الاستفتاء على الدستور في تونس.. وأسطورة "جلد الثور"

الاستفتاء على الدستور في تونس.. وأسطورة "جلد الثور"


25/07/2022

الهاشمي نويرة

يتوجه اليوم التونسيون إلى صناديق الاقتراع لحسم أمر الدستور الجديد الذي أثار جدلاً كبيراً في صفوف النخبة السياسية تحديداً، في حين أن التوجه العام الشعبي كان على مدى الأيام والشهور التي تلت الحراك التصحيحي لـ25 يوليو 2021 مسانداً لأي فعل أو مقترح أو موقف يصدر عن الرئيس التونسي قيس سعيد، وهو توجه، قد لا يكون نتيجة قناعة تامة بأطروحات الرئيس وبرامجه السياسية، ولكنه في الغالب دعم لا مشروط له في حربه المفتوحة مع حركة النهضة الإخوانية ورئيسها راشد الغنوشي من أجل الفوز بالحكم والسلطة.

وإن في المحاولات المتعددة والفاشلة عموماً من أجل تعبئة الرأي العام الشعبي ضد مشروع دستور الرئيس التونسي لدليل قطعي على فقدان حركة النهضة والقوى السياسية المعارضة لمسار التصحيح أي عمق شعبي ومجتمعي، وبالأخص نتيجة عدم انخراط الاتحاد العام التونسي للشغل في هذا التوجه المعادي للحراك التصحيحي رغم خطابه النقدي تجاه الرئيس ورفضه المستمر طريقة الحكم الانفرادية.

المهم أن الاستفتاء كاستحقاق سياسي وطني مهم كشف بما لا يدعو مجالاً للشك أن النخب السياسية والفكرية تفقد كل تأثيرها عندما تسلك طرقاً معادية لمسار التاريخ ومتناقضة مع الهوى والوعي الشعبي والمواطني العام الذي تشكل في تونس نتيجة تراكمات تاريخية وقيمية، وهو وعي يقف على طرف نقيض مع الفكر المتطرف والإخواني ومع كل فكر عنيف.

وقد كان السؤال المطروح الذي أخطأ المعارضون لمسار التصحيح الإجابة عنه، إما بسبب الانتهازية السياسية أو لعدم قدرة على قراءة الواقع المرحلي ومتطلباته هو، هل أن المطلوب الرئيسي كان اقتلاع حركة النهضة من الحكم أم لا؟ وهل كان من الممكن القيام بذلك دون اللجوء إلى الفصل 80 من دستور 2014 وتأويله من قبل الرئيس بتلك الطريقة الواسعة والمثيرة للاختلاف؟!

الواقع أن دستور 2014 الذي أحكمت حركة النهضة كل تفاصيله المهمة وضعت فيه الحركة الإخوانية كل القواعد التي مكنتها من التحكم في منظومة الحكم وأغلقتها بالكامل، وقد ساعدها في ذلك قلة التجربة السياسية للأحزاب الموجودة حينئذ وانعدام خبرتها في ممارسة الحكم وفي طرق الوصول إليه، وكانت الطريقة سالكة أمام النهضة الإخوانية لتحقيق أهدافها بفضل عاملين أساسيين، أولها سد كل المنافذ أمام رجوع حزب التجمع الدستوري الذي كان يحكم تونس قبل 2011، وثاني هذه العوامل هو القبول بـ: «تزويق» نص الدستور ببعض المحسنات الحقوقية التي تشفي غليل الخطاب السياسي للحركات اليسارية والديمقراطية، والتي لم تتجاوز عقدة الإقناع المغلوط للذات والتباهي بالتقدمية أمام القوى الغربية الديمقراطية التي كانت هي الأخرى على درجة من السذاجة المعرفية ومن الغباء السياسي.

دستور 2014 هو إذن وبامتياز دستور الحركة الإخوانية:

أولاً، الدستور يعبر عن منظومة حكم مغلقة، النهضة فيها هي الأصل والبقية أحزاب هاوية وعديمة الخبرة، تستمد وجودها في البرلمان من فواضل الأصوات، وهي أحزاب على ذمة سيناريوهات التحالف التي تضع شروطها النهضة الإخوانية حسب مصالحها.

ثانياً، هو دستور يركز نظاماً برلمانياً لا صلاحيات فعلية فيه لرئيس الجمهورية رغم شرعيته الانتخابية الشعبية.

ثالثاً، «تجميل» النص الدستوري بمنظومة حقوقية مفككة الأوصال ظاهرها حداثي، لكن المتحكم فيها وفي مداها هو الحركة الإخوانية، وهي منظومة جعلت الطيف اليساري والتقدمي يرقص طرباً بما حققه من «إنجازات لافتة» يفخرون بها أمام «الغرب الديمقراطي».

ولابد من اللجوء إلى الفصل 80 من هذا الدستور لوضع حد لمنظومة حكم غير قابلة للإصلاح، ويحسب للرئيس التونسي أنه استغل الحراك الشعبي ضد النهضة الإخوانية وأعلن عن حل البرلمان وتركيز نظام استثنائي والبدء في تطبيق «نظرية جلد الثور».

تقول الأسطورة المؤسسة لامبراطورية قرطاج العظيمة أن عليسة الفينيقية القادمة من لبنان اشترت أرضاً بحجم جلد الثور في المنطقة التي تعرف حالياً بقرطاج وعند تطبيق بنود العقد قامت بتفكيك الجلد إلى حبل دقيق مسح الكيلومترات ما جعل الأرض المباعة تتسع، وأقامت عليها ما أصبح يعرف لاحقاً بمدينة قرطاج، وهي اللبنة الأولى في حضارة عظيمة.

وبداية الحراك التصحيحي في تونس كان اللجوء إلى حل البرلمان استناد إلى الفصل 80 من دستور النهضة الإخوانية، وتأسيس ذلك على نظرية «الخطر الداهم»، ثم انطلقت عملية تحويل الجلد، بعيداً عن أي منطق قانوني - وهذا موقف سليم - لأن لب المسألة ليس حقوقياً بل هو سياسي بامتياز، وقد كانت البداية الفصل 80 من الدستور القديم، وانتهت إلى الاستفتاء على الدستور الجديد، الذي يقطع بالكامل مع دستور النهضة الإخوانية رغم ما تضمنه من أحكام قابلة لكل تأويل، وهي بداية ستكون النهاية الفعلية لحكم الإخوان الذين دخلوا دوامة الملاحقات القضائية.

عن "البيان" الإماراتية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية