هناك الكثير من الأسباب التي تدعو للقلق بِشَأن عام 2018 ولكنْ، من أجل روح أفضل تناسب قُدُوم عام جديد وبداية جديدة، دعونا نبدأ بالتفاؤل.
على الرغم من جميع المصاعب التي يمكن التنبُّؤ بها - الصواريخ الكوريَّة الشماليَّة والصراع والجوع والفقر والهجرة والتغيُّر المناخيّ والرئيس الأميركيّ والبيت الأبيض الأكثر غرابة في الذاكرة الحيَّة -، يستهلُّ العالم عام 2018 من الناحية الإحصائيَّة وهو أكثر صحَّة وأغنى ممَّا كان عليه في كلِّ التاريخ البشريّ. فالتطوُّرات العلميَّة سوف تجلب علاجات جديدة للأمراض التي عصفت بالبشرية لعدَّة قرون. والتكنولوجيات الجديدة سوف تدهشنا. وبينما كانت تُعتبر المجاعات فيما مضى كوارث طبيعيَّة، فإنَّها في القرن الحادي والعشرين، في معظمها من صُنع الإنسان. وتلك، أيضاً، أنباء طيِّبة. لأنَّ المشاكل التي هي من صُنع الإنسان يمكن - على الأقل من الناحية النظريَّة - أن تُعالج من خلال حلول هي أيضاً من صُنع الإنسان.
لذلك، دعونا ننظُر ببعض التفاؤل إلى طاعون من صُنع الإنسان، لا ينفك يجلبُ البؤس للملايين، وسوف يستمر في عام 2018، لكنه يحتاجُ إلى أن يؤخذ ببعض التفحُّص. هذا الطاعون هو الإرهاب.
الإرهاب أسهم في تغيير العيش
قد يبدو من الغباء أن يقوم المرءُ بالبحث عن أي شيء متفائل يقوله حول الإرهاب. لأنَّه بينما تقرأون هذه المادة، تقومُ مجموعة إرهابية ضالَّة في مكان ما، من بوكو حرام في نيجيريا إلى الانفصاليين في الفلبين، ومن مدحوري تنظيم داعش المهزوم في الشرق الأوسط إلى رفاقهم في أوروبا والولايات المتحدة، بالتخطيط لفظاعتها القادمة.
إنَّ وجود هذه الجماعات الإرهابية يُخيفنا جميعاً، وهو أسهم أيضاً في تغيير طريقة عيشنا. سابقاً، كان هناك عصر أكثر سعادة للمسافرين عبر الجو، حيث يقوم الركاب بإنهاء إجراءات فحص أمتعتهم والمضي إلى متن الطائرات بدون التعرُّض لماسحات الأجسام، وخلع قطع من الملابس أو الأحذية، والتخلي عن زجاجات المياه. إنَّ هذه العَرَاقيل التي تهدف إلى مكافحة الإرهاب أصبحت الآن عادية وبسيطة. وفي لندن ونيويورك وباريس وأماكن أخرى، غيَّر الإرهاب حتَّى طريقة السير وركوب الدراجات والقيادة، حيث هناك حواجز معدنية على الجسور وحول الأماكن التي قد يستخدم فيها إرهابيّ شاحنة كسلاح لاقتحام ممرات للدراجات أو لمهاجمة مشاة في طريقهم إلى العمل.
لابُدَّ من القبض على الإرهابيين أو قتلهم وهزيمة أفكارهم وإظهار أحلامهم على أنَّها أيديولوجيات لا معنى لها
ومع ذلك، فإنَّ الحقائق الموثَّقة يجب أن تحرِّرنا من الخوف. لقد غرَّدت النجمة التلفزيونيَّة كيم كارداشيان مؤخراً بأنَّ عدد الأميركيين الذين يُقتَلون كل عام في المتوسط بسبب آلات قطع العشب (69) أكبر من عدد هؤلاء الذين يجري قتلهم على يد متطرفين مولودين في الخارج (اثنان). وهذا الإحصاء جرى تقريظه من قِبل الجمعيَّة الإحصائيَّة الملكيَّة البريطانيَّة؛ لأنَّه - كما تفعل كل الإحصاءات الجيدة - يوفِّر إحساساً بالمنظور والسياق عوضاً عن التخويف المحض. وقد قدَّم المؤرِّخ يوفال نوح هاراري دَعْوَى أوسع في كتابه الأخير: الإنسان الأعلى Homo Deus، مشيراً إلى أنَّه في عام 2010 قتلَ الإرهاب 7697 شخصاً في أنحاء العالم، معظمهم في الدول الفقيرة أو النامية، بينما توفي ثلاثة ملايين نتيجة للسمنة.
واستنتج هاراري أنَّه "بالنسبة إلى الأميركي أو الأوروبي العادي، فإنَّ الكوكا كولا تشكِّل تهديداً أكثر فتكاً من تنظيم القاعدة".
المغالاة في الحديث حول التهديد الإرهابي
بطبيعة الحال، تحتاج الحكومات إلى حماية مواطنيها من الناس الذين يصدِّرون العنف والشر، لكن المغالاة في الحديث حول التهديد الإرهابي ليست مثمرة. لقد شهدت روسيا والولايات المتحدة وكثير من دول أوروبا والشرق الأوسط وباكستان وأفغانستان والهند والصين وتركيا والعديد من الدول الأخرى نشاطاً إرهابياً في العام الماضي. ويجب علينا الاستعداد للمزيد من الهجمات في سائر أنحاء العالم هذا العام.
ومع ذلك، فإنَّ معظم الناس والحكومات، في معظم المناطق، في صون وأمان إلى حد كبير. ولهذا، في عام 2018، دعونا نأخذ نفساً عميقاً ونحاول التفكير بوضوح. بعيداً عن الخطاب السياسي، هذه ليست حرباً. والإرهابيون ليسوا جنوداً. إنَّهم مجرمون مغرورون ومسلحون، وكثيراً ما يكونون غير متوافقين مع محيطهم، وهم أيضاً متعاطو مخدرات، وفَشَلة، ويُخفقون في كل مجال من مجالات المساعي الإنسانية، إلا المقدرة على قتل أشخاص أبرياء مطمئنين وغير مسلحين.
لدينا الكثير من الوقت للتفكير في الأخبار السيئة لكن هزيمة الإرهاب قد تكون من بين أفضل الأخبار
ولابُدَّ من القبض على الإرهابيين أو قتلهم، وهزيمة أفكارهم، وإظهار أحلامهم على أنَّها أيديولوجيات لا معنى لها، وإظهار تفاهة رؤيتهم السياسية. نعم، يُمثِّل الإرهابيون مصدر إزعاج خطير - ولكنَّهم ليسوا تهديداً وجودياً. والإرهاب نفسه هو شكل من أشكال المسرح العنيف. فالإرهابيّ يقتلُ بعض الضحايا غير المحظوظين لهدف واحد: الأمل في أن يكون مئات الملايين مِنَّا - على نحو جلي - مرهوبين.
لقد التقى الصحافيّ الفلسطينيّ عبد الباري عطوان بأسامة بن لادن، في كهفه في أفغانستان قبل هجمات 11 أيلول (سبتمبر)، وكتب فيما بعد كتاباً عن تنظيم القاعدة. وأخبرني عطوان أنَّ التنظيم، خاصَّة أيمن الظواهريّ مُساعد بن لادن المُقرَّب، يفهمُ ببراعة الطريقة التي تعمل بها الديمقراطيَّات الغربيَّة.
"أوكسجين الدِعاية"
كان أكبر ما لديهم من الأمل أن يقوموا باستفزاز البنتاغون ووسائل الإعلام الأمريكية لتزويدهم بما نعتته رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت تاتشر بـ"أوكسجين الدِعاية" من أجل تعزيز مكانة تنظيم القاعدة بين الأتباع المحتملين. وعلى المدى القصير، نجحوا في إثارة الرعب والخوف فينا جميعاً. لكن بن لادن أدار تنظيمه من كهف، وليس قصر. وغالباً ما يستخدم المهاجمون الإرهابيون في البلدان المتقدِّمة السكاكين والشاحنات؛ لأنَّه من الصعب عليهم الحصول على أسلحة أخرى.
سوف يكون لدينا الكثير من الوقت للتفكير ملياً في الأخبار السيئة لعام 2018. لكن هزيمة الإرهاب قد تكون من بين أفضل الأخبار. ويكمن السر بالنسبة إلينا جميعاً، ليس فقط الحكومات وإنما المواطنين كافّة، في التحلي بالهدوء والعزيمة. وأياً كان الاستفزاز، يجب علينا أن نرفض أن نكون مرهوبين، وألا نعارض فقط الأيديولوجيات الشريرة، بل أن نتذكر أيضاً أن نصفها بدقَّة وبما هي عليه فعلاً، وأن نتذكر دائماً أنَّ الإرهابيين يختارون العنف ليس لأنهم أقوياء ولكن لأنهم ضعفاء.
غافن إيسلر، ذي ناشونال