التموضع الأمريكي وفرنسا والمنطقة: أو ما العلاقة بين الغواصات الأسترالية والانتخابات الليبية؟

التموضع الأمريكي وفرنسا والمنطقة: أو ما العلاقة بين الغواصات الأسترالية والانتخابات الليبية؟


29/09/2021

إسلام أبو العز

عقب ساعات من إعلان الاتحاد الأوربي لحزمة استراتيجياته الدفاعية ما وراء البحار، وخاصة المتعلقة بالمحيط الهادئ والهندي، جاء إعلان كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا عن بروتوكول الشراكة الدفاعية (اوكوس) بينهم في نفس المدى الجغرافي، وهو ما أدى مباشرة لإلغاء أستراليا لصفقة غواصات فرنسية تقليدية من فئة باركودا كانت قد وقعتها 2016، واستبدالها بغواصات نووية أميركية من فئة فيرجينيا. وهو ما تبعه سلسلة من القرارات والتصريحات الفرنسية والأوربية التي كانت باكورتها استدعاء باريس لسفرائها من واشنطن وكانبرا.

وتأتي هذه التطورات في العلاقات بين الولايات المتحدة وفرنسا والاتحاد الأوربي في عدة سياقات داخلية وإقليمية ودولية فاقمت من انعكاساتها، وفوتت إمكانية أن تدار أزمات تداعياتها في الغرف المغلقة، لا سيما وأن الرئيس الأميركي، جو بايدن، كان ولايزال يعلن أن سياسات إدارته الخارجية وتحديداً المتعلقة بالاتحاد الأوربي و”حلفاء” بلاده، تقوم على مبادئ الشراكة والتعاون والتشاور المستمر خاصة إذا كانت متعلقة بالصين وروسيا، وهو عكس ما حدث فعلاً بتوقيع وإعلان اتفاقية “اوكوس” وتداعياتها التي كلفت فرنسا خسائر اقتصادية تجاوزت 90 مليار دولار، وخسائر سياسية -استراتيجية تمس دور ومكانة فرنسا على الساحة الدولية.

يتطرق هذا التحليل إلى انعكاسات استمرار هذه السياسة الأميركية نحو “الشركاء والأصدقاء” الأوربيين على الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والذي تنخرط باريس في ملفاته على نحو متزايد خلال  السنوات الماضية بكل مستوياتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية، بفاعلية تزداد أهميتها كدور محوري يمكن الاستعاضة به عن دور واشنطن مثلما حدث في ليبيا، وذلك كاستثناء مرشح للتحول لقاعدة على ضوء تطورات ومتغيرات العلاقة بين الولايات المتحدة ومن كان يُطلق عليهم حتى وقت قريب “حلفاءها” الأوربيين، ورصد علاقة هذا الصدام الأخير بمحطات وانعطافات هامة في المدى المنظور على مستوى ملفات الأمن والإرهاب والطاقة في أكثر من بلد -لبنان وليبيا على سبيل المثال لا الحصر-  ومتغيرات قد تطرأ على تقديرات وتوجهات سياسة الإليزيه خاصة إذا كان يتناقض بعض منها مع أولويات ومصالح وتوقيتات واشنطن.

واشنطن والاستثناء الفرنسي

“أرجو أن يذكر أصدقاءنا الأميركيين أن فرنسا ساعدتهم على الاستقلال وانشاء دولتهم مثلما يذكرونا بأنهم حررونا من احتلال الألمان مرتين(..) وأن يستوعبوا دروسنا في الهند الصينية كذلك”.

التعليق السابق للزعيم الفرنسي الأبرز تشارل دي جول، إبان توليه الرئاسة الفرنسية في ستينيات القرن الماضي وفي ذروة حرب تحرير الجزائر والموقف الأميركي منها، وهو ما يعطي تلخيصاً كافياً لخصوصية العلاقات بين واشنطن وباريس التاريخية، والتي بدأت مع بداية الولايات المتحدة، كون فرنسا هي الحليف الأول والأهم في حرب الاستقلال الأميركية، وتعاقب ارتباط الأحداث الكبرى في تاريخ البلدين على مستوى الداخل والخارج، بداية من تحرير العبيد وحتى حرب فيتنام وبينهما الحربين العالميتين، وهو الأمر الذي أعطى لفرنسا هامش أوسع في تجنب الالتحاق بالسياسات الأميركية، والحفاظ على العلاقة بين البلدين في خانة الشراكة وليس التبعية، وذلك عبر نمط تفاهمات نمى في اعقاب الحرب العالمية الثانية بمستويات مختلفة، مفاده التفاهم حول توزيع الأعباء والمسؤوليات والخسائر عبر التنسيق بين البلدين في القضايا والملفات ذات الاهتمام المشترك في فترة الحرب الباردة وحتى مطلع القرن الجاري.

ولكن منذ مطلع الألفية الجديدة، وتحديداً قبيل غزو العراق، أتت معارضة باريس لعزم أميركا شن حروب في الشرق الأوسط، كإعلان فرنسي عن سياسة خارجية جديدة أسس لها الرئيس الفرنسي الأسبق، جاك شيراك، جوهرها التمايز عن التوجهات الأميركية والابتعاد عن الالتحاق بها، خاصة تلك المتعلقة بمصالح فرنسا المباشرة في مناطق مستعمراتها القديمة، وهو ما أعتبر وقتها استدراك فرنسي لعدم الاستغراق في تحمل كُلفة وأعباء الأخطاء الأميركية الاستراتيجية؛ بداية من الحرب الكورية لحرب فيتنام وأخيراً حروب الشرق الأوسط، حيث الانسحاب/الانكماش/إعادة التموضع الأميركي، وتحمل “الحلفاء” نصيب معتبر من فواتير أخطاء السياسات الأميركية المتعاقبة في الداخل والخارج، وأخرها تداعيات الانسحاب من أفغانستان وعلاقة ذلك بصراع واشنطن مع بكين، وخشية حلفاء الأولى وعلى رأسهم فرنسا والاتحاد الأوربي من اندلاع حرب باردة جديدة تؤثر على مصالحهم بشكل قد لا يهم ساكني البيت الأبيض المتتالين وحسابات الداخل الأميركي.

ووفق تحليلين في كل من نيويورك تايمز الأميركية ولوموند الفرنسية عن هذه العلاقة الجدلية بين باريس وواشنطن، فإن كُلفة تراجع لجنة التسليح والدفاع في الكونجرس الأميركي عن تصنيع 233 قطعة بحرية تتنوع بين حاملات الطائرات والغواصات والفرقاطات والمدمرات، والتي كانت بالأساس موجهة لتوازن قوة الصين المتنامية في المحيطين الهادي والهندي، قد تحملتها فرنسا بشكل اقتصادي وسياسي كبديل آمن -في تقدير إدارة بايدن- عن اندلاع حرب باردة جديدة وسباق تسلح مع بكين، وهو ما اعتبرته اعتيادي في سياق نمط توزيع الأعباء الذي تتبعه واشنطن تجاه الاتحاد الأوربي وباريس.

على نفس المنوال، سببت لوموند السابق بأنه يأتي كاستمرار انعكاس مجريات الاستقطاب الداخلي الأميركي على السياسة الدولية، حتى وإن كان ذلك على حساب من تعتبرهم إدارة بايدن حتى كتابة هذه السطور أصدقاء وحلفاء بلادها، والذين باتوا بعد الإعلان عن اتفاقية اوكوس ينقسموا لقسمين: الأول انجلوساكسونيين ممثلين في بريطانيا وأستراليا وكندا، والثاني ممثل في الاتحاد الأوربي وفرنسا، الذي أضحوا حسب الصحيفة خارج تقديرات ومقاربات إدارة بايدن لسياسات بلاده الخارجية المتعلقة بالمحيط الهادئ والهندي، وأن عدم الممانعة الأميركية تجاه نشاط باريس وبرلين المتزايد في الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة كان في إطار هذه المقاربة التي لم تتشاركها واشنطن مع “حلفاءها” الأوربيين.

وطبقاً لهذا المنظور، فإن باريس التي تعتمد على صناعتها العسكرية المتقدمة كرافعة اقتصادية وسياسية واستراتيجية لدورها ونفوذها الخارجي خاصة في الشرق الأوسط، حيث ما يتجاوز 25% من مبيعاتها السنوية لدوله، وذلك بالتوازي مع ارتفاع ملحوظ للتواجد الفرنسي العسكري شمال وجنوب الصحراء الكبرى، وهو ما يشكل العمود الفقري لسياسة ماكرون في السنوات الأخيرة، وأيضاُ كرافعة انتخابية أمام ناخبيه، قد تلقت ضربة قاصمة يصح تسميتها بـ”طعنة في الظهر”، يمتد أثرها على علاقة واشنطن بالاتحاد الأوربي ككل، خاصة بعد خروج بريطانيا منه، والتي كانت تمثل الشريك الأميركي في الاتحاد الأوربي طيلة العقود الماضية وحتى اتفاقية البريكزيت.

إدارات متعاقبة وأزمة ثقة مزمنة

وعلى الرغم من المسارعة الأميركية – البريطانية لرأب صدع تداعيات الإعلان بشكل مفاجئ عن هذه الاتفاقية، على مستويات متعددة ليس أهمها محادثات عاجلة بين قادة البلدين مع باريس للحيلولة من تصاعد هذه التداعيات لحد الخلاف وخاصة مع الموقف الفرنسي المتشدد حيال ما اعتبره “طعنة في الظهر وخيانة للثقة”، إلا أن هذا لم يمنع تصدر هذه الحادثة كذروة لسنوات من الاضطراب في محددات ومتغيرات علاقة الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة خلال العقد الأخير، وهو ما تضفر من هواجس ومخاوف أوربية سابقة ومستمرة حول نمط السياسة الخارجية الأميركية في العقد الأخير، لاتراعي مصالح دول الاتحاد، ولا تتماشى مع أنماط الشراكة الأوربية-الأميركية المعتادة منذ الحرب الباردة، والتي أبرز عناوينها العسكرية حلف الناتو، وإطلاق هذا الحادث الأخير سلسلة من علامات الاستفهام المتراكمة على مدار سنوات، حول مستقبل أكبر حلف عسكري في التاريخ.

شكلت هذه المحددات اختبار واقعي وعملي لمدى اختلاف بايدن عن سلفه، دونالد ترامب، على مستوى السياسات الخارجية، حيث نمط تصدير المشاكل والأعباء الداخلية للخارج حلفاء وخصوم على حد سواء وهو ما لم يكن حصري على إدارة ترامب، حيث تجاهل واشنطن لمصالح حلفاءها خلال عِقد من إعادة الهيكلة والتموضع الأميركي في شتى بقاع الأرض، والذي أنعكس مبكراً في الشرق الأوسط خلال نفس المدى الزمني، والذي تراوح التعاطي الأوربي-الفرنسي معه بين إدارة أزمة استثنائية مداها الزمني مكوث ترامب في البيت الأبيض، وما بين مبادرة فعالة في مناطق الفراغ الأميركي التي تمس المصالح الفرنسية المباشرة وخاصة في أفريقيا شمال وجنوب الصحراء؛ وذلك عبر شراكات متنوعة انخرطت فيها باريس وعواصم الاتحاد الأوربي مع “حلفاء واشنطن” في المنطقة على مستويات مختلفة، نتجت بالأساس عن غياب دور أميركي في أزمات عاجلة ومُلحة مثل الأزمة الليبية.

فمنذ مطلع الألفية الجديدة، وهناك عملية تحدٍ واستجابة فيما يخص نمط العلاقات بين واشنطن والاتحاد الأوربي ،في مختلف الملفات والأزمات وخاصة المتعلقة بالشرق الأوسط؛ فبين التحاق يتدهور لحدود التبعية، وما بين محاولات مستدامة لخلق تكافؤ في إدارة علاقات الاتحاد مع الإدارات الأميركية المتعاقبة على أرضية الشراكة وليس التبعية كاتجاه أسسته وتقوده فرنسا؛ فسواء كان ذلك متعلق باتفاقيات المُناخ أو مستقبل حلف الناتو، فإن هذا التوجه الفرنسي سواء بشكل ثنائي أو عبر الاتحاد الأوربي، قد أوجد متغير هام في معادلة العلاقات بين الطرفين منذ عشية انتهاء الحرب الباردة، وخاصة فيما يتعلق بمقاربات الأوربيين المختلفة عن توقيتات وحسابات الأميركيين فيما يتعلق بخطوط الطاقة وعلاقة ذلك بروسيا، وبين خطوط التجارة وعلاقة ذلك بالصين.

 تبلور هذا بشكل أكثر حدة ووضوح خلال العشر سنوات الماضية، وذلك عبر اجتراح دول الاتحاد المؤثرة (فرنسا- ألمانيا) مقاربات شبه مستقلة بالكامل عن الخطوط العريضة الأميركية في الشرق الأوسط، لا سيما ما يتعلق بمصالح هذه العواصم الأوربية وخاصة باريس، وذلك مع التزام سقف عدم تعارض هذه المقاربات والمبادرات مع التوجهات الأميركية بل والتكامل معها أحياناً مثلما هو الحال حتى كتابة هذه السطور في لبنان.

 واتضح السابق من خلال تدرج وتراتبية أولويات فرنسا في شمال أفريقيا وجنوب الصحراء، وذلك كنموذج عكس وتيرة تكامل أو تناقض المقاربات الفرنسية مع السياسات الأميركية؛ حيث انكماش واشنطن عن الاشتباك مع تعقيدات الفوضى الليبية منذ 2012 وتقدم باريس من زاوية الحفاظ على مصالحها، وارتباط ذلك بصراعها مع أنقرة، وغيرها من الملفات التي لم تتصادم -غالباً- بخصوصها توجهات الاليزيه مع ما يريده ساكن البيت الأبيض.

ويمكن تتبع هذه الوتيرة عبر رصد منهجية فرنسا في ضبط سلم أولوياتها وفق السابق وحتى دخول ترامب البيت الأبيض، وهو ما اطلق يد الاوربيين وتحديدا باريس في لعب أدوار جديدة مثل توسع الانتشار العسكري وفاعليته في جنوب الصحراء واستخدام قواعد فرنسية في مالي في الصراع العسكري في ليبيا مطلع 2020، وكذلك أدوار معتادة تطورت بفعل الانكماش الأميركي، أهمها ما شكلته الصناعات العسكرية الفرنسية كاختيار مناسب لـ”حلفاء واشنطن” في أوقات اضطراب العلاقات بينهم وبين ساكني البيت الأبيض منذ عهد أوباما.

محصلة واستشراف

قد يكون من الخطأ حصر الأزمة الأخيرة بين باريس وواشنطن كنتيجة مباشرة اتفاقية اوكوس، حيث لم تعترض الأولى على مبدأ الاتفاقية من الأساس وانحازت لموقف بكين منها مثلاً، ولكن انطلاقاً من أرضية انحيازها لمصالحها والتي تتعلق في سياقنا هنا بمبيعات الأسلحة الفرنسية في السنوات الأخيرة، كأحد أعمدة تعزيز دور فرنسا كقوة كبرى تتكامل غالباً ولا تتصادم مع القوة الأكبر، الولايات المتحدة، وهو ما جعل من تداعيات اوكوس بمثابة قطع طريق أميركي على ما تعتبره أساس هام لسياساتها الخارجية في السنوات الأخيرة، وهو ما يجعل تراجع كانبرا عن صفقة الغواصات الفرنسية واستبدالها بالأميركية، بمثابة تهديد استراتيجي لفرنسا وليس مجرد تراجع اعتيادي عن صفقة أسلحة.

ويضاف للسابق أن هذا التراجع أتى كذروة فاقمت تراكم التباينات بين واشنطن وباريس، وتحولها بشكل مفاجئ لخلاف وليس مجرد “اختلاف طبيعي بين حلفاء” حسبما ردد المسؤولين الأميركيين وعلى رأسهم بايدن؛ فحتى ولو كانت الاتفاقية موجهه بالأساس ضد بكين وفي المحيط الهندي والهادئ، فإن اضراراها الجانبية على باريس لا يتوقف فقط على مسألة مبيعات السلاح على أهميتها، بل مكانة ووضع فرنسا والاتحاد الأوربي ككل في خارطة التموضعات الأميركية الجديدة، والتي بات من المؤكد حسب الواقع أن توجهات واشنطن بايدن لا تختلف كثيراً عن سلفه من حيث مراعاة مصالح ومخاوف الحلفاء الأوربيين.

وإزاء هذه الصورة المركبة، فإن ثمة حاجة فرنسية لاستعادة توازن سريعة في محددات علاقاتها مع الولايات المتحدة، سواء بشكل ثنائي وكذلك عبر الاتحاد الأوربي ككل، وهي السياسة التي اتبعتها باريس على النحو السابق ذكره بشكل متدرج وفعال، ولكنه لم يمنع واشنطن ولندن من المضي قدماً نحو متغير استراتيجي هام في المحيطين الهادي والهندي، وموجه للصين بالأساس، دون مراعاة مصالح وحسابات باريس وعواصم الاتحاد الأوربي عموماً.

وباستمرار تمسك واشنطن-بايدن بنمط الأمر الواقع والقاطرة التي يلتحق بها الأخرون مثل أسلافه، وكذلك الاستعاضة المستمرة عن ما يعتبروه الأميركيون تلكؤ أوربي، بدور وفاعلية أكبر للأنجلوساكسون ممثلين في بريطانيا وأستراليا وكندا، فإنه من المتوقع أن تقدم فرنسا بشكل منفرد وكذلك بما تشكله من ثقل داخل الاتحاد الأوربي، على تعظيم توسعها المتدرج في مناطق نفوذها الاستعمارية سابقاً، وخاصة التي تنكمش/تترفع عنها واشنطن في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهو ما توسع في السنوات القليلة الماضية، ليشمل ما عُرف استعمارياً بـ”السودان الفرنسي”، وارتفاع مطرد للتواجد العسكري الفرنسي هناك لأهداف لم تعد تقتصر على مجابهة الإرهاب جنوب الصحراء وقضايا اللاجئين والهجرة الغير شرعية، وذلك كضمانة فرنسية لأن لا تتكرر تداعيات اتفاقية اوكوس، وتحول باريس مع عواصم الاتحاد الأوربي لمتلقي أعباء وفواتير تموضعات واشنطن التي باتت منذ عهد ترامب في طور التخمين وليس التحقق.

أيضاً يرتبط السابق بالعودة الحثيثة لبريطانيا للمنطقة، وإن كان يتم باستدعاء إقليمي فرضه الانكماش/الانسحاب الأميركي وحلقاته المتتابعة وصولاً لأفغانستان وربما سوريا والعراق قريباً، وهو ما وازنته باريس وبرلين بتحركات معتبرة على مستويات متعددة مرتبطة بملفات المنطقة كالأزمة الليبية، والاعتماد على شراكات إقليمية مع القاهرة على سبيل المثال، والتي لم تقتصر فقط على الساحة الليبية، بل تمتد لصراعات شرق وجنوب المتوسط وعلاقة أنقرة بذلك، ناهيك عن الدور الفرنسي-المصري المحوري في لبنان، وهو ما يرشحها بعد تداعيات اتفاقية اوكوس لأن ترقى لدرجة التحالف بمحددات استعادة توازن وتقاطع مصالح تجاه التموضعات الأميركية وتداعياتها الإقليمية، وخاصة إذا ما تقاطعت مع مقاربات مستقبلية لموسكو وبكين في الشرق الأوسط.

وإجمالاً، فإن هناك عدة أحداث قادمة في شمال أفريقيا والمنطقة بشكل عام، سيكون التعاطي الفرنسي تجاهها مؤشر على مدى تمسك باريس بحرصها المعتاد أن تتكامل مصالحها مع مصالح واشنطن، وهو ما قد يتغير في اعقاب اتفاقية اوكوس، وانعكاس ذلك -كمثال وأقرب توقيت- على الانتخابات الليبية الوشيكة وحظوظ المرشحين وعلى رأسهم رجل واشنطن الأول، خليفة حفتر، الذي بات في نظر داعميه الإقليميين والأوربيين بمثابة عقبة أميركية تفخخ جهود التهدئة والسلام واستعادة الدولة في ليبيا، وهي الأهداف التي لم تلقي اهتماماً في تحركات واشنطن خلال السنوات القليلة الماضية.

عن "مركز الإنذار المبكر"

الصفحة الرئيسية