الغنوشي يستكمل دائرة الوهم بلوم التونسيين على عدم إسقاط سعيد وفق الطريقة التركية

الغنوشي يستكمل دائرة الوهم بلوم التونسيين على عدم إسقاط سعيد وفق الطريقة التركية


02/08/2022

لا يزال رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، منذ الخامس والعشرين من يوليو 2021، يراهن على أن حكم الرئيس التونسي قيس سعيد سيسقط بالرغم من الخطوات التي قطعها الأخير في تثبيت نفسه من ناحية وتهميش حركة النهضة والغنوشي من ناحية ثانية.

وبعد أن فشلت تحركات الغنوشي وتصريحاته واتصالاته ولقاءاته الداخلية والخارجية بدأ يلوم التونسيين على عدم إسقاط قيس سعيد وفق الطريقة التركية، أي الخروج إلى الشوارع لمنع إغلاق البرلمان والحؤول دون حل حكومة هشام المشيشي التي كانت حركة النهضة تتخفى وراءها في معركتها مع الرئيس التونسي.

وقال مراقبون تونسيون إن تشبيه حالة تونس بحالة تركيا يظهر أن الغنوشي مغترب عن واقعه ويقيس كل الأحداث والمواقف على ما يجري في تركيا بحكم علاقته بالرئيس رجب طيب أردوغان الذي يعتقد الإسلاميون أنه صديقهم وحليفهم بالرغم من تخليه عنهم خلال مساعيه لإعادة العلاقات مع الخليجيين ومع مصر، وهو يمكن أن يبيع أي حليف بمن في ذلك الغنوشي إذا اقتضت مصالحه ذلك.

وأشار المراقبون إلى أن ما جرى في تونس قبل عام غير ما جرى في تركيا، بل مختلف عنه جذريا؛ فالرئيس سعيد لم يلجأ إلى قوات الأمن والجيش لإعلان إجراءاته التي من بينها تجميد عمل البرلمان ورفع الحصانة عن النواب، وإنما اتخذ قراراته بصفته رئيسا شرعيا ووفق تأويل للدستور لقي دعما واسعا لدى فئات وشخصيات بعضها كان حليفا للنهضة في حكوماتها المختلفة.

وتساءل المراقبون: كيف يطلب الغنوشي من التونسيين الذين انتخبوا قيس سعيد بأغلبية كبيرة في انتخابات أكتوبر 2019 ودعموا ثقتهم به في استفتاء الخامس والعشرين من يوليو الماضي أن ينزلوا إلى الشوارع لحماية برلمان لم يخرج للدفاع عنه سوى الغنوشي وحده في صورة لقيت انتشارا واسعا لتقنع العالم بأن البرلمان المنحل لم يكن معبرا عن الناس ومصالحهم وإنما كان غطاء للدفاع عن مصالح الأحزاب والكتل البرلمانية دون سواها.

وأعلن الرئيس التركي في الليلة الفاصلة بين الخامس عشر والسادس عشر من يوليو 2016 عن إفشال محاولة الانقلاب ومصرع العشرات من الأشخاص، ثم تبعت ذلك حملة قادت إلى اعتقال الآلاف من الأتراك (جنود، قيادات في الجيش وسلك الأمن، رجال تعليم…) تحت شعار تفكيك “الكيان الموازي” الذي تتهمه أنقرة بقيادة محاولة الانقلاب الفاشلة. وتعرض هؤلاء المعتقلون لمحاكمات سريعة اعتبرتها منظمات حقوقية محاكمات جائرة لا تتوفر فيها ضمانات المحاكمة العادلة.

ولم يكن قرار قيس سعيد القاضي بتجميد البرلمان ثم حله قرارا مسقطا؛ فقد تتالت قبل يوليو 2021 الدعوات المُطالبة بحل البرلمان، ورفع التونسيون في مناسبات مختلفة شعارات تُطالب بحل البرلمان وإسقاط منظومة الحكم التي قادت البلاد منذ 2011. ووجه هؤلاء إلى الرئيس سعيد دعوات تنادي بالاستفادة من فصول الدستور التي تتيح له تغيير الوضع، وهو ما تحقق لاحقا.

واتهم المتظاهرون الغنوشي بالتسبب في ما شهده البرلمان المنحل من فوضى وتبادل للعنف اللفظي والجسدي بسبب عجزه عن إدارة الحوار وانحيازه إلى الكتلة الحليفة له، وأنه استثمر منصبه في رئاسة البرلمان لتحقيق مكاسب له ولحركته وخاصة اتخاذه كمنصة لمحاولة عزل الرئيس سعيد ومنعه من أداء مهامه بما في ذلك تلك التي يمنحه إياها الدستور، لاسيما ما تعلق بالعلاقات الخارجية.

وراهن رئيس حركة النهضة على ضغوط الخارج من خلال لقاءات وتصريحات أدلى بها لوسائل إعلام غربية من أجل العودة إلى الواجهة عبر التباكي على الديمقراطية والحريات، أو دفع قيس سعيد إلى التراجع، لكن ذلك لم يتحقق في ظل اقتناع الدول الغربية التي راهن عليها الغنوشي بأن استمرار الصراعات السياسية لفترة أخرى قد يقود تونس إلى المجهول، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الحادة.

ويقول متابعون للشأن التونسي إن الغنوشي لم يفهم بعدما انقضى أكثر من عام على إجراءات الخامس والعشرين من يوليو 2021 أن الأوضاع تغيرت، وأن الغرب لا تهمه الديمقراطية بقدر اهتمامه بالاستقرار، وأن الناس انحازوا إلى قيس سعيد ودعموه في مواجهة منظومة 2011، والغنوشي نفسه اعترف بأن شعبية الرئيس سعيد بلغت تسعين في المئة بعد تلك الإجراءات. والخلاصة أن ذلك القوس قد أغلق.

ولا يريد رئيس حركة النهضة أن يفهم أنه غير محبوب وأن الناس لا يريدونه ولو كان الأمر كذلك لوقفوا إلى جانبه وجانب برلمانه وحكومته ولتظاهروا ضد قيس سعيد بدل أن يتظاهروا بالآلاف وفي مدن مختلفة في الوقت نفسه دعما لإجراءاته.

ولم يفلح الغنوشي في التخلص من الصورة الأولى التي رسمها له التونسيون منذ عودته من الشرق. رجل لا يشبههم، قد تكون للأمر علاقة بطريقة كلامه، أو أنه اختار أن يتمترس وراء التنظيم بعيدا عن مشاغلهم ومطالبهم، وأنه لم يكن ليظهر اسمه تاريخيا أمامهم إلا في المحاكمات وما يتلوها من حديث عن عنف الجماعة ومعارضتها لهوية الدولة الوطنية.

لقد تشكلت صورة الغنوشي كرجل سياسة لا يشبه التونسيين، خاصة إثر نشوب المواجهة بين النهضة ونظام الحبيب بورقيبة بين سنتي 1986 و1987، وفي فترة حكم زين العابدين بن علي حين مر بعض أنصارها والمتعاطفين معها إلى ممارسة العنف ضد البعض ممن خالفوها الرأي.

عن "العرب" اللندنية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية