"طهران بارعة في إهدار الفرص" وأشياء أخرى... ما القصة؟

"طهران بارعة في إهدار الفرص" وأشياء أخرى... ما القصة؟

"طهران بارعة في إهدار الفرص" وأشياء أخرى... ما القصة؟


23/01/2024

"خطأ استراتيجي فادح"، هذا التقدير أجمع عليه مراقبون بخصوص الهجمات التي نفذتها إيران ضد أربيل في إقليم كردستان العراق، وقد تزامن معها شنّ هجمات أخرى على مواقع في إدلب بشمال غرب سوريا، فضلاً عن هجوم ثالث في باكستان.

مبررات طهران الواهية

ويبدو أنّ مزاعم طهران باستهداف مواقع لتنظيمات إرهابية سنّية متشددة ومسلحة، منها (داعش) في شمال غرب سوريا، أو "مقر تجسس للموساد" في أربيل، لم تكن مبررات كافية لتجعل الاعتداء على سيادة (3) دول أمراً عادياً، ويمر مرور الكرام. وقد تباينت ردود الفعل في البلدان المعتدى عليها من الحرس الثوري بشكل باغت النظام في طهران. 

إذ تم توجيه ضربة عسكرية عنيفة ودقيقة من قبل حكومة إسلام آباد، ممّا أرغم إيران على البدء في تهدئة سريعة حتى لا تتسع الأمور وتتفاقم على نحو أسوأ. 

فضلاً عن انتقادات لاذعة من قبل حكومتي بغداد وأربيل، وذلك رغم التقارب بين رئيس الحكومة المركزية محمد شياع السوداني وطهران، حيث يُعدّ السوداني ضمن قادة "الإطار التنسيقي" وهو التحالف الذي يضم مجموعة الأحزاب الولائية بالعراق. وفي الإقليم الواقع شمال العراق خرجت تظاهرات شعبية بالآلاف ترفض الاعتداء الإيراني المتكرر، والضربات التي استهدفت مواقع مدنية.

وتقدّم العراق بشكوى لمجلس الأمن، واستدعت وزارة الخارجية ببغداد سفيرها لدى طهران ناصر عبد المحسن "للتشاور"، بعد الهجمات الصاروخية التي نفذتها طهران في إقليم كردستان العراق. وجاء في بيان صادر عن الخارجية العراقية: "استدعت وزارة الخارجية سفير جمهورية العراق لدى طهران، لغرض التشاور على خلفية الاعتداءات الإيرانية الأخيرة على أربيل، والتي أدت إلى سقوط عدد من الشهداء والمصابين". 

 المحلل السياسي الإيراني صادق ملكي

كما تم استدعاء القائم بالأعمال الإيراني في بغداد، وسلمته الخارجية العراقية مذكرة احتجاج أعربت فيها جمهورية العراق عن إدانتها واستنكارها الشديدين للاعتداء الذي تعرضت له عدة مناطق في أربيل. وقد غرد الرئيس العراقي عبد اللطيف جمال رشيد، على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي (إكس)، وأدان العدوان الإيراني بحق الإقليم، ووصفه بأنّه "انتهاك للسيادة"، وأنّه "تقويض للأمن والاستقرار".

عملية ممنهجة

وقال الرئيس العراقي: إنّ "حسم المسائل يكون عبر الحوار، وليس بالهجمات العسكرية التي تهدد استقرار العراق وكل المنطقة التي تشهد توترات ينبغي العمل على خفضها".

في حديثه لـ (حفريات)، يوضح الكاتب الصحفي المقيم في باريس، شيار خليل، أنّ الاعتداء المتكرر على الإقليم "ليس جديداً، وإنّما هو عملية ممنهجة، لها طابع انتقامي، فضلاً عن كونها وسيلة ضغط على عدة أطراف بالمنطقة لتحقيق مصالح طهران والتي تتجه لتأمين نفوذها بالمنطقة بعد اغتيال قادتها في المحاور الاستراتيجية لها، وتصاعد وتيرة الأحداث سواء من قبل الولايات المتحدة أو إسرائيل، فضلاً عن التحالف بين الأولى وبريطانيا ضد تهديدات الحوثي بالبحر الأحمر".

 

في حديثه لـ (حفريات) يقول عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية الشعبية منصور أبو سعد: إنّ النظام الإيراني منذ أكثر من (4) عقود يعيش على "الأزمات وافتعال المشاكل والحروب".

 

ووفق خليل، فإنّ الاعتداء على أربيل ثم سوريا وباكستان في ليلة واحدة "هو دليل على إخفاق إيران السياسي والأمني. فالخرق في بنية إيران الأمنية بالمحاور التي تسميها "مقاومة" في دمشق ومناطق نفوذ حزب الله اللبناني بلبنان، وتحديداً بالجنوب، كشف عن حجم التمدد الإسرائيلي وقدراته على تقويض طهران". 

ويمكن القول إنّ الرد على اعتداءات إيران من قبل حكومة إسلام آباد وأربيل وبغداد "كان مفاجأة، وقد باغت المسؤولين الإيرانيين"، على حدّ تعبير الكاتب الصحفي المقيم في باريس. ويردف: "ففي الأولى واجهت طهران تصعيداً كان التمادي أمامه من طرفها سيجعلها عند منحى سياسي وأمني وعسكري خطير تتفادى حدوثه منذ عقود، ولا تتمكن من مواجهة مآلاته التصعيدية في هذه اللحظة الحساسة، حيث انفجار ملف الأقليات، وتصبح أمام لاعبين إقليميين في خلفيات الصراع، بما ينذر حتماً بخسارتها واستنزافها". 

بمراجعة الصحف الإيرانية، ربما نعثر على أصداء مباشرة وواضحة للأخطاء الاستراتيجية الفادحة التي تكبدتها إيران جراء هذه الخطوة العدائية في الدول الـ (3).

فقد قالت صحيفة (شرق): إنّ "من أعدّ هذا السيناريو، مهما كانت مبرراته، خدم إسرائيل خدمة كبيرة وعمل لصالحها"، موضحة أنّ "أعداء إيران، أو على الأقل من يعارضها في دول الجوار، أصبحوا اليوم أكثر من السابق". وقالت: إنّه "من المستبعد جداً أن تستطيع إيران خلق إجماع على إسرائيل في المنطقة بعد هذه الهجمات".

ونقلت الصحيفة الإيرانية عن المحلل السياسي وحيد بياني قوله: إنّ "إسرائيل من خلال هذا الاستهداف لم تكن تسعى لخلق موازنة، وإنّما الهدف الرئيس من الاستهداف الدقيق للقادة العسكريين هو جرّ إيران إلى حرب مباشرة".

إيران وسياسة افتعال الحروب والأزمات

وجاءت افتتاحية موقع "الدبلوماسية الإيرانية"، التي كتبها المحلل السياسي الإيراني صادق ملكي، أكثر وضوحاً في نقد الموقف الإيراني الذي يغلب مبدأ العسكرة على الحل السياسي الدبلوماسي. 

وجاء في افتتاحية الموقع الإيراني: "كانت العملية الإيرانية لمكافحة الإرهاب في باكستان خطأ استراتيجياً في الجغرافيا السياسية المتأزمة، وأظهرت أنّ طهران ليست فقط بارعة في إهدار الفرص، لكنّها تتخذ أيضاً خطوة في مسار سيتحول فيه ببساطة الصديق إلى عدو والفرص إلى تهديدات. لم يكن ينبغي أن يكون الرد على عمليات كرمان الإرهابية من نوع وحجم الهجمات التي جرت على أربيل وباكستان. يجب أن تكون الأعمال العسكرية والأمنية دقيقة، وبحسابات ذكية للغاية، في خضم الأزمة المستمرة ومتعددة الأوجه في الشرق الأوسط، وبينما المنطقة عرضة للاستفزازات. إذا قيست نتائج العمليات في أربيل وباكستان، من حيث التكلفة والمنفعة، فلا شك أنّ كفة خسائرها أثقل بكثير من فوائدها". 

وتابع المحلل الإيراني بقوله: "لم تكن اللغة التي استخدمها مسؤولو أربيل احتجاجاً على تصرفات إيران مريرة فحسب، بل سامة، والكارثة الأسوأ انتقال هذه المرارة والمواقف السلبية والاحتجاجية إلى تصريحات المسؤولين في بغداد. وإلى جانب إدانة أربيل وبغداد العمليات الإيرانية، حملت إدانة جامعة الدول العربية وكثير من الدول لإيران رسالة ذات معنى لطهران".

 

مزاعم طهران باستهداف مواقع لتنظيمات إرهابية سنّية متشددة ومسلحة، أو "مقر تجسس للموساد" في أربيل، لم تكن مبررات كافية لتجعل الاعتداء على سيادة (3) دول أمراً عادياً.

 

وقد أدت العملية الانتقامية الباكستانية في الأراضي الإيرانية إلى كسر الهيمنة الإيرانية، والحديث للمحلل الإيراني، لدرجة أنّ "نتنياهو تحدث أيضاً عن مهاجمة إيران، وشدد على ذلك. إذا كانت أزمة غزة قد تمكنت من تهميش العدوان الروسي على أوكرانيا، فقد منحت العمليات الإيرانية إسرائيل فرصة لالتقاط الأنفاس، وأزاحت أزمة اليمن عن تصدر العناوين الرئيسية. لا يمكن على الإطلاق تبرير ما تفعله إيران من تشويه للصورة، وإضرار بالذات، بأيّ منطق سياسي أو عسكري. وفي هذا الصدد، كان خلق أجواء سلبية وإثارة الرأي العام ضد إيران في العراق وباكستان من أهم الأضرار التي ألحقتها هذه العمليات بإيران".

وفي حديثه لـ (حفريات) يقول عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية الشعبية منصور أبو سعد: إنّ النظام الإيراني منذ أكثر من (4) عقود يعيش على "الأزمات وافتعال المشاكل والحروب" في المنطقة، مبرراً ذلك بقوله إنّ إيران "أساساً دولة وظيفية ودورها أن تكون عامل عدم استقرار وأمن المنطقة"، فالتصعيد مع باكستان وقبلها مع العراق يأتي في هذا السياق، على حدّ تعبيره. ويردف: "هناك بعض الجهات والأطراف الإقليمية تريد أن تأتي للاستثمار في العراق الأمر الذي طرح في مؤتمر دافوس، لكن جاءت لهم رسالة إيرانية بأنّ العراق ليس آمناً بهدف أن تحكم قبضتها ونفوذها على العراق من خلال ميليشياتها. وأمّا في ما يتعلق بباكستان، فنحن نعرف أنّ الشعب البلوشي الذي ينتشر في إيران وباكستان ويطالب باستقلاله أصبح يشكل خطراً وعبئاً أمنياً على النظام في طهران، الأمر الذي يجعل من الطبيعي حدوث هذا التصعيد، ويمتد إلى توترات سوف تنتهي بمزيد من التنسيق الأمني لإرغام الأقليات على الإذعان والطاعة للحكومة المركزية".

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية