
مازال مصير المقاتلين التونسيين الذين انضموا إلى التنظيمات المتشددة في سوريا غير واضح، خصوصا بعد تنصيب أحمد الشرع رئيسًا جديدًا للمرحلة الانتقالية في سوريا، فيما يتواصل تصاعد القلق في تونس من احتمال عودة هؤلاء المقاتلين، وتأثيرهم على الأمن القومي للبلد.
قلق يثير تساؤلات حول الوضع الأمني لهذه العودة المحتملة على الوضع الداخلي في تونس، خصوصاً في ظل التجربة السابقة مع الإرهابيين العائدين من مناطق النزاع. وتركزت النقاشات في تونس، على التدابير الأمنية والآليات القانونية اللازمة لمواجهة هذه المخاطر.
وخلافا لبعض الدول العربية، لم ترسل تونس أي رسالة تهنئة إلى الشرع، ولم يُجرى أي اتصال هاتفي رسمي بين المسؤولين.
ورغم أنه بعد 11 عامًا من القطيعة
وقد عادت العلاقات الدبلوماسية بين تونس وسوريا في نيسان / أبريل 2023، وكان التعاون في مجال مكافحة الإرهاب أبرز القضايا ذات الاهتمام المشترك بين البلدين، فإن تولي أحمد الشرع زمام السلطة في سوريا أثار تساؤلات في الأوساط التونسية بشأن مصير هذا التعاون، ومدى تجاوب الشرع مع السلطات التونسية في الملفات المتعلقة بالمقاتلين التونسيين في سوريا.
في السياق، رجح المحلل السياسي، خالد كرونة، طيّ صفحة التنسيق الأمني التي فتحتها السلطات التونسية مع نظام بشار الأسد بخصوص ملف المقاتلين التونسيين على الأراضي السورية مع تولي أحمد الشرع رئاسة البلاد في مرحلتها الانتقالية.
كما يتوقّع أن يتم "دفن" هذا الملف لعدة اعتبارات، أبرزها انضمام عدد من المقاتلين إلى جبهة النصرة، التي كان يقودها الشرع، قبل أن تتحول إلى هيئة تحرير الشام.
ويقول كرونة لموقع "الحرة" إن الخارجية التونسية تبدو متريثة في التعامل مع الحالة السورية شأن أغلب الدول العربية، وهي ستعمل، في تقديرنا، على تحقيق أعلى درجات التنسيق مع الجزائر، ليس فقط بسبب عمق الروابط، بل بسبب الاشتراك في المخاوف الطارئة من تداعيات التحولات في دمشق.
ويتابع في هذا الإطار بأن الجارة ليبيا لا تزال مثخنة بعد أن تحولت إلى منطقة استقطاب دولي، وباتت مبعث خطر على استقرار البلدين في حال اعتماد الإرهابيين أراضيها كقاعدة ارتكاز.
وتبعًا لذلك، يستبعد المتحدث أي تنسيق أمني تونسي محتمل مع الإدارة السورية الحالية، معللًا وجهة نظره بالقول: "إن أصحاب القرار هناك هم أنفسهم حماة الإرهابيين وقادتهم".
تولي أحمد الشرع زمام السلطة في سوريا أثار تساؤلات في الأوساط التونسية بشأن مصير هذا التعاون
وسبق للخارجية التونسية أن عدّلت في 9 كانون الأول / ديسمبر الماضي من موقفها تجاه الوضع في دمشق، واضعةً سلامة التراب والاستقرار السوري أولوية قصوى، بعد أن نددت قبل ذلك بأيام بما وصفته بـ "الهجمات الإرهابية على شمال سوريا".
ملف يتجاوز الشرع
في المقابل، يرى المحلل السياسي مراد علالة أن مصير ملف المتطرفين التونسيين في سوريا يتجاوز الشرع، الذي لا يملك سلطة القرار فيه، على اعتبار أنه جاء في سياق مشروع تتحكم في مجرياته قوى دولية نافذة في المنطقة، وكل القرارات التي لها أبعاد إقليمية ودولية ستكون محكومة بهذه القوى النافذة.
ويضيف علالة، في حديثه لموقع "الحرة"، أنه في حال "طلبت هذه القوى النافذة من الشرع أن يسلم أو يستلم الإرهابيين أو يراجع حساباته بشأن ملف الإرهاب، فإنه سينفذ ما يُطلب منه، فالقرار ليس بيده".
تونس رفضت عودة هؤلاء الإرهابيين
مختار بن نصر، الرئيس السابق للجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب، أكد أن الجماعات الإرهابية المتورطة في أعمال إرهابية تشكل تهديدًا مستمرا، سواء لدولها الأصلية أو لبقية الدول. وأوضح أن هذا الملف كان موضوعًا للنقاش على مستوى الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية حتى قبل سقوط النظام السوري، حيث تم طرح إمكانية عودة هؤلاء الإرهابيين إلى بلدانهم.
وأشار بن نصر، في لقاء مع إذاعة "موزاييك" التونسية، إلى أن تونس كانت من بين الدول التي رفضت عودة هؤلاء الإرهابيين، رغم وجود مقترحات لإعادة تأهيلهم بهدف إعادة إدماجهم في المجتمع.
وأضاف أن التوجه التونسي في التعامل مع الإرهابيين العائدين يعتمد على الإجراءات القضائية فقط، حيث يتم محاكمة من ثبت تورطه في أعمال إرهابية، بينما ربما يتم التفكير في إعادة تأهيل من لم يثبت تورطه. وشدد على أن هذه الجماعات تمثل تهديدًا حقيقيًا نظرًا لعدد أعضائها الكبير، لافتًا إلى أن سوريا ستضطر إلى طرد العديد من الإرهابيين مع عودة اللاجئين السوريين بعد سقوط نظام بشار الأسد.
ودعا بن نصر إلى ضرورة اليقظة الأمنية والعسكرية في هذه المرحلة، مؤكدًا أن السلطات التونسية قد اتخذت تدابير احترازية، بما في ذلك تعزيز اليقظة الأمنية ومراقبة الحدود، منذ فترة طويلة، وهو ما يتطلب متابعة مستمرة من قبل الأجهزة الأمنية لضمان سلامة البلاد.
وتحدث عن جهود اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب في هذا الصدد على مستوى التوقي من التطرف العنيف ومحاربة الاستقطاب من خلال وسائط التواصل الاجتماعي وحتى عبر الخطاب البديل في المساجد.
ودعا، في السياق ذاته، إلى ضرورة اليقظة على مستوى وزارة تكنولوجيات الاتصال لمراقبة أي تحركات محتملة إضافة إلى تكثيف المراقبة عائليا ومجتمعيا للتفطن لأي أعمال استقطابية أو استمالية.
أعداد كبيرة
كما تشير تقديرات رسمية في تونس إلى التحاق نحو ألف شخص، توجد أسماؤهم في سجلات وزارة الداخلية التونسية، ببؤر القتال في سوريا منذ عام 2012، لكن تقارير أمنية أخرى تحدثت لاحقا عن عودة المئات إلى تونس وإيداع عدد منهم السجون فيما جرى إخضاع آخرين إلى الرقابة الإدارية والأمنية وإجراءات المنع من السفر.
وقد قدر الباحث في معهد واشنطن، مؤلف كتاب المقاتلون الأجانب التونسيون في العراق وسوريا، هارون زيان، عام 2018 عددهم بـ 2900 شخص.
يذكر أن السلطات الأمنية التونسية منعت نحو 27 ألف شاب من الالتحاق بالتنظيمات الإرهابية بعدد من بؤر التوتر بينها سوريا.
وبحسب تحقيقات رسمية، فإن حركة النهضة الإخوانية -حين كانت بالحكم- لعبت دورا رئيسيا في تسهيل عبور الإرهابيين من مطار قرطاج، إضافة إلى تدريب عدد من الشباب على استعمال الأسلحة في 3 مراكز تابعة لوزارة الداخلية، وتمرير حقائب من الأموال.