الإخوان ونهاية تاريخ مصر

الإخوان ونهاية تاريخ مصر


10/07/2021

وليد فكري

ما أن أطيح بحكم جماعة الإخوان الإرهابية حتى ظهرت حقيقتهم كأناس لا يعترفون بالوطن الذي طالما تظاهروا بترديد شعاراتهم المبشرة كذبًا بحمل الخير له والمنذرة حقيقةً بما تكنه صدورهم من أن لا ولاء منهم إلا لجماعتهم المتطرفة.

فالمطالع لمنشوراتهم وكتاباتهم على مواقع الإنترنت لا يجد سوى حقدًا ودعاءً بالشر والخراب لمصر فقط لأنهم ليسوا من يمسكون بحكمها... وتراهم عند كل خطر يهدد مصر أو ابتلاء تتعرض له يهللون ويصيحون بأن هذا هو "الانتقام الإلهي" أو تراهم يتوعدون المصريين بسوء العاقبة!

وكأنما ينظر هؤلاء للإطاحة بهم عن حكم مصر أنه "نهاية تاريخ مصر".

والمضحك أن من أنشط المروجون لتلك الفكرة المتهافتة هم ممن يدعون لأنفسهم صفة "المؤرخين"، كالإخواني الهارب محمد إلهامي الذي تمتلئ صفحته الرسمية بالمنشورات التي تنز حقدًا خبيثًا على مصر دولةً وشعبًا، خاصة في ظل أزمة سد النهضة الذي يمثل تهديدًا وجوديًا لمصر كلها!

تعال يا إلهامي يا مدعي العلم بالتاريخ أحدثك عن البلد الذي لا يشرفه انتماءك له.. فمصر التي تعد-بحق-أقدم دولة موحدة ثابتة على إقليمها في التاريخ الإنساني يبلغ عمرها نحو 5200 سنة.. عاصرت خلالها 30 أسرة مصرية قديمة، وأسرة بطلمية متمصرة، واحتلالين روماني ثم بيزنطي، وحكمًا عربيًا لخلافات راشدة وأموية وعباسية وفاطمية، وأسرًا تركية متمصرة كالطولونيين والأخشيديين ومماليك العصر المملوكي الأول وكردية مستعربة في العصر الأيوبي وجراكسة متمصرون في العصر المملوكي الثاني، واحتلالًا عثمانيًا ثم فرنسيًا ثم أسرة ألبانية الأصل متمصرة-أسرة محمد علي باشا-واحتلالًا بريطانيًا وحكمًا ملكيًا شبه مستقل ومجلس قيادة عسكري بعد يوليو 1952 وأربعة رؤساء جمهورية قبل 25 يناير 2011 ومجلس عسكري بعد نفس التاريخ وحكم جماعة الإخوان الإرهابية حتى 30 يونيو 2013 ورئاسة مؤقتة تلتها الجمهورية الجديدة برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ 2014

أكثر من 600 حاكم تربعوا على كرسي حكم مصر بين ملوك وولاة وأمراء وسلاطين ورؤساء جمهورية... أكثر من محتل حسب أنه قد أخضعها بين هكسوس وأشوريين وفُرس ورومان وبيزنطيين وعثمانيين وفرنسيين وإنجليز.. حاربتها دول وقبائل إمبراطوريات مثل الماشوش والتحنو والتمحو (ليبيا القديمة) والحقا خاسوت (الهكسوس) والبلست والشردان (شعوب جزر البحر المتوسط) وقبائل الشاسو (البدو الساميين) ودول ميتاني (شمالي سوريا وأطراف العراق) وخيتا (الحيثيين في جنوب الأناضول) ومتمردي كوش (النوبة) وممالك أشور وبابل وفارس والسلوقيين والرومان والبيزنطيين والفرنجة ونورمان صقلية والمغول وفرنجة قبرص وتركمان الأناضول والعثمانيين والفرنسيين والإنجليز والإسرائيليين والتنظيمات الإرهابية كالقاعدة وداعش والإخوان.

تعرضت مصر على مر تاريخها لنكبات وتهديدات مروعة، كادت أن تفقد وحدتها في عصر الاضمحلال الأول في نهاية الدولة القديمة من التاريخ المصري القديم والذي اختتم بثورة مدمرة ثم أعاد منتوحتب بعث حضارة مصر لتبدأ عصر دولتها الوسطى العظيمة... انتهى ذلك العصر بملوك ضعفاء فقدوا استقلال مصر لصالح قبائل الهكسوس وحسب الجميع إنها النهاية ثم قام الملوك العظام سقنن رع وكاموس وأحمس بنفض الغبار عن روح المقاتل المصري وطردوا المحتل وأسسوا لعصر الدولة الحديثة وبداية عصر السيادة العالمية المصرية من شلالات النيل في الجنوب إلى جنوبي الأناضول وشرقي المتوسط.

تعرضت تلك السيادة لهزة عنيفة خلال حكم أخناتون فهب الملوك المحاربون من بعده حورمحب وسيتي الأول ورمسيس الثاني ومرنبتاح الأول لاسترداد مكانة مصر العالمية.

انتهى عصر الدولة الحديثة بفوضى الحكم وغزو الأشوريين ثم الفرس فحسب الجميع أنها النهاية لكن البطالمة جاءوا فتمصروا ودخلوا بمصر في مرحلة جديدة من الحضارة.

انتهى عصر البطالمة باحتلال روماني غاشم تلاه حكم بيزنطي جائر وحورب المصريون في دينهم ومذهبهم لكنهم صمدوا وأقاموا رغم أنفا النسر الروماني والإمبراطور البيزنطي حضارة قبطية عظيمة قاوموا فيها وهم عُزل محاولات المحتل للقضاء على هويتهم.

انضوت مصر تحت الحكم العربي الإسلامي لتبدأ مرحلة جديدة من حضارتها في ظل الخلافات الراشدة والأموية والعباسية ثم دخلت في فوضى الحكم وصراعات الولاة والقادة بسبب ضعف سلطة الحكم العباسي فجاء أحمد بن طولون ليقيم فيها دولة قوية ناطحت القوى العظمى في عصره.

انهارت تجربة ابن طولون بعد موته ودخلت مصر في الفوضى من جديد حتى مرت بمرحلة هدوء نسبي في القسم الأول من الحكم الفاطمي الذي ابتليت مصر فيه بمجاعة مرعبة في عهد المستنصر ثم  فوضى حكم بين فئات جند متصارعة ووزراء متحاربون وآخرون خونة انبطحوا أمام المحتل الفرنجي حتى شوهدت راياته على مشارف القاهرة فقيّض الله الأيوبيون لرد المعتدين وبعث القوة المصرية.

انتهى العصر الأيوبي بمحاولة غزو فرنسية وتهديد مغولي حتى حسب الجميع أن تلك هي النهاية لكن المماليك تسلموا راية الجهاد وأقاموا إمبراطورية ممتدة من غربي مصر إلى جنوب شرقي الأناضول مركزها القاهرة التي صدت الفرنجة والمغول وحمت أمن المنطقة واستقبلت الفارون من اضطهاد الإسبان في الأندلس ومذابح المغول في العراق والشام فصارت القاهرة درة الحضارة الإسلامية.

شاء القدر أن يتربع على عرش مصر في أواخر العصر المملوكي سلاطين ضعاف متهافتون وأن يجتاح طاعون الاحتلال العثماني مصر ويجعلها مجرد إيالة (ولاية) يتسلط عليها باشوات متخمون فسدة ينشرون بشكل ممنهج الفقر والجهل والمرض وانتهى ذلك العصر باحتلال فرنسي غاشم بقيادة نابوليون بونابارت فقيض الله لمصر محمد علي باشا الذي بعث من الركام حضارة مصر وبدأ عصرها الحديث

تسببت سياسات حفيده إسماعيل وابنه توفيق في احتلال بريطانيا لمصر حتى هب الشعب المصري في 1919م وما بعدها من نضال وطني لطرد المحتل انتهى بقيام جمهورية مصرية وطنية تآمر عليها المستعمر فحاول إجهاضها في عدوان ثلاثي سنة 1956م فضرب المصريون أعظم أمثلة المقاومة حتى أجبروا المحتلين على الجلاء.

تعرضت مصر لنكسة في 1967 فأعلن المصريون نفير الكفاح حتى حققوا نصر 6 أكتوبر 1973.

مرت مصر بمرحلة الجمود في النصف الثاني من عهد حسني مبارك فهب المصريون في 25 يناير 2011 لإعلان التغيير.

دخلت البلاد في مرحلة الفوضى التي انتهت بتسلط جماعة الإخوان لكن الشعب هب مرة ثانية فاجتث ذلك الورم الخبيث قبل أن يستشري.. وها نحن الآن نؤسس لدولة جديدة وبشائر حضارة تستحق الإعجاب.

كل هذا التاريخ من التعرض للمحن والكبوات والابتلاءات والتحديات، ويعتقد الإخوان أن أزمة سد النهضة ستكون هي الضربة القاضية التي يتمنونها بنفسياتهم المريضة لمصر فقط لأن فرصة حكمهم لها قد ضاعت منهم!

نحن "مصر" يا إلهامي! صمدنا أمام كل تلك المحن، فهل ترانا نهتز أمام تحدٍ واجهنا على مر تاريخنا ما هو أخطر منه؟ وهل ترانا ننتظر إنذارًا بالخراب من جماعة ابنة الأمس القريب تاريخها ما هو إلا سلسلة من الخيبات والولولة والبكاء؟

ولكن ما المتوقع من أناس ينتمون لجماعة قال مرشدها يومًا "طظ في مصر

وللحديث بقية

عن "سكاي نيوز عربية"

الصفحة الرئيسية