الإسلاميون السنة في سوريا يستثمرون هزائم نظرائهم الشيعة

الإسلاميون السنة في سوريا يستثمرون هزائم نظرائهم الشيعة

الإسلاميون السنة في سوريا يستثمرون هزائم نظرائهم الشيعة


01/12/2024

هشام النجار

حققت فصائل المعارضة السورية التي تقودها هيئة تحرير الشام ضمن عملية “ردع العدوان” اختراقا نوعيا بدخولها مناطق عدة في حلب واستهداف ريفها الغربي وريف إدلب الشرقي، ومحور سراقب، ما يُعد إنجازا كبيرا من شأن تثبيت الهيمنة على مساحات أخرى وتغيير المعادلات شبه المستقرة منذ سنوات، حيث كسب الإسلاميون السنة أرضا في مواجهة التراجع الملحوظ لقوة الشيعة في سوريا.

ويخشى مراقبون أن يؤدي تحجيم الجماعات الشيعية المدعومة من إيران إلى تزايد نفوذ السنة المتطرفين المدعومين من تركيا، وتبدو سوريا كأنها استبدلت قوة حليفة بقوة مناهضة لنظامها، تعيد إلى الأذهان ما جرى في العراق من قبل على يد داعش، وبعض مناطق سوريا نفسها، ما يعني استبدال نفوذ بآخر في الاتجاه العكسي.

واستغلت هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا) وفصائل متحالفة معها الظروف الإقليمية والدولية المواتية والتغييرات التي طرأت في حسابات المتداخلين بالشأن السوري بعد الخسائر العسكرية والسياسية التي مُنيت بها إيران في الإقليم وما لحق بحزب الله من هزيمة قاسية في لبنان، للبدء في هجوم ترددت في شنه طويلا أسفر عن سيطرة على مدن استغرقت روسيا وإيران عاما ونصف العام لاحتلالها، علاوة على الفوج 46 وهو نقطة مهمة للنظام السوري لتأمين مواقعه على أطراف مدينة حلب الغربية، ما أسهم في دخول حلب والتحكم في العديد من أحيائها.

وتمكنت هيئة تحرير الشام وفصائل “غرفة عمليات الفتح المبين” من التقدم سريعا للإعداد المسبق والمحكم لخطة الهجوم والتدريب المتقدم لمقاتليها، مقابل تباطؤ الطيران الروسي عن المشاركة الفاعلة والتراجع الملحوظ للفصائل والميليشيات اللبنانية – العراقية الموالية لإيران، وانسحاب قوات النظام السوري من مواقع كثيرة.

ووجدت الهيئة الفرصة سانحة لاستثمار التناقضات وتضارب المصالح والضعف الشديد لحزب الله والميليشيات الإيرانية بفعل الضربات الإسرائيلية وحاجة بعض الأطراف لتحريك الجمود في سوريا وتقليص النفوذ الإيراني، ولعب دور جديد وملء الفراغ وتحقيق وعودها المتكررة بالسيطرة على حلب وإعادة النازحين إلى مناطقهم، ما يُسهم في تجنيد المزيد من الأفراد وكسر موجة الاحتجاجات ضد حكمها والتقليل من آثارها وإعادة إنتاج نفسها في المشهدين السوري والإقليمي، فضلا عن ضم فصائل جديدة إلى حلفها.

وأدت التصدعات التي لحقت بهياكل حزب الله العسكرية إلى طمع الفصائل السورية المسلحة لاستباق الأحداث وجعل نفسها رقما في معادلات الصراع خوفا من حدوث تغييرات غير متوقعة تخصم من نفوذها، مع تسارع الأحداث وضخامة التحولات في الإقليم.

وقدرت هيئة تحرير الشام أن هذا هو التوقيت الملائم والفرصة التي لن تتكرر لإعادة التموضع وتحقيق التوسع لإعادة المناطق التي سيطر عليها النظام السوري بدعم وإسناد روسي قبل اتفاق مارس في العام 2020 بين تركيا وروسيا، وهي الخطوة المُمَهدة لإعادة مواطنيها النازحين منها، علاوة على تحقيق الهدف الرئيسي وهو السيطرة الكاملة على مدينة حلب.

وراهنت فصائل المعارضة المسلحة السورية وفي مقدمتها هيئة تحرير الشام على فرضية إقدام إسرائيل على إضعاف قدرات سلاح الجو السوري في سياق خطط تقويض النفوذ الإيراني، نتيجة لعدم اتخاذ دمشق موقفا حاسما بشأن نأيها بنفسها عن الصراع وبروز شواهد على استمرار التنسيق والتعاون مع الإيرانيين، ما يفتح الطريق أمام استفادة مضاعفة للهيئة وحلفائها لتحقيق أكبر قدر من التمدد الميداني والسيطرة على غالبية مناطق شمال غربي سوريا، بما فيها مناطق الجيش الوطني المدعوم من تركيا.

وإلى جانب تقديم خدماتها للولايات المتحدة والأطراف الغربية عبر استكمال استهداف النفوذ الإيراني في سوريا، تلعب هيئة تحرير الشام بنفس الورقة مع تركيا التي لن تكون مرتاحة لتخريب الهدوء بمناطق انتشار الجيش المدعوم من قبلها، لكنها في المقابل على استعداد لتجاوز ذلك في سبيل تحقيق تقويض نفوذ إيران في سوريا بالنظر إلى دور طهران المُعرقِل لعقد تفاهمات بين أنقرة ودمشق، وللضغط على نظام الرئيس بشار الأسد لإرغامه على الجلوس والتطبيع معه دون شروط مسبقة.

وتحسبت تركيا لنهوض قوات قسد الكردية بمهمة تقليص النفوذ الإيراني بدعم أميركي وغربي، ما يسمح لها بالتمدد في المنطقة مع وجود مؤشرات لترتيبات بهذا الشأن مع إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب، ما دفع أنقرة لعدم إثناء هيئة تحرير الشام وفصائل أخرى عن القيام بالمهمة، حيث تحقق أهدافا مرحلية ملموسة لأنقرة في عدة اتجاهات، وتسبق الاستعانة الغربية بقوات “قسد” التي كانت ستهدد مصالح تركيا وقواعدها المنتشرة شمالي حلب حال تمددها.

وبدت تركيا هي الطرف الأكثر حضورا واستفادة من حلحلة الأوضاع في سوريا عبر إحداث اختراق عسكري نوعي ستكون حريصة على ضبطه واستثماره سياسيا، ليس فحسب من جهة التحكم في مسارات العلاقة مع النظام السوري، وإنما أيضا من جهة إعادة ترتيب المعادلات وضبط التفاهمات، خاصة مع روسيا، بما يحقق مصالحها، مع دأب القيادة الروسية على نقض تفاهمات مناطق خفض التصعيد وقصف مناطق الشمال ما أدى إلى هجرة دائمة كانت لها انعكاساتها على الداخل التركي.

وتراجعت تركيا عن حذرها مُطلقة الضوء الأخضر للفصائل الموالية لها لتبديل الخرائط العسكرية التي رُسمت في اتفاق عام 2020 وكسر خطوط التماس، بهدف خلق واقع مختلف على الأرض ينهي تعنت النظام السوري وتصميم روسيا على استفزازاتها، بالتوازي مع إظهار جهد سياسي يمنع انفجارا قد يقلب المعادلة العسكرية الثابتة وموجة جديدة من اللاجئين.

ولن تكون أنقرة متحمسة للمزيد من التصعيد والتوسع من قبل الفصائل المسلحة الطموحة مع حرصها على حماية ما أحرزته من تقدم، حيث تحرص على استثمار ما تحقق سياسيا، وتتوخى عدم استفزاز إيران وروسيا حتى لا تكررا السيناريوهات الانتقامية السابقة، لأن الطرفين الإيراني والروسي لن يتخليا بسهولة عن نفوذهما ومصالحهما في سوريا، على الرغم من الحسابات المختلفة التي طرأت على المشهدين المحلي والإقليمي عقب الحروب في أوكرانيا وغزة ولبنان.

ويرجع إحجام روسيا منذ بدء عملية “ردع العدوان” عن التدخل بقوة عبر طيرانها لصد هجمات الفصائل غير المسبوقة إلى أنها ترغب في إضعاف الحضور الإيراني، وواضح أنها لا تعرقل الجهود الدولية والإقليمية لتحقيق ذلك، كما يهمها أن ينضبط سلوك الأسد ويعي المتغيرات في المشهد ويتواءم معها ويدرك عمليا عدم قدرة إيران على توفير الحماية له.

وبدا أن موسكو قد قبلت الضغط على نظام الأسد عسكريا عبر عملية محدودة، نظرا للعبه على تناقضات المصالح بينها وبين إيران في سوريا ومخالفته نصائحها بترك مسافة بينه وبين طهران لوجود توجهات غربية لتقليص حضورها الإقليمي، إلا أنها من المستبعد أن تتخلى بشكل كامل عن النظام السوري أو أن تسمح بتجاوزه ما يؤدي إلى تغيير المعادلة، وهي التي تنظر إلى نفوذها في سوريا بمنظور إستراتيجي يرسم محددات دورها في النظام الدولي.

ومع انشغال روسيا بالحرب في أوكرانيا وتساهلها مع الغارات الإسرائيلية على الأهداف الإيرانية في سوريا ونشرها ثماني نقاط مراقبة جنوبي البلاد لضمان وقف هجمات الحشد الشعبي العراقية المدعومة إيرانيا من جنوبي سوريا باتجاه الجولان، إلا أنها لا تزال تدعم النظام السوري ولن تكون بعيدة لوقت طويل قبل أن تتدخل لمنع تغيير المعادلات على الأرض.

يضاعف من حرص موسكو على منع المزيد من التدهور والتقدم الميداني للفصائل المسلحة الربط الاستخباري واللوجستي بين الساحتين السورية والأوكرانية؛ حيث أن التطور النوعي في أداء مقاتلي هيئة تحرير الشام والذي ظهر جليا في المعارك الأخيرة في احترافية استخدام المسيّرات راجع إلى تدريبهم من قبل مدربين أوكرانيين وإلى تزويد الاستخبارات الأوكرانية الفصائل السورية بخبرات قتالية وأسلحة ومسيّرات مقابل انتقال مئات منهم للقتال في صفوف الجيش الأوكراني.

ولم يعد هناك معنى للرضا الروسي ببعض الخسائر والتنازلات في الملف السوري للتركيز على الحرب في أوكرانيا بعد أن تمكنت الأخيرة من الربط بين الساحتين وصولا إلى تدريب عناصر من الفصائل السورية على استخدام المسيرات لاستهداف قاعدة حميميم قبل أن يتضح حجم التدريب والإعداد في المعارك الأخيرة.

ومن المتوقع أن تتدارك روسيا التدهور الحاصل وتكون أكثر حرصا على استعادة المسك بزمام المبادرة في المشهد السوري الذي بات أحد أدوات التحكم في مسارات الحرب في أوكرانيا، ما يتطلب إحداث توازن بين الساحتين وإعادة جانب من القوات والطائرات والآليات والخبراء الميدانيين الذين جرى نقلهم.

وفي مقابل ما حققته هيئة تحرير الشام من مكاسب خلال فترة وجيزة جراء عمليتها الطموحة على مستوى إثارة إعجاب المعارضين السوريين حتى داخل صفوف خصومها ورفع معنويات عناصرها وضم عناصر جديدة والقفز على تداعيات فشلها الإداري في إدلب وكسب من وعدتهم سابقا بدخول حلب وبعودة النازحين إلى مناطقهم، هبطت معنويات جنود وضباط الجيش السوري وشعروا بأن النظام بات مقتنعا بوجود مخطط محسوب ومتوافق عليه لإضعافه وأنه لن يجازف بالتصدي منفردا في معركة يبدو أنها خاسرة تم التخطيط لها بدقة وخذله فيها حلفاؤه.

ويعتمد حدوث تغييرات معاكسة في المشهد العسكري والميداني باتجاه وقف تقدم الفصائل وانتزاع ما سيطرت عليه من محاور ومدن إستراتيجية من عدمه، على المقدار الذي ستناله قوات النظام من دعم ومساندة من الروس والإيرانيين، وإلا فلن يكون قادرا بمفرده على التصدي قانعا بالحفاظ على ما تبقى من قواته في العاصمة ووسط سوريا، ومحاولا جعل هجمات فصائل المعارضة ذريعة للنأي بنفسه عن الانخراط في جولة صراع مسلح ضد إسرائيل مدفوعا من الحلفاء المدعومين من طهران.

العرب




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية