اغتيال غامض لضابط بالبحرية الإيرانية: هل ثمة رسائل إسرائيلية أخرى؟

اغتيال غامض لضابط بالبحرية الإيرانية: هل ثمة رسائل إسرائيلية أخرى؟


24/07/2022

تبعث الاغتيالات المتكررة، في إيران، مؤخراً، والتي تطاول قيادات مهمة في الحرس الثوري بمخاوف عديدة، وشكوك جمّة حول مدى ضلوع إسرائيل في كل تلك الحوادث، وكذا تأثيراتها المحتملة على الأوضاع الداخلية والقضايا الإقليمية، فضلاً عن ردود الفعل المتوقعة من قبل طهران، أو بالأحرى قدرة النظام على المقاومة واستعداده للمواجهة.

ما حقيقة وجود شبكات إسرائيلية بإيران؟

الحوادث، المثيرة والغامضة، التي تصاعدت وتيرتها، خلال الشهور القليلة الماضية، تعكس أزمات متباينة داخل إيران، وفق مراقبين تحدثوا لـ"حفريات"؛ حيث إنّها تبعث برسالة مفادها أنّ الوضع الأمني "هش" وبنية الأجهزة في طهران مخترقة ولا تتمتع بالسيادة الكافية. وقد ذكر رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، نفتالي بينيت، الشهر الماضي حزيران (يونيو) أنّ بلاده تقوم بتطبيق "مبدأ الأخطبوط". وتابع: "لم نعد نلعب مع المخالب (وكلاء إيران). لقد أنشأنا معادلة جديدة بالذهاب للعقل".

وألمح تحليل لمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، إلى أنّ إستراتيجية القتل وتنفيذ الاغتيالات التي تستهدف زعماء إيرانيين تبدو "فعالة وفوائدها تتجاوز عواقبها"، موضحاً أنّ "اغتيال كبار القادة المهمين لبرنامج العدو (أي البرنامج النووي) ليس تكتيكياً فحسب لكنه له معنى إستراتيجي من وجهة نظر إسرائيل".

مقتل الضابط في البحرية الإيرانية، الأدميرال بيت إيليه ديفسلار، أثناء "أدائه مهامه"

ويؤشر التقرير الصحفي الأمريكي على طموح أوسع لإسرائيل في سياستها بشأن الاغتيالات داخل إيران. ولفت إلى أنّ تل أبيب "لا تبحث في القضاء على الشخصيات الرئيسية في برامج إيران النووية والصاروخية فقط، ولكن تتحرى التخطيط لاستهداف المستوى المتوسط والمسؤولين العاملين على الأسلحة".

وفي النصف الثاني من الشهر الحالي تموز (يوليو)، كشفت وكالة "فارس" الإيرانية عن مقتل الضابط في البحرية، الأدميرال بيت إيليه ديفسلار، أثناء "أدائه مهامه"، مضيفة أنّ "مراسم تشييع جثمانه ستقام اليوم من أمام أميرالية مدينة نوشهر باتجاه ميدان آزادي".

انتقال الصراع من الأطراف للعمق

إذاً، شهدت الفترة الأخيرة تصاعداً واضحاً في عدد "الاغتيالات المشبوهة" في صفوف العسكريين والمختصين العاملين في القطاع النووي، والقطاعات العسكرية الملحقة به، أو في قطاع العمليات الإقليمية في الحرس الثوري، وفق الباحث المتخصص في الشأن الإيراني، الدكتور محمد الزغول، وذلك بالإضافة إلى استمرار الهجمات مجهولة المصدر ضد الأهداف العسكرية والنووية، خلال العامين الأخيرين.

ويتابع الزغول لـ"حفريات": "الهجمات الأخيرة، كما تؤكد مصادر إيرانية، تقف إسرائيل خلفها، وهناك ما يشبه الاعتراف الإسرائيلي الضمني، أو الصريح، بالضلوع في هذه الهجمات. وبالنظر إلى تسلسل وتراتبية الهجمات، وطبيعتها، فيمكن القول إنّنا أمام مشروع إسرائيلي متكامل من الأعمال التخريبية، والتصفيات داخل الحدود الإيرانية".

الحوادث، المثيرة والغامضة، التي تصاعدت وتيرتها، خلال الشهور القليلة الماضية، تعكس أزمات متباينة داخل إيران؛ وتبعث برسالة مفادها أنّ الوضع الأمني "هش" وبنية الأجهزة في طهران مخترقة

اللافت أنّ الأرقام تشير إلى انخفاض الضربات الجوية الإسرائيلية ضد أهداف تابعة للحرس الثوري، أو الميليشيات الموالية له في سوريا، في النصف الأول من 2022 إلى أقل من نصف ما كانت عليه العام الماضي، الأمر الذي يفسره الزغول بأنّه يعكس دلالة على مستوى "التغيير الأساسي في إستراتيجية إسرائيل، بحيث تنتقل من التركيز على احتواء النفوذ الإقليمي الإيراني، إلى التركيز على استهداف البرنامج النووي الإيراني، وبرامج التسليح المساندة. وهو ما يعكس قناعة إسرائيلية بأولوية التصدي للملف النووي، وذلك بناء على قراءة تعتقد أنّ إيران باتت بالفعل على مقربة من العتبة النووية. هذا إلى جانب خشية إسرائيل من أن تؤدي الهجمات على سوريا إلى إزعاج روسيا في هذه الظروف التي تسعى فيها لبدء مسيرة استيعاب النظام السوري في المحيط العربي".

وفي ما يتصل بردود الفعل الإيرانية في مقابل الخطوات الإسرائيلية، طيلة السنوات العشر الماضية، فإنّ الباحث المتخصص في الشأن الإيراني يؤكد على أنّ النظام الإيراني لا يزال يفتقر إلى "إستراتيجية مستقلة للتصدي للهجمات الإسرائيلية، وأنّ إستراتيجيته تجاه إسرائيل (كما إستراتيجيته الإقليمية بشكل عام) تأتي لاحقاً في سياق استراتيجية النظام الإيراني في التعامل مع الولايات المتحدة، ومع القوى العالمية، أو ما يعرف بمواجهة قوى "الاستكبار العالمي"".

وقد منعت بعض الأسباب الظرفية، حتى الآن، تبلور إستراتيجية إيرانية مستقلة للتعامل مع إسرائيل، من ضمنها "ضعف العتاد العسكري الإيراني الذي بإمكانه بلوغ الأهداف الإسرائيلية، وتراجع النفوذ الإيراني بين الميليشيات العقائدية بعد مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني، ناهيك عن الأزمات المالية الناجمة عن العقوبات الأمريكية"، يقول الزغول.

الشكوك تطاول أجهزة النظام

وبينما تسيطر حالة قصوى من الشك بين أطراف عديدة داخل النظام، وكذا داخل الأجهزة الأمنية والاستخبارية بإيران، فإنّ وزير المخابرات الإيراني ورئيس مخابرات الحرس الثوري ظهر كل منهما في صورة تجمعهما، الشهر الحالي، للتأكيد على اصصفافهما وتعاونهما لمواجهة إسرائيل.

الباحث محمد الزغول: طهران تفتقر إلى إستراتيجية مستقلة للتصدي للهجمات الإسرائيلية

وفي حديثه لـ"حفريات" يقول المحلل السياسي والمعارض الإيراني، نزار جاف، إنّ إيران ركزت عداءها ضد الولايات المتحدة الأمريکية وإسرائيل، على مدار أربعة عقود، بينما ظلت تتمسك بدعاياتها السياسية والأيدولوجية المفخخة، وإعلان المواقف المتشددة مثل "الصلاة في البيت الابيض"، أو  التأكيد على زوال إسرائيل، خصوصاً عندما أطلق الخميني قوله المشهور:"إسرائيل يجب أن تمحى من الوجود". ومن جانبها ظلت إسرائيل تراقب کل هذه التحرکات والمواقف الايرانية بجدية بالغة وعن کثب، وتبحث فيها من کل الجوانب.

الشائع عن إيران، في ظل نظامها الإسلامي المتشدد، أنّها لا تعتمد على المواجهات المباشرة مع أعدائها، حسبما يوضح جاف في حديثه لـ"حفريات"، لافتاً إلى أنّ نظام الملالي يستعين بـ"طرف ثالث" کما حدث في حرب تموز (يوليو) عام 2006 بين حزب الله اللبناني وإسرائيل، أو بين الميليشيات الشيعية العراقية وبين الولايات المتحدة. ويتابع: "لو دققنا في حرب 2006، لوجدنا أنّ الخاسر الاکبر فيها کان حزب الله. ومع ذلك؛ فإنّ إسرائيل استهدفت نقل معرکتها مع إيران للداخل وتطويقها من العمق، مع الوضع في الاعتبار أنّ توقيتها لإعلان حربها المخابراتية، جاء في وقت تتزايد فيه مشاعر الکراهية والرفض لإيران على خلفية دورها الإقليمي المشبوه وتدخلاتها في بلدان المنطقة".

الباحث المتخصص في الشأن الإيراني محمد الزغول لـ"حفريات": بالنظر إلى تسلسل، وتراتبية الهجمات، وطبيعتها، يمكن القول إنّنا أمام مشروع إسرائيلي متكامل من الأعمال التخريبية، والتصفيات داخل الحدود الإيرانية

الضربات العنيفة التي تلقتها إيران إثر قيام إسرائيل باغتيال "الأب الروحي للبرنامج النووي الإيراني محسن فخري زادة" بالإضافة إلى آخرين، ثم توسيع دائرة الاغتيالات لتشمل علماء في مجال الطائرات المسيّرة، وكذا قادة أمنيين في الحرس الثوري، يؤكد على نقطتين لهما دلالات بالغة؛ الأولى "تواجد مخابراتي إسرائيلي غير عادي في داخل إيران وهو تواجد ليس بجديد"، والدلالة الثانية أنّ "إسرائيل تحدد أهدافاً مهمة، أو بالأحرى تنتقي الأهداف المؤثرة والإستراتيجية، وهو ما يعني أنّ شبکاتها العاملة في داخل إيران قوية ومتجذرة بما فيه الکفاية"، يقول جاف.

ويختتم: "اغتيال إسرائيل لضابط في البحرية الايرانية، يأتي بعد إقالة حسين طائب من رئاسة استخبارات الحرس الثوري، ثم تنصيب خليفة له، کما أنّه يتزامن وانطلاق التحرکات البحرية الأمريکية في الخليج، بصورة متزايدة، بالإضافة إلى إعلان إيران عزمها على تقوية وتعزيز قدراتها البحرية، الأمر الذي يبدو وكأنه رسالة قوية موجهة للرئيس الجديد لاستخبارات الحرس الثوري".

مواضيع ذات صلة:

لماذا تصر إيران على شطب الحرس الثوري من قائمة الإرهاب الأمريكية؟

ماذا يعني أن تكون المنشآت النووية الإيرانية في عهدة الحرس الثوري؟

الحوثي مدعوماً بالحرس الثوري الإيراني يعيث تهديداً براً وبحراً وجواً



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية