الأوروبيون ومستقبل سوريا.… الخوف من تكرار الأخطاء

الأوروبيون ومستقبل سوريا.… الخوف من تكرار الأخطاء

الأوروبيون ومستقبل سوريا.… الخوف من تكرار الأخطاء


23/12/2024

ترجمة: محمد الدخاخني

يروق للأوروبيين النّظر إلى سقوط "جدار برلين" باعتباره اللحظة التأسيسية لكتلة - هي الاتحاد الأوروبي - تُواجه العالم كوحدة واحدة. وقد قدّمت سوريا للعالم للتّو لحظةً يمكن أن يتردد صداها على المستوى نفسه بالنسبة إليها وإلى جيرانها.

إذاً، كيف ينهض الأوروبيون لمواجهة التحدِّي المتمثل في التكيف مع ما سيكون عصراً جديداً سريع التطور ومتعدِّد الجوانب؟ يمكن وصف الشعور الفوري للردِّ الأوروبي بأنّه "عالِق". فحتى المملكة المتحدة، التي غادرت الاتحاد الأوروبي لمتابعة دورٍ أكثر رشاقة في الشؤون العالمية، لا تطرح ردَّها إلا بحذر شديد، لكنّ تأثير ما يحدث في سوريا يأتي في المرتبة الثانية في أوروبا بعد تأثيره في الشرق الأوسط.

وتعود مخاوف المملكة المتحدة إلى عام 2013، عندما اتخذ البرلمان البريطاني قراراً ذا أهمية عالمية حقيقية. فحسب مُذكرات المرشح الرئاسي الأمريكي السابق جون كيري، فإنّ باراك أوباما كان على استعداد لاعتبار استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا خطاً أحمر. وكان من المقرر تحقيق ذلك من خلال تفويضٍ بالانتقام من حكومة بشار الأسد، حتى صَوَّت النواب البريطانيون على البقاء خارج الأزمة.

المرشح الرئاسي الأمريكي السابق: جون كيري

افترضت واشنطن أنّ بريطانيا ستدعم الولايات المتحدة، وكما كانت الحال في ليبيا قبل بضعة أعوام، سَعِدَت أيضاً بالمشاركة الكاملة للفرنسيين. ثم سحب البريطانيون أنفسهم. واستشهد أوباما بالمقاومة التي واجهها في "الكونغرس" وتراجعَ عن خشبة المسرح. وبعد بضعة أعوام من اتخاذ قرار الاعتماد على المملكة المتحدة وفرنسا في ليبيا - واصفاً إيّاهما برأس الحربة (العبارة التي استخدمها أوباما هي "القيادة من الخلف") - مثَّل القرار بشأن سوريا في عام 2013 نقطة تحول في هيبة الولايات المتحدة.

وكما رأينا خلال الأسبوعين الماضيين، كانت حكومة الأسد دائماً عُرضة لهجمات المتمردين. وفي الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة، اندفعت بشكل مفاجئ الميليشيات المدعومة من إيران لتغيير حسابات ساحة المعركة. وتكشَّفت أيضاً حاجة مُتجرِّئة لتأمين موطئ قدم روسي في سوريا.

ويُعَد زعيم المعارضة البريطانية في 2013 إد ميليباند، الذي كان القوة الأساسية وراء تصويت المملكة المتحدة آنذاك، يُعدّ اليومَ أحد أقوى أعضاء مجلس الوزراء البريطاني. ويُخيِّم التصويت الذي جرى قبل (11) عاماً على رد الفعل البريطاني تجاه انهيار إدارة الأسد. والآن، تُلاحق ذكرى عدم تورط بريطانيا بشكل كبير في الصراع مسؤولي وزارة الخارجية البريطانية.

أضف إلى هذا عودة جوناثان باول، مستشار الأمن القومي الجديد لرئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر. وقد كان باول شخصية قوية أخرى تصدرت عناوين الصحف البريطانية قبل عقد من الزمان. والآن سيشرف على نهج البلاد تجاه "هيئة تحرير الشام". وسيتم التدقيق في شروط مشاركة المملكة المتحدة التي يعتزم باول متابعتها.

وقد أجرى مسؤولون في وزارة الخارجية جولةً مكثفةً من سيناريوهات لَعِب الأدوار حول العناصر الناشئة في سوريا، وهم على ثقة من أنّ خطتهم الناشئة اختُبِرَت بشكل جيد. والاتصالات الأولى مع "هيئة تحرير الشام" على الأرض جارية. ومع ذلك، فإنّ الارتياب في وايتهول مرتفع من أنّ المملكة المتحدة يمكن أن تكون لاعباً ذا مغزى في سوريا.

وفي بروكسل شرعَ وزراء الخارجية الأوروبيون يوم الإثنين في مناقشة مجموعة من القواعد التي تحكم نهجهم تجاه دمشق. وهذه المناقشات فنية للغاية، ومصحوبة بتحذير مبدئي مُضفَّر في القواعد التي ستوضع للمسؤولين. وتعيين مبعوث خاص جديد للاتحاد الأوروبي مُكلَّف بالتعامل بكفاءة مع الوضع يُعَدّ أولوية للعديد من الوزراء المتواجدين حول الطاولة.

وبالنسبة إلى منطقة تَشكَّلت في بوتقة التأثيرات واسعة النطاق لانهيار الحكومات، فإنّ هذه المناقشات الهادئة والمتماسكة بعيدة كل البعد عن حرارة الأحداث الجارية في سوريا. وبالنظر إلى تزامن هذا الوقت من العام، فليس من الصعب أن نرى في مصير الأسد وزوجته، أسماء، هروباً من النهاية التي حلت بالزوجين الدكتاتوريين الرومانيين، نيكولاي وإيلينا تشاوشيسكو، في كانون الأول (ديسمبر) 1989.

في بروكسل شرعَ وزراء الخارجية الأوروبيون يوم الإثنين في مناقشة مجموعة من القواعد التي تحكم نهجهم تجاه دمشق

تتمسك التجمعات الأوروبية بالعمليات والأهداف والنتائج النهائية التي تعطي الأولوية لتطبيع العلاقات. وفي خلفية كل هذا تأتي العاصفة القادمة التي يخشى الأوروبيون أن تصل إلى إيران. وهنا أيضاً يأخذ الأمر شكل التمسك لفترة أطول كثيراً بفكرة أنّ "النهج الأوروبي الثلاثي" - بقيادة فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة - يهيمن عليه إرث "خطة العمل الشاملة المشتركة"، والمعروفة أيضاً باسم "الاتفاق النووي الإيراني".

وهذا أيضاً شيء ينتمي إلى حقبة أوباما/كيري. فقد تم التوصل إلى "خطة العمل الشاملة المشتركة" في عام 2015، لكنّ إدارة دونالد ترامب الأولى سحبت واشنطن من الاتفاق بعد (3) أعوام من توقيعه. وسحبت الصين وروسيا تدريجياً كل أشكال التعاون داخل مجموعة الاتصال ذات الصيغة الأوسع التي دعمت الأهداف المنصوص عليها في الاتفاق وقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2231.

ما تبقى هو "النهج الأوروبي الثلاثي" الذي يجمع على الأقل المملكة المتحدة مع فرنسا وألمانيا في خطوة دبلوماسية متناغمة بشأن إيران. ومع تفانيهم الثابت في فكرة أنّ الإطار يمكن أن يمنع إيران من التسلُّح نووياً، فإنّ الثلاثي يتمسك بموقف مبدئي.

لكنّهم ليسوا في وضع يسمح لهم بالتعامل مع ما هو آتٍ، سواء فيما يتعلق بالأحداث في سوريا التي تتكشَّف بسرعة أو الاستراتيجية المحتملة التي سيتم اتباعها عندما يعود ترامب إلى منصبه في 20 كانون الثاني (يناير).

إنّ المشاركة مع هؤلاء الفاعلين الذين هم في قلب هذا العصر الجديد ضرورية، ولكنّها ليست شرطاً كافياً للحفاظ على النفوذ في خضم التغييرات التي تنجم الآن عن سقوط حكومة الأسد.

المصدر:

داميان ماكيلروي، ذي ناشيونال نيوز، 17 كانون الأول (ديسمبر) 2024

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية