الحكومة اللبنانية: هل ينجح أديب فيما أخفق فيه دياب؟

الحكومة اللبنانية: هل ينجح أديب فيما أخفق فيه دياب؟


07/09/2020

تقع على عاتق رئيس الحكومة اللبنانية مصطفى أديب مهام ثقيلة، منها؛ حلّ الأزمة الاقتصادية، وإعادة إعمار بيروت، ومكافحة الفساد، ورأب الصدع بين المكونات اللبنانية، وترسيم وضبط الحدود، وإقناع المجتمع الدولي بقدرة حكومته على علاج الفساد، واستعادة العلاقة الطيبة بالخليج، كي يحصل على القروض والمنح اللازمة.

واختارت الرئيس الجديد أغلبية القوى السياسية اللبنانية، بوساطة فرنسية، لتشكيل حكومة إنقاذ لمدة عام، ونال موافقة 90 نائباً في البرلمان، الذي يتكون من 128 نائباً، استقال منهم 8 نواب، عقب انفجار مرفأ بيروت.

هناك شكوك حول نجاح الحكومة، كونها حكومة الطبقة السياسية المتسببة في أزمات لبنان، وعلى رأسها حزب الله الذي يبدو المستفيد الأكبر من وجود حكومة تتحمل عنه أزمات البلاد

لكن تبقى المهمة الأصعب، بعيدة عن النقاش اللبناني-الفرنسي، حتى الآن، وهي قضية حياد لبنان، بمعنى التزام حزب الله بالعمل تحت سقف الدولة، والانسحاب من المشروع الإيراني، وعدم التدخل في شؤون اليمن وسوريا والبحرين والخليج، أو تهديد المصالح الأمريكية، ممّا يعني تجاهل المطالب المشروعة للدول العربية والولايات المتحدة.

علاوةً على ذلك؛ هناك شكوك جدّية حول نجاح هذه الحكومة، كونها في الحقيقة حكومة الطبقة السياسية، المتسببة في أزمات لبنان، وعلى رأسها حزب الله، ويبدو الأخير هو المستفيد الأكبر من وجود حكومة، تتحمل عنه أزمات البلاد.

توافق الفرقاء.. هل يكتمل؟

حصل السفير مصطفى أديب، الذي سمّته كتلة ضمانة الجبل، برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي، على موافقة الأغلبية البرلمانية، ودعمِ رؤساء الحكومات السابقين (السنيورة، ميقاتي، سلام، الحريري)، في إطار توافق لبناني على معالجة الأوضاع الصعبة التي تعيشها البلاد.

الرؤساء الثلاثة من اليمين: أديب، عون، بري

لكن رغم الآمال الطيبة التي أبداها الفرقاء، والبيانات المشجعة إلا أنّ العقبة الأولى التي تواجه هذه الحكومة هي؛ اختيار الوزراء، فإما أن ينجح أديب في تشكيل حكومة تكنوقراط، أو يقع في أزمة المحاصصة، حتى يحصل على الثقة من البرلمان.

اقرأ أيضاً: لبنان: الحل في واشنطن وطهران وليس في باريس

ولن يبتعد أديب عن المحاصصة بشكل أو بآخر، فحتى نواب التكنوقراط ستشارك الكتل السياسية في تسميتهم، وستُقسم الحقائب الوزارية وفق التمثيل السياسي للبرلمان.

وتوقعت مصادر لبنانية، لموقع "الأنباء"؛ أن تجري الموافقة على تشكيلة الحكومة من المرجعيات السياسية التي أوصلت مصطفى أديب للرئاسة؛ فالوزراء السنّة سيتم التوافق عليهم من بيت الوسط، وقد لا يكون للقوى السنّية الأخرى أيّ رأي؛ وكذلك الأمر بالنسبة إلى وزراء الثنائي الشيعي، أمل وحزب الله، فلهما الحصة الشيعية، أمّا تكتّل لبنان القوي وتيار المردة فقد يستأثران بالحصّة المارونية والأرثوذوكسية، ولن يشارك تكتل الجمهورية القوية في الحكومة. كما أعلن الحزب التقدمي الاشتراكي امتناعه عن المشاركة، وسيُعوض أديب حصة الدروز باختيار مستقلين من الدروز.

اقرأ أيضاً: لبنان مابين الخازوق التركي والحرير الفرنسي

ويبقى التحدي الحقيقي أمام أديب؛ اختيار مستقلين، أو ذوي اختصاص ضمن التوزيعة الطائفية السابقة، وتعليقاً على ذلك، يقول شربل عيد، عضو المجلس المركزي في حزب القوات اللبنانية، ورئيس جهاز التنشئة السياسية في الحزب: " شكل الحكومة سيكون أولى بشائر عملها؛ إذا تكونت من حياديين أخصائيين، وشرعت في الإصلاحات، وأحالت التحقيق في انفجار المرفأ إلى لجنة دولية، وتمكّنت من التفاوض مع صندوق النقد الدولي، فستكون على الطريق الصحيح مرحلياً".

ويردف شربل، لـ "حفريات": "لدينا تخوفات من عدم قيامها بذلك؛ لأنّ القوى السياسية التي سمّت مصطفى أديب لن تقبل بأن تكون خارج السلطة، مثلما حدث مع حكومة دياب، حين جرى تقسيم من تحت الطاولة، وظهر بعد ذلك".

سعد الحريري ومصطفى أديب

وارتباطاً بذلك؛ نقل موقع "جنوبية"، عن مصدر مقرب من حزب الله؛ أنّ الحزب يرى أنّه يمتلك كفاءات تستحق المشاركة في الحكومة.

ويرى منسّق قطاع الشباب في تيار المستقبل، فرع طرابلس، علاء أرناؤوط؛ أنّ هناك فرصة لتشكيل حكومة مستقلة، حيث إنّها جاءت في إطار تسوية برعاية وضمانات فرنسية، ويقول: "قبول حزب الله بالحكومة كشف اعترافه بفشله عبر حكومة دياب، ذات اللون الواحد، وأنّه غير قادر على إعادة هذه التجربة أبداً، لهذا وافق على التسوية الفرنسية".

ويضيف أرناؤوط لـ "حفريات": "من الجيد أنّ الأمور عادت لنصابها؛ فتيار المستقبل كممثل للسنّة، بالإضافة إلى رؤساء الحكومة السابقين هم من اختاروا من يمثل الرئاسة الثانية، وفي ذلك رسالة للفئات اللبنانية، بألا استثناء لأحد".

لا نقاش حول سلاح حزب الله

وهناك اتفاق غير معلن بين معظم الفرقاء اللبنانيين وفرنسا على عدم إثارة قضية سلاح حزب الله، أو تدخلاته الإقليمية لصالح إيران، والتركيز على إنقاذ البلاد، وكسب رضا المجتمع الدولي.

وحول ذلك يقول الناشط السياسي والأستاذ الجامعي، زياد المكاري: "بالنسبة إلى سلاح الحزب، الحلّ لن يكون في لبنان، بل ضمن تسوية إقليمية كبيرة، فسلاح الحزب أضحى أكبر من لبنان".

اقرأ أيضاً: تساهل ماكرون مع حزب الله وسلاحه يستفز اللبنانيين

ولا يرى المكاري في ذلك تشاؤماً من إصلاح الأوضاع، ولو نسبياً، ويقول: "نستطيع مكافحة الفساد، وحلّ كثير من المسائل الكبيرة؛ مثل قضية النازحين السوريين، والإصلاحات السياسية، وذلك بشكل مستقل عن مسألة سلاح حزب الله الكبيرة جداً، ونحن في حاجة إلى لملمة تداعيات انفجار بيروت، قبل التفكير بأيّ أمر آخر، ولدي الثقة الكاملة بأننا نستطيع إنجاز الكثير في اللحظة التي نقرر فيها دفن الفساد وتطوير الإدارة المهترئة".

ويعدّ التوافق على تشكيل الحكومة، مع بقاء وضع الحزب كما هو، مكسباً كبيراً للحزب؛ فلن يتحمّل المسؤولية عن الوضع في لبنان، بل ستتحمّل الحكومة، وداعموها من القوى السياسية، المسؤولية بدلاً عنه.

ويؤيد شربل عيد ذلك، ويرى أنّ؛ حزب الله لم يقدم أيّة تنازلات، بل كسب قارب نجاة، بتحمل الحكومة مسؤولية انهيار البلد بدلاً منه.

ويردف عيد لـ "حفريات" بقوله: "موافقة الحزب على الحكومة جاءت كي ينقذ نفسه أمام الشعب، وينفي عن نفسه تهمة التسبب في الانهيار، وكي تتمكّن الحكومة من مخاطبة المجتمع الدولي، ولتسيير الأمور حتى الانتخابات الأمريكية المقبلة".

الوساطة الفرنسية

وحول الدور الفرنسي كتب طوني أبي نجم، في موقع "نداء الوطن"؛ "ماكرون استجاب للمواصفات الإيرانية بتسمية رئيس حكومة، وهو عاجز عن خوض أيّة مواجهة سياسية مع حزب الله، بل قد يكون مطواعاً بيده، مما يريح إيران من أزمة لبنان، حتى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، والتي تعلق إيران الكثير عليها، بشأن التفاوض من جديد مع واشنطن.

الرئيس اللبناني عون، ونظيره الفرنسي ماكرون

ويصف عضو المجلس المركزي في حزب القوات اللبنانية، ورئيس جهاز التنشئة السياسية في الحزب، شربل عيد، الموقف الفرنسي بقوله: " فرنسا تحاول إنقاذ لبنان من الانهيار، ويرى الفرنسيون، أنّ اجتماع، والشروع في الإصلاحات إنجاز مقبول، لكن لا نوافق فرنسا في ذلك؛ فمن جاؤوا بدياب عطلوا الإصلاحات، وهم أنفسهم من جاؤوا بأديب".

أما عن موقف تيار المستقبل من الوساطة الفرنسية، فيعبّر عنه منسق قطاع الشباب في تيار المستقبل، فرع طرابلس، علاء أرناؤوط، بقوله: " ماكرون يرى ألا بديل لتوافق وطني، فلا قدرة لحزب على إلغاء حزب آخر، ومهما اختلفت الآراء فلكلّ فئة جمهورها، خاصّة في لبنان، في ظلّ التنوعّ الطائفي".

اقرأ أيضاً: هل خذل ماكرون الشعب اللبناني.. وما علاقة تركيا بمهادنة حزب الله؟

ولا ينتهي الدور الفرنسي عند تشكيل الحكومة، بل هناك حديث عن مهلة منحها ماكرون للفرقاء اللبنانيين، مدتها ثلاثة أشهر، لإجراء الإصلاحات ومكافحة الفساد، متوعداً بعقوبات على من يعرقل ذلك.

وتحدث ماكرون عن عقد مؤتمر دولي للمانحين في باريس، لحثّ المجتمع الدولي على مساعدة الحكومة الجديدة.

ترقّب عربي ودولي

ولم تصدر ردود فعل عربية أو دولية مشجعة بعد تكليف أديب، وتسود حالة من الترقب في انتظار تشكيلة الحكومة، وبيانها الوزاري.

وكان مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر، قد صرّح قائلاً: " نحن في حاجة إلى رؤية شفافية أكثر، وحوكمة أكثر، وندعم مطالب المحتجين، ونتوقع من أيّة حكومة تحقيق الشفافية والإصلاح، والحكومة السابقة لم تفعل ما يجب، ولا يمكن الاستمرار على النمط نفسه وندعم الشعب اللبناني".

شربل عيد، عضو المجلس المركزي في حزب القوات اللبنانية لـ"حفريات": موافقة حزب الله على الحكومة جاءت كي ينقذ نفسه أمام الشعب، وينفي عن نفسه تهمة التسبب في الانهيار

وحول الموقف الأمريكي، يقول علاء أرناؤوط، لـ "حفريات": "لم تصدر إشارة إيجابية واحدة عن واشنطن، بل الواضح أنّ سياسة الضغط الاقتصادي، وتضييق الخناق أكثر مستمرة لمعاقبة حزب الله، وبواقع الحال كلّ اللبنانيين يعاقَبون بسبب حزب الله".

ويحتاج لبنان إلى إصلاح علاقاته مع دول الخليج، التي يأتي منها 76 % من حجم الاستثمار الأجنبي، إلى جانب المنح والمساعدات الكبيرة، ومن غير المرجح تبدّل الموقف الخليجي إيجابياً من لبنان، دون حلّ أزمة تبعية حزب الله لإيران.

ويذكر أنّ كتلة الجمهورية القوية سمّت السفير نواف سلام رئيساً للحكومة، وحصل على 16 صوتاً، وحصلت كلٌّ من الوزيرة السابقة ريّا الحسن، والمهندس الفضل شلق على صوت واحد لكلّ منهما، في حين امتنع 6 نواب عن التصويت.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية