
يرى خبراء أن طلب الإدارة الأمريكية من السلطات السورية محاربة المسلحين كشرط لرفع العقوبات يضع دمشق أمام تحدٍّ سياسي وأمني بالغ التعقيد، لا سيما في ظل القرار السابق بتجنيس المقاتلين الأجانب، نظرا لتداعياته على مستقبل الاستقرار في البلاد، مع انطلاق مرحلة إعادة بناء الدولة.
ويطرح التجنيس، بحسب ما أكده الخبراء لموقع "إرم نيوز"، تحديات مرتبطة بإعادة دمج هؤلاء الأفراد في المجتمع دون تعريض الأمن الداخلي للخطر، بينما يواجه صناع القرار خياراً صعباً بين الالتزام بالضغوط الدولية والموازنة بين مقتضيات الأمن وإعادة الاستقرار الاجتماعي، في وقت يتزايد فيه القلق الشعبي من احتمال تحول هذا الملف إلى مصدر اضطراب جديد.
في السياق، يقول الباحث السياسي والدبلوماسي السابق، عزت بغدادي إنه بعد طلب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الرئيس السوري أحمد الشرع محاربة المسلحين كشرط لرفع العقوبات، يجد الشرع نفسه أمام معضلة سياسية وأمنية مزدوجة، ناتجة عن قراره السابق بتجنيس المقاتلين الأجانب، والذي فُسّر حينها كخطوة نحو الاحتواء أو الاستيعاب، لكنه الآن ينقلب إلى عبء ثقيل مع دخول الدولة مرحلة إعادة البناء.
وأضاف بغدادي لـ "إرم نيوز" أن قرار التجنيس الذي طُرح كأداة لـ"تسكين" الحالة الجهادية، بات بحاجة إلى مراجعة دقيقة، خصوصاً أن مخاوف تتزايد في أوساط المجتمع المحلي من أن يؤدي التهاون في فرز المجنسين إلى تفجّر خلايا نائمة أو تمردات جديدة، لا سيما في ظل تقارير عن محاولات داعش استقطاب الشرائح الأكثر تهميشاً داخل هذه المجموعات، وفق قوله.
مخاوف تتزايد في أوساط المجتمع المحلي من أن يؤدي التهاون في فرز المجنسين إلى تفجّر خلايا نائمة أو تمردات جديدة
وأشار إلى أنه من المتوقع أن يتخذ الشرع الخطوات التالية: أولها، إعادة تصنيف المجنسين وفق سجلّهم الأمني والأيديولوجي، والفصل بين من انخرطوا فعلاً في مسارات المصالحة ومن بقوا على ارتباط بتنظيمات عابرة للحدود، وثانيها، فرض رقابة مشروطة وتدريجية، قد تشمل إعادة تأهيل فكرية واجتماعية ضمن برامج بإشراف دولي أو محلي محايد.
أما عن التحديات مع بدء إعادة البناء، فأوضح البغدادي أن دمج المقاتلين الأجانب أو بعض فصائلهم مثل الحزب الإسلامي التركستاني، ضمن مؤسسات الدولة، وبالأخص في وزارة الدفاع، يُنظر إليه من قبل البعض كجزء من "برامج التوطين" لإلغاء صفة "الأجنبي" عنهم.
وذكر أنه مقابل تلك الخطوة، يرى كثيرون أن هذا الدمج قد يُفهم كتنازل جديد عن وعود الدولة بإعادة الاعتبار للمجتمع السوري المحلي، مما يفتح الباب أمام توتر أهلي جديد في مناطق النفوذ التقليدية للفصائل، واحتكاكات داخل المؤسسات الرسمية نفسها بين مجنسين وقدامى، خصوصاً في صفوف الجيش أو الأمن.
وخلص إلى أنه إذا لم يتحرك الشرع بسرعة نحو استراتيجية متكاملة تمزج بين الحسم الأمني والاحتواء الاجتماعي، فإن إرث التجنيس قد يتحول إلى فتيل فوضى جديد، ويهدد كل ما تحقق على طريق إعادة بناء الدولة السورية.
من جانبه، قال مازن بلال، الكاتب والمحلل السياسي، خطورة الوضع أن أي تجنيس سيعطي شرعية للتشكيلات المسلحة، وسيكسر العلاقات القائمة على التنوع داخل المجتمع السوري، وما تشهده سوريا اليوم من أعمال عنف ضد بعض الشرائح يؤشر إلى ضرورة إيجاد عقد اجتماعي قبل اتخاذ قرارات تؤثر على مستقبل سوريا.