ياسر الدركولي
تنطلق مع بداية أكتوبر المقبل الدورة البرلمانية الثانية لمجلس نواب الشعب في تونس، إذ إن الأحزاب السياسية والكتل البرلمانية، أعدت العدة من -على ما يبدو- على مدار الأسابيع الماضية، من خلال البحث عن تحالفات جديدة، فضلا عن تعزيز المعارضة بكتل برلمانية كانت سابقا في الحكم.
أبرز هذه التحالفات ما أعلن عنه من اتفاق بين ائتلاف الكرامة المحسوب على تيار الإسلام السياسي وحزب قلب تونس الليبرالي.
ووصف مراقبون هذا التقارب بأن "لا مبرر سياسي له"، في حين وصفه البعض بـ"تحالف الشر وتحالف الإرهاب والملفات المشبوهة"، محذرين من خطورته.
واعتبر البعض هذا التقارب "تحالف مصالح" حيث يبحث نبيل القروي الذي يواجه قضايا تهرب ضريبي، عن غطاء قضائي توفره حركة النهضة، ويبحث ائتلاف الكرامة ومن ورائه حزب النهضة عن أغلبية برلمانية مريحة لمواجهة خصومهم السياسيين من الكتلة الديمقراطية والحزب الدستوري الحر.
وبرر نواب حزب قلب تونس هذا التحالف بأنه مجرد تحالف برلماني لتمرير مشاريع قوانين تتعلق بإصلاحات اقتصادية.
تجدر الإشارة إلى أن كتلة قلب تونس سبق وأن شهدت استقالات احتجاجا على التقارب مع حركة النهضة خلال جلسة التصويت على عريضة سحب الثقة من رئيس البرلمان راشد الغنوشي.
ويذكر أن كلا من قلب تونس وائتلاف الكرامة بنى حملته الانتخابية سابقا على عداء الآخر وتقديم أطروحات اقتصادية وسياسية واجتماعية متناقضة.
وكان ائتلاف الكرامة يشترط مشاركته في الحكومة السابقة بعدم ضم حزب قلب تونس ويتهمه بالفساد، كما قامت فكرة حزب قلب تونس على معاداة الإسلام السياسي الذي تمثله النهضة وائتلاف الكرامة.
رحلة البحث عن أغلبية مريحة داخل البرلمان هي العنوان الرئيس لما نسج من تحالفات، حيث تسعى حركة النهضة لتكوين جبهة من 120 نائبا تجمعها بقلب تونس وائتلاف الكرامة وكتلة المستقبل.
من جهته، حافظ الحزب الدستوري الحر بقيادة عبير موسي على موقعه في المعارضة التي تعززت بـ38 نائبا من الكتلة الديمقراطية بعد انسحاب نوابها من التيار وحركة الشعب من الحكم، ورفضهم التمشي المعتمد من رئيس الحكومة هشام المشيشي في اختيار حكومة من المستقلين.
وأثار تقارب معسكري الإسلام السياسي وقلب تونس عددا من ردود الفعل والتحركات داخل الكتل الديمقراطية.
وقال النائب بدر الدين قمودي، من حركة الشعب، في تصريح لموقع سكاي نيوز عربية، إن "الوضع في الدورة النيابية المرتقبة لن يتغير كثيرا عن الدورة السابقة، فالتحالفات المعلنة غير ثابتة ولن تغير الكثير في المشهد، وقد لا تصمد وتسمح بظهور اتفاقات جديدة مثل ما حدث في الدورة السابقة، حيث ظهر تباين في التصويت من داخل التحالفات ذاتها".
وأكد قمودي أن "التحالفات لا تعني بالضروة الانسجام في التصويت داخل المجلس"، مشددا على ضرورة تجاوز الصعوبات والتقدم في تناول القوانين خاصة ذات العلاقة بالمحكمة الدستورية.
وأضاف أن حركة النهضة تسعى لتشكيل حزام برلماني واسع تتحرك داخله بأريحية، غير أن بقية المجموعات تنسق فيما بينها لتكوين جبهة ضد مخططات النهضة، وتعمل على الالتقاء على أساس تقاطعات مشتركة تتصدى لكل ما يعمق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية.
وذكر قمودي أن حركة الشعب، ورغم انتقالها للمعارضة، ستتعامل بإيجابية وستبقى وفية لمبادئها مع نسج تقاطعات مع الكتلة الديمقراطية ومجموعات أخرى كما فعلت سابقا في علاقة بعدد من القوانين و المشاريع.
من جانبه، قال حسونة الناصفي، رئيس كتلة الإصلاح الوطني، التي تضم سبعة عشرا نائبا بعد التحاق ليليا بالليل المستقيلة من قلب تونس، إن "التحالف بين الكرامة وقلب تونس غير طبيعي بالنظر لتورط ائتلاف الكرامة في تبييض الإرهاب ونسبه للمخابرات فضلا عن عدم إيمان الحزب بالدولة المدنية".
كما تحدث الناصفي عن محاولات لضرب الكتل المتماسكة في البرلمان ومنها كتلة الإصلاح، محذرا من خطورة هذا المخطط لحركة النهضة وحلفائها من أجل الانفراد بالحكم.
من جهة أخرى، اعتبرت النائبة عن حزب التيار الديمقراطي منيرة العياري في تصريح لموقع سكاي نيوز عربية، أن التحالفات وهيكلة الكتل البرلمانية لن تتوضح قبل تشكيل اللجان وتحديد تمثيلية كل حزب داخلها في بداية الشهر القادم وأن التحركات حثيثة من الجبهتين لتنسيق ذلك.
وأشارت العياري إلى أن "التخوف من تقارب النهضة وحلفائها مع قلب تونس تتعلق بأهدافه، وهي أساسا خدمة لوبيات ومصالح ضيقة حزبية وشخصية وحتى اجندات أجنبية" وفق تعبيرها.
كما أكدت النائبة عن التيار الديمقراطي أن هناك تحالفات جديدة ستظهر قريبا في مواجهة حركة النهضة وسيكون لديها تأثيرا على التوازنات داخل البرلمان.
أيام قليلة إذن قبل انطلاق الدورة البرلمانية الجديدة برهانات إرساء المحكمة الدستورية ودعم المسار الاقتصادي، وفي رزنامة البرلمان جلسة عامة أولى أيام 6 و7 و8 أكتوبر للنظر في تنقيح القانون المتعلق بتركيز المحكمة الدستورية وفي مشروع قانون زجر الاعتداء على رجال الأمن.
يذكر أن البرلمان فشل في انتخاب أربعة أعضاء للمحكمة الدستورية في المدة النيابية الأولى ولم تتمكن المحكمة من بدء عملها والبت في الخلافات الدستورية.
ومن المنتظر أن يناقش البرلمان في بداية شهر أكتوبر مقترحات لتعديل القانون الأساسي المتعلق بالمحكمة الدستورية ومنها تخفيض الأغلبية المطلوبة للمصادقة على أعضاء المحكمة من 145 إلى 109 صوتا، إلى جانب مقترح إلغاء شرط مصادقة البرلمان على أربعة أعضاء للمحكمة قبل تعيين باقي المرشحين من رئاسة الجمهورية والمجلس الأعلى للقضاء، ما من شأنه أن يسمح بانعقاد المحكمة الدستورية بأغلبية أعضائها.
التوقعات داخل المشهد السياسي التونسي تشير إلى أن بداية شهر أكتوبر ستكون صاخبة أيضا بمناقشة مبادرة ائتلاف الكرامة المثيرة للجدل والمرفوضة من هياكل قطاع الصحافة والإعلام بتنقيح المرسوم 116 المتعلق بحرية الاتصال السمعي البصري.
عن "سكاي نيوز عربية"