة الضعف التي يمر بها البلد في أكثر من مجال ما يجعل قيادته قابلة للتفاوض على عدة مواضيع وبأدنى الشروط بسبب افتقارها لأوراق القوة والضغط كما هي الحال على سبيل المثال بالنسبة إلى موضوع المياه الذي فشلت الحكومات العراقية في التفاوض عليه مع تركيا وإيران لتحصيل حقوق أصيلة للبلد.

واستشعرت القيادة التركية خطرا كبيرا في مشروع الممر الذي انخرطت فيه دولة الإمارات والسعودية إلى جانب الهند والولايات المتحدة ويتضمّن إنشاء خط حديدي طويل يصل بحر العرب بمياه البحر المتوسّط عبر الأردن وإسرائيل، ما دفعها إلى توجيه اهتمامها نحو العراق الذي يمثّل الحلقة الأهم في ممر اقتصادي مواز يصل مياه الخليج بالأراضي التركية.

وعبّر وزير الخارجية التركي هاكان فيدان الأسبوع الماضي عن رغبة بلاده في البدء سريعا بإنجاز مشروع طريق التنمية، معتبرا أنّ ممرات الطاقة والنقل لا يمكن أن تكون فعالة ومستدامة في المنطقة دون مشاركة بلاده.

وفي مظهر على الاهتمام التركي بهذا المشروع ركزت وكالة الأناضول التركية في حديث أجرته مع وزير خارجية العراق فؤاد حسين أثناء وجوده في نيويورك للمشاركة في أعمال الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة على مشروع طريق التنمية الذي وصفه الوزير العراقي في معرض إجابته بـ”الإستراتيجي للغاية.. والمهم للغاية للعراق وللمنطقة برمتها”.

ويبدأ الطريق من ميناء الفاو في خليج البصرة ومن المخطط أن يتكون من طريق بري وسكك حديد تمتد على طول 1200 كيلومتر داخل الأراضي العراقية قبل أن تتّصل بشبكة السكك الحديد التركية.

وتبلغ الميزانية الاستثمارية للمشروع حوالي 17 مليار دولار على أن يتم إنجازه على ثلاث مراحل تنتهي الأولى عام 2028 والثانية في 2033 والثالثة في 2050.

كما كشف حسين عن زيارة مرتقبة سيقوم بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى العراق، قائلا إنّها “ستضيف زخما إلى العلاقات وتعزز الأواصر المشتركة بين البلدين”.

ولا يخفي الحماس التركي لإنجاز المشروع المشترك مع العراق وجود عقبات حقيقية في طريقه بعضها سياسي والبعض الآخر أمني.

فأمنيا ما يزال العراق يبحث عن توازنه بعد موجة الإرهاب التي ضربته منذ الغزو الأميركي له وانتهت إلى حرب ضروس ضد تنظيم داعش وهو بذلك لا يمثّل موطنا مثاليا لإنجاز مشاريع التنمية وجلب الاستثمارات الضرورية لإنجازها.

كما أنه يعاني عائقا جوهريا يتمثّل في وجود قوات غير نظامية موازية لقواته المسلّحة ويتعلّق الأمر بالميليشيات الشيعية التي لا يقتصر تدخلّها على الجوانب الأمنية بل يمتدّ إلى المشاريع والاستثمارات الاقتصادية التي تستحوذ عليها بقوة السلاح والنفوذ السياسي.

كما أنّ بعض تلك الميليشيات تؤدّي دور الحارس لمصالح إيران في العراق وهي مستعدّة لعرقلة منافسيها هناك إذا مثّلوا خطرا على تلك المصالح.

وبالإضافة إلى ذلك توجد ملفّات عالقة بين الجانبين العراقي والتركي وقد يتعيّن على تركيا حسمها، وعلى رأسها ملف المياه التي تناقصت بشكل كبير في العراق جرّاء الاستغلال التركي المفرط لمياه نهري دجلة والفرات والتجاوز على حصص العراق منهما.

أما ملف حزب العمال الكردستاني المسلّح، فعلى الرغم من اعتراف العراق بحق تركيا في ملاحقة عناصره على أراضي كردستان العراق، فإنّ تلك الملاحقة المتفق عليها ضمن حدود جغرافية وضوابط معينة كسرت كل الاتفاقات وتحولت إلى حرب مستمرة في مناطق شاسعة من شمال وغرب العراق وأصبحت تمثّل خطرا كبير على سكان تلك المناطق بل إن أنقرة تحوّلت إلى إنشاء بعض القواعد العسكرية داخل أراضي العراق دون التشاور مع سلطاته.

وفوق كل ذلك لا تخلو السياسات التركية من تدخل في الشؤون الداخلية للعراق كما هي الحال بالنسبة إلى ملف كركوك المحافظة العراقية الغنية بالنفط وحيث تحاول تركيا فرض نفسها وصية على أبناء القومية التركمانية هناك لتساهم بذلك في تأجيج الصراع القومي في المحافظة متعدّدة الأعراق.

عن "العرب" اللندنية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية