
في تطور أمني لافت أعلنت السلطات الأردنية أمس الثلاثاء 15 نيسان (أبريل) 2025 عن إحباط "مخطط تخريبي" كان يستهدف الأمن الوطني الأردني، واعتقال (16) شخصاً متهمين بالتخطيط لتصنيع صواريخ قصيرة المدى وطائرات مسيّرة، وتجنيد أردنيين لتلقي تدريبات عسكرية في الخارج.
القضية التي كانت محل رصد أمني منذ عام 2021 ألقت بظلالها على علاقة جماعة الإخوان المسلمين الأردنية بحركة حماس، وأعادت إلى الواجهة التساؤلات حول مدى التزام الجماعة بخط العمل السلمي داخل البلاد، وسط تحذيرات أمنية من استغلال الأوضاع الإقليمية، وتحديدًا العدوان الإسرائيلي على غزة، لتبرير التسلح تحت شعار "دعم المقاومة".
ضبط صواريخ وطائرات مسيّرة ومخططات تدريب خارجي
بحسب ما أعلنته دائرة المخابرات العامة الأردنية، فإنّ الموقوفين كانوا تحت المراقبة منذ (4) أعوام، وتم ضبط صاروخ جاهز للإطلاق، بالإضافة إلى منشآت لتجهيز وتصنيع طائرات مسيّرة ومتفجرات. وقد أظهرت التحقيقات أنّ بعضهم تلقى تدريبات في لبنان، وتم تكليفهم بمهمات أمنية خطيرة داخل المملكة.
بالإضافة إلى ذلك، كشفت مصادر لـ (رويترز) أنّ المتهمين مرتبطون بحركة حماس، مع وجود مؤشرات على وجود دعم لوجستي وفني من عناصر خارجية، كما تبين من الوثائق الأمنية أنّ المجموعة كانت بصدد تجنيد أردنيين آخرين لتلقي تدريبات أمنية في الخارج، تمهيدًا لتوسيع النشاط داخل الأراضي الأردنية. وفي ضوء هذه الوقائع أكدت الأجهزة الأمنية أنّها تعاملت مع القضية كتهديد حقيقي لأمن الدولة وسلامة المجتمع.
الارتباطات التنظيمية: الإخوان في مرمى الشبهات من جديد
ورغم أنّ جماعة الإخوان المسلمين في الأردن سارعت إلى نفي أيّ صلة تنظيمية أو سياسية لها بالموقوفين، معتبرة أنّ القضية لا تعنيها، فإنّ ارتباط المتهمين بحركة حماس، الجناح الفلسطيني لجماعة الإخوان المسلمين، أعاد الجدل القديم حول العلاقة بين الجماعة الأم وفروعها المسلحة في الخارج، لا سيّما في ظل اتهامات سابقة بتوفير غطاء سياسي أو تعبوي لمثل هذه التحركات.
وبحسب مصادر مطلعة، فإنّ بعض الموقوفين لديهم علاقات مباشرة أو غير مباشرة بجمعيات ومؤسسات محسوبة على الإخوان في الأردن، وهو ما قد يدفع الحكومة إلى فتح ملفات التمويل والتنظيم من جديد، خصوصًا أنّ إحدى وسائل دعم المخطط اعتمدت على شبكات تمويل مرتبطة بجهات خارجية.
تحركات الجماعة خلال الأعوام الماضية: تراجع سياسي ولكنّ النشاط التعبوي متواصل
تاريخيًا، شكّلت جماعة الإخوان المسلمين في الأردن أحد أبرز التيارات المعارضة، وتمتعت بشرعية قانونية طويلة قبل أن تنشب الخلافات الداخلية والانقسامات التنظيمية، والتي أفضت إلى ظهور "جمعية الإخوان المسلمين" ككيان قانوني منفصل عن الجماعة الأم عام 2015. ورغم تراجع النفوذ السياسي للجماعة في البرلمان والحياة الحزبية بعد تلك الأزمة، إلا أنّ حضورها بقي قائمًا من خلال جمعيات أهلية ومراكز ثقافية ومواقع إلكترونية تُعرف بنشاط تعبوي يتماشى مع الخط العام للإخوان في الإقليم.
وبعد 2020 نشطت الجماعة في الخطاب الداعم لحركة حماس ومشروع "المقاومة المسلحة"، مع تصاعد تأثيرها الرقمي عبر حملات تضامن مع غزة. وتؤكد تقارير أمنية أنّ بعض كوادر الجماعة سعوا إلى تجنيد عناصر شبابية عبر الإنترنت، وتوجيههم نحو أفكار متشددة تحت ستار "دعم المقاومة".
رغم تأكيد الدولة الأردنية أنّها ستتعامل مع القضية في إطار القضاء وسيادة القانون، إلا أنّ أبعادها تتجاوز الإجراءات القانونية لتصل إلى أسئلة استراتيجية حول مستقبل جماعة الإخوان في المملكة، وحدود العلاقة مع حماس، ودور التنظيم الدولي في تغذية مثل هذه التحركات.
أبعاد إقليمية: التصعيد في غزة ذريعة للتحرك داخل الأردن
في ظل العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة منذ تشرين الأول (أكتوبر) 2023، زادت مؤشرات محاولة تنظيمات متطرفة استغلال الغضب الشعبي في الدول العربية لتبرير أنشطة سرّية، منها نقل أسلحة، أو بناء خلايا دعم لوجستي، وهو ما يؤكده السياق الزمني لبدء التخطيط الذي أحبطته المخابرات الأردنية.
وتشير مصادر أمنية إلى أنّ المخطط كان يعتمد على التمويه السياسي والإعلامي من خلال شعارات "نصرة فلسطين"، لكنّه في الواقع كان يستهدف زعزعة الاستقرار الداخلي. وهو نمط معروف في تحركات الإخوان منذ عقود: استغلال القضية الفلسطينية كغطاء للتحرك الداخلي، وهو ما حدث في مصر وسوريا والعراق خلال عقود ماضية.
ردّ الفعل الرسمي: حزم أمني ورسائل سياسية
الردّ الأردني على هذه التطورات جاء حاسمًا، فقد صرّح وزير الاتصال الحكومي محمد المومني بأنّ الأجهزة الأمنية "لن تتهاون مع أيّ تهديد للأمن الوطني"، مؤكدًا أنّ القضية ليست مجرد دعم للمقاومة بل "محاولة لتقويض الاستقرار". وأشار إلى أنّ الملف قد يتسع ليشمل شبكات دعم لوجستي أو تمويل من جهات خارجية.
ورغم أنّ الحكومة لم توجّه رسمياً أصابع الاتهام لجماعة الإخوان، إلا أنّ التلميحات واضحة في لغة البيان الرسمي. كما أنّ الحديث عن علاقة الموقوفين بحماس يعيد بشكل تلقائي الربط التاريخي بين الجماعتين، خاصة في ظل اعترافات بعض الموقوفين بتلقي تدريبات بدعم من عناصر تابعة لحماس.
انعكاسات مستقبلية: نحو تصعيد قانوني وتنظيمي
من المتوقع أن تؤدي هذه القضية إلى فتح ملفات قديمة تتعلق بوجود جماعة الإخوان ونشاطها في الأردن، خصوصًا فيما يتعلق بالتمويل الخارجي، والارتباط بفروع إقليمية مصنفة كتنظيمات إرهابية في عدد من الدول العربية.
ويقول مراقبون: إنّ "هذه القضية قد تمثل نقطة تحول في تعامل الدولة الأردنية مع بقايا النشاط التنظيمي للإخوان"، وإنّ "التحقيقات قد تكشف عن شبكات أوسع ممّا تم الإعلان عنه حتى الآن".
تاريخ متكرر: الإخوان والأمن الأردني... علاقة توتر مزمن
ليست هذه المرة الأولى التي تتورط فيها عناصر محسوبة على جماعة الإخوان في قضايا تمسّ الأمن الأردني. ففي عام 2006 تمّ الكشف عن خلية كانت تحاول تهريب أسلحة إلى الضفة الغربية، وتمّ الربط بينها وبين عناصر من الجماعة. كما شهدت فترات سابقة خلافات بين الحكومة والجماعة بشأن دعمها لحماس ومواقفها من النظام الملكي الأردني.
ومع كل أزمة أمنية أو تحرك إقليمي، تعود العلاقة بين الطرفين إلى مربع التوتر، خصوصًا حين ترتبط الوقائع بأبعاد إقليمية تشمل طهران أو أنقرة أو حماس، وهو ما يطرح تساؤلات حادة عن حقيقة التزام الجماعة بالنشاط السلمي داخل الأردن.
ورغم تأكيد الدولة الأردنية أنّها ستتعامل مع القضية في إطار القضاء وسيادة القانون، إلا أنّ أبعادها تتجاوز الإجراءات القانونية لتصل إلى أسئلة استراتيجية حول مستقبل جماعة الإخوان في المملكة، وحدود العلاقة مع حماس، ودور التنظيم الدولي في تغذية مثل هذه التحركات.
ما حدث لا يمكن النظر إليه باعتباره "حادثًا معزولًا"، بل هو جرس إنذار ينبّه إلى أنّ الجماعة ـ حتى وإن تراجعت سياسياً ـ ما تزال تمثل تحديًا أمنيًا قائمًا، ربما بصور جديدة وأدوات غير تقليدية تستدعي إعادة تقييم شاملة.