"المجازر بحق العلويين رسالة إلى كل المكونات السورية"... ماذا يريد أحمد الشرع؟

"المجازر بحق العلويين رسالة إلى كل المكونات السورية"... ماذا يريد أحمد الشرع؟

"المجازر بحق العلويين رسالة إلى كل المكونات السورية"... ماذا يريد أحمد الشرع؟


12/03/2025

لم تكن المجازر التي تعرض لها العلويون في مناطق الساحل السوري على يد قوات أحمد الشرع الذي نصّب نفسه رئيساً في سوريا، سوى لحظة عنف قصوى دموية وبربرية تبعث من جديد مشاهد البطش التي امتدت لنحو أكثر من عقد في ظل حكم نظام بشار الأسد. هذه الانتهاكات المريرة لا تُعدّ أمراً طارئاً أو "ممارسات فردية"، بل هي أفعال انتقامية ممنهجة وقائمة على أسس طائفية، ترقى إلى أن تكون إبادة عرقية. فالتاريخ الجهادي للشرع، وتنويعاته، بين تنظيمي القاعدة وداعش المصنفتين على قوائم الإرهاب، يحفل بخطابات كراهية وتحريض ضد العلويين وغيرهم من الطوائف التي هي منحرفة عن "ثوابت" العقيدة وصوابية الإيمان، ومن ثم، تنبني رؤية فصائلية شمولية تطهرية وخلاصية بحق هذه الفئات برزت في الممارسات العدوانية وقضى بها نحو (830) شخصاً.

ويشير المرصد السوري لحقوق الإنسان، ومقره لندن، إلى "ارتفاع عدد قتلى المدنيين العلويين على يد قوات الأمن السورية ومجموعات رديفة لها إلى (830)". وقال إنّ (830) مدنياً علوياً قتلوا في مناطق الساحل السوري وجبال اللاذقية من جانب قوات الأمن ومجموعات رديفة" وذلك منذ الخميس الماضي. وبذلك تصل الحصيلة الإجمالية إلى نحو (1311) قتيلاً على الأقل، منهم (231) عنصراً من قوات الأمن و(250) من المسلحين الموالين لنظام الرئيس السابق بشار الأسد.

وعليه، أدانت الولايات المتحدة حوادث القتل والمجازر في الساحل السوري ممّن وصفتهم بـ"الإرهابيين الإسلاميين المتطرفين"، مطالبة إدارة المرحلة الانتقالية بـ"محاسبة مرتكبي المجازر ضد الأقليات".

رئيس الجمهورية العربيَّة السوريَّة للمرحلة الانتقالية: أحمد الشرع

تفكك البنية الأمنية

قال وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، في بيان الأحد الماضي: إنّ "الولايات المتحدة تدين الإرهابيين الإسلاميين المتطرفين، بمن فيهم الجهاديون الأجانب، الذين قتلوا أشخاصاً في غرب سوريا في الأيام الأخيرة". موضحاً أنّ الولايات المتحدة "تقف إلى جانب الأقليات الدينية والإثنية في سوريا، بما في ذلك المسيحيون والدروز والعلويون والأكراد، وتقدم تعازيها للضحايا وعائلاتهم".

وتابع: "يجب على السلطات المؤقتة في سوريا أن تحاسب مرتكبي هذه المجازر ضد المجتمعات الأقلية في سوريا".

وما تزال تشهد مناطق الساحل السوري تصاعداً في التوتر الأمني، وبات العنف يتخذ أشكالاً أكثر فوضوية، بين عمليات انتقامية، واشتباكات ذات طابع طائفي، وسط غياب واضح لسلطة قادرة على فرض القانون وضبط الأوضاع. والمشهد الحالي يعكس حالة من التفكك الداخلي في بنية السلطة الحالية الأمنية، حيث لم يعد العنف مقتصراً على معاركه التقليدية ضد خصومه، بل امتد ليأكل من نفوذه في مناطقه المحسوبة عليه تاريخياً.

ويقول الكاتب السوري شيار خليل لـ (حفريات): إنّ التصعيد الأخير يطرح أسئلة جوهرية حول مستقبل الساحل السوري، ومدى قدرة النظام على احتواء الوضع، خاصة في ظل تعاظم نفوذ ميليشيات محلية باتت تمتلك سلطة موازية، وأحياناً متفوقة على الأجهزة الرسمية. الفوضى الحاصلة ليست مجرد اضطرابات عابرة، بل تعكس خللاً أعمق في معادلة السيطرة، حيث تتحول المناطق التي كانت تُعتبر "حصينة" إلى ساحات تصفية حسابات، سواء بين مراكز القوى داخل النظام، أو نتيجة تراكم الاحتقان الشعبي بسبب التدهور الاقتصادي والسياسي. 

لكنّ المعضلة الكبرى تبقى في غياب العدالة والمحاسبة. فالمجزرة التي ارتُكبت بحق المدنيين، سواء على خلفية طائفية أو نتيجة انفلات أمني، لا يمكن أن تمر دون مساءلة. الحديث عن التهدئة وحدها لا يكفي ما لم يكن هناك التزام واضح بمحاسبة المتورطين، سواء كانوا عسكريين أو ميليشيات أو جماعات خارجة عن القانون، وفق خليل، لافتاً إلى أنّ استمرار الإفلات من العقاب لن يؤدي إلا إلى مزيد من الانهيار، وربما انتقال الفوضى إلى مناطق أخرى بوتيرة أشد.

شيار خليل: الفوضى الحاصلة ليست مجرد اضطرابات عابرة، بل تعكس خللاً أعمق في معادلة السيطرة، حيث تتحول المناطق التي كانت تُعتبر "حصينة" إلى ساحات تصفية حسابات

ويختتم حديثه قائلاً: "يبدو أنّ الساحل السوري اليوم يقف أمام مفترق طرق: إمّا أن يتم فرض العدالة وسيادة القانون، وإمّا أن يتحول إلى نموذج آخر من الفوضى الدموية التي عرفتها مناطق سورية أخرى. وفي غياب أيّ أفق لحل سياسي حقيقي، يبقى السؤال الأهم: هل تدرك السلطة الحالية أنّ ما يجري اليوم قد يكون بداية لانهيار إحدى آخر قواعد نفوذه، أم أنّه ما يزال يراهن على إدارة الأزمة بالأدوات القديمة نفسها؟".

نهج إرهابي معتاد

من جهته، يوضح الصحفي السوري الكردي أحمد قطمة أنّ الانتهاكات في الساحل السوري لا يمكن وصفها إلا ضمن جرائم يضطلع بها تنظيم القاعدة في سوريا، والذي سيطر على القصر الجمهوري في دمشق، بصفقة إقليمية قررت تسليم بلد متنوع الأعراق والطوائف كسوريا إلى تنظيم إرهابي متطرف راديكالي، لا يقبل الآخر، ويُكفره، ويرى كل مختلف عدواً لا يستحق الحياة.  

ويقول قطمة لـ (حفريات): إنّه منذ اللحظة الأولى لتسلّم الإرهابي (أبو محمد الجولاني) الحكم في سوريا، كانت الأمور واضحة بأنّ هذه البلاد ستعيش سنوات جديدة من القتل والترهيب، ولكن بدرجة أعلى من الترهيب والتنكيل الذي حصل خلال (14) عاماً، كونه يستند على أكثرية عددية مفترضة، وهي أكذوبة، فغالبية السنّة المعتدلين في سوريا لا يمكن أن يكونوا في صف قتلة، بل إنّ كثيراً منهم قادم من خارج الحدود، ومحكوم عليه بالإعدام في بلده الأصلي، ويريد الجولاني منحهم الجنسية السورية، لجعلهم العصا الغليظة التي سيستخدمها ضد كل من تسول له نفسه قول لا ومعارضته، وما المجازر بحق العلويين إلا رسالة إلى كل المكونات السورية الأخرى، بأنّ مصيركم سيكون مشابهاً للعلويين، لو قام أحدكم بعمل مُماثل، أو أقله هذا ما يعتقده الجولاني وأذنابه".

ويقول قطمة: الصمت على هذه المجازر يعني التواطؤ مع مرتكبيها، والشراكة في سفك الدماء البريئة، فلم يعد مقبولاً أن يكتفي المجتمع الدولي ببيانات الشجب والإدانة، بل آن الأوان لتحرك حقيقي يضع حداً لهذه الجرائم المستمرة. وكل السوريين بصدد تدشين "دعوة لكل ضمير حي، لكل إنسان يؤمن بحق الشعوب في العيش بأمان وكرامة، إلى التحرك الفوري لإنقاذ ما تبقى من مختلف المكونات، ولإيقاف نزيف الدم، حيث لن تنتهي مأساة هذه البلاد إلا بزوال الإرهاب بكافة أشكاله وألوانه، وبعودتها لأهلها، لكل أبنائها بمختلف انتماءاتهم وطوائفهم".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية