الخلية الإخوانية في الأردن.. ضربة استباقية أم مؤامرة إقصائية؟

الخلية الإخوانية في الأردن.. ضربة استباقية أم مؤامرة إقصائية؟

الخلية الإخوانية في الأردن.. ضربة استباقية أم مؤامرة إقصائية؟


21/04/2025

جيرار ديب

وجهّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رسالة شديدة اللهجة وواضحة مفادها أن “أي طرف يحاول زعزعة استقرار سوريا سيجدنا أمامه إلى جانب الحكومة السورية”، مؤكدًا أنه لن يسمح بتقسيم سوريا ولا مجال للعودة إلى ما قبل الثامن من كانون الأول - ديسمبر الماضي في سوريا.

واضح أن أردوغان في رسالته هذه يلتمس مؤامرة قد تتخطى الحدود السورية لتطال جماعة الإخوان في الوطن العربي. إذ أن المنطقة تتجه في ظلّ إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب نحو تسويات كبرى، على أساسها سيعاد تشكيلها مع الإصرار الترامبي على التهجير القسري لسكان غزة، التي ستصبح – بحسب رؤيته – مركزًا ناشطًا في حركة التجارة العالمية المستقبلية.

بين ما قاله أردوغان وما تمّ الكشف عنه من قبل وزير الإعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية محمد المومني، من تفاصيل لإحباط دائرة المخابرات العامة لمخططات كانت تهدف إلى المساس بأمن البلاد وإثارة الفوضى داخلها، توقيت مشترك هو 15 أبريل الجاري.

وما هو أبعد من التوقيت ينظر البعض إلى أن هناك مؤامرة تحاك في كواليس الإدارات الاستخباراتية بهدف تطويق الصعود الإخواني، بعدما تمّ سحب إيران ونفوذها من المنطقة وأخذها إلى طاولة المفاوضات تحت عملية التهديد بفتح باب جهنم عليها.

وكانت السلطات الأردنية تمكنت من تفكيك خلية إرهابية متشددة تنتمي إلى تنظيم الإخوان المسلمين غير المرخص، التي شرعت منذ عام 2021 في بناء قدرة عسكرية متقدمة داخل الأردن نفسه.

اللافت في القضية أن جذور المخطط لا يعني الداخل الأردني فقط. إذ بحسب ما كشفه المصدر الأردني، خضع اثنان من أبرز عناصر الخلية هما عبدالله هشام ومعاذ الغانم، لتدريبات مكثفة داخل الأراضي اللبنانية على يدّ مدرّبين محسوبين على “محور الممانعة” شملت صناعة المتفجرات، تقنيات الطائرات المسيرة، والتخطيط لعمليات واغتيال مضاد.

لا خلاف على أن النظام في المملكة الأردنية يعاني إشكالية تنامي الجماعات الإسلامية، التي لطالما تعمل على إعادة ترتيب السلطة في الأردن بما يتناسب مع الرؤية الاستراتيجية التي تسعى دائمًا إلى تطبيقها ليس فقط في الأردن، لكن في أي نظام تشكل جزءا فيه. هذا ما كان عليه الحكم في مصر، على سبيل المثال، زمن الراحل جمال عبدالناصر، وما هو عليه اليوم مع عبدالفتاح السيسي.

لقد استشعرت السلطات الأردنية الخطر الداهم، ليس من خلال قيام مظاهرات شعبية منددة بالحرب على غزة في العام الماضي. لكن عند النوايا المبطنة للقوى الداعمة لهذه التحركات التي تتمثل في هذه الجماعات الإسلامية، التي توجه إليها أصابع الاتهام في الأعمال التخريبية في البلاد.

لم تزل صورة العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني في آخر لقاء له في البيت الأبيض مع الرئيس ترامب تتداولها الصحف وتطالها التعليقات، لاسيما وأنها حملت الكثير من الإملاءات الأميركية التي تصب في خانة الدفع بالمملكة الهاشمية وبمصر لاستقبال النازحين الغزّاويين، فيما يستمر الإسرائيلي برضى أميركي في مشروع التهجير القسري نحو دول الجوار.

إن التوجس الأردني والمصري، لا يقف عند حدود رفض التهجير. بل يكمن في من يتمّ تهجيرهم، فبالنسبة إلى السلطات الأردنية والمصرية، هم من البيئات الحاضنة لحركة حماس ذات الامتداد المرتبط بإخوان المسلمين. وليس هذا وحسب، بل أيضا إن التلاقي الإيراني مع هذه الجماعات شكلّ تقاطعًا أساسيًا لإرباك النظام في الأردن.

لم يتوقف مشروع التهجير، ولكنه يسير على خطى التنفيذ في ظلّ العرقلات التي يقوم بها نتنياهو لرفضه أي مقترحات لوقف الحرب في القطاع

في كواليس المتابعة للقضية الأمنية ذات الجذور الإسلامية، يؤكد البعض أنّ عملية الإحباط هذه قد تكون ضربة استباقية نفّذتها الأجهزة الأردنية بحق أي تحرك لجماعة الإخوان للوصول إلى الحكم. خصوصا وإنّ ما حصل في سوريا شكّل مفاجأة على مستوى إسقاط النظام بشار الأسد الذي حارب تاريخيا جماعة الإخوان، ووصل إلى الحكم الرئيس الحالي أحمد الشرع.

يحتاج الأردن إلى عملية الإحباط هذه، لأنّ في هذا ضمانة بإسقاط أي مؤامرة لزعزعة الاستقرار، حيث يعتبر البعض أنها أكثر من ضرورية لقطع الطريق أمام طموح الجماعات الإخوانية في المنطقة. كما أنها تصب في صالح “ريفيرا الشرق” الدونالدية، حيث سيتمّ تهجير سكان قطاع غزة إلى الأردن ومصر دون أن يسجل ذلك خطرا داهما على الأنظمة القائمة على اعتبار أن هذه الضربة الاستباقية ستجد لها أرضية إقصائية ومنعها في الوصول إلى السلطة.

يقع الأردن اليوم بين سندان تلك الجماعات وبين مطرقة الضغط الأميركي، إذ مهما كان شكل الضربة، استباقية كانت أم إقصائية، فإنّ السلطات الأردنية ستجيد الاستثمار فيها لصالح الاستمرار في الحكم دون تكرار سيناريو الأسد في الأردن.

هذا على خلاف ما أكده مرارا نتنياهو وما عبّر في أكثر من مناسبة عن نيّة تغيير أنظمة المنطقة مع ما ينسجم مع مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي لطالما تحدث عنه.

ليس هذا وحسب، بل إنّ شبك المخطط مع الساحة اللبنانية، تحديدًا عبر ربطه بأن الفاعلين متدربين على أيدي حزب الله ومحوره، يصب تلقائيًا ضمن مساحة الدعوات المتكررة لسحب سلاح حزب الله.

على ما يبدو فإن القراءة الهادئة للمنطقة، تجنح نحو المشروع الترامبي وليس النتنياهوي، على اعتبار أن الإدارة الأميركية تعمل على فرض تسويات لا تهدف إلى تفكيك الأنظمة كما يريدها الإسرائيلي.

فالأميركي الذي يعمل على سحب المزيد من جنوده من سوريا، يستبدل حضوره في إحياء معادلته المرتبطة بفرض التوازنات الأربعة دون تغليب واحدة على أخرى.

فإضافة إلى القوة الإسرائيلية هناك التركية ومن معها من حلفاء، ويأتي التوازن الإيراني الذي من المرجح أن تنتهي الأمور نحو تسوية، وأخيرًا اللاعب العربي المتمثل في المملكة العربية السعودية ومن يدور في فلكها.

لهذا لن تكون عملية الإحباط دون استثمار أميركي على قاعدة ردع النفوذ الإخواني والإيراني على حساب التوازنات الأربعة في المنطقة، فهل أن العملية الأمنية فعلا هي استباقية أم إقصائية بتوجه ردعي؟

العرب




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية