اليمين المتطرف في ألمانيا ـ كيف يستثمر حزب البديل ملف الهجرة؟

اليمين المتطرف في ألمانيا ـ كيف يستثمر حزب البديل AFD ملف الهجرة؟

اليمين المتطرف في ألمانيا ـ كيف يستثمر حزب البديل ملف الهجرة؟


09/10/2023

تدفق هائل من المهاجرين واللاجئين إلى أوروبا بشكل عام وألمانيا بشكل خاص في الفترة الأخيرة، بنفس القدر الذي شهدته الحدود الأوروبية خلال عامي 2015 و2016، ما يزيد الضغوط على الحكومات الأوروبية وفي مقدمتها الحكومة الألمانية للتعامل مع معضلة الهجرة واللجوء، مع تباين المواقف داخل التكتل الأوروبي وفي مقدمته الموقف الإيطالي من جهة، وداخل الأوساط السياسية في ألمانيا من جهة أخرى، حيث تستغل أحزاب اليمين المتطرف في ألمانيا هذا الملف كورقة ضغط على الحكومة لانتقاد سياساتها، وكبوابة لاستقطاب أصوات ناخبين في انتخابات البرلمان والبلديات، خاصة وأن معاداة المهاجرين أساس عقيدة اليمين المتطرف في ألمانيا.

موقف ألمانيا من الهجرة واللجوء

سجلت ألمانيا أكثر من (204) آلاف طلب لجوء منذ يناير 2023 وحتى نهاية أغسطس 2023، بزيادة تقدر بنحو (77%) عن عام 2022، إضافة إلى (1.1) مليون لاجئ أوكراني استقروا في ألمانيا منذ بداية الحرب الأوكرانية.

امتنعت ألمانيا في يوليو 2023 عن التصويت على ميثاق الهجرة الأوروبي الجديد، الذي يتضمن تقاسم دول الاتحاد الأوروبي مسؤولية رعاية اللاجئين والمهاجرين، ودفع الدول الرافضة للمشاركة في هذه الآلية (20) ألف يورو عن كل مهاجر للدولة المستقبلة له، وتسريع البت في طلبات اللجوء مع غير المؤهلين للحصول على هذه الصفة كتمهيد لترحيلهم.

أعلنت ألمانيا تشديد الرقابة على حدودها مع بولندا والتشيك للتصدي للهجرة غير الشرعية، لذا شدد المستشار الألماني أولاف شولتز في 27 سبتمبر 2023، على إتمام المفاوضات على “مرسوم الأزمات” كإجراءات إضافية مرنة ومحددة لمواجهة الهجرة.

أعلنت وزارة الداخلية الألمانية في 2 أكتوبر 2023، إجراء مناقشات مع (6) دول حول “شراكات الهجرة”، لتشديد الرقابة على الحدود ووضع ضوابط مع دول الجوار. ووصف المستشار الألماني أولاف شولتز في 4 أكتوبر 2023، توصل الاتحاد لاتفاق حول نص رئيسي لإصلاح سياسة الهجرة بـ” المنعطف التاريخي” رغم التحفظات الإيطالية.

موقف حزب البديل من أجل ألمانيا” (AFD

يضع حزب “البديل من أجل ألمانيا” (AFD)  أزمة الهجرة واللجوء من أولوياته، ويستغل تصاعد موجات الهجرة واللجوء واستمرار انقسام الأحزاب الألمانية حول ميثاق الهجرة الأوروبي، للترويج لأفكاره الرافضة للهجرة.

يسعى الحزب إلى فرض وجهة نظره لتقييد استقبال اللاجئين والمهاجرين، وفي 21 سبتمبر 2023 تقدمت المجموعة البرلمانية للحزب عن ولاية براندنبورغ، بطلب إنشاء مركز احتجاز لترحيل جميع الأجانب الذين سيجبرون على مغادرة البلاد بحلول نهاية 2023، مع إنهاء الدخول غير القانوني إلى ألمانيا، وقوبل هذا المقترح برفض من برلمان الولاية.

سياسة حزب “البديل” لألمانيا ترتكز على وقف الهجرة، وتعديل قوانين استقبال اللاجئين وترحيل طالبي اللجوء فوراً لدى رفض طلبهم، دون النظر إذا كانت الدول التي سيرحلون لها آمنة أم لا، وإغلاق الحدود الأوروبية أمام طالبي اللجوء وإقامة معسكرات خارج الحدود لمنع وصول المهاجرين لألمانيا.

يروج الحزب إلى أنه بحلول 2025 يزداد عدد المهاجرين وتحديداً الأفارقة بنحو (800) مليون شخص، مشيراً إلى أن الأمر مهدد للهوية الوطنية والاقتصاد، وبتوجيه اتهامات للحزب بأنه يروج للكراهية ويهدد الأمن المجتمعي بموقفه ضد المهاجرين، فسر موقفه بأن استقبال ألمانيا وأوروبا لملايين الأشخاص القادرين على العمل، يعني سرقتهم من البلاد التي تحتاجهم لإعادة البناء، وطالب بتوفير المساعدات لمناطق الصراعات أفضل من تشجيع سكانها على الهجرة.ملف: الهجرة غير الشرعية ـ ما تداعياتها على أمن أوروبا

تصاعد شعبية حزب “البديل من أجل ألمانيا”

حصل حزب “البديل من أجل ألمانيا” على (10%) من الأصوات في انتخابات البرلمان في سبتمبر 2021، وحصل على أول منصب قيادي على مستوى البلديات في ولاية تورنغن شرقي ألمانيا في يونيو 2023.

أظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة صعود شعبية الحزب اليميني، وحصل في يونيو 2023 على (18%) من أصوات الناخبين بالتساوي مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي، رداً على سؤال أي الأحزاب ستصوت له إذا شهدت ألمانيا انتخابات جديدة؟. وتشابهت النتيجة مع استطلاع رأي آخر لمعهد إنسا ” INSA” في يوليو 2023 كشف عن تأييد ما بين (19%- 21%) من الألمان له، نظراً لمواقفه المناهضة للهجرة.

كشفت شبكة استطلاعات حول المواضيع السياسية ““Wahlrecht أن الحزب في طريقه للفوز بثلاث ولايات في شرق ألمانيا في انتخابات 2024، ولم يحظى حزب “البديل” بهذه الشعبية منذ 2018.

رغم تصنيف الاستخبارات الألمانية الداخلية، لأقسام داخل الحزب بـ ” المتطرفة”، إلا أن شعبيته تضاعفت وبلغت (22%) في سبتمبر 2023، ما دفع بعض الأحزاب المعتدلة والليبرالية إلى تبني مواقف مقاربة بشأن الهجرة واللجوء.

كيف يستثمر الحزب اليميني ملف الهجرة؟

كما مثل عام 2015 نقطة تحول لـ”حزب البديل”سياساً، بالترويج لتداعيات موجات الهجرة واللجوء وقتها على الاقتصاد الألماني عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، يعد عام 2023 مرحلة مؤثرة في مستقبل الحزب، بعد استقبال ألمانيا موجات لجوء وهجرة قياسية وما شهدته من أزمات اقتصادية مثل أزمة الطاقة وارتفاع معدلات التضخم والأسعار، ما يمكنه من الربط بين استقبال المهاجرين وهذه الأزمات الاقتصادية، واستغلال سياسات الحكومة الحالية في التعامل مع ملف الهجرة، لشن حملات مروجة لأفكاره داخل الوقفات الاحتجاجية والمدارس والجامعات والفضاء الإلكتروني.

استغل في 29 سبتمبر 2023، أكبر المظاهرات الرافضة للمهاجرين في مدينة غورليتس شرق ألمانيا، للترويج إلى أن المدينة باتت متضررة من المهاجرين، وتمكن الحزب من نشر الخوف بين سكانها بأن أي أعمال عنف تشهدها المدينة ناجمة عن المهاجرين المتواجدين بها، وسرعان ما حظيت أفكاره بالقبول بين أبناء المدينة التي تقع حدودها مع بولندا المستقبلة لأعداد كبيرة من المهاجرين.

استغل الحزب اليميني في المدينة نفسها، قبل إقامة مهرجان صيفي في أغسطس 2023، وثيقة مزورة نُسبت إلى شرطة الحدود الألمانية تشير إلى خطر أمني، ليربط بين إلغاء المهرجان وموجات الهجرة عبر بولندا.

ساهم صعود اليمين المتطرف في أوروبا، في تنامي شعبية حزب “البديل” وتقوية وجوده داخل الأوساط السياسية والشعبية بين الألمان، والضغط على الحكومة بتقديم سياسات مناهضة للهجرة واستخدام شعارات الأحزاب اليمينة الصاعدة في أوروبا.الهجرة ـ ميثاق اللجوء الألماني ـ الأوروبي يلوح في الأفق

تداعيات موقف حزب “البديل من أجل ألمانيا”

أصبحت سياسات الحكومة الألمانية بشأن الهجرة في مرمى انتقاد باقي الأحزاب، وفي 23 سبتمبر 2023 دعا زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي فريدريش ميرتس الحكومة، إلى العمل مع الاتحاد الأوروبي لإيجاد حل لأزمة اللاجئين في بلاده، محملاً الحكومة مسؤولية تماسك المجتمع وعواقب الأزمة، وهاجم زعيم حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي ماركوس سودر، سياسات الحكومة وانخفاض شعبيتها بين الألمان بسبب الهجرة.

طالب زعيم “الحزب الديمقراطي الحر FDP” في 19 سبتمبر 2023، وقف المدفوعات النقدية للاجئين وخفض عدد المهاجرين غير الشرعيين، منتقداً الحكومة في إنفاق الأموال على الهجرة.

مخاطر صعود اليمين المتطرف سياساً في ألمانيا

– النظام السياسي: حذرت الاستخبارات الداخلية في الأول من أغسطس 2023 من تداعيات ظهور تيارات مناهضة للدستور داخل حزب “البديل”، وأشارت إلى تراجع نفوذ المعسكر المعتدل مع تصاعد نظرية “مؤامرة يمينية متطرفة” التي تروج إلى أن أغلبية السكان الأوروبيين المسيحيين البيض قد يصبحون عرضة لخطر قدوم المهاجرين من أصحاب البشرة السمراء والمسلمين لأوروبا، الأمر الذي يهدد النظام السياسي وأساسيات القانون والدستور الألماني.

-الأمن المجتمعي: رفض اليمين المتطرف للمهاجرين، يشكل تهديداً قوياً لتماسك المجتمع الألماني الذي يعتمد على تنوع الثقافات، ما يسمح بتغذية مفاهيم الكراهية والعنف بين أبناء المجتمع الواحد، ويزيد من فرص استغلال الجماعات الإسلاموية المتطرفة لخطاب اليمين المعادي للمهاجرين لصالح معتقداتها المتطرفة، ما يجعل المجتمع بين خطرين اليمين المتطرف والإسلام السياسي.

وحدة أوروبا: صعود اليمين في دولة مثل ألمانيا يعد ضربة قوية لوحدة الاتحاد الأوروبي، حيث يتهم حزب “البديل” الاتحاد بأنه “غير ديمقراطي”، ويتضمن برنامجه لخوض انتخابات البرلمان الأوروبي، إصلاحات جذرية في الاتحاد لإعطاء الدول الأعضاء مزيداً من الصلاحيات لسن القوانين على حساب مؤسسات التكتل، ما يزيد المخاوف من أن يسيطر معسكر “ديكسيت” الذي يدعو لخروج ألمانيا من الاتحاد الفترة المقبلة.ملف: اليمين المتطرف في ألمانيا ـ عوامل وتداعيات صعود حزب البديل من أجل ألمانيا

تقييم وقراءة مستقبلية

– رغم الإعلان عن التوافق المبدئي بين دول الاتحاد الأوروبي حول إصلاح نظام الهجرة، إلا أن هذه الخطوة لن تسهم في تهدئة موقف اليمين المتطرف وفي مقدمته حزب “البديل من أجل ألمانيا” في استغلال ملف الهجرة ضد الحكومة وكسب مؤيدين له بين الألمان، إذ تعد قضية الهجرة هي مفتاح نجاح الحزب اليميني في نتائج الانتخابات الأخيرة، وجزء أساسي من سياساته التي لن يتخلى عنها.

– تعد هذه الفترة فترة ذهبية مواتية لصعود اليمين المتطرف وتحديداً حزب “البديل”، لذا يستغل شبكة العلاقات الممتدة مع باقي الأحزاب اليمينية في أوروبا، لحشد أصوات في الانتخابات الأوروبية المقبلة، كبداية لفرض السياسات المتعلقة بالهجرة وقوانين الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي يثير المخاوف بشأن أوضاع المهاجرين واللاجئين المتواجدين بألمانيا ويهدد فرصهم في البقاء والحصول على فرص تعليم وعمل مناسبة.

– نشأة حزب “البديل من أجل ألمانيا” الحديثة في عام 2013، لم تمنعه من تحقيق شعبية واسعة على مدار الأشهر الماضية، وهنا الأمر يتعلق بالعمل لسنوات طويلة بشكل مكثف بين الطلاب في المدارس والجامعات والتواجد بشكل قوي في الاحتجاجات، وإظهار نفسه في ثوب المعارضة الرافضة لسياسات الحكومة والمعبرة عن صوت الشارع، هذه الاستراتيجية التي يتبعها الحزب تشير إلى احتمالية زيادة نفوذه داخل المؤسسات الحكومية من برلمان وبلديات الفترة المقبلة.

– استمرار الحرب الأوكرانية قد يؤدي لموجة نزوح جديدة لألمانيا، مع استمرار موجات الهجرة من دول إفريقيا التي تعاني من صراعات وكوارث بيئية، لذا تصبح الحكومة الألمانية في مأزق لمواجهة هذه المعضلة وانتقادات اليمين المتطرف لها.

– ربما تتسبب سياسات اليمين المتطرف بألمانيا، في تحول سياسات بعض الأحزاب المعتدلة بشأن رفض الهجرة، لضمان الحفاظ على شعبيتها والحصول على أصوات في الانتخابات الفيدرالية لعام 2025، خاصة مع تمدد حزب “البديل” في مناطق جديدة بألمانيا.

– يقع على عاتق الحكومة الألمانية مسؤولية كبيرة، لتحقيق التوازن بين التزامها الدولي لاستقبال المهاجرين واللاجئين، ومراعاة تداعيات هذه الإشكالية بشأن الضغط من حزب “البديل”، والانتباه لضرورة توضيح أسباب استقبال المهاجرين والفصل بين الأزمات الاقتصادية وموجات الهجرة أمام الرأي العام الألماني.

– تداعيات صعود اليمين المتطرف بألمانيا، يدق ناقوس الخطر بشأن مستقبل التكتل الأوروبي وأهمية استيعاب أسباب ظهوره بهذا الصورة غير المسبوقة منذ عقود، ما يفرض على المؤسسات التعليمية والسلطات التشريعية اتخاذ إجراءات استباقية لمواجهة التطرف الذي بدأ في الانتشار بشكل واسع في المجتمع الألماني.

عن "المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية