"أكتب لكم من طهران": البحث عن الحرية في أرض القمع

"أكتب لكم من طهران": البحث عن الحرية في أرض القمع

"أكتب لكم من طهران": البحث عن الحرية في أرض القمع


16/05/2019

خطوطٌ لا نهائية تمتد، وشوارع متشابكة؛ حيث يمكن للمرء الذهاب أينما يشاء في طهران، لكنه لن يعثر بسهولة على شيءٍ من الحرية، في حال كان ينشدها.
على هذا الأساس؛ تقدم الصحفية الفرنسية من أصولٍ إيرانية، دلفين مينوي، سيرتها الروائية المسماة "أكتب لكم من طهران"، التي تتضمن كذلك إضاءاتٍ مهمة على واحدةٍ من أكثر الحركات إثارةً في إيران وهي "الحركة الخضراء".

اقرأ أيضاً: هكذا قاربت رواية "طرق الرب" طُرق البيروقراطية المقدسة
تتحدث مينوي عن إيران، بصفتها باتت أرضاً تغصّ بأبنائها المعتقلين لأسبابٍ مختلفة، يتعلق معظمها بالحياة اليومية للناس في مجتمعهم الذي بات مفخخاً بالممنوعات.
وكانت المؤلفة قد عاشت عشرة أعوام في بلدها، حتى شهدت انتفاضة الإيرانيين، التي تمّ وأدها عام 2009، حيث "تخضبت الشوارع بخضرة الأمل المقتول"، كما تكتب مينوي في سيرتها.

غلاف الرواية

بين الرواية والتحقيق الصحفي
النصّ، الواقع في 339 صفحة من القطع المتوسط، وصدر عن "دار ممدوح عدوان للنشر"، عام 2017، يراوح بين الرواية والتحقيق الصحفي المطول، وتكشف الكاتبة أنها خلال إقامتها في إيران، تقلبت بين الروائية والصحفية من جهة، وبين كونها مواطنة من جهة أخرى.
الحدث الأبرز في تجربتها، والذي شكّل الدافع الأهم للكتابة، كان الثورة الشعبية التي اندلعت عام 2009، وعرفت باسم الحركة الخضراء، وجاءت لأسباب تاريخية مختلفة، أساسها القمع، كما شكلت خسارة مرشح المعارضة في الانتخابات الرئاسية (المزورة) آنذاك، مير حسين موسوي، شرارةً لاندلاع المظاهرات؛ حيث ردّت الحكومة الإيرانية في حينه، بقتل العشرات من المتظاهرين واعتقال المئات.

تكشف مينوي عن صراعٍ خفي على منابر المآذن يدور في إيران، وهو صراعٌ على تفسير الدين بين التسامح والتشدد

في الرواية؛ تبدو تجربة العيش في مجتمعٍ يقمعه النظام الإيراني معقدة، فهو يغتال الحياة العامة في كل خطبةٍ سياسية لأحد قادته، حين يطلق شعارات الموت تجاه الدول أو الأشخاص أو الجواسيس والأعداء المحتملين، مثلما يفعل تماماً رجال قوات النظام "الباسيج" في كلّ خطبة جمعة.
هي إيران المتناقضة تتجلى في صفحات الرواية؛ حيث يصرخ خاتمي مثلاً بشعار "الحياة للجميع"، فيما تنتشر شعارات الموت تحت المنصة ممن يصرون على أنّ الموت لم يعد أمراً من الماضي بعد.
من خلال مشاهداتها، وتجربتها الشخصية، واحتكاكها مع أصدقاء إيرانيين آخرين، يعيشون هذه التجارب كل يوم، تكشف مينوي عن صراعٍ خفي على منابر الخطب والمآذن يدور في إيران، وهو "صراعٌ على تفسير الدين" بين من يدعو للتسامح ومن يدعو إلى التشدد.
كما أنّ طهران المدينة بالذات، تتمزق بين التدين والعلمانية، كما رأتها مينوي وعاشتها. الفقر والقمع موجودان، والعدو الأكبر للدين والسلطة موجود كشعار على الجدران، لكن مينوي ببراعة، تكشف عن ذلك التناقض الكبير، الذي يتمخض عن تساؤل وحيد: هل عدو النظام والشعب واحد؟ وربما يكون حكام الإيرانيين هم عدوهم الأول قبل كلّ شيء.

 

 

نساء يرتدين الحرية
تعثر مينوي في طهران على التناقضات أينما توجهت، خصوصاً عند الناس، فهي تصف مجتمعاً شاباً، لا يتجاوز عمر أكثر من 70% من سكانه سنّ الـ 30، شباب في معظمهم، ولديهم طموحات تجاه الحياة والحرية، خصوصاً النساء، "المبرقعات بأزياء سوداء ثقيلة" غير أنّ الكثيرات منهن، أصبحن يمارسن كسر الممنوعات بأسلوب حياةٍ يومي، كما تقول المؤلفة.

أصبحت النساء الإيرانيات يتبعن نمط حياة مختلف يقوم على كسر الممنوعات بشكل مستمر في الحياة اليومية

ومن خلال حياتها اليومية معهنّ؛ ترى كيف تتجاوز أحلام النساء في بيوتهن، كلّ الممنوعات الفكرية الثقافية السائدة: "إن الحرية موجودة في البيوت المغلقة"، لكن أحداً لا يعثر عليها تتجول في الشوارع. هكذا تكتب مينوي عن طهران، وتشير إلى عددٍ كبيرٍ من الفنانين والمثقفين والرسامين والكتّاب، الذين ناصروا الشباب والطلاب في انتفاضتهم الخضراء، عام 2009.
لكنّ الحرية، لم تخرح عن حظر التجول، ولأن جزءاً منها يوجد في كل واحدٍ من هؤلاء، فإنهم يوجدون في السجون، وبعضهم بقي وسيبقى هناك لأعوام؛ إذ يتجلى التناقض، حين يكون المواطن الإيراني موجوداً في مكانين فقط، السجن أو البيت، أما الحياة العامة في طهران، فتقول مينوي إنّها ملك للملالي وأعدائهم وصراعاتهم فقط.

اقرأ أيضاً: شعرية الأعماق في رواية "بأي ذنب رحلت؟" للكاتب محمد المعزوز
أسماء عديدة تعيدها مينوي في الرواية إلى تاريخها، مثل: خاتمي، أحمدي نجاد، خامنئي، وغيرهم، يشترك هؤلاء الرجال بنظرتهم السماوية الدينية لأرض إيران ومن عليها، ويقومون جميعاً بقطعِ وعودٍ عظيمة على مسامع الشعب، وجميعهم خاضوا تجربة رئاسة إيران، وعلى الأقل بدت أمام العامل تجربة تتسم بحرية اختيار الرئيس، لكنها اتسمت دوماً بتعدد الوجوه، دون أيّ اختلاف في المنهج.
الصحفية الفرنسية من أصولٍ إيرانية، دلفين مينوي

رسائل سرية على أوراق النقد
وفي قمة الثورة الخضراء، عام 2009، حين قال موسوي إنّ نجاد فاز بتزوير الانتخابات، لم تتكلف السلطات التحري في المسألة، إنما أخذت على عاتقها سجن وقتل وملاحقة كل من تظاهر واعترض، حتى اضطر الناس لكتابة المنشورات المناهضة للنظام، وتبادل الرسائل السرية، على أوراق النقود في مواقف الباصات ومحطات القطار، حتى لا ينكشف أمرهم.

اقرأ أيضاً: هل انتهى زمن الرواية؟
الحركة الخضراء، كانت ذات مطالب مباشرةٍ بسيطة، من أهمها: إنهاء ولاية الفقيه المطلقة، وتغيير الطابع العدواني للعلاقات الإيرانية مع الخارج، وفتح منافذ أكثر لتتدفق الحرية الحبيسة في بعض البيوت والسجون إلى الشوارع.
بأسلوب جمالي إنساني، تحمل دلفين مينوي القارئ إلى طهران، ليعرف عن شوارعتها وأناسها ووضعها السياسي والاقتصادي والتاريخي، ما لا يعرفه سوى من عاش فيها، إنها تتحدث من داخل الرواية، عن مجتمعٍ "أنثوي جداً" عدد النساء فيه أكثر من الرجال، وعن مجتمع يمارس يومياً صراعاً مع كسر الممنوعات، وكذلك، عن مجتمعٍ يبحث عن حلّ، منذ الثورة الإسلامية، عام 1979؛ حيث اختارت الروائية شكل الرسالة لكتابها، وكانت وجهتها إلى جدها المتوفَّى، الذي دعاها لزيارة إيران ذات يوم.
علاقة حميمية بين الملالي والباسيج، متاهةٌ من رجال الأمن يضيع فيها المرء، وعلاقة عدائية للنظام مع الحرية؛ هي أهم ما تصفه مينوي في هذه الرواية الإنسانية الممتعة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية