الإخوان وداعش.. تقاطعات الفكر وممارسات العنف المقنن

الإخوان وداعش.. تقاطعات الفكر وممارسات العنف المقنن

الإخوان وداعش.. تقاطعات الفكر وممارسات العنف المقنن


23/04/2025

رغم اختلاف الخطاب العلني والوسائل المعتمدة، تجمع جماعة الإخوان المسلمين وتنظيم داعش جذور فكرية وأهداف استراتيجية متقاربة، فكلا التنظيمين ينطلقان من مرجعية أيديولوجية واحدة تسعى لإقامة "دولة الخلافة" على أنقاض الدول الوطنية. 

كما يشتركان في توظيف الدين لتحقيق غايات سياسية، ويعتمدان مبدأ "التمكين" كمرحلة تأسيسية لتغيير المجتمعات من الداخل، وبالرغم من تباين الأساليب بين الدعوي والمسلح، واجتماعهما حول مبدأ العنف في بعض المحطات، فإن الحصيلة واحدة: تفكيك المؤسسات، تقويض الاستقرار، وتهديد قيم التعايش والدولة المدنية.

هذا التشابه الأيديولوجي بينهما يجعل مثل هذا التحالف ممكنًا إلى حد كبير؛ لأن ما يميِز المجموعتين هو الطريقة التي تستخدمان بها التكتيكات المختلفة، فيما تبقى الأيديولوجية الإخوانية أساسًا للفكر والعمل الإرهابي، والرابط المشترك الذي يوحدهما.

وقد أثار الاعتماد على العنف، من وجهة نظر كل منهما باسم “الجهاد”، باعتباره الوسيلة الوحيدة للوصول إلى السلطة واستعادة “الخلافة”، قلقًا بالغًا في الدول الإسلامية، وأوجد الكثير من التوترات على مستوى الأمن والاستقرار، وكذلك حدود العلاقات الاجتماعية بين مكونات المجتمعات الإسلامية.

كلا التنظيمين ينطلقان من مرجعية أيديولوجية واحدة تسعى لإقامة "دولة الخلافة" على أنقاض الدول الوطنية

وهو ما تطرقت لها دراسة حديثة نشرها "مركز تريندز للبحوث والاستشارات"، بعنوان ما يجمع الإخوان المسلمين وتنظيم “داعش”، تضمنت أوجه التشابه بين التنظيمين من حيث المبادئ الأيديولوجية، وتأثر “داعش” بجماعة الإخوان المسلمين، والدور الذي يلعبه كل منهما في المدن والصحاري وساحات العنف، وفق ما تعدّانه ساحات الجهاد والسياسة لاستعادة ما يسميانها “الخلافة الإسلامية”. 

الدراسة لفتت إلى تشابه البنيان الأيديولوجي بين جماعة الإخوان وتنظيم “داعش”، سواء من حيث الأهداف أو الوسائل، بحيث إن تصرفاتها، وفقًا لمتطلبات المراحل التاريخية ومعطياتها المنهجية، توحّد جوهر الجماعتين؛ ولذلك يتم شرح العلاقة بينهما على النحو التالي

في الأصل العقائدي

تجمع بين جماعة الإخوان وتنظيم “داعش”، أيديولوجية دينية وسياسية تتجاوز الحدود الوطنية، وتستند إلى الاعتقاد بضرورة هيمنة المسلمين على غير المسلمين “الكفار” أينما كانوا، وشرعية استخدام العنف من أجل تطبيق الحدود والقصاص في البلدان الإسلامية.

يضاف إلى ما سبق اعتقادهما بأن النهج الحضاري لمفهوم الدولة القومية هو محاولة غربية لزرع بذور الانقسام والفرقة بين المسلمين، ابتداءً من اتفاقية سايكس-بيكو عام 1916، التي قسّمت الشرق الأوسط بين بريطانيا وفرنسا، كمناطق نفوذ، وانتهاء بالتدخل الغربي في المنطقة بشكل عام. ولذلك، أعلن تنظيم “داعش”، عقب استيلائه على الموصل، أن “عصر سايكس-بيكو قد انتهى”.

أعلن تنظيم “داعش”، عقب استيلائه على الموصل، أن “عصر سايكس-بيكو قد انتهى”

في الحاكمية وخطة الخلافة

واعتبرت الدراسة أن مفهوم الحاكمية الدينية، من وجهة نظر جماعة الإخوان، وكذلك تنظيم “داعش” المنبثق عنها، فكرة مشتركة، حيث إنهما يعدّان “دولة الخلافة” جزءًا من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة، بحيث يُعدّ إنكارها كفرًا وخروجًا عن ربقة الإسلام.

 وبذلك، فإن جوهر أيديولوجية “داعش”، التي تسعى لإقامة خلافة عالمية، وتجميع مسلمي العالم تحت مظلة واحدة، مستوحاة من أيديولوجية الإخوان التي تقول “إن الإخوان المسلمين يضعون مفهوم الخلافة والعمل على إعادتها في مقدمة خططهم”.

وبما أن المسلمين لم يتحركوا لإعادة “الخلافة” بعد سقوطها، وقبلوا بسيادة الحكومات الوطنية، بل وحققوا النمو والتطور في ظلها، وشاركوا في كثير من الأحيان في انتخاب الحاكم، وسنّ القوانين، وفقًا لحاجات مجتمعاتهم، فإن هذا القبول والرضا يُعدان كفرًا من وجهة نظر الإخوان و”داعش” معًا. وفي هذا الصدد، فإنهما لا يترددان في التعامل معهم باعتبارهم كفارًا، وفقا لما أوردته الدراسة.

كما يمتد ارتباط “داعش” بأيديولوجية الإخوان ليشمل المنطلقات الفكرية الأخرى، ووسائل العمل ومناهج التغيير، من أجل استعادة الخلافة، ومنها اتخاذ الإخوان رمز السيفيَن المكتوب في وسطهما كلمة “وأعدوا” شعارًا ورمزًا لهم لإعلان هذا التغيير القسري الذي لا تفسير له إلا استحضار العنف لتحقيق هدفه، وأخذ البيعة للجماعة على المصحف والسيف؛ والذي رفع حسن البنا اللثام عن المقصود منه بقوله: “إن الإخوان المسلمين سيستخدمون القوة العملية حيث لا يُجدي غيرها، وحيث يثقون بأنهم قد استكملوا عُدة الإيمان والوحدة، وهم حين يستخدمون هذه القوة سيكونون شرفاء صرحاء وسيُعذرون أولًا، وينتظرون بعد ذلك ثم يُقدِمون..”.

يشتركان في توظيف الدين لتحقيق غايات سياسية ويعتمدان مبدأ "التمكين" كمرحلة تأسيسية لتغيير المجتمعات من الداخل

في التكفير

هذا، ولفتت الدراسة إلى أن علاقة “داعش” بالإخوان تتسم بالعنف المسلح في إطار رؤية الإخوان الفقهية على “الفرضية العينية” للجهاد من حيث الوجوب، واستمراره إلى يوم القيامة من حيث المدة، وانتقال فضاءات تطبيقه من “مواجهة العدو في الخارج” إلى “عدو موجود في الداخل”؛ ما يعني أن فكرة التغيير المسلح لم تكن مستبعدة لدى الإخوان أبدًا. 

وما منع من إعلانها على طريقة “داعش” هو فقط عدم توافر الظروف اللازمة، التي يؤكدها خطاب حسن البنا لأتباعه بصدد ضرورة قيامهم بالجهاد، قائلًا “أن تكون جنديًّا لله تقف له نفسك ومالك لا تُبقي على ذلك من شيء، فإذا هُدد مجد الإسلام وديست كرامة الإسلام، ودوّى نفير النهضة لاستعادة مجد الإسلام كنت أول مجيب للنداء وأول متقدم للجهاد”.

كما أن جماعة الإخوان، باعتبارها بؤرة الإنتاج الإرهابي الرئيسية، لا تدخر جهدًا في القضاء على الفكر الليبرالي ومعارضيها الفكريين بالقوة، وذلك من خلال وضع مفاهيم العلمانية والإلحاد والكفر في سياق دلالي واحد.

في نهج العنف وتبادل الأدوار

ترجمت الجماعة، بحسب الدراسة، فكرة التغيير العنيف عمليًّا بإنشاء التنظيم الخاص (الذي نفذ عمليات اغتيال منذ عام 1949)، ثم تطورت الفكرة في مرحلة لاحقة على يد سيد قطب، ولم تعد مقتصرة على الحكومات، بل شملت المجتمعات أيضًا، حيث طور الأخير مفهوم الحاكمية (نادى به أبوالأعلى المودودي) وأضاف إليه مفاهيم الجاهلية، والعبودية، والألوهية، وغيرها.

 أبوالأعلى المودودي

فقد أكد تنظيم “داعش” تمسكه بهذه المبادئ، قائلًا: يعدّ داعش نفسه من الحركات الإسلامية/الإسلاموية القليلة التي تمتلك عقيدة شاملة، لا خلل في بنيانها، ولا سوء في تطبيقها، فيما يتهم باقي الحركات الإسلاموية التي تزعم السعي لإقامة الدين والتمكين له في الأرض بأن “أحد أهم أسباب فشلها هو إما فقدان العقيدة، أو لخلل بها، أو للفشل في إقامة بنيان الصراع على أساسها”.

في تحديد مفهوم المواطنة

وفقا لما ورد بالدراسة فإن أيديولوجية الإخوان و”داعش”، المرتكزة على الأشكال المهيمنة للإسلام، تلعب دورًا حاسمًا في تشكيل مفهوم المواطنة من وجهة نظرهما، حيث يشتركان في النظرة لمفهوم “الوطن” والعلاقة مع “الآخر غير المسلم” في إلغاء الهوية الوطنية، وإعطاء الأولوية للأمة (جماعة المؤمنين بحسبهم). 

فجميع أفراد الجماعتين ينادون بأخوة العقيدة التي تتجاوز المواطنة، ويرون أن وطن المسلم هو دينه، وأن حرمة إراقة الدماء في البلاد الإسلامية تقتصر على دماء المسلمين فحسب.

وهي الرؤية التي تجمع بين الإخوان و”داعش” في اختزال الحياة الاجتماعية والسياسية إلى حياة دينية، تختلط فيها الحدود بين الديني والدنيوي، وذلك عندما أفتى مجلس الهيئة الشرعية والفقهية للإخوان المسلمين في سوريا (بصدد هجرة السوريين إلى الدول الغربية) بقوله: “إن الخروج طوعًا من دار الإسلام إلى دار الكفر من كبائر الذنوب، لأنه يؤدي إلى الكفر”؛ ما يُظهر تماهي موقف الإخوان مع “داعش” تجاه اقتصار مفهوم المواطنة على وحدة الدين.

الآليات السلوكية والعملية للوحدة الأيديولوجية

أكدت الدراسة أن أيديولوجية داعش “الجهادية” تشكلت على أساس كتابات سيد قطب من جماعة الإخوان المسلمين، خاصة على تفسيراته الحركية لآيات القرآن الكريم “في ظلال القرآن”، وكتابه “معالم في الطريق”، حيث قال إن العالم كله، بما في ذلك الدول الإسلامية، كان أسيرًا للجهل الجاهلي، وإن الأقلية من المسلمين الحقيقيين كانت مسؤولة عن إعادة نور الإسلام إلى العالم من خلال الحركة الثورية.

علاقة “داعش” بالإخوان تتسم بالعنف المسلح في إطار رؤية الإخوان الفقهية على “الفرضية العينية” للجهاد من حيث الوجوب

 وكذلك، واصل عبدالله عزام، المُنظِرالإخواني (فلسطيني قُتل عام 1989 في باكستان) نهج سيد قطب، واعتباره “الجهاد” كالصلاة والصيام من أركان الدين الإسلامي، الذي لا يكتمل إيمان المرء إلا بالاعتقاد به وبممارسته.

وبذلك، فإن الجماعة، وعبر عقود من سنوات عملها السري والعلني، هي الأصل في الإرهاب الإسلاموي. وليس “داعش” والجماعات الإسلاموية والتنظيمات الإرهابية، بغض النظر عن مذهبها الديني وأهدافها السياسية، إلا فروعًا تدين بالولاء العقائدي والتاريخي لذلك الأصل.

 يعني ذلك أن جماعة الإخوان، باعتبارها أمّ الجماعات الاسلامویة، لديها فصائل ومجموعات، بعضها یرتدي رابطات العنق، وبعضها أحزمة ناسفة، وهما وجهان لعملة واحدة لا يختلفان بتاتًا حول الأهداف إلا في الطريقة.

كما أن العلاقة بين مصادر تمويل الإخوان و”داعش” ليست خفية، بل هي واحدة أحيانًا، فإنه يتبين بنظرة بسيطة أن توفير وسائل الحرب والتخريب ونقل الأفراد والجماعات من مكان إلى آخر يتطلب مبالغ ضخمة من المال، يعجز الأفراد عن توفيرها. ومن الواضح أن الإخوان و”داعش” حاولا إنشاء شركات ومؤسسات ربحية لتحقيق أهدافهما المالية، بل وصل بهما الأمر أحيانًا إلى اللجوء إلى أجهزة استخبارات دول أجنبية لتمويل مشاريعهما التدميرية.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية