النظام التركي والمافيا... هل دق سادات بكر المسمار الأخير في نعش أردوغان؟

النظام التركي والمافيا... هل دق سادات بكر المسمار الأخير في نعش أردوغان؟


20/05/2021

يوماً بعد يوم تتضح علاقة نظام حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا بالعصابات المنظمة.

فمنذ أسبوعين أثار زعيم المافيا التركي سادات بكر موجة انتقادات للنظام، بعد نشره تسجيلاً مصوراً عبر قناته في "يوتيوب"، وجّه فيه اتهامات "مثيرة للجدل" لأسماء سياسية وحزبية معروفة في البلاد بالوقوف وراء أعمال غير قانونية، وأخرى تتعلق بانتهاكات وممارسات غير مشروعة.  

 

زعيم المافيا التركي ينشر تسجيلات يوجه فيها اتهامات إلى أسماء سياسية وحزبية بالوقوف وراء أعمال غير قانونية، وممارسات غير مشروعة

 

ولم يتوقف سادات بكر عند تسجيل واحد، بل أتبعه بـ4 تسجيلات أخرى، كان آخرها مساء الأحد، وقد حاول فيها كشف "خفايا" لا يعرفها المواطنون الأتراك، بحسب وصفه، مستهدفاً بذلك أسماء سياسية وحزبية، تُعرف بقربها من الحكومة التركية والحزب الحاكم "العدالة والتنمية"، وفق ما نقلت شبكة الحرّة. 

وفي التسجيلين المصورين؛ الأول والثاني، قال سادات بكر: إنه غادر البلاد دون أن يكشف أي تفاصيل أخرى عن كيفية خروجه، لا سيّما أنه مطلوب أمنياً وفق نشرة حمراء عممتها السلطات التركية منذ أكثر من عام، بتهم تتعلق بـ"الجريمة المنظمة"، وتجارة وتهريب المخدرات، بالإضافة إلى استهداف شخصيات أكاديمية ومدنية. 

وأضاف بكر: إنه سيعرض الأشخاص الذين يستهدفهم إلى "هزيمة نكراء أمام كاميرا هاتفه الجوال"، في وقت أحدثت فيه تلك التسجيلات هزة في الداخل التركي، وما تزال ارتداداتها قائمة حتى الآن، سواء داخل الأوساط المعارضة أو المؤيدة للحزب الحاكم.

وللمرّة الأولى استهدف شخصيات بارزة في الحياة السياسية، من بينها وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، وجهات إعلامية مثل "مجموعة البجع"، أو كما تُسمى باللغة التركية "مجموعة بليكان" المقرّبة من حزب "العدالة والتنمية".

 

بكر استهدف وزير الداخلية التركي، وجهات إعلامية مثل "مجموعة البجع"، بالإضافة إلى بيرات البيرق صهر أردوغان، ووزير الداخلية السابق محمد أغار

 

بالإضافة إلى استهدافه بيرات البيرق صهر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وأيضاً وزير الداخلية السابق محمد أغار ونجله النائب في حزب "العدالة والتنمية"، وقد اتهم أغار بوضع اليد على أموال أحد كبار رجال الأعمال الأتراك و"مارينا بودروم السياحية" التي تدرّ الملايين من الدولارات.

اتجه سادات بكر إلى هذه الخطوة عبر موقع "يوتيوب"، بعد عملية أمنية واسعة للسلطات التركية في 9 نيسان (أبريل) الماضي استهدفت العشرات من الأشخاص المتهمين بالتبعية له في ولايات متفرقة، وخاصة في ولاية إسطنبول.

وبالإضافة إلى ذلك عبّر بكر في تسجيلاته المصورة عن غضبه من الطريقة التي بدأت بها العملية الأمنية، مشيراً إلى مداهمة الفيلا التابعة له في منطقة بيكوز بمدينة إسطنبول، وتفتيش عائلته.

وزعم بكر أنّ العلاقات مع عائلته هي التي ساعدت الوزير سليمان صويلو على الصعود في صفوف حزب "الطريق القويم" اليميني، قبل أن ينضم إلى "العدالة والتنمية" في عام 2012.

وقال: إنّ "صويلو ساعدني في تجنب ملاحقة الشرطة، من خلال إخطاره بأنه يجري التحضير للتحقيق ضده، قبل أن يفرّ من تركيا في أوائل عام 2020". وأضاف أيضاً: إنّ صويلو أخبر الناس سابقاً أنه "يحبه".

وكان لافتاً من الاتهامات تلك الموجهة لمجموعتي أغار و"البجع" (بليكان)، وقال بكر: إنّ هاتين الجهتين تآمرتا عليه في أعقاب العملية الأمنية الأخيرة، وهاجم سرهاد البيرق مالك مجموعة "تركواز" الإعلامية، وهو شقيق بيرات البيرق.

 

بكر: صويلو ساعدني في تجنب ملاحقة الشرطة من خلال إخطاري بأنه يجري التحضير للتحقيق ضده، قبل أن يفرّ من تركيا

 

وكانت وكالة "الأناضول" شبه الرسمية قد ذكرت في مطلع نيسان (أبريل) الماضي أنّ السلطات التركية أطلقت عملية ضد أعضاء من "الجريمة المنظمة"، واعتقلت 52 شخصاً في العديد من المحافظات، واتهمتهم بالارتباط بزعيم المافيا سادات بكر.

وقالت الوكالة: إنّ الأشخاص المعتقلين "متورطون بالعديد من الجرائم، مثل إنشاء منظمة لارتكاب الجرائم، والنهب المشروط والابتزاز والرشوة والتهديد والحرمان من الحرّية"، مؤكدة أنه تم تفتيش "فيلا بكر في بيكوز".

اقرأ أيضاً: أكرم إمام أوغلو إذ يقضّ مضجع أردوغان

في الأعوام التي سبقت هروبه من تركيا، في شباط (فبراير) 2020 عُرف زعيم المافيا  سادات بكر بقربه من الأوساط الحاكمة، سواء حزب "العدالة والتنمية" أو حليفه "حزب الحركة القومية"، وهو ما بدا في تصريحات متفرقة له، إلى جانب صور وثقت دعمه لهذين الحزبين، فقد كان يرفع بيده اليمنى شعار "بوزكورت" للذئب الرمادي الذي تتبناه الحركات اليمينية القومية، وبيده اليسرى "شعار رابعة"، الذي تتبناه أوساط "العدالة والتنمية".

لم تبقَ اتهامات سادات بكر دون رد، بل دفعت الحكومة التركية إلى ردٍّ رسمي، جاء على لسان وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، الذي ذُكر بالاسم في التسجيلات المصورة الـ5.  

وقال صويلو في بيان نشره على موقع التواصل "تويتر" منذ 3 أيام: "ليثبت مزاعمه (سادات بكر)، وأنا جاهز لكرسي الإعدام".

وقد قدّم صويلو الإثنين الماضي شكوى إلى مكتب المدعي العام في أنقرة من خلال محاميه، بدعوى "الإهانة والافتراء".

في المقابل، وصفت وزارة الداخلية المزاعم التي أثارها بكر في مقاطع الفيديو بأنها "تشهير واتهام".

 

وزارة الداخلية تصف مزاعم بكر بأنها "تشهير واتهام،" والوزير صويلو ينفي اتهاماته ويتحدى سادات بإثابتها

 

وقالت الوزارة في بيان لها أوردته وكالة الأناضول: "الافتراء والاتهامات التي وجهها للشخص المذكور في المنشورات التي أصدرها على مواقع التواصل الاجتماعي من الخارج تُعتبر نشاطاً إجرامياً جديداً ضد قواتنا الأمنية ودولتنا".

المعارضة التركية لم تبقَ بمنأى عن الحدث، فقد علّق زعيم "حزب الشعب" الجمهوري  كمال كلشدار أوغلو على فيديوهات بكر قائلاً: إنّ تهديدات الأخير "أزمة إدارة"، متهماً شخصيات حكومة حزب "العدالة والتنمية" بالتسليم والخضوع لإملاءات بعض الأطراف.

وإلى جانبه، قالت زعيمة "حزب الجيد" ميرال أكشنار: إنّ "الادعاءت التي يسوقها سادات بكر فظيعة ووخيمة للغاية... الفضائح التي ظهرت وصمة عار بكل معنى الكلمة، لا يمكن أن تكون هناك دولة عميقة وأخرى ضحلة... الدولة لا يمكن أن تخرج عن الإطار القانوني".

 

أكشنار: الادعاءت التي يسوقها سادات بكر فظيعة ووخيمة للغاية، الفضائح التي ظهرت وصمة عار بكل معنى الكلمة

 

في المقابل، اعتبر زعيم "حزب الديمقراطية والتقدم" علي باباجان أنّ "المشهد الذي أظهرته تصريحات سادات بكر تُذكّر بتسعينات القرن المنصرم، عندما كانت العلاقات بين الدولة والسياسة والمافيا متشابكة جداً. وقال: "تكرار هذه الأحداث بعد 4 عقود من الزمان أمر باعث على الحزن والأسى"، وفق ما نقلت صحيفة "زمان" التركية.

أمّا زعيم حزب "المستقبل" أحمد داود أوغلو، فقد جاء ردّه متأخراً، وقال بعد نشر التسجيل الرابع لبكر: إنّ "علاقات المافيا السياسية ظاهرة تقوّض الدولة".

وبحسب الصحفي التركي جوهري غوفن، الذي يعمل عادةً على تحقيقات استقصائية: "صويلو أرسل إلى بكر وسطاء لكي يتوقف عن نشر مقاطع الفيديو"، لكنّ وزير الداخلية نفى ذلك على الفور.

وقال غوفن في تصريح لشبكة العربية: إنّ "العلاقة بين بكر وصويلو تعود إلى تسعينيات القرن الماضي حين كان وزير الداخلية الحالي في بداية مشواره السياسي ضمن حزب (الطريق القويم)، وساعده شركاء زعيم المافيا آنذاك ليصبح في موقع يتخذ منه قرارات مهمّة ضمن ذلك الحزب".

اقرأ أيضاً: لماذا يرفض الإخوان خروج الأتراك ومرتزقة أردوغان من ليبيا؟

وأضاف: إنّ "بكر يدّعي أنّ صويلو كان نتاج جهوده واستثماراته لمدّة 20 عاماً، قبل أن تنفجر العلاقة بينهما وتسوء بعد تداعيات الأوضاع في الفترة الأخيرة".

وكشف النائب عن حزب "الشعب الجمهوري" المعارض علي ماهر بشارير، خلال مشاركته في حلقة تلفزيونية أنّ "وزير الداخلية التركي قدّم لبكر جهازاً يمنع التنصت على أجهزته الإلكترونية، إضافة إلى منحه امتيازات كبار الشخصيات الحكومية، كاستعانته بحرّاس شخصيين لمرافقته إلى خارج البلاد".

 

الصحفي جوهري غوفن: صويلو أرسل إلى بكر وسطاء لكي يتوقف عن نشر مقاطع الفيديو

 

وقال غوفن في هذا الصدد: إنّ "مثل هذه الاتهامات قد تكون صحيحة"، رغم أنّ صويلو قدّم يوم الإثنين الماضي شكوى بحقّ بكر إلى مكتب المدعي العام في أنقرة بذريعة "الافتراء والإهانة".

وأضاف: "لا أستبعد أن يكون النائب صادقاً، فهو كشف في السابق عن وثيقة أظهرت أنّ وزارة الداخلية منحت زعيم المافيا تفاصيل سرّية أمنية، الأمر الذي يوحي أنّ العلاقة بين الحكومة التركية وزعماء المافيا تبدو متبادلة".

اقرأ أيضاً: مرتزقة أردوغان والمناصب السيادية... هل تعرقل تركيا الحلول الليبية؟

وشدد على أنّ "الحكومات التركية على الدوام كان لديها نوع من الاتصال بالمافيا، لكنّ الحكومة الحالية توفّر مساحة آمنة للعصابات، بينما تقوم هذه المجموعات بدفع مبالغ كبيرة من المال لكبار المسؤولين الحكوميين، وقد كان الإفراج عن زعيم المافيا الشهير علاء الدين تشاكجي العام الماضي دليلاً على هذا التشابك بين كلا الجانبين".

وكان تشاكجي مسجوناً في أنقرة ومتهماً بارتكاب جرائم قتل والاتجار بالمخدرات وتشكيل عصابات مسلّحة قبل أن تفرج عنه أنقرة في نيسان (إبريل) 2020 بعد إلحاح كبير من دولت بهجلي الذي يقود حزب "الحركة القومية"، والذي يصف تشاكجي بالصديق، وكان يزوره في سجنه.

من جهته، قال الصحفي التركي جان أتاكلي: إنّ وزير الداخلية سليمان صويلو مُهدد بالإقالة من منصبه في أي لحظة.

وأرجع الصحفي التركي، في تصريح نقلته صحيفة "زمان"، توقعاته إلى غضب الرئيس رجب أردوغان من الفضائح التي كشفها زعيم المافيا سادات بكر بحق وزير الداخلية خلال مقاطع فيديو نشرها مؤخراً.

 

النائب ماهر بشارير: وزير الداخلية التركي قدّم لبكر جهازاً يمنع التنصت على أجهزته الإلكترونية

 

وقد لفتت مقاطع الفيديو الخاصة ببكر انتباه صحيفة نيويورك تايمز، إحدى الصحف الأمريكية، فضلاً عن صحيفة "لوموند" الفرنسية.

وكتبت صحيفة "نيويورك تايمز" أنّ الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي انخفضت شعبيته في استطلاعات الرأي بسبب الأزمة الاقتصادية ووباء كورونا 19، يبدو أنه "متضرر بشكل غير عادي" هذه الأيام، والآن يواجه فضيحة "ستجلب نهاية حقبة" حسب البعض، تتفرع بشكل متزايد.

وأوضحت الصحيفة أنّ ملايين الأشخاص لجؤوا إلى موقع يوتيوب للاستماع إلى المزاعم الحارقة لزعيم الجريمة المنظمة المدان، والذي ما يزال في المنفى.

من جهة أخرى، غطت صحيفة "لوموند"، إحدى أهم الصحف الفرنسية، تصريحات بكر  التي شاهدها قرابة 20 مليون شخص.

اقرأ أيضاً: أسرار الاجتماع السري بين الإخوان وحزب السعادة التركي.. ما موقف أردوغان؟‎

مقال "لوموند" الذي جاء تحت عنوان "أسرار زعيم مافيا تسببت في اضطرابات في تركيا" جاء فيه: "كل أسبوع يتحدث سادات بكر عن علاقاته السابقة مع ممثلين رفيعي المستوى بالدولة التركية على موقع يوتيوب. هذه الاكتشافات التي تتمّ متابعتها على نطاق واسع تسبب عدم الارتياح بين صفوف حزب العدالة والتنمية، مقاطع الفيديو الأسبوعية على YouTube لرئيس المافيا هي أكثر تسلية من المسلسل التلفزيوني، وتكشف عن المشاعر في تركيا".

وأضاف تقرير الصحيفة: "كسر رجل العصابات البالغ من العمر 50 عاماً، والذي تم سجنه عدة مرّات بتهمة الاحتيال والقتل والجريمة المنظمة، كسر الرتابة من خلال الكشف عن علاقاته القذرة مع أعلى ممثلي الدولة التركية".

 

صحيفة "نيويورك تايمز": أردوغان متضرر بشكل غير عادي هذه الأيام، والآن يواجه فضيحة "ستجلب نهاية حقبة"

 

وحظي سادات بكر في أثناء وجوده داخل الأراضي التركية وعقب هروبه منها بـ"شعبية"، حتى أنه لقب لفترات طويلة بـ"الريس سادات بكر".

وفي حزيران (يونيو) 2020 نشر مجموعة من الجنود تسجيلاً مصوراً من ثكناتهم على موقع التواصل "تويتر"، وهنؤوا فيه بكر بعيد ميلاده.  

وقالوا وفق التسجيل الذي ما يزال منشوراً حتى الآن: "عيد ميلاد سعيد يا ريس. نقبل يديك". وأضافوا: "اليوم هو عيد ميلاد قائدنا سادات بكر، عيد ميلاد سعيد يا قائدنا، نتمنى لك عيشة هنية".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية