الانتخابات النيابيّة اللبنانيّة... سيلد الجبل فأراً!

الانتخابات النيابيّة اللبنانيّة... سيلد الجبل فأراً!


06/04/2022

راغب جابر

لا يبدو أن الانتخابات النيابية اللبنانية ستكون مختلفة عن سابقاتها كثيراً. سيتمخض الجبل ويلد فأراً، وسيحتفي الفائزون به كما اعتادوا أن يحتفوا بكل الهزائم والمصائب.

لكن الانتخابات النيابية ليست لانتخاب النواب، بل لأشياء أخرى أبعد وأهم. وماذا يمكن أن يفعل النواب في نظام لا يخضع لأي منطق تقوده مجموعة من "القبضايات" لا تخضع لقانون ولا لدستور ولا لقضاء... وتكاد تعاند القدر.

أما وقد صدرت القائمة المفصلة لتركيبة اللوائح التي ستتنافس على خوض الانتخابات منتصف الشهر المقبل، فباتت صورة المعركة والمجلس الآتي باسم "الشعوب" اللبنانية واضحة كثيراً. وفي قراءة للأسماء والتركيبات يمكن تسجيل بعض الملاحظات - الاستنتاجات:

1- خرج "تيار المستقبل" من البوابة الخلفية للحياة السياسية حسبما أعلن رئيسه سعد الحريري، لكنه عاد من النوافذ ممزقاً، وموزعاً عبر محازبين (سابقين)، ومؤيدين دائرين في فلك الحريرية السياسية التي لا بد من السؤال إذا ما كانت موجودة بعد.

2- كرّست عملية تشكيل اللوائح نظرية سيادة المصلحة على المبدأ، فسقطت العداوات وتلاقى الأخصام، ومحا النهار كلام الليل، وبات عدو الأمس اللدود حليف اليوم. تحالفت "أمل" مع جبران باسيل رغم أن "الغزال يرعى بينهما"، ويباعد بينهما تاريخ طويل من العداء السياسي والتراشق الإعلامي "الثقيل"، وهما لا يتفقان على أي شيء في السياسة تقريباً. وتحالف وليد جنبلاط مع سمير جعجع وقد كان ما كان بينهما من خلافات وتباينات ومواجهات. والتقى ميقاتيون ومستقبليون في ظلال انسحاب زعيميهما المعلن. وانتقل مرشحون من مكان إلى آخر في مختلف الدوائر...

3- خرجت أحزاب من السياق التقليدي، فلم تتحالف مع أحزاب أخرى بل اتجهت نحو مرشحي "المجتمع المدني"، كحزب "الكتائب" وحزب "الكتلة الوطنية" الغائب منذ فترة.

4- خيّب حراك تشرين أو تنظيمات "الثورة" آمال اللبنانيين بإمكان خوض معركة ذات قيمة ومردود ضد الطبقة السياسية "الفاسدة"، فانقسم "الثوار" وتقاتلوا على الأسماء ومن يدخل اللوائح ومن لا يدخل، "وفات اليسار باليمين بالمستقلين بالفوضويين وبالطامحين الطامعين"، واختلط الحابل بالنابل، وتفرّق "العشاق" على عشرات اللوائح غير المكتملة غالباً، والمتنافسة على عدد محدود أصلاً من المقاعد التي يمكن أن تفلت من "الحيتان". 

5 – كرّس "حزب الله" مرجعيته لأحزاب الممانعة وشخصياتها، فرسم خريطة التحالفات وحدد الحصص وربما الأسماء، وتدخّل كلما كان ذلك ضرورياً لتدوير الزوايا وتأمين التوافقات. وهو ما يتوقع أن يؤدي إلى فوزه هو وحلفاؤه بأكثرية مريحة في المجلس الجديد.

وهكذا تدخل الانتخابات النيابية مرحلة جديدة هي مرحلة حشد الأصوات، وهي المرحلة التي سيرتفع فيها منسوب الكذب إلى حده الأقصى، وسيتعرض الناس في بيوتهم وفي الشارع وفي أماكن العمل إلى سيل من الخطابات والوعود المكررة من دورة انتخابية إلى أخرى، من دون أن يعرض عليهم أي برنامج جدي.

سيتحدث المرشحون عن الكرامة الوطنية وعن إسرائيل وأميركا وروسيا، وعن العروبة والاستكبار، وعن الحرية، وعن النموذج اللبناني، وعن التعايش، وعن الاقتصاد الحر ووجه لبنان... سيقولون كلاماً كبيراً جداً، يبدأ من حدود الصين وينتهي في باب التبانة في طرابلس، أو في زاروب الطمليس في بيروت، أو في الرمل العالي على طرف الضاحية الجنوبية.

سيتحدثون عن الأزمة الاقتصادية، وسيكررون كلاماً مملاً ويحمّل كل طرف المسؤولية للطرف الآخر، كلاماً حفظه اللبنانيون لكثرة ما حُكي على التلفزيونات ووسائل التواصل الاجتماعي. سيعلن كل طرف أنه هو الشريف العفيف النظيف ويقول للناس "جربوني"، سينسى أنهم جربوه طويلاً، وأنهم بـ"فضله" و"فضل" خصومه وحلفائه وصل بهم الأمر إلى حد المجاعة وفقدان الأمن والأمان ورغيف الخبز وحبة الدواء.

ستكون أقبح حملة انتخابية في العالم أجمع، لم يعرف مثلها لا الشرق ولا الغرب. شعب مسحوق تحت وطأة أزمة اقتصادية خانقة، سلبت منه مدّخراته التي تقاسمها أصحاب النفوذ والبنوك والفاسدون، وصادرت مستقبله ومستقبل أولاده، ورمته ذليلاً على أبواب المنظمات الدولية والسفارات ومراكز الأحزاب، يتوسل عوناً أو "فيزا" ليهجّ في بلاد الله، هذا الشعب سيتناتشونه ويرهبونه ويغرونه ويغررون به ويطوّعونه. سيخلقون له وهم الخوف من الآخر، ستعلو النبرة الطائفية وسيتفهمها المتحالفون الطائفيون، سيدعونه إلى الانتخاب لله.!

سيرسلون له بعض كراتين الإعاشة مدموغة بأسمائهم بأحرف بارزة، أو يخصصون له مبالغ مالية بملايين الليرات اللبنانية استفادة من وقعها المثير، بعدما أصبحت العملة الوطنية تبدل "عالميزان". سيفرضون أنفسهم على مناسباته، وسيداعبون أطفاله ويتوددون إلى عائلته. سيسألون عن أحواله ولماذا لا "تطل علينا"... سيكذبون ويكذبون ويكذبون...

وسيصدق مثل العادة. 

وسينتخبهم مرة جديدة مثل العادة.

هل تصدقون أنه سيفعلها؟ ربما!

عن "النهار" العربي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية