الفضاء الرقمي كساحة معركة.. كيف تنتشر الأيديولوجيات المتطرفة في العراق؟

الفضاء الرقمي كساحة معركة.. كيف تنتشر الأيديولوجيات المتطرفة في العراق؟

الفضاء الرقمي كساحة معركة.. كيف تنتشر الأيديولوجيات المتطرفة في العراق؟


15/05/2025

يُعد التطرف الإلكتروني عنصرًا متجددًا في مشهد التهديدات الأمنية بالعراق، إذ تحوّل الفضاء الرقمي إلى ساحة صراع بعد اندحار تنظيم “داعش” عسكريًا، وباتت الجماعات المتطرفة تستخدم الإنترنت أداة رئيسية لنشر أيديولوجيا العنف والتجنيد والتحريض على العمليات الإرهابية في بيئة هشة ومعقدة.

ويعاني العراق، بشكل خاص من تركيبة سياسية واجتماعية هشّة، استغلتها الجماعات المتطرفة لتوسيع نفوذها الرقمي، حتى أصبحت المنصات الاجتماعية ممرًا آمنًا لخطابات الكراهية، حيث تسوّق هذه التنظيمات أفكارها من خلال محتوى مرئي متطور، مستخدمة تقنيات حديثة مثل الذكاء الاصطناعي لتزييف الحقائق وبث الفوضى.

وهو ما تطرقت إليه دراسة حديثة للمركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات بعنوان " محاربة التطرف عبر الإنترنيت  في العراق ـ الواقع والتحديات"، مشيرة إلى أن العراق يواجه تحديات أمنية وسياسية واجتماعية متداخلة، من أبرزها خطر التطرف الإلكتروني الذي بات أحد أكثر أشكال التهديد المعاصرة تعقيدًا.

 فبعد هزيمة تنظيم “داعش” عسكريًا في عام 2017، تحوّلت ساحة المعركة من الأرض إلى الفضاء الإلكتروني، حيث بدأت التنظيمات المتطرفة باستخدام الإنترنت كمنصة لنشر الأيديولوجيا المتطرفة، تجنيد الأفراد، التحريض على العنف، وتخطيط وتنفيذ الهجمات، وقد أصبح الإنترنت، بما يتيحه من سرية وسرعة وانتشار، أداة رئيسية في يد هذه الجماعات.

يعاني العراق، بشكل خاص من تركيبة سياسية واجتماعية هشّة، استغلتها الجماعات المتطرفة لتوسيع نفوذها الرقمي

واقع التطرف الإلكتروني في العراق 

وبحسب ما ورد في الدراسة، فإن بيانات مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC) تشير إلى أن العراق من أكثر البلدان تعرضًا لاستهداف إلكتروني من قبل الجماعات المتطرفة، لا سيما عبر منصات التواصل الاجتماعي والتطبيقات المشفرة. 

وقد استغلت هذه الجماعات الظروف السياسية الهشة، والانقسامات الطائفية، والبطالة المرتفعة بين الشباب، لترويج سرديات تحريضية ترتكز على المظلومية وتبرر العنف.  

ويُلاحظ أن التنظيمات الإرهابية أصبحت أكثر ذكاءً في استخدام التكنولوجيا، حيث تعتمد على منصات مثل “تيليغرام” و”ديسكورد” و”تويتر” لنشر مقاطع فيديو عالية الجودة، رسائل دعائية، وتعليمات تصنيع المتفجرات. كما تم رصد استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في تزييف الصور والفيديوهات بما يخدم أهدافها.

عوامل ساهمت في تصاعد التطرف الإلكتروني 

الدراسة أشارت إلى مجموعة من العوامل، التي قالت إنها ساهما في تصاعد الظاهرة، من بينها "ضعف الثقافة الرقمية"، مؤكدة أن عددا كبيرا من الشباب العراقي لا يمتلك مهارات التحقق من المعلومات أو التمييز بين المحتوى المضلل والموثوق، مما يجعلهم فريسة سهلة للدعاية المتطرفة.

هذا إلى جانب الفراغ السياسي والاجتماعي، حيث تستغل الجماعات المتطرفة الشعور بالإقصاء أو الظلم لدى بعض فئات المجتمع، خاصة في المناطق التي شهدت صراعات مسلحة أو إقصاء تنموي.

من بين الأسباب، التي ذكرتها الدراسة، أيضا غياب التنظيم القانوني للمحتوى الرقمي؛ فلا توجد قوانين حديثة واضحة في العراق تجرّم التحريض الرقمي على التطرف أو تحدد آليات الرقابة والمحاسبة، فضلا عن الاختراقات الإلكترونية المستمرة لمواقع حكومية أو اختطاف حسابات رسمية ونشر رسائل تحريضية.

التنظيمات الإرهابية أصبحت أكثر ذكاءً في استخدام التكنولوجيا حيث تعتمد على منصات مثل “تيليغرام” و”ديسكورد” و”تويتر” 

 

جهود الدولة العراقية والمؤسسات الشريكة 

هذا  بدأت الحكومة العراقية باتخاذ خطوات لمواجهة هذا التحدي، رغم محدودية الإمكانات، حيث قامت بتأسيس وحدة الجرائم الإلكترونية التابعة لوزارة الداخلية، والتي تعمل على رصد المحتوى المتطرف وتحديد أماكن الحسابات المشبوهة ومحاولة تفكيك الشبكات الرقمية التي تنشر الدعاية الإرهابية (وزارة الداخلية العراقية، 2023).

كما تعاونت مع المنظمات الدولية، مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، الذي يقدم الدعم التقني والتدريب للمحققين والقضاة حول كيفية التعامل مع الجرائم المرتبطة بالإنترنت، وخاصة المحتوى المتطرف.

إلى ذلك، أطلقت حملات توعية رقمية تستهدف الشباب وتسلط الضوء على مخاطر المحتوى الإرهابي، وتشجع على التفكير النقدي والتبليغ عن الأنشطة المشبوهة عبر الإنترنت. 

وانضمت أيضا إلى التحالف الدولي ضد داعش، الذي يشكل منصة للتعاون الاستخباري وتبادل المعلومات حول الشبكات الرقمية التابعة للتنظيم الإرهابي (Global Coalition Against Daesh, 2022).

قامت الحكومة العراقية بتأسيس وحدة الجرائم الإلكترونية التابعة لوزارة الداخلية

دور المجتمع المدني والقطاع الخاص 

ووفق ما ورد في الدراسة، فإن المعركة ضد التطرف الإلكتروني لا تقتصر على الدولة وحدها، بل تشمل أيضًا منظمات المجتمع المدني، المؤسسات التعليمية، والإعلام. فقد ظهرت مبادرات محلية بقيادة شبابية تهدف إلى مواجهة خطاب الكراهية وتعزيز ثقافة التسامح عبر الإنترنت. 

على سبيل المثال، أطلقت منظمة “السلام الرقمي” حملة تحت وسم #فكر_قبل_أن_تشارك، تستهدف توعية الشباب بخطر المشاركة في نشر محتوى متطرف ولو دون قصد. 

 من جانب آخر، لا يزال التعاون مع شركات التكنولوجيا الكبرى مثل “ميتا” و”غوغل” و”تويتر” ضعيفًا نسبيًا، رغم أهمية هذا التعاون في إزالة المحتوى المتطرف بسرعة وفعالية. 

وقد دعت تقارير دولية، من بينها تقرير مركز”صوفان” (2020)، إلى ضرورة تعزيز التعاون بين الدول المتأثرة بالتطرف الرقمي والشركات المالكة للمنصات الرقمية.

التحديات الراهنة  في مجال مكافحة التطرف الإلكتروني في العراق 

وبرغم كل الجهود، فإن العراق يفتقر إلى استراتيجية وطنية شاملة؛ مثلا لا يوجد حتى الآن إطار وطني متكامل يربط بين السياسات الأمنية، والقانونية، والتربوية في مواجهة هذا التهديد.

كما لا يزال القانون العراقي يفتقر إلى نصوص واضحة تجرّم التحريض على العنف أو الإرهاب عبر الإنترنت، مما يخلق فراغًا قانونيًا تستفيد منه الجماعات المتطرفة.

وأشارت الدراسة أيضا إلى أن المؤسسات الأمنية والقضائية تحتاج إلى تدريب مستمر لمواكبة تطور أساليب التطرف الرقمي، خاصة مع استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي والتشفير.

تنظيم داعش لا يزال يتواجد في العراق وبأعداد تتراوح ما بين 3 آلاف عنصر إلى خمسة آلاف عنصر غالبيتهم عراقيون

الدراسة شددت أيضا على أن هناك مخاوف مشروعة من أن تتحول جهود مكافحة التطرف الرقمي إلى وسيلة لقمع حرية التعبير، وهو ما يتطلب التوازن بين الأمن الرقمي وحقوق الإنسان.

خيوط الإرهاب وتحديات الأمن

وفي تصريح سابق لموقع "الحرة"، أكد يؤكد الخبير في الشؤون الأمنية، صفاء الأعسم أن تنظيم داعش لا يزال يتواجد في العراق وبأعداد تتراوح ما بين 3 آلاف عنصر إلى خمسة آلاف عنصر غالبيتهم عراقيون بنسبة تتجاوز 90 بالمئة، فيما يتراوح عدد الأجانب منهم الذين يحملون جنسيات عربية وأجنبية بين 300 – 400 عنصر حسب قوله.

ويبيّن الأعسم، أن عناصر داعش تعمل بشكل خيطي على شكل مجموعات منفردة، ويتركز تواجدها في المناطق الصحراوية سيما في منطقة الجزيرة شمال وغرب محافظة الأنبار والمناطق المحصورة ما بين محافظة نينوى والأنبار وصلاح الدين إضافة إلى تواجدها بين الوديان والكهوف في جبال حمرين التي تربط 4 محافظات، وأيضاً جبال مكحول جنوب شرقي نينوى.

وبرغم أن خطر داعش لا يزال حاضراً في الساحة العراقية بيد أنه لا يشكل تهديداً كبيراً يمكّنه من تنفيذ عمليات نوعية كما في السابق، فيما يحذر الأعسم من الخطر الداهم القريب من العراق الممثل بوجود عناصر وقادة من داعش في 6 معتقلات لقوات سوريا الديمقراطية إضافة إلى وجود ما يقرب من 10 آلاف عائلة من أسر عناصر التنظيم الذين يحملون مشاعر عدائية تجاه المجتمعات.

ومن أكبر المخاطر التي تهدد العراق حسب قراءة الأعسم، توظيف عناصر داعش على يد أجهزة مخابراتية من دول الجوار لتنفيذ مخططات في الداخل العراقي، أو كسر سجون داعش لدى قوات سوريا الديمقراطية وتحرير عناصر وقادته وهذا سيهدد الأمن القومي العراقي.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية