إيران تنجح في العراق... عبر أدواتها

إيران تنجح في العراق... عبر أدواتها

إيران تنجح في العراق... عبر أدواتها


19/10/2022

خيرالله خيرالله

لم تخرج إيران من الباب العراقي كي تعود إليه بقوّة من الطاقة. بقيت ممسكة، وإن نسبياً، بخيوط اللعبة السياسية العراقية بفضل ميليشياتها المذهبيّة، وذلك منذ سلمّها جورج بوش الابن وإدارته التعيسة البلد الجار على صحن من فضّة في ربيع عام 2003.

ما حصل في الأيام القليلة الماضية كان بمثابة تكريس لأمر واقع إيراني في العراق، بدءاً بانتخاب عبد اللطيف رشيد رئيساً للجمهوريّة. المفارقة أن رئيس الجمهورية الجديد، وهو عديل الرئيس الراحل جلال طالباني ومن القريبين من مسعود بارزاني، ليس إيرانيّ الهوى، لكنه سارع إلى تكليف شخصية تنتمي إلى الإطار التنسيقي، هي محمّد شياع السوداني، تشكيل الحكومة الجديدة. خلاصة الأمر أن إيران تنازلت بعض الشيء في ما يتعلّق برئاسة الجمهوريّة، وهو ليس الموقع الأهم في العراق. في المقابل، حصلت على الجائزة الكبرى عبر موقع رئيس الحكومة.

في النهاية، رغم كلّ ما قيل ويقال عن محمّد شياع السوداني وخلافاته مع نوري المالكي، يبقى الرجل تحت عباءة رئيس الحكومة السابق الذي بات رمزاً للنفوذ الإيراني في العراق ومن أشدّ المتحمّسين لفكرة التبعية العراقيّة للنظام الإيراني.

مارست إيران سياسة النفس الطويل، رغم كلّ الضعف الذي تعانيه، وفرضت أخيراً رئيساً للحكومة من الإطار التنسيقي الذي يضمّ مجموعة من الأحزاب الموالية لها. حصل ذلك بعدما ارتكب من يعتبرون أنفسهم خصومها، من الداعين إلى اعتماد القرار العراقي المستقلّ، كلّ الأخطاء التي يمكن ارتكابها أو تخيّلها. يأتي في مقدّم هؤلاء الخصوم الزعيم الشيعي مقتدى الصدر الذي يكشف كلّ يوم أنّه لا يعرف ماذا يريد.

استفادت "الجمهوريّة الإسلاميّة" من أخطاء مقتدى الصدر وغيره، في وقت لم يستطع المنادون بالخروج من الوصاية الإيرانية تشكيل جبهة موحدة تسمح لهم بالصمود والاستفادة من حال الإرباك الإيرانية. ظهر ذلك بوضوح من خلال القرار الخاطئ الذي اتخذه مقتدى الصدر والقاضي بفرض استقالة نوابه الـ73 من مجلس النواب. فتح الباب على مصراعيه كي يطالب الإطار التنسيقي برئاسة الحكومة في ضوء الفراغ الذي خلفه خروج الصدريين من مجلس النواب. سهّل ذلك على الرئيس الجديد اتخاذ قراره القاضي بتكليف محمّد شياع السوداني تشكيل الحكومة.

خسر مقتدى الصدر كلّ معاركه منذ استطاع تحقيق انتصار في الانتخابات النيابيّة الأخيرة قبل سنة. هزم الأحزاب الموالية لإيران. لم تقبل هذه الأحزاب بالهزيمة. عملت كلّ ما تستطيع من أجل تجاوزها بدءاً بالاعتراض على فكرة تشكيل حكومة تمثل الأكثريّة. نجحت في ذلك بعدما أقدم زعيم التيار الصدري على خطوات عشوائية، بينها دفع أنصاره إلى الاعتصام في مجلس النواب. صبّ كلّ ما قام به في خدمة الموالين لإيران التي استفادت إلى حدّ كبير من وجود "الحشد الشعبي" في المنطقة الخضراء في بغداد وتصديه بالسلاح لأنصار الصدر عندما حاولوا السيطرة عليها. أوجدت "الجمهوريّة الإسلاميّة"، رغم غياب قاسم سليماني، توازن قوى على الأرض، في وقت لا يستطيع مقتدى الصدر الذهاب إلى مغامرة الحرب الأهليّة...

كانت الانتخابات النيابيّة، قبل سنة، أحد الإنجازات التي حققتها حكومة مصطفى الكاظمي. بعد سنة على تلك الانتخابات وعودة شخصية موالية لإيران إلى موقع رئيس الحكومة، سيفتقد العراق شخصاً مثل مصطفى الكاظمي سعى إلى إيجاد موقع متوازن للبلد، ليس على صعيد المنطقة فحسب بل على الصعيد الدولي أيضاً. بالنسبة إلى إيران، يصعب القول إن الرئيس السابق برهم صالح كان مئة في المئة في جيبها، لكن ما لا يمكن تجاهله أنّها استطاعت مدّ الجسور مع مسعود بارزاني الذي كانت لديه حسابات يريد تصفيتها مع برهم صالح. من الواضح أن بارزاني، زعيم الحزب الكردي الأكبر، فضل مهادنة إيران التي هربت من أزمتها الداخلية وقصفت مواقع داخل إقليم كردستان العراقي وحشدت "الحرس الثوري" على حدوده.

اكتفى الزعيم الكردي بوجود شخص قريب منه في موقع رئيس الجمهوريّة، بعدما اكتشف أن ليس في استطاعته التعاطي مع المزاج الصدري ومبادراته ذات الطابع الارتجالي في معظم الأحيان.

هل يشكلّ محمد شياع السوداني حكومة عراقيّة؟ الاحتمال وارد، خصوصاً بعدما سهّل له مهمته مقتدى الصدر الذي قرر البقاء خارج مثل هذه الحكومة. لكنّ الأهم من ذلك كلّه أنّ "الجمهوريّة الإسلاميّة"، رغم أزمتها الداخلية العميقة، باتت تمسك بالعراق بطريقة أفضل. نجحت أدواتها العراقية حيث فشل اسماعيل قآني، خليفة قاسم سليماني، الذي عجز عن الإمساك بالخيوط السياسية في بلد يواجه مستقبلاً مجهولاً في ظلّ هيمنة السلاح الميليشيوي المذهبي على مركز القرار فيه.

عن "النهار" العربي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية