الإخوان في تونس... لعبة الابتزاز والتشويه لضرب مؤسسات الدولة

الإخوان في تونس... لعبة الابتزاز والتشويه لضرب مؤسسات الدولة

الإخوان في تونس... لعبة الابتزاز والتشويه لضرب مؤسسات الدولة


20/04/2025

منذ العام 2011 لم تكفّ حركة النهضة "فرع إخوان تونس" عن ممارسة الأداءات السياسية ذاتها، وتتبنّى الاستراتيجيات والمناورات التكتيكية التقليدية، بداية من الاستقطاب الإيديولوجي العنيف وتشكيل أفخاخ عديدة وملغمة ليدخل المجتمع التونسي أو بالأحرى يسقط المجال العام في دوامة وموجة عنف، مروراً بالبحث عن وسائط ومسارات التمكين والتغلغل، وحتى تبديد كل الفرص السياسية لمستقبل ديمقراطي مدني. 

بل إنّ محاولاتها البراغماتية للتعمية عن أفكارها الإسلاموية المتشددة، والاصطفاف مع الأجندة الإقليمية لهذا التيار، لم تصمد طويلاً أمام المقاومة العفوية والشعبية في تونس، ضد حكم "العشرية السوداء" وفترة الترويكا، واحتجاج قطاعات واسعة، لا سيّما من الكتل الاجتماعية التي تُعدّ حواضنهم، تحديداً الفئات الدنيا والمتوسطة من الطبقة الوسطى، وهي التي فقدت امتيازاتها، ووقعت تحت وطأة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية، وتدني القدرة الشرائية للمواطن. ويضاف إلى ذلك، العنف الذي شهدته البلاد، خاصة في المناطق الساحلية المتاخمة للحدود مع ليبيا، ودور النهضة في تسفير مقاتلين وتعبئة الشباب في التنظيمات الجهادية المسلحة ببؤر التوتر الإقليمية في سوريا مثلاً، ناهيك عن اغتيال القياديين اليساريين شكري بلعيد ومحمد البراهمي.

ازدواجية معتادة 

هذه الازدواجية ليست بجديدة على الحركة الإسلاموية، بل تكاد تكون صفة ملازمة لها في كل مراحلها، وفق الباحث التونسي فريد بن بلقاسم، الذي يقول: "الازدواجية تشكل إحدى الثوابت البنيوية سواء في مستوى الخطاب أو الممارسة، فحركة النهضة تتأرجح في مراحل كثيرة من تاريخها الممتد على أكثر من (5) عقود بين الظاهر والباطن وبين التصريح والإضمار وبين السلمية واللجوء إلى العنف بمختلف أشكاله، وبين العمل العلني والعمل السرّي". 

 الباحث التونسي: فريد بن بلقاسم

ويردف في دراسته بمركز (تريندز) المعنونة بـ "علاقة حركة النهضة بأنظمة الحكم في تونس منذ نشأتها إلى 2022": "ولا يخفى أنّ لهذه الازدواجية خلفية دينية تعود أساسًا إلى مفهوم التقية، وهو مفهوم يضفي الشرعية على سلوكها السياسي المتقلب لدى أنصارها، ويبرر به قادتها مواقفهم المتناقضة وتحالفاتهم المتغيرة. إضافة إلى أنّهم يعملون، في إطار ما يقولون إنّه إحياء للموروث الإسلامي، على ربط الحاضر بالماضي لتأكيد معنى استئناف التاريخ والتماهي مع الأسلاف وتوهم الاحتذاء بهم والسير على منهجهم، ويظهر ذلك في تبنّي منهج المرحلية في التعامل مع الآخرين سواء كانوا حكامًا أو قوًى سياسية أخرى، فيصورون أنفسهم بأنّهم يقتدون بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصحابته في سائر أطوار الدعوة الإسلامية من مكة إلى المدينة، وينسجون على منوالهم في التعامل مع المخالفين في صبرهم عليهم والاكتفاء بالدعوة أو في مهادنتهم أو في التحالف معهم أو في مجاهدتهم واستعمال العنف ضدهم".

بالتالي، عمدت الحركة الإسلاموية في تونس إلى تعقيد المشهد السياسي وتأزيمه في فترات عديدة، لجهة البحث عن التمكين أو استمرار النفوذ في السلطة، وكذا تعويم نفسها مع انحسارها، وسقوطها التام، إثر قرارات الرئيس قيس سعيّد الاستثنائية في تموز (يوليو) عام 2021، والتي انتهت بحلّ البرلمان، ثم توقيف عدد من قيادات (النهضة)، وبدء مسار قضائي لمحاسبهم ومساءلتهم السياسية والجنائية، وعلى رأسهم القيادي راشد الغنوشي. من هنا  انكشف الأداء الظاهري المؤقت والتلفيقي لحركة (النهضة)، وانحرافها عن المسار الديمقراطي، بينما سعت إلى أدوارها التخريبية مثلها مثل كل التنظيمات الإسلاموية بالإقليم، وكما حدث في مصر، حيث محاولة تقويض الدولة عبر الابتزاز السياسي، والاستقطاب الإيديولوجي، والتشهير بالخصوم السياسيين، ونشر الشائعات.

ويمكن القول إنّه منذ وصولها إلى الحكم، سعت حركة (النهضة) إلى التغلغل في مفاصل الدولة، خاصة في القضاء والإدارة والأمن، الأمر الذي يتجاوز المحاصصة وإدارة المناصب والحصول على حصة الأسد، إلى التمفصل السياسي والإداري المؤسساتي في الجهات التي توفر لها الحيازة والاستحواذ والهيمنة على القرار السيادي، ومن ثمّ إدارته وتطويعه بما يخدم أجندات الحركة. وكلما كانت حركة (النهضة) في قمّة هرم السلطة، عادت إلى سياسة الضغط والابتزاز، سواء بإفشال جلسات البرلمان أو فرض مطالب سياسية مستفزة، الأمر الذي برز مع الاستقطاب العنيف بين مؤسستي الرئاسة والبرلمان وهي على حافة الانهيار. ووصل الحال أن وضعت مسار الفوضى العنيف وتعميمه على المشهد السياسي والاقتصادي مقابل البقاء في السلطة.

سعت حركة (النهضة) إلى التغلغل في مفاصل الدولة، خاصة في القضاء والإدارة والأمن

القاعدة الخلفية للإخوان

من بين تكتيكات الحركة أنّها تشكل من خلال حلفائها الإسلامويين قاعدة خلفية لإدارة الأنشطة المشبوهة، مثل غضّ الطرف، في فترة حكومة علي العريض القيادي بالنهضة والموقوف حالياً، عن النشاط المحموم للمجموعات السلفية في أحياء ومناطق عديدة بتونس، وقدرتهم على جذب واستقطاب عناصر لصفوفهم، فضلاً عن تسفيرهم لمناطق القتال في تونس وليبيا. وكان تزايد النشاط السلفي وتفاقم التهديدات الإرهابية قد بلغ ذروته مع اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي. كما لم تتورع الحركة إثر انتخابات 2019 عن سحب الثقة من حكومة إلياس الفخفاخ، وإرباك الوضع السياسي والتهديد بالوصول إلى الحافة عندما لا تتمكن من فرض وكلائها أو تطويق الحكومة برؤيتها. وشهدت تلك المرحلة محاولات قصوى لسحب الثقة من الغنوشي.

كرّست النهضة، خاصة في خطاباتها السياسية والإعلامية، فكرة أنّ خصومها هم من "العلمانيين"، وهم أعداء للدين والهوية، ممّا فاقم الانقسام المجتمعي. وساهم الخطاب المؤدلج بحمولته الدينية المسيسة إلى تعميق الفجوة بين المواطنين، وذلك في محاولة لتشتيت التركيز عن القضايا الاقتصادية المأزومة والإخفاقات في تحقيق الوعود الانتخابية بالرفاه والعدالة السياسية والاجتماعية. 

ولهذا ليس جديداً أنّ الحركة الإسلاموية تتبنّى السياسات ذاتها، مع حادث انهيار سور معهد ثانوي بمدينة المزونة التابعة لمحافظة سيدي بوزيد (وسط غرب)، الذي قضى فيه نحو (3) طلاب، بحثاً عن فرصة استقطاب جديدة، أو وسيلة للهجوم على الحكومة. وخلال احتجاجات شهدتها المنطقة تنديداً بوضعية بعض المؤسسات التعليمية، حاول الإخوان الاندساس في الحشود، لكنّ الأهالي كانوا لهم بالمرصاد، وتمّ طرد اثنين من حركة النهضة الإخوانية لمنع أيّ استثمار سياسي في المآسي، وفقاً لما نقله موقع (العين الإخبارية).

وإثر الحادث التقى الرئيس التونسي رئيسة الحكومة سارة الزعفراني بقصر قرطاج، الثلاثاء الماضي، وطالب بضرورة "تحميل المسؤولية لكلّ من قصّر في أداء واجبه في حادثة المزونة". كما حثّ على التحسّب مستقبلًا من تكرار مثل هذه الحوادث الأليمة والإسراع بالقيام بأعمال الصيانة اللازمة لكلّ المؤسسات التربوية التي تستوجب وضعيتها ذلك. وأعرب سعيّد في بيان نشرته الرئاسة التونسية عن عظيم ألمه لحادث وفاة عدد من التلاميذ بمدينة المزونة بمحافظة سيدي بوزيد جراء انهيار الجدار.

وهذا السلوك يبدو متكرراً، وسبق أن حدث مماثله بالتزامن مع إعلان وزير الداخلية السابق توفيق شرف الدين توقيف القيادي بالنهضة نور الدين البحيري على خلفية قضايا إرهاب، وطالبت الحركة الإسلاموية في بيان "إطلاق سراح" من وصفتهم بـ "المختطفَيْن". فيما زعمت أنّ الاحتجاز تم "قسريّاً خارج إطار القانون، وفي غياب إذن قضائي". مهددة بأنّها "ستقوم بتتبع كل من سيثبت تورطه في هذه الجرائم الشنيعة ضد الإنسانية التي لا تسقط بالزمن".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية