"الحلال السياسي" في استهداف إيران للسفارات الأجنبية

"الحلال السياسي" في استهداف إيران للسفارات الأجنبية


18/02/2021

محمود الورواري

للدول سلوك يمكن رصده والتنبؤ به تماماً مثل البشر.

 فهناك دول تحكمها معايير أخلاقية ضمن ضوابط القانون الدولي والميثاق العالمي لحقوق الإنسان واتفاقات جنيف وحتى العرف الأخلاقي الدولي.

القيم الأخلاقية للدول نقطة تفيد كثيراً في تفسير سلوكها تجاه أزمة أو قضية معينة.

الدولة الخمينية التي تأسست منذ نجاح ثورتهم عام 1979 أوجدت عبر مسيرتها مجموعة من المعايير الأخلاقية التي جعلتنا نقيس عليها ما فعلته وما يمكن أن تفعله، هنا سنقف أمام متغير واحد في نهجها، وهو استهداف السفارات الأجنبية سواء من قبل السلطات الرسمية للدولة الخمينية أو من قبل المحسوبين عليها.

بالتالي، يتضح أن استباحة المقار الدبلوماسية الأجنبية داخل الأراضي الإيرانية أو خارجها باتت شبه أمر شرعي يحظى بفتوى سياسية دينية من الخميني نفسه.

فالأمر تخطى الشرع السياسي إلى الديني، منذ مباركة الخميني لحادثة اقتحام السفارة الأمريكية في طهران مع بداية الثورة الإيرانية في نوفمبر عام 1979 حتى الآن، فيما عرف وقتها بل وحتى الآن بأكبر أزمة دبلوماسية وقعت بين بلدين، حيث تم اقتحام السفارة وسرقة جميع المستندات الموجودة بها، وأخذ موظفيها رهائن استمر احتجازهم 444 يوماً، ورغم محاولة تحريرهم بعملية عسكرية لم يتم الإفراج عنهم إلا في يناير 1980 بعد توقيع اتفاق الجزائر.

المعلومات التي اتضحت بعد ذلك أن الشباب الذين خططوا لاقتحام السفارة الأمريكية كانوا يريدونه اقتحاماً سريعاً مقابل مقايضات سريعة، لكن مباركة الخميني نفسه حولت الحادثة إلى نهج سياسي مباح سياسيا وحلال دينيا.

تطور الفكر الخميني منذ تلك الحادثة وأصبح سلوكا خمينيا ثابتا في السياسة الإيرانية وفي الصراع مع أي طرف.

الأحداث تتابعت رغم تغير المكان وتبدل الأطراف، بل تفاقمت وتطورت، ولعل أبرزها انفجارات بيروت عام 1983، حيث تم تفجير مبنيين للقوات الأمريكية والفرنسية نتج عنهما مقتل 299 جنديا ما بين أمريكي وفرنسي، تبين بعد ذلك أن الجماعة التي نفذته تنتمي إلى حزب الله اللبناني، بعدها خرجت قوات حفظ السلام الدولية التي استقرت في لبنان بعد انسحاب منظمة التحرير الفلسطينية والاجتياح الإسرائيلي عام 1982.

الأصداء التي خلقتها تفجيرات بيروت جعلت طهران الخمينية تدرج استهداف السفارات كجزء من أي صراع تقوده مع أي طرف مهما كان.

هنا أعود إلى التاريخ الأحدث وهو عام 2016 الحادثة الشهيرة، الاعتداء على السفارة السعودية في طهران وعلى القنصلية السعودية في مدينة "مشهد"، بل وتحطيم المبنى والاعتداء على البعثات الدبلوماسية، ما أدى إلى قطع السعودية جميع علاقتها الدبلوماسية مع إيران، ومعها البحرين والسودان وجيبوتي.

وخفضت الإمارات العربية المتحدة وجودها الدبلوماسي من سفير إلى قائم بالأعمال.

هذا النهج الخميني يخفت أحيانا ثم يطفو على السطح من جديد عبر تكتيك المراوغة وتوسيع رقعة الصراع، والتحرك في المناطق الأكثر هدوءا.

انطلاقاً من هذه المعلومات، يمكن لنا الوقوف أمام مجموعة من المتغيرات:

أولها التحرك الإيراني نحو أفريقيا، وهذا ليس في إطار جغرافيا إدارة الصراع الإيراني، وبالتالي علينا أن نحلل التفكير الإيراني انطلاقا من هذه الخطوة.

أفريقيا ليست منطقة مصالح بالنسبة إلى إيران كما منطقتنا العربية، لكنها قد تكون منطقة اصطياد أهداف يتوقع أصحابها أنها آمنة فتكون صيدا سهلا لإيران.

هنا تظهر أدبيات الصراع الخميني عبر استهداف السفارات الأجنبية كجزء مباح في الصراع.

ما زال الإيرانيون في حرج أمام شعبهم الذي أعلنوا أمامه قدرتهم على الثأر لمقتل قاسم سليماني، فهم يريدون تحقيق أي إنجاز حتى لو كانت الجغرافيا بعيدة، باستهداف السفارة الأمريكية أو غيرها أو حتى الإضرار بمصالح عربية في المنطقة.

المتغير الآخر المهم، وهو أن استهداف السفارات دائما يكون في المناطق التي ليست بها مليشيات إيرانية، باستثناء استهداف السفارة الأمريكية في بغداد بعد مقتل قاسم سليماني مباشرة، لأن الصراع وقتها تحول إلى صراع مكشوف من قبل الجميع.

وبالتالي، لاحظنا مثلا استهداف مناطق في أوروبا وتهديد سفارات أجنبية بها، وهي ليست مناطق انتشار أذرع إيرانية مسلحة ومليشياوية.

في المحصلة ظاهرة الخروج عن معايير الدولة أصبحت السمة الرئيسية للسلوك الإيراني، فمعنى الدولة هو معنى الالتزام بالأعراف الدولية، والتي أولها الانصياع للمعايير التي فرضتها القوانين، واحترام البعثات الدبلوماسية وحمايتها وانتهاج القنوات الرسمية في إدارة الصراع دون الالتفاف عليها، وإلا نكون أمام ما يمكن تسميته "الدولة المارقة".

عن "العين" الإخبارية


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية