إخوان تونس وورقة جبر الضرر.. ابتزاز سياسي بثوب حقوقي

إخوان تونس وورقة جبر الضرر.. ابتزاز سياسي بثوب حقوقي

إخوان تونس وورقة جبر الضرر.. ابتزاز سياسي بثوب حقوقي


07/05/2025

في ظل الانحسار السياسي المتواصل لحركة النهضة الإخوانية، أعاد الإخوان بتونس تحريك ملف جبر الضرر كمحاولة لإعادة خلط الأوراق، وإشغال الرأي العام عن المحاكمات التي يواجهها قادة الحركة والمتعلقة بملف التآمر على أمن البلاد، وملف التسفير إلى بؤر التوتر.

فقد دعا بشير الخليفي، أحد أبرز السجناء السياسيين السابقين والمنتمي لحركة النهضة، إلى التظاهر أمام وزارة العدل يوم 19 أيار / ماي الحالي، للمطالبة بتفعيل قانون العدالة الانتقالية، وبوجه خاص ما يعرف بـ"ملف التعويضات"، الذي يظل أحد أكثر المواضيع إثارة للانقسام في الشارع التونسي.

وأعاد الخليفي، المعروف بقربه من القيادي في النهضة عبد الكريم الهاروني، عبر تصريحاته الأخيرة طرح ملف جبر الضرر للسجناء السياسيين، واصفًا إياه بـ"الحق المشروع" الذي لا ينبغي التراجع عنه رغم التحولات السياسية التي شهدتها البلاد منذ 2021.

يأتي ذلك، في وقت تحاول فيه الدولة ترميم الاقتصاد ومواجهة التحديات الاجتماعية، غير أن هذه التحركات تعمل على إثارة التوتر في الشارع. ويبدو أن هناك رهانًا على إنهاك الدولة من الداخل، عبر الضغط الشعبي المُصطنع والمطالبات التي تتجاوز اللحظة الوطنية الحرجة.

أحد أبرز السجناء السياسيين السابقين والمنتمي لحركة النهضة: بشير الخليفي

توظيف سياسي لملف إنساني

ورغم الطابع الحقوقي لملف جبر الضرر، إلا أنه استُخدم سياسيًا منذ عشرية ما بعد الثورة، وكانت حركة النهضة الأبرز في الدفع نحو تفعيله ضمن أجندة تخدم مصالحها، خصوصًا مع اقتراب كل محطة انتخابية أو أزمة سياسية.

كما أن العودة الحالية لهذا الملف ليست بريئة؛ إذ تتزامن مع تضييق الخناق على القيادات الإخوانية، فيما يرى مراقبون أن استثارة هذا الملف تهدف إلى إعادة تحشيد القواعد واستعطاف الشارع بعد فقدان الحاضنة الشعبية.

في السياق، انتقدت النائبة في البرلمان فاطمة المسدي هذه الدعوات، ووصفتها في تدوينة على صفحتها الرسمية بـ"الوقحة"، قائلة إن "النهضة لا تزال تراهن على استفزاز الشارع، رغم أن الشعب لفظ هذا الملف منذ سنوات".

وكان الإخواني عبد الكريم الهاروني قد أثار جدلا كبيرا في 2021، عندما طالب صراحة بتفعيل التعويضات، ما أثار موجة غضب شعبي، خصوصًا في خضم أزمة اقتصادية خانقة وتفشي جائحة كورونا. حينها اعتبر كثيرون أن تلك المطالب "انتهازية سياسية" واستغلال لحالة الفوضى المؤسساتية التي كانت تمر بها البلاد.

ويرى الكثير من الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي أن ملف التعويضات بات يمثل "استنزافًا غير أخلاقي للمال العام" في ظروف اقتصادية واجتماعية بالغة الصعوبة. إذ ارتبط الملف في الوعي الجماعي بـ"صفقات سياسية" أبرمت خلف الكواليس، واستفاد منها عدد محدود من المنتسبين للنهضة دون رقابة واضحة أو شفافية.

محاولات للتأثير على المزاج العام

هذا ويظهر تركيز الجمعيات المحسوبة على النهضة على الخطاب العاطفي أن الهدف ليس العدالة، بل التأثير في المزاج العام، وذلك من خلال استعمال مصطلحات مثل "ضحايا الاستبداد" و"الحقوق المسلوبة" لاستثارة التعاطف الجماعي.

ويحذر ناشطون من أن إقحام الملف في السجال السياسي يضرب جوهر العدالة الانتقالية، ويشوّش على الرأي العام، في وقت من المفترض أن يكون المسار الحقوقي مستقلًا عن الأطماع السياسية، لا أن يتحول إلى أداة ضغط وابتزاز تجاه الدولة والمؤسسات.

يرى مراقبون أن استثارة هذا الملف تهدف إلى إعادة تحشيد القواعد واستعطاف الشارع بعد فقدان الحاضنة الشعبية

وتواجه الحركة الإخوانية تهما كثيرة تتعلق بالإرهاب والاغتيالات السياسية إلى جانب فسادي مالي، فيما مثل، الثلاثاء، 23 متهمًا، أمام دائرة مكافحة الإرهاب لدى المحكمة الابتدائية في تونس، من بينهم راشد الغنوشي، لمقاضاتهم في تهم تتعلّق بتكوين وفاق إرهابي، والتآمر على أمن الدولة الداخلي.

تحركات الشارع وإعادة تدوير الاحتجاجات

هذا وقد شهدت الأسابيع الأخيرة تحركات ميدانية لجمعيات محسوبة على الإسلاميين، رفعت شعارات حقوقية تحمل مضامين سياسية واضحة.

هذه التحركات لا تأتي من فراغ، بل تتنزل ضمن خطة لإعادة إحياء الحضور الميداني للإخوان. فالشارع، الذي فقدوه بعد 25 تموز / يوليو 2021، يُراد استعادته بأي ثمن، ولو من بوابة قديمة كملف التعويضات.

يأتي ذلك، فيما الوضع الاجتماعي العام لا يحتمل مزيدًا من التوتر. لكن يبدو أن الجماعة تراهن على تأزيم الوضع لاستعادة المبادرة، خصوصا أنه كلما ضاق الخناق القضائي والسياسي، كلما زادت وتيرة اللعب بورقة الشارع.

وكانت رئاسة الجمهورية قد أكدت في أكثر من مناسبة أن مسار العدالة الانتقالية يجب أن يُستكمل، لكن دون ابتزاز أو توظيف سياسي. وهذا الموقف يعكس حرصًا على حماية الدولة من الانزلاق في منطق المساومات.

كما سبق أن أكدت الهيئة العامة للمقاومين وشهداء الثورة والجرحى أنها ملتزمة بالمسارات القانونية، وأن صرف جبر الضرر يتم وفق أولويات الدولة وإمكانياتها، لكن الإخوان يريدون فرض توقيتهم السياسي.

لكن الحركة تراهن اليوم على معادلة جديدة ترتكز على خلط الأوراق، وإرباك الدولة، وتعطيل المسار السياسي الجديد، مستخدمة كل أدوات التشويش، من إعلام خارجي موجه، إلى خطابات تعبئة، إلى إثارة ملفات شائكة. 

زعيم حركة النهضة التونسية: راشد الغنوشي

نهب لخزينة الدولة

وفي تصريحات سابقة لموقع "العين الإخبارية"، أكد المحلل السياسي التونسي الصحبي الصديق أن "جماعة الإخوان عندما وصلت للحكم، في عهد ما يعرف بالربيع العربي، وصلت إليها أموال طائلة عن طريق هبات من الاتحاد الأوروبي ومن الجهات المانحة الدولية من أجل دعم الديمقراطية، لكن تلك الأموال لم تصل أصلا إلى المالية العمومية وتم نهبها وتحويلها إلى خزينة الإخوان".

وأكد أنه بحسب جرد لوزارة المالية التونسية، يفوق حجم القروض والهبات التي حصلت عليها تونس بعد 2011، مبلغ 100 ألف مليار دينار.

وأشار إلى أن إخوان تونس وزعوا تلك الأموال على أنفسهم وقدموا تعويضات مالية لمنتسبيها، واستحدثت صندوقاً وحساباً خاصاً في الخزينة العامة، منتهكة بذلك الإجراءات القانونية، باسم "حساب جبر الضرر لضحايا الاستبداد المتمتعين بالعفو العام".

وأوضح أن صهر زعيم إخوان تونس راشد الغنوشي، رفيق عبد السلام سرق عندما تولى منصب وزير الخارجية، هبة صينية قيمتها مليون دينار.

وسبق للقضاء أن فتح تحقيقاً في اتهامات لوزير الخارجية السابق رفيق عبد السلام بالاستيلاء على هبة صينية.

وبحسب معطيات أولية رسمية، أثبت الجرد أنّ الحكومات المتوالية منذ عام 2011 حصلت على 325 قرضاً، منها 43 لم تدخل حيز النفاذ بسبب إلغاء أو تعطل المشاريع المتعلقة بها، كما حصلت الدولة التونسية على 113 هبة، ومنحت المؤسسات والشركات العمومية 99 هبة. وأثبتت التحقيقات أن هذه الأموال اختفت ولم يتم حسن استغلالها.

وسبق أن كشف الرئيس السابق للمفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، خلال زيارة أجراها إلى تونس عام 2018، أن تكتل القارة العجوز قدم لتونس مساعدات بقيمة 10 مليارات يورو منذ 2011.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية